وعاد أبو نؤاس بكأسه من جديد!

زاهر الزبيدي

فرحة لا تقدر تلك التي طالت قلوب أولياء أمور العوائل العراقية بعد افتتاح شارع أبي نؤاس بحلته الجديدة قبل عامين على ما أعتقد.. فأضاف مساحة خضراء جميلة صارت بعد حين ملاذاً للعوائل العراقية الكريمة التي بدأت بزيارته بعد طول غياب وعلى الرغم من وجود بعض المتاجر التي تبيع المشروبات الروحية (المُنكر) كما يسميه أغلبهم إلا أن ذلك تم تحمله على مضض.

البارحة مررت صدفة في شارع أبي نؤاس عبوراً إلى منطقة الكرادة وإذا بالنوادي الليلية قد شرعت أبوابها والشباب يتجولون في تلك المناطق وأغلبهم ممن يترنحون من وطأة الشرب والكبسلة وغيرها وممارسة الرذيلة بدأت تدخل هذا الشارع وكأني بأبي نؤاس قد عاد يحمل كأسه ويطلق أشعاره الماجنة في ليل بغداد الحزين.

لا أدري كيف تم السماح لتلك التجمعات المريبة أن تنشئ شباكها لصيد الشباب العراقي؟ وهل هي من المناطق المسيطر عليها من قبل القوات الأمنية أم أنها خارج السيطرة الحكومية؟، فنحن لسنا بحاجة الى أمراض اجتماعية جديدة ولسنا في حاجة لبؤر مثل تلك البؤر التي ستصبح يوماً النواة الأولى في تكوين العصابات الإجرامية وملاذاً لها ومكاناً لانطلاقها لتنفيذ عملياتها بحق الأبرياء من أبناء شعبنا سيما وأن شارع أبي نؤاس يقع قريباً من كثير من المناطق السكانية لعوائل تقاتل من اجل أن تكون لقمتها البسيطة شريفة لا يقربها دنس ما.

علينا أن نكون حذرين جداً في السماح لتلك النواد أن تنتشر بدون ضوابط تحددها وتحد من تصرفاتها فالعراق يمر في مرحلة حرجة من مراحله التأريخية، الاجتماعية والنفسية منها، وهي مرحلة انفتاح شاملة بعد طول حصار وانغلاق كامل وهذا سيترتب عليه أن تكون هناك نظرة شمولية ورؤى واضحة الى ما ستؤول اليه أمور شبابنا إذا ما انتشرت تلك النوادي ونشرت معها الفساد أمام شباب عانى من الحرمان والكبت لفترات طويلة.

سنتسبب في انفلات أخلاقي كبير وغير مسيطر عليه قد يطيح بكل خططنا المستقبلية لبناء جيل متكامل وصحيح وقائد لعمليات تنموية شاملة يشهدها البلد في المستقبل القريب. أن نشر الفساد بهذه الطريقة بدون رقابة سيتسبب في زيادة معاناة الأسر العراقية في تربية أبناءها في ظل ظهور الأنترنت والفضائيات المفتوحة والموبايل وغير ممن لو استخدمت استخداما خطأ ونأتي لنضيف لها بؤر الفساد تلك.

لسنا مطلقاً مع الحرمان ولسنا مطلقاً مع الكبت غير المبرر ولكننا مع الانضباط السلوكي المحدد وفق الإطار الفكري والروحي لأخلاقيات مجتمعنا إزاء كل التصرفات التي تدفع باتجاه توفير تسليه لا تزيد إلا بالبؤس والحرمان وفقدان الذات وضياع الخلق القويم.

