العراق ومشرط الصحافة الغربية

لائحة إتهامات تاريخية ومخاوف من قتال عرقي

علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: حفلت الصحف الغربية الصادرة هذا الأسبوع بتقارير وآراء مختلفة تناولت وضع العراق بشكل ملحوظ، فبينما تحدثت صحيفة عن احتمال نشوب أعمال عنف شديدة بين العرب والأكراد فور انسحاب القوات الأميركية، قالت صحيفة أخرى إن الوثائق التي كشفها موقع ويكيليكس بشأن حرب العراق عكست المدى الحقيقي لحمام الدم الذي شهده هذا البلد، بينما قالت أخرى تم رصد 31 ألفا و598 حالة هجوم على المؤسسات التعليمية. فضلا عن تقارير أخرى.

عنف عربي كردي

فقد حذرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية من نشوب أعمال عنف شديدة بين العرب والأكراد فور انسحاب القوات الأميركية من العراق مع حلول نهاية 2011 في ظل ما احتوته الوثائق السرية التي نشرها موقع ويكيليكس من معلومات تتعلق بالحرب على العراق.

وبينما كشفت الوثائق السرية عما وصفته نيويورك تايمز بالتاريخ الطويل من التوتر بين العرب والكرد في شمال العراق، أضافت أن الأوضاع المتوترة في المنطقة مرشحة للتفاقم وإلى اندلاع أعمال العنف بين الجانبين.

وقالت الصحيفة إنه وفق وثيقة سرية مؤرخة بـ28 سبتمبر/أيلول 2009، فإن المنطقة مرشحة لاندلاع أعمال العنف بين العرب والكرد حتى دون تأثير أو تحريض أو تدخل من أي طرف ثالث.

كما حذرت نيويورك تايمز من أن يتورط السياسيون المحليون والأمنيون الكرد والعرب بأنفسهم في العنف إذا لم توجد حلول مناسبة للمشاكل العالقة بين الطرفين، وخاصة في مناطق مثل كركوك في ظل الخلافات بشأن قانون النفط في البلاد.

وأضافت أن قائد القوات الأميركية في العراق راي أوديرنو كان قد شكل حواجز عسكرية في المنطقة مؤلفة من قوات أميركية وعراقية وعناصر من قوات البشمركة الكردية، في محاولة لمنع حدوث أي مواجهات في المنطقة، سواء كانت بشكل عفوي أو بشكل مخطط له.

تنظيم القاعدة

وأشارت وثيقة سرية نشرها ويكيليكس إلى عزم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين الذي وصفته بأنه جماعة سنية متطرفة على استغلال بؤر الخلافات بين الكرد والعرب في المنطقة.

وأوضحت وثيقة سرية مؤرخة بـ27 سبتمبر/أيلول 2008 كيف كادت أعمال عنف قوية تندلع بين العرب والكرد بالرغم من محاولة مسؤولي الطرفين تهدئة الأمور، وذلك عندما قام أحد ضباط الشرطة في خانقين بمحافظة ديالى باعتقال أحد أعضاء منظمة استخبارية كردية، مما اضطر أحد قادة الأكراد إلى التوجه إلى قسم الشرطة بنفسه للتأكد من إطلاق سراح الرجل.

وبالرغم من إطلاق سراح السجين، فقد تطورت إثر ذلك مشاجرات كلامية أدت إلى إطلاق أعيرة نارية ومقتل أحد عناصر البشمركة.

لائحة اتهام تاريخية

من جهة أخرى قالت صحيفة بريطانية إن الوثائق التي كشفها موقع ويكيليكس بشأن حرب العراق عكست المدى الحقيقي لحمام الدم الذي شهده هذا البلد فهنا سجين عذب بالأسلاك الكهربائية وهناك أطفال قتلوا عند أحد حواجز قوات الأمن وهؤلاء متمردون استخدموا أطفالا للقيام بعمليات انتحارية.

وبعد سبع سنوات ونصف من صدور الأوامر باجتياح العراق, تقول ذي إندبندنت أون صنداي ها هو أضخم تسريب في التاريخ يكشف أضعاف ما عرف حتى الآن حول ما أثاره قرار إعلان الحرب على العراق عام 2003.

فقوات الأمن العراقية عذبت المئات والقوات الأميركية اكتفت بالتفرج وأخذ رؤوس أقلام وإرسال بعض الرسائل الإلكترونية, لكنها نادرا ما تدخلت.

