صديقي بثياب الملائكة

حيدر قاسم الحجامي

البارحة كانت الليلة الوحيدة التي غادرتنا فيها ورحلت باتجاه المدن النائية..البارحة الليلة الوحيدة التي استيقظنا فلم نجد ضحكاتك تملئ إرجاء المكان ,, البارحة فقط كنتُ مثل صغير سرقت يد الزمن الغادرة أمه...البارحة أدركت كم هي بائسة هذه الحياة... حين كفنتك يا صديقي بثياب الملائكة... رأيت على ملامحك انكساراً واسى... ترى لمن؟ وعلى من؟..

البارحة الليلة الوحيدة التي جربت فيها إن استذكر كل شيء عنك.. لكن لم أتمكن من استعادة صورك من هذه الذاكرة الخربة...صورة واحدة فقط هي التي ظلت تدور إمامي كأنها شريط سينمائي يدور وسط صالة معتمة.

البياض يجللك وأنت مستغرق في تأمل رهيب... لكنني بقيت ألح على الذاكرة علها تسترجعك لتمثل الان؟ لكنني هزمت..اعترف لك... يا صديقي...

أعدت سماع أغنيتنا المفضلة (لا..ولك لا لا على بختك ماني سالوفه صرت بين الطوايف) أتذكرها يا صديقي، كنت تفسرها لي دائماً بأنها لحن مدهش تختصرُ زمن جميل مضى، ولكنني اليوم أرثيك أنت الأخر فقد بددتك يد القدر لتلتحق بذاك الزمن أيضا، غادرت عالماً صامتاً رغم إني اعرف انك تختزن الكثير، كنت تخبرني إن الحياة فيها فرصة ومتسع، إياك والعجلة انتظر شوائك حتى ينضجُ، فأقول لك مازحاً : أعطني صك ضمان يا صاحبي وسأرمي كل هذه الأوراق..! فتسكت، اليوم رحلت دون إن تدون لي ما تريد أو تترك ما يذكرني بعباراتك التي تردد.

اليوم عدت الى مكاننا أنزلت من على رف المكتبة كتبك التي كنت تقرأ، فتحت رواية بين القصرين لنجيب محفوظ، رأيتُ ما وضعت فيها من هامش (...الى هنا وصلت..)،ترى هل كنت تدرك إن وصولك الى هنا سيكون الوصول الأخير، (وانه ووعودك صفيت بلايه وعدك ,,, وانه دمعات الحزن شاتله ظليت على خدك ,,, وانه سجت درب سواني زماني)، أرثيك ام ارثي تلك الأيام أم اصمت مثلك وانتظر قدري.!.

أيها الحزين بالفطرة..أيها المسكون بالوجع، سيطول بيننا الفراق وستتباعد بيننا المسافات وسأنسى مؤقتاً بأنك خارج نطاق زمني المحاصر بالفقد، ولكن تذكر إنني لم ولن ابقي هواجسك حبيسة للأبد فأنت تعرف كم اختلفنا،ولكننا اتفقنا في النهاية إن ندون مأساة الزمن الرهيب بالدمع وان نكتب رواية عمرنا بأحرف من وهج..!

الوداع يا صديقي...لن تعود...ولكنني سأتبعك حتماً..

لو غيمت دنياي..دنيه أنت أحس بيك

وبعيوني دمعه تصير وبروحك أباريك

تبعد وأكول الكاك..واصبر واهم بيك

واذنوبك أنت هواي من يهاي ابريك

لو غيمت دنياي..دنيه انت أحس بيك.*

......................................

* القصيدة للشاعر الكبير عريان السيد خلف

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/تشرين الأول/2010 - 17/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م