ستزحف تلك النواد بالتدريج لتشمل مناطق كثيرة من بغداد والمحافظات وسيبحث الشباب عن الأموال اللازمة لدخولها وسط أزمة البطالة والفقر وستذهب بهم أهوائهم الى أتباع أسهل السبل في الحصول على تلك الأموال وبطرق غير مشروعة عندها ستقع الطامة الكبرى فنحن نحاول بدماء رجالنا الأمنيين أن نحفظ أمن العراق وإذا بنا نفتح باباً للجريمة وموائد أنشاءها ونفتح باباً للفساد بعدما أوقعتنا منظمة الشفافية في قعر الدول التي تعاني من الفساد ولا يخفي أحدنا على الآخر سراً فقد يرتاد تلك النواد موظفون من مختلف مؤسسات الدولة حينها ستكون موائدها طريقاً سهلاً للتعامل معهم بعيداً عن أعين النزاهة.. فلا أعتقد أن النزاهة ستكون جالسة هناك على موائد المنكر والقمار.

أتمنى أن لا أكون قد أسرفت في الخوف على المثل والأخلاق الرفيعة التي نطمح جميعاً بشبابنا أن يمثلوها كأحسن تمثيل ولكنه الحرص لا أكثر على أبناء العراق فهم أبناءنا جميعاً ومسؤولية أن تكون لهم حياة متوازنة مسؤوليتنا جميعاً.. بل هي أكبر وأهم مسؤولياتنا وعلينا البحث عن طرق أخرى لأبعادهم عن عصبة الرذيلة التي باتت تزحف بخلسة الى قلوبهم الشريفة المتخمة بالحزن لما كابده العراقييون جميعاً من فقر وحاجة ولتطيح بعدها بآمال عوائلهم بهم...

 الآف الجرائم التي تحصل تطالعنا بها الصحف اليومية تمت تحت تأثير المخدر أو المسكر ونحن لا نريد أن نفتح باباً لجرائم أخرى تضاف الى سجل الجرائم ولإضافة جرائم من نوع أخر هي تلك التي تتم من أجل مومس أو من اجل القمار.

نحن الآن في ظل حكومة تقودها فئة قاتلت وأستشهد رجالها من اجل دينهم قبل دنياهم.. وعلق ابطالها على خشبات المشانق ومُثل بهم.. حكومة مؤمنة وسائرة على طريق الإيمان بأذن الله استلهمت من الإسلام المتسامح مبادئها واحترمت كل الأديان، فكيف بنا إذا اتتنا حكومة علمانية !

علينا أن نبدأ قبل فوات الأوان في إيجاد فرصة للمتعة الصحيحة لأبنائنا بالإكثار من القاعات الرياضية والنواد الفنية... وأن نحاول أن نقدم معونات واضحة لأولئك غير القادرين على الزواج لضعف حالتهم المادية وأن نسرع بخططنا التنموية الكبيرة والموعودة لاستقطاب شرائح أبناءنا العاطلة التي تتحف بهم الطرقات وأن نبدأ بسرعة في إيجاد مأوى لكل من لا يملك مأوى في هذا الوطن الكبير.. فبمعادلة بسيطة تصور لو أنك أوجدت عملاً لشاب ما وساعدته على زواجه وأعطيته منزلاً صغيراً يسدد أقساطه من راتب العمل ودفعته لحب الوطن لما يقدمه الوطن له فهل سيلجأ الى أماكن الرذيلة تلك.. قطعاً سوف لا يلجأ اليها إلا المارق المجرم حينها سنعلم من يرتادها ونحسن مراقبتها وقد يأتي اليوم الى اغلاقها جميعاً بعدما نصل الى مرحلة الاستقرار النفسي لأبناءنا.. وهناك دور كبير للصحة النفسية لهم وعلينا معالجتهم بحكمة وروية وحتى شفائهم من كل داء.

علينا أن نؤسس خلية أزمة من كبار المسؤولين لمعالجة المشاكل التي قد تظهر من تلك الممارسة قبل وقوعها بوضعنا للحلول الوقائية لها وبما يمليه علينا ضميرنا... إذا كان لا زال حياً ؟؟؟؟

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 27/تشرين الأول/2010 - 19/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م