بل إن إحدى المروحيات الأميركية أمرت بقصف مقاتلين حاولوا الاستسلام, والشركات الأمنية الأميركية الخاصة قتلت مدنيين.

وهنا تذكر الصحيفة في افتتاحيتها بمقتطفات من التحذيرات التي نشرتها في 16 فبراير/شباط 2003 أي في اليوم التالي على أكبر مسيرة تشهدها بريطانيا في تاريخها وهي المسيرة التي استهدفت التعبير عن معارضة شن حرب العراق.

وتستعرض ذي إندبندنت أون صنداي الفقرة التالية من تلك الافتتاحية إن دعاية الحرب التي تشنها الحكومتان البريطانية والأميركية اتسمت حتى الآن بالحماقة المضحكة وليست محاولات السيدين توني بلير (رئيس الوزراء البريطاني آنذاك) وجورج بوش (الرئيس الأميركي آنذاك) ربط العراق بتنظيم القاعدة مقنعة, وحتى الآن لم يعثر كبير مفتشي الأسلحة الدولية هانز بليكس على أسلحة دمار شامل, وحتى لو حصل ذلك فإن ذي إندبندنت أون صنداي لن تدعم الحرب.

انفضاح أميركا

وتحت عنوان، "انفضاح أميركا" يعلق الكاتب المشهور بصحيفة ذي إندبندنت البريطانية روبرت فيسك على ما نشره موقع ويكيليكس من وثائق كشفت تفاصيل وحشية الحرب على العراق وفضحت الخداع المدهش والمشين الذي ميز التصرفات الأميركية هناك.

يقول فيسك: إن العرب بطبيعة الحال علموا بما حصل وعرفوا كل شيء عن التعذيب الجماعي وإطلاق النار غير الشرعي على المدنيين والاستخدام الوحشي للقوة الجوية في قصف بيوت العائلات, وعلموا بالمرتزقة الأميركية والبريطانية الدنيئة وبمقابر القتلى الأبرياء والعراقيون كلهم علموا بذلك لأنهم كانوا هم الضحايا.

ويمضي الكاتب ليستعرض الموقف الغربي من ذلك فيقول أما نحن فوحدنا الذين يمكننا أن ندعي أننا لم نعلم ونحن وحدنا في الغرب نستطيع أن نواجه كل ادعاء ضد الأميركيين والبريطانيين  بإقامة سياج من الأكاذيب حولنا.

فلو أن أحدا تعرض للتعذيب وكشف عن ذلك لاعتبر الأميركيون والبريطانيون -حسب فيسك- الأمر دعاية إرهابية ولو اكتشف منزل يعج بالأطفال القتلى نتيجة غارة جوية أميركية لاعتبروا ذلك أيضا دعاية إرهابية أو "ضررا جانبيا" أو بكل بساطة تذرعوا بالعبارة: لا نعلم شيئا عن ذلك.

لكن فيسك يفند ذلك بشدة قائلا الواقع أننا جميعا نعلم أن لهم دوما دورا في ما يحصل وهو ما كشفه الكم الهائل من الوثائق العسكرية.

وبحسب الكاتب فإن قناة الجزيرة الفضائية بذلت جهودا استثنائية في اقتفاء أثر الأسر العراقية التي لم نسمع شيئا عن بعض رجالها أو نسائها الذين فقدوا عند نقاط التفتيش الأميركية.

وقبل أن يستعرض فيسك بعض ما جاء في تسريبات ويكيليكس بشأن حرب العراق, فإنه يحث على الاهتمام بهذه الوثائق.

ويحذر في هذا الإطار من إغراء تجنب بعض القصص بالقول ليس بها جديد مضيفا أن القصة القديمة إنما هي فكرة تستخدمها الحكومات لكبح جماح الاهتمام الإعلامي ويستخدمها الصحفيون للتغطية على كسلهم.

ويمضي الكاتب فيؤكد أن ما تكشف دليل على انفضاح أميركا بل هو مادة صالحة لأن تستخدم من طرف المحامين في المحاكم, حسب رأيه.

ويستطرد الكاتب بالحديث عن حظر السلطات العراقية تشريح جثث القتلى العراقيين الذين ينقلهم الأميركيون إلى مشرحة بغداد ويتساءل عن السبب في ذلك قائلا ألأنهم ماتوا أثناء تعذيبهم من طرف عراقيين يعملون لحساب القوات الأميركية؟ وهل يتماشى ذلك مع 1300 تقرير أميركي مستقل بشأن التعذيب في مراكز الشرطة العراقية؟

ويتوقع فيسك أن يكون لهذا الكم (الكنز كما يسميه) الهائل من المعلومات عن حرب العراق تداعيات خطيرة ليس على الصحفيين الاستقصائيين فحسب وإنما على الجيوش كذلك.

وبالطبع –يقول فيسك- فإن هذا الكم الهائل من التقارير السرية لو أثبت أن عدد القتلى العراقيين كان أقل مما أعلن عنه من قبل وأن الجنود الأميركيين لم يتغاضوا قط عن تعذيب الشرطة العراقية للمعتقلين وأنهم نادرا ما أطلقوا النار على المدنيين عند نقاط التفتيش, وأنهم قدموا المرتزقة للعدالة, لو تم كل ذلك لكان الجنرالات الأميركيون هم من يقدمون هذه الوثائق إلى الصحفيين مجانا ودون مقابل عند مداخل وزارة الدفاع الأميركية.

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن ما يثير اشمئزاز هؤلاء الجنرالات وحنقهم ليس الكشف عن الوثائق السرية ولا لأن دماء قد تراق بسبب ذلك وإنما لأنهم ضبطوا وهم يقولون أكاذيب كنا دائما نعلم أنها أكاذيب.

استهداف قوى الأمن

وفي السياق ذاته ارتفع عدد الهجمات ضد قوى الأمن العراقية  فإن 710 عراقي لقوا مصرعهم في العام 2010 بأسلحة كاتمة للصوت، بينما قتل ما لا يقل عن 600 آخرين بعبوات ناسفة زرعت في سيارات المسؤولين. حسب صحيفة  ذي غارديان البريطانية.

وشكلت الزيادة الحادة في عمليات الأغتيال مخاوف من إخفاق القادة في تشكيل الحكومة مما سيؤجج الفراغ الأمني.

انضمام  للقاعدة   

من جهة أخرى ورغم عدم وجود أرقام دقيقة فأن أعدادا كبيرة من عناصر الصحوة في العراق تخلوا عن مهماتهم في الأشهر الأخيرة وانضموا إلى تنظيم القاعدة. حسب صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

وقال مسؤولون سياسيون  وعسكريون ومن قوات الصحوة إن المئات من المقاتلين المحترفين الذين اطلعوا عن قرب على خبرات الجيش الأميركي عادوا إلى تنظيم القاعدة، مضيفة أن آلافا من مقاتلي الصحوة لا يزالون يتقاضون أجورهم من الحكومة لكنهم يعملون سرا لصالح القاعدة. حسب قول الصحيفة.

وأعزت الصحيفة أسباب انشقاق عناصر من الصحوة إلى شعورهم بالأحباط بسبب السياسات الحكومية.

وقال قياديون في الصحوة منذ خمسة أشهر استقال الآلاف من عناصر الصحوة من مناصبهم، في وقت وجدوا فيه أنفسهم عالقين بين سندان قوات الأمن العراقية.

تحديات التعليم

صحيفة فايننشال تايمز من جهتها كتبت موضوعا عن التعليم في العراق حيث قالت بعد مرور عام على توليه مهام منصبه وزيرا للتعليم العالي العراقي سأل عبد ذياب العجيلي أستاذا كبيرا إذا كان يرغب في أن يكون رئيسا لإحدى الجامعات في بغداد.

ويقول العجيلي إن الأستاذ كان مؤهلا تماما لكنه رفض العرض وقال: سيدي الوزير هل تريد أن تتيتم بنتاي.

وقالت فايننشال تايمز إن هذا الرد كان أحد مخاضات إدارة حكومية خلال أكثر أعوام العنف الطائفي دموية في العراق بين عام 2005 ومطلع 2008. فغالبا ما كان المهنيون المثقفون أهدافا للاغتيال أو الخطف أو السطو.

وبحسب الأمم المتحدة تم رصد 31 ألفا و598 حالة هجوم على المؤسسات التعليمية بين الغزو الأميركي عام 2003 وأكتوبر/تشرين الأول 2008. كما بينت دراسة حكومية عام 2007 أن نحو ثلث الأساتذة والأطباء والصيادلة والمهندسين فروا من البلد.

ورغم ذلك تجد السيد العجيلي متفائلا اليوم بعد تدني مستوى العنف وأصبح الأساتذة يتقاتلون أحيانا على المناصب.

وأشارت الصحيفة إلى أن الحكومة، التي يدعمها البنك الدولي والأمم المتحدة، تضع خطة للتعليم ويقول العجيلي إن موازنته زادت وأصبح الوضع جيدا وإنه بدون التعليم لن يتمكن البلد من شق طريقه كما ينبغي.

وبحسب الأمم المتحدة فإن واحدا من كل خمسة عراقيين في سن 15 يعاني من الأمية وهناك نحو خمسمائة ألف إلى ما يقارب مليوني طفل لا يذهبون إلى المدرسة. ومع وجود نحو 60% من سكان العراق تحت سن 18 يعتبر التعليم قضية أساسية.

وقالت مت نوردشتراند متخصصة تربوية في يونيسيف: نحن نرى فقاعة ضخمة من الشباب الذين يتخلفون عن النظام التعليمي وما دام ليس هناك فرص عمل فإن هذا الأمر يشكل قلقا.

 ويشار إلى أن البطالة تبلغ نحو 30%. والمدارس تعاني من نقص حاد في مواد التدريس والتعليم بالإضافة إلى نقص المياه والحمامات. وهناك أكثر من مدرسة بين كل ست مدارس تم تخريبها عمدا أو إتلافها أو تدميرها. كما أن الرواتب تستهلك 80% إلى 90% من ميزانية وزارة التعليم وهناك مبالغ تافهة تُخصص للصيانة.

وفي بلد حيث القطاع العام هو المصدر الرئيسي لفرص العمل  تجد المكاتب الحكومية متضخمة. وتوظف وزارة التعليم العالي ثلاثين ألف أكاديمي لـ21 جامعة ونحو أربعين معهدا فنيا بالإضافة إلى خمسين ألفا من موظفي الدعم، أي ضعف المطلوب بحسب العجيلي الذي يقول إنه لا يمكن إقالتهم لأنه ليس هناك مكان آخر يذهبون إليه.

وأشارت الصحيفة إلى الطبيعة المنقسمة في السياسة العراقية وأن المسؤولين يمنحون المناصب وفقا للولاءات السياسية وليس للكفاءة. ويصف العجيلي سنواته الأولى في منصبه بأنها كانت أقرب إلى ساحة قتال حيث لم يتلق كثير دعم من الحكومة، وخاصة خلال السنوات الثلاث الأولى بسبب تضارب المصالح أو الاشتباه بهم، والشبهات في أعضاء الحكومة.

فساد بسفارة أميركا

من جهته كتب جوش روغين في مجلة فورين بوليسي أن تقريرا داخليا جديدا لوزارة الخارجية الأميركية كشف عن قيام السفارة الأميركية في بغداد بدفع ملايين الدولارات لمقاول حكومي ثمنا لوجبات غذائية ووجبات خفيفة لم يتناولها أحد.

فقد تبين لمكتب المفتش العام بوزارة الخارجية الأميركية أن السفارة دفعت ما يزيد على مليوني دولار، منها أكثر من مليون دولار ثمنا لوجبات خفيفة فقط. وذهبت الأموال إلى شركة كيه بي آر وهي شركة فرعية سابقة تابعة لشركة هاليبرتون العملاقة التي تدير خدمات الطعام لما يزيد عن 1500 موظف في أكبر مجمع سفارة في العالم.

وأوضح التقرير أن سجلات كيه بي آر لعدد الموظفين المستفيدين من الوجبات الغذائية المستهلكة لا تطابق سجلات المحاسبة بمنشأة التغذية ولم يتمكن مكتب المفتش العام من تسوية الفرق. وهذه التناقضات توحي بأنه في العام المالي 2009 كان هناك 2.23 مليون دولار من التكاليف الغذائية غير المثبتة.

وجزء كبير من هذا التناقض كان بسبب كيفية عد الأشخاص أثناء وقوفهم عند ما يعرف بأكشاك الأخذ والذهاب في السفارة. وقد أدى هذا التناقض إلى دفع مبلغ 970 ألف دولار لكيه بي آر لا تستحقه.

وبحسب مكتب المفتش العام تتحمل السفارة جزءا من اللوم. وعلى سبيل المثال فقد شجع العاملون بالسفارة الموظفين على التوقيع في كل مرة يقفون فيها عند مناطق الوجبات الخفيفة، حتى ولو كانوا هناك لمجرد أخذ فنجان قهوة أو كانوا عائدين لأخذ تفاحة. ونتيجة لذلك كان من المألوف مشاهدة ستة أو ثمانية توقيعات للفرد في فترة الوجبة الواحدة. وهناك شخص ختم بطاقة وجباته 25 مرة في يومين.

ومضى الكاتب إلى أن مكتب إدارة السفارة وضع لافتات حول السفارة في العام الماضي كتب عليها المزيد من التوقيعات يساوي المزيد من الحسنات. وقد أدت هذه الممارسة إلى تضخم أعداد ما يرسل إلى المقاول الذي كان يقوم وقتها بإعداد المزيد من الطعام بناء على تلك الأرقام، الأمر الذي يتسبب في زيادة أعباء التكاليف الإجمالية للسفارة ولدافع الضرائب.

وانتقد مكتب المفتش العام موظفي السفارة لتشجيعهم هذا النوع من السلوك. وجاء في التقرير أن مكتب المفتش العام يقدر أن السياسة الحالية للسفارة تضخم من تكلفة الصحن بنحو 16%.

لكن مكتب المفتش العام لم يعف كيه بي آر تماما من اللوم وجاء في تقريره أنه في الوقت الذي توفر فيه كيه بي آر كمًّا كبيرا من المعلومات لوزارة الدفاع، فإنها ليست بالشكل الذي يمكن للبنتاغون أن يستخدمه. وعليه فما من سبيل إلى معرفة كون مستوى استيعاب أعداد العاملين صحيحا، ويصبح اكتشاف حالات من التبذير والتزوير أكثر صعوبة.

وأشار الكاتب إلى أن السفارة ردت على مكتب المفتش العام بأن وصفها لكيفية عمل أكشاك الأخذ والذهاب لم يكن دقيقا تماما وأن المبلغ الذي دفع لكيه بي آر كان على أساس كمية الطعام التي تم تناولها وليس على أساس عدد التوقيعات أو الأختام. وردا على انتقاد آخر من انتقادات مكتب المفتش العام - بأن كثيرا من الأفراد غير المخولين كانوا يتناولون الطعام في المنشآت- قالت السفارة إنها لن ترفض تقديم وجبة طعام لأي عسكري أو موظف حكومي أميركي.

خذوا وقتكم

صحيفة لوس أنجلوس الأميركية من جهتها كتبت موضوعا تحدثت فيه قائلة إن الولايات المتحدة، وبعد شهور من حث الساسة العراقيين على الإسراع في تشكيل الحكومة، قد غيرت من نبرتها وأصبحت تنصحهم بعدم الاستعجال.

وتقول مراسلة الصحيفة من بغداد ليز سلاي إن الولايات المتحدة بدأت تتخوف من أن الاستعجال في عقد صفقة لتشكيل الحكومة قد ينتج عنه تشكيل متسرع لا يصب في مصلحتها مما سيكرس حالة عدم الاستقرار في البلاد.

وتعتقد سلاي أن التحول في الموقف الأميركي قد جاء بعد موافقة التيار الصدري المعروف عنه العداء لأميركا على دعم رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي. وفي هذه الحالة ما على المالكي إلا عقد صفقة مع الأكراد لتشكيل الحكومة، ولكنها ستكون حكومة لا تتفق والخط الذي تعمل عليه الولايات المتحدة منذ انتخابات مارس/آذار الماضي.

وكانت الحكومة الأميركية ممثلة بجوزيف بايدن نائب الرئيس قد قدمت خطة تقاسم للسلطة بين المالكي وإياد علاوي زعيم ائتلاف العراقية، يتمكن من خلالها المالكي من البقاء في منصبه كرئيس للوزراء، علما أن ائتلاف علاوي كان قد حقق الفوز في انتخابات مارس/آذار بفارق مقعدين.

وتورد الكاتبة على لسان مسؤولين أميركيين وعراقيين أن الولايات المتحدة تضغط على الأكراد لعدم التسرع بدعم المالكي، وأن المسؤولين الأميركيين الذين تحدثت معهم يعتقدون بأنه من المهم أن يتم الموضوع بشكل صحيح وغير متسرع.

وتفسر الكاتبة دوافع المسؤولين الأميركيين للإصرار على مشاركة سنية واسعة في العملية السياسية في العراق بأنهم يأملون بكبت المعارضة السنية المسلحة عن طريق الاشتراك الفاعل في حكم البلاد.

وتستند الكاتبة في هذا الاعتقاد إلى بيان البيت الأبيض الذي أورد مكالمة هاتفية من بايدن إلى رئيس إقليم كردستان العراق يحثه فيها على المضي بخطته الهادفة إلى عقد اجتماع للقوى العراقية للتوصل إلى حكومة وحدة وطنية، كما حث بايدن البارزاني على ضمان حصة السنة في أي ترتيب يتم التوصل إليه.

وتعود الكاتبة إلى موضوع مقالها الرئيسي وتورد تصريحات للنائب والقيادي الكردي المستقل محمود عثمان المعروف بقربه من البارزاني والتي يقول فيها لا تتسرعوا، تلك كانت رسالة بايدن. إنه يدعم مبادرة البارزاني ولكنه يطلب منه عدم الإسراع في التحالف مع المالكي.

ثم تختتم الكاتبة مقالها بعدم وجود ضمانات لالتزام الأكراد بأي ترتيبات تقترحها عليهم الإدارة الأميركية، حيث إن لهم مطالب قديمة يناضلون من أجل الحصول عليها بأي ثمن، وفي حالة إقدام المالكي على ضمان تلك المطالب لهم فسيصبح من الصعب إقناعهم بالعدول عن وضع يدهم بيد المالكي.

القيادي الكردي أكد تلك المخاوف بقوله لا نريد أن نكون السبب في إقصاء الآخرين، لذلك نحن لسنا في عجلة من أمرنا، ولكن في النهاية سيذهب الأكراد إلى حيث تأخذهم مصالحهم.

إيران

من جانب آخر كتب مراسل صحيفة ديلي تلغراف البريطانية لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر أن إيران قد أحكمت قبضتها على مستقبل العراق السياسي، وقد استعرضت سيطرتها تلك بطلبها من نوري المالكي أن يتخلص من الوجود الأميركي في العراق.

وكانت القيادة الإيرانية قد طلبت من التيار الصدري الشيعي أن يبدل موقفه الرافض لترشيح نوري المالكي كرئيس للوزراء، وأن يبدي الدعم له.

المالكي زار طهران بالأمس ضمن جولة إقليمية سعى من خلالها إلى حشد الدعم لترشيحه لولاية ثانية، وأصدر مكتب المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي بيانا قال فيه إن العراق بلد واع، ولا يمكن للمعتدين أن يسيطروا على هذا البلد ثانية. عسى الله أن يخلص العراق من أميركا، ليتمكن العراقيون من حل مشاكلهم.

ويقول مراسل ديلي تلغراف إن نبرة خامنئي العدائية من شأنها أن تقرع ناقوس الخطر لدى الأميركيين، الذين يواجهون خطر اضمحلال نفوذهم في العراق بعد انسحابهم منه العام المقبل.

ويسترسل المراسل في القول إنه لم يخطر على بال أحد أن أميركا سيأتي عليها اليوم الذي تخسر فيه نفوذها في ذلك البلد، والأدهى من ذلك أن ترى حكومته تتشكل على يد أحد أعتى أعدائها في المنطقة (إيران).

وكان رئيس قائمة العراقية ورئيس الوزراء السابق إياد علاوي -الذي فازت قائمته بالانتخابات الأخيرة بفارق مقعدين عن قائمة المالكي- قد اتهم طهران بالتدخل في شؤون العراق. وبينما المالكي في طهران يتمتع بالدعم الإيراني، قال علاوي في تصريحات صحفية لن أتوسل لإيران لتوافق على ترشيحي لمنصب رئيس الوزراء.

ولم يكتف علاوي بلوم إيران على دورها في العراق بل ذهب إلى نعتها بالإرهاب وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار، في إشارة إلى زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان الأسبوع الماضي.

ويعرف عن علاوي أنه شيعي علماني، وتضم قائمته قوى سنية لها وزنها، ويتمتع بقبول معظم الدول العربية المجاورة للعراق، خاصة السعودية التي تخشى من تصاعد النفوذ الإيراني في العراق.

الرئيس السوري -الذي كانت بلاده مؤيدة لعلاوي ولكنها استقبلت المالكي قبل سفره إلى طهران- سافر إلى الرياض، وغالب الظن أن زيارة الأسد للرياض –وهو حليف رئيسي لإيران- تهدف إلى إيجاد رؤية موحدة تتبناها كل من الرياض ودمشق نحو المسألة العراقية.

الوثائق خطر على عراقيين

وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) من جهتها قالت إن نشر موقع ويكيليكس لمئات الآلاف من الوثائق الاستخبارية السرية المتعلقة بالحرب على العراق من شأنه أن يعرض القوات الأميركية والعراقيين إلى الخطر.

وأشارت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور إلى أن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية يتوقعون عددا من المفاجآت إثر نشر الموقع للوثائق السرية لما قد تحتوية من أسرار ومعلومات جديدة تكشف للمرة الأولى.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جيوف موريل البارحة إن الوزارة تستنكر قيام موقع ويكيليكس بنشر وثائق سرية بشأن الحرب على العراق، مما يصب في خدمة من وصفهم بالأعداء.

