شبكة النبأ: لا شك من أن التداعيات
التي أعقبت 9/4/2003 قد أوجدت حالة من السرور والغبطة بالديمقراطية
الجديدة التي حلت بالعراق إثر ذلك السيل من تراكمات الماضي، الذي أصطبغ
بالكثير من الشعارات الزائفة، كتلاحم القيادة مع الجماهير والشعب
والحكومة حالة واحدة وشعارات اخرى.
وعلى الرغم مما يعتري هذه المفاهيم من معطيات، اقل ما يقال عنها
انها لا تصمد أمام النقد وهي أشبه ما تكون بذر الرماد بالعيون، وتكاد
لا ترتقي الى مستوى الحقيقة، بل ربما هي سرقة في وضح النهار لعواطف
ومشاعر الناس من أجل إما الأقصاءهم أو مصادرة الحقوق.
من أجل ذلك كانت لنا هذه الوقفة، لتسليط الضوء على مدى مصداقية
القراءات القديمة الجديدة في واقعنا العراقي والعربي.
أول المتحدثين المحامي (أحمد السلطاني) حيث قال، يقينا ما يسود
الواقع العربي والعراقي اليوم من فهم خاطىء لاستراتيجية العلاقة بين
الحاكم والمحكوم هو لا يتعدى كونه ثقافة أستطاعت أن تخترق الواقع
والثقافة العربية عبر أزمان بعيد وهي ليست وليدة التو واللحظة، بل هي
تكاد ان تعبر عن الواقع الممتده عبر التاريخ خير تعبير.
ويتابع السلطاني، فضلا عن ذلك باتت تلك الثقافة تحقق ضرورة ملحة
لاولئك الذين يعيشون على أطلال الماضي السحيق، من دون أن يدركو بأن
الزمن لا ينبغي له أن يعود الى الوراء، هذا مما يستنطق فينا حالة
الصراع في تبني قراءات ناضجة تستطيع أن تلامس الواقع الراهن، والادهى
من ذلك أصبحت تلك الثقافة تمتلك مساحة لا يستهان بها على خارطة الوعي
العربي والعراقي على حد واحد.
وينوه ايضا، حينما يصل أي منا الى منصب في أي مؤسسة من مؤسساتنا
الحكومية الا واصيب بذلك الداء الا وهو داء البعد عن الجماهير، وكأني
به جاء بقدرة قادر وليست تلك الجماهير هي التي اوصلته الى دفة الحكم او
الى مركز صنع القرار، بل ربما لا ينتهي الامر عند هذا الحد من السلوك
بل يتعداها الى ان تصبح تلك الجماهير هي العدو اللدود لذلك المسؤول
ويحاول ان يسومها مر العذاب.
أما الباحثة الاجتماعية (رجاء حسون) فتقول، ليس هناك فوارق تذكر
أيام النظام السابق واليوم فالمسؤول هو المسؤول، فثمة الكثير من
الموانع الطبيعية والمصطنعة بين الحاكم وعامة الناس، ففي السابق كان
هناك ثمة شعار يقول لا ينبغي للمواطن ان يواجه المسؤول بالمعوقات أو
الاخفاقات التي تعترض سبيله لان هذه الامور هي بمثابة المس بأمن الدولة
وتعد جريمة لا تغتفر.
وتضيف حسون، اما اليوم فالمسؤول يسمع ويرى ولكن في المقابل هو لا
ينفذ، أذن تكاد تكون الاستراتيجية بين الماضي الجائر والحاضر هي بمثابة
حالة واحدة، أن لم نقول أن الحالة الجديدة هي أمّر الف مرة من الحالة
السابقة كونها تستخف وتستهزىء بمشاعر الناس، وهذين الامران يستقطبان
حالة الشعور بالنفور وعدم الارتياح بين عامة الناس والمسؤول.
(عبد الله الياسري) أعلامي، يقول، يقينا بأن هناك لبسا واضحا في فهم
المسؤولية لدى المسؤولين أنفسهم وكذلك عند عامة الناس، وهذه الثقافة
تمتلك رصيدا طيبا على مستوى عالمنا العربي والاسلامي وفي نسق واحد، لذا
فثمة ثقافة او لغة متأصلة منذو زمن بعيد تؤطر العلاقة بين عامة الناس
والمسؤولين.
ويسترسل الياسري خلال حديثه مع (شبكة النبأ المعلوماتية)، لا الاول
يعي ما هي واجبته وحقوقه ولا الثاني يستفهم ما هي الامور الملاقاة على
عاتق الشعب، ومن خلال تلك العلاقة المضطربة والمشحونة بالتوجس بين الشد
والجذب، يكمن الخلل او القصور في تنقية اجواء العلاقة الانسانية بين
الطرفين، وهذا الامر بطبيعة الحال ينسحب على خلق فجوات واسعة، مما يجعل
المسؤول يعيش في وادي والناس يعيشون في واد أخر.
ويتابع، ليس هناك قاسم مشترك بينهما او شراكة تجعل الاول يرتبط
بالثاني، وهذا الامر يعزى الى عدم وجود قوام صحيح يدرك من خلاله
المسؤول بأنه لا يتعدى كونه خادم للشعب ليس الا، وما يتوفر له من أدوات
ما هي الا مجرد وسائل تضمن لهذا او ذاك من المسؤولين اليسر في تسيير
أمور الناس كالسيارة والحماية وأمور كمالية أخرى، وربما يخطىء كل من
يفسر الامور في غير نصابها الصحيح.
أما السيد (عقيل الجابري) وهو طالب علوم دينية، فيقول، في ظل تنامي
الحراك السياسي في العراق اليوم أنبرت الى السطح ضرورة ملحة قوامها
العودة الى ثقافة القرأن ومنهجه القويم من أجل التخلص من ظواهر عدة
كالقتل والسلب وامور أخرى لسنا بصدد التعرض اليها. ويضيف، لكن نحن
اليوم أمام ظاهرة جديده وهي التسابق المحموم من أجل السلطة والتسلط على
رقاب الناس من دون وعي مسبق لما لهذه الخطوة من عواقب وخيمة أمام الله
اولا ومن ثم أمام عامة الناس، وتلك العودة منوطة بأن يستفهم هولاء
الذين يتصارعون من أجل الحصول على مناصب حكومية، بأنهم ماضون نحو
التزامات عدة حري بالانسان أن يبتعد عنها في ظل تلك الضروف قدر ما يشاء
خشيت التقصير او التماهي في أداء واجبه أتجاه هولاء الناس، كونه سيضع
نفس أمام مساءلة أو حتى غضب الله وسخطة لانه ربما يقصر في صيانة
الامانة التي منحة له من قبل الشعب.
ويختتم الجابري حديثه لـ(شبكة النبأ المعلوماتية) قائلا، ومن خلال
هذا المفهوم أجد نفسي في مهمة صعبة وأنا أحدد من يصدق عليه عبارة
المسؤول، فأني لم أقابل هناك أي مسؤول في خضم تلك التداعيات المستمرة
في واقعنا العربي والعراقي المعاصر، بل هناك ثمة وظائف شاغرة يشغلها
أشخاص معينون شاء القدر أن يعملوا في هذا او ذاك المكان، علما بأن
أغلبهم أو جميعهم، أن صح التعبير ليست لديهم القدرة على هضم عملية
الارتقاء فوق المناصب بل هم يعيشون داخل المنصب فقط.
أما محطتنا الاخيرة كانت مع أحد السادة المسؤولين في المحافظة وهو
بمنصب عضو مجلس محافظة، حيث طلب عدم ذكر أسمة للضرورة الوظيفية، حيث
قال، أني أتضامن مع الرأي القائل بأن أغلب الذين يتصدون للمسؤولية في
الظرف الراهن هم ليسوا بالاناس الاكفاء، وهذا الامر ليس بخفي على أحد
فالتجربة بحد ذاتها، أي تجربة الانتخابات هي تجربة حديثة على الشعب
العراقي، وهذا مما جعل عملية الانتخابات التي جرت وتجري في المستقبل
القريب لا تتعدى كونها عنوانا للمجاملة أوالرشوة او كونها تحالفا
عشائريا او حزبيا أو طائفيا.
وينوه خلال حديثه مع (شبكة النبأ المعلوماتية)، هذا الامر بطبيعة
الحال قد يفتح الباب على مصراعية امام أناس لا يمتلكون أي خبرة في مجال
العمل السياسي او الوظيفي، وعند ذلك فمن البديهي أن تجد تزاحما في
الفهم بين المسؤول وبين المواطن، فلا الاول يعي ما هي طبيعة الامانة
والمسؤولية الملقاة لقاء أعتلائه المنصب الحكومي ناهيك انه لا يمتلك
مقومات النهوض بذلك العمل، ولا الثاني يدرك مستوى الضرورة الوطنية التي
تفرض عليه معاضدة أجهