تكاد لا تجد جهة أو منطقة تتكاثر فيها البيانات الاستنكارية وتتوالد
بشكل غير مدروس وبحكمة مفقودة – غالباً- وحياكة غير متوازنة ومواقف
متسرعة كمنطقتي القطيف والأحساء – إلى حد ما- في ما يتعلق ببعض القضايا
المذهبية أو الدينية المتعارضة اعتقاداً وفكراً مع كل من لا يرى سوى
بطلان ما يقال وإن صح.
فما أسرع انتشار البيانات والمواقف المتعجلة التي يراد منها التبري
من حدث أو موقف أو حالة داخل الوسط الشيعي العالمي من دون محاولة مسك
العصا من المنتصف، فيقع البيان في سقطة تحسب ضمن سلسلة سقطات متتالية
في ذيل البيانات اللا متزنة التي تشكل وصمة سوداء واهتزازاً في الثقة
بمستقبل الطائفة الحبلى بالمواقف والبيانات المحسوبة عليها والنابعة من
قبلها.
إن من المشرّف أن تكون منطقتنا بعلمائها ومثقفيها حاضرة في كل
الأحداث المحلية والخارجية بشكل متكافئ ومتوازن مع قضاياها الداخلية
وحقوقها المنشودة من خلال الرأي الحصيف والمقولة الراسخة والمطالبة
المستميتة للحصول على كل ما تصبو إليه، فمن حق المعنيون التعبير عن
آرائهم وتبيين وجهات النظر الصحيحة والمتكافئة فيما يحفظ الكرامة
والعزة لكل الأطراف .
إلا أنه ومع الأسف بات بعض المنشغلين بقضايا الرأي العام يركضون
وراء ما يعتقدون أنه يرفع من قيمة الشيعة عن طريق ملاحقة ومحاكمة كل
كلمة أو موقف يصدر من أي جهة شيعية حول العالم أو داخل المنطقة مما سبب
تشتت الكلمة وتنوعت المواقف واختلفت درجاتها من القبول النسبي إلى
المبالغات الممقوتة وتغافلوا عن الحديث حول القضايا والتعديات التي
تحدث من الطرف الذي يعتقدون أنه المتنفد والأقوى دون إدانة المتسبب في
كل المآسي التي تعيشها الأمة.
فلماذا أصبحنا – علماء، مثقفين أو عموم مواطنين- معنيون ومطالبون
أكثر من غيرنا بالدخول في مثل تلك المطالبات والبيانات غير المحكمة
والقبول لأنفسنا أن نكون كرة يُلعب بها والنتيجة صفر لصالحنا؟ لماذا لا
نجد تكاثر وتوالد البيانات المتسرعة في المناطق التي تمثل الواجهة
الشيعية الكبرى مثل العراق وإيران وبعض دول الخليج كالكويت والبحرين؟
هل أصبحنا بين عشية وضحاها الوكيل الحصري والحكيم الزماني والناطق
الرسمي عن شيعة العالم؟ هل ذلك راجع لقوة فينا أم لضعف بسبب جملة من
مواقفنا الهزيلة والمتعجلة والتبريرية السابقة التي جعلت الآخر يحركنا
ويطالبنا كيف ومتى يشاء؟!
كان من الأولى عدم الانجرار وراء غمار أحداث أو مواقف معقدة
ومطالبات مستميتة بإصدار بيان أو موقف لكل كلمة تقال في أي مكان يقطنه
جماعة أو جمهور من الشيعة، بل الأولى أن تكون الحوزات العلمية هي
المطالبة أكثر من غيرها بالحديث إن كان في أي موقف فرية وتجني.
ومن العجب العجاب أن بعضنا يستميت للدفاع عن بعض الجهات والرموز إلا
أنك لا تجده ينبس ببنت شفة في الدفاع عن رموزه وتاريخه الذي يُكفر منه
عم رسول الله (ص) أبي طالب ويُستهجن ويُستهزأ ويُتعدى على الإمام
الحسين (ع) والمهدي المنتظر (ع) وعموم أئمة أهل البيت (ع). فلا تجد حتى
مطالبة الأطراف المعنية في تلك الجماعات بصياغة بيان أو توضيح موقف لما
يقال في الخطب والإعلام المرئي والمقروء والمسموع من باب هذه بتلك وكأن
هذا الصنف من البشر انسلخ من إنسانيته وقيمه وأصبح لعابه لا يسيل إلا
في الجري نحو استرضاء الآخر.
لا أجد إجابة مقنعة في كون متصدري قائمة البيانات والمواقف دائماً
ما يبترون الحقائق ولا يجلدون بالسياط إلا أنفسهم ومن يعيشون معهم ضمن
دائرة دينية في مختلف المواقف. ومن الحكمة والمساواة عند الإضطرار
للتصريح تبيين الرأي الاعتقادي العلمي بأسلوب مستحسن إن كان الحدث
عقدياً مع رفض طريقة الطرح في أسوأ الظروف بالإشارة إلى أنه لو لا
المواقف المتشنجة والآراء الحادة في الجهة المقابلة لما كان لهذا أو
ذاك أن يحدث.
إن مجتمعنا في القطيف والأحساء بحاجة لجهات معلومة وجريئة تتكاتف
فيما بينها وتتداول المواقف بواقعية في الأحداث الطارئة ومن ثم تتخذ
الموقف السليم وتختار الكيفية المناسبة سواءً كان ذلك يتطلب الرد أو
الصمت الذي هو حكمة بالغة عندما يصدر من الجهات الشرعية في كثير من
الأحيان، مع ضرورة انتقاء المفردات وإن صغرت حتى لا تكون شرخاً
ومستمسكاً على ما صدر. |