وحذر المتحدث من أن الوثائق قد تستخدم ضد القوات الأميركية وتعرضها للخطر، مضيفا أن الوثائق المتعلقة بالعراق يزيد عددها عن أربعة أضعاف تلك الوثائق السرية المتعلقة بالحرب على أفغانستان، والتي سبق لويكيليكس نشرها والتي تقدر بسبعين ألفا.

وكان وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أبلغ لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ برسالة في أغسطس/آب الماضي تفيد بكون الوثائق السرية التي نشرها ويكيليكس بشأن الحرب على أفغانستان لم تكشف عن أسماء مصادر وعملاء أفغانيين أو عن طرق تستخدمها القوات الأميركية في الحصول على المعلومات الاستخبارية.

وأفادت الصحيفة بأن البنتاغون أكمل مراجعة الوثائق السرية الجديدة بشأن العراق بحثا عن معلومات قد تعرض العراقيين الذين تعاونوا مع القوات الأميركية في العراق للخطر.

وبينما قللت مصادر أميركية من أهمية الوثائق السرية بدعوى أنها تحتوي على صور وتقارير لا تخبر بكامل القصة وقد لا تضيف جديدا، عبر مسؤولون في البنتاغون عن خشيتهم من أن نشر الوثائق من شأنه أن ينكأ الجراح القديمة في الحرب على العراق.

وفي حين تكشف الوثائق عن حالات عديدة تعرض فيها سجناء عراقيون للتعذيب والإساءة على أيدي القوات العراقية، أضافت الصحفية أن القوات الأميركية أبلغت قادتها بشأن أكثر من مائة حالة تعذيب وإساءة ضد العراقيين في السجون، لكن المسؤولين العسكريين الأميركيين الكبار نصحوا جنودهم بعدم التدخل.

وحذرت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) العراقيين الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة في الحرب على العراق من التعرض للخطر بسبب توقع نشر ويكيليكس وثائق سرية قد تفضح أمر تعاونهم مع الأجنبي ضد بلدهم.

وبينما يقوم محللون عسكريون أميركيون بتفحص وتمحيص آلاف الوثائق الاستخبارية السرية المتعلقة بالحرب على العراق -والتي يتوقع أن يقوم موقع ويكيليكس بنشرها قريبا- أشارت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية إلى أنه سبق للبنتاغون أن نصب وحدة عمل مؤلفة من 120 شخصا لمراجعة المعلومات الواردة في الوثائق السرية بشأن الحرب على أفغانستان.

وتقوم وحدة مراجعة المعلومات الأميركية هذه الأيام بتفحص الوثائق المتعلقة بالحرب على العراق، والتي يعتقد البنتاغون أن الجندي في الجيش الأميركي برادلي مانينغ هو من قام بتسريبها إلى موقع ويكيليكس.

ويتهم الجيش الأميركي الجندي مانينغ بتسريب شريط فيدو يظهر مروحية عسكرية أميركية وهي تستهدف مدنيين عراقيين وصحفيين وتقتلهم بدم بارد.

عمليات انتقام

ويخشى مسؤولون لدى البنتاغون من قيام مقاتلي حركة طالبان بالانتقام من المخبرين الأفغانيين الذين تعاونوا مع القوات الأميركية ضد بلادهم أفغانستان، بالرغم من أن رسالة لوزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس التي وجهها إلى الكونغرس في أغسطس/آب الماضي لم تشر لحدوث أي عملية انتقام من تلك المصادر المتعاونة بعد.

وأبلغ مسؤول لدى وزارة الدفاع الأميركية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن وحدة مراجعة المعلومات السرية الأميركية تتفحص أسماء العراقيين ممن تعاونوا مع القوات الأميركية ضد بلاد الرافدين، والذين ينبغي لهم أخذ الحيطة والحذر إزاء مخاطر قد تتهددهم عندما يتم فضح أسمائهم.

وقال المسؤول الأميركي "إننا بصدد اتخاذ خطوات لإخطار الناس الذي ستظهر أسماؤهم بالوثائق السرية" والتي يتوقع أن ينشرها موقع ويكيليكس، مضيفا أن هناك الكثير من الأسماء وأنه "لا يمكننا متابعة كل شخص"، وأنه "علينا الانتظار"، فقد لا يتم نشر الأسماء أو فضحها عبر ويكيليكس.

وبينما أوضحت ديلي تلغراف أن لدى البنتاغون اعتقادا بأن لدى ويكيليكس أكثر من أربعمائة ألف وثيقة استخبارية سرية، غالبيتها تتعلق بتقارير استخبارية ذات مستويات منخفضة، أشارت الصحيفة إلى أن العميد روبرت كار من وزارة الدفاع الأميركية هو الذي يترأس وحدة مراجعة المعلومات السرية.

ويشار إلى أن مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسينج أعلن في أكثر من مناسبة عدم الخشية من ما وصفها بتهديدات البنتاغون، مضيفا أن موقعه لن يخضع لأي جهة كانت.

حرب العراق طحنت المدنيين

صحيفة نيويورك تايمز الأميركية من جهتها قالت إن الوثائق التي كشفت عنها مجموعة ويكيليكس الإعلامية تنقل صورة غير كاملة، لكنها مروِّعة، عن إحدى أكثر القضايا إثارة للجدل في حرب العراق ألا وهي أعداد القتلى من المدنيين العراقيين ومَن قتلهم.

وأشارت الصحيفة إلى أن تلك الوثائق –التي أُتيح لأربع من وسائل الإعلام العالمية ومن بينها الجزيرة الاطلاع عليها- تظهر بجلاء أن أغلب أولئك المدنيين سقطوا بأيدٍ غير عراقية.

ويعتبر يوما 31 أغسطس/آب 2005 و14 أغسطس/آب 2007 من بين أسوأ الأيام التي شهدتها الحرب في العراق، ففي التاريخ الأول أسفر تدافع في أحد الجسور ببغداد عن مقتل أكثر من 950 شخصا, وفي التاريخ الآخر أدت انفجارات بشاحنات مفخخة إلى مصرع ما يزيد على خمسمائة شخص في منطقة ريفية بالقرب من الحدود مع سوريا.

على أن التطهير الطائفي المنظَّم هو الذي أوصل عمليات القتل بالعراق إلى درجة مسعورة، وبات ديسمبر/كانون الأول 2006 أسوأ شهر تشهده الحرب حيث قُتل نحو 3800 مدني –طبقا للوثائق، أي ما يعادل عدد من سقطوا صرعى جرائم القتل في مدينة نيويورك الأميركية طوال السنوات السبع الماضية.

وتكشف الوثائق أيضا عن حالات كثيرة لم يتم الإبلاغ عنها من قبل، وهي عن جنود أميركيين أقدموا -من على متن مروحيات- على قتل مدنيين عراقيين عند نقاط التفتيش.

ورأت الصحيفة –وهي من بين الأجهزة الإعلامية القليلة التي اطلعت على الوثائق- أن تلك الاغتيالات كانت السبب الرئيسي في أن ينقلب العراقيون على الوجود الأميركي في بلدهم، وهو مشهد يتكرر في أفغانستان.

ويتضمن أرشيف ويكيليكس كذلك على تقارير عن أربع حالات لإطلاق نار فتَّاك من طائرات مروحية.

واستطردت نيويورك تايمز قائلة إن وزارة الدفاع (بنتاغون) لم ترد على أسئلة وجهتها لها بشأن قواعد الاشتباك أثناء الهجوم بمروحيات.

واعتبرت الصحيفة الوتيرة التي جرت بها عمليات قتل المدنيين بمثابة النبض الذي بخفقانه يقاس نجاح أو فشل المجهود الحربي الأميركي.

وفي معرض تفسيرها لعدم اكتمال الصورة التي ترسمها تلك الوثائق، ذكرت الصحيفة أن ويكيليكس جمعتها بدافع العجلة وليس بعامل الدقة، ذلك أن نشر تلك المعلومات بأسرع ما يمكن كان هو الهدف المنشود.

وبمقارنة ما جرى في العراق بالوضع في أفغانستان، فإن القصف الجوي في العراق بُعَيْد الغزو لم يكن سببا رئيسيا في مقتل المدنيين.

ونقلت الصحيفة عن دراسة أعدتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 2001، أن المدنيين هم من ظلوا يتحملون وطأة الحروب الحديثة، فمع كل جندي سقط في أرض المعركة هناك عشرة مدنيين لقوا مصارعهم في الحروب التي ظلت تندلع منذ منتصف القرن العشرين، بالمقارنة مع تسعة جنود قُتلوا مقابل مدني واحد خلال الحرب العالمية الأولى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 28/تشرين الأول/2010 - 20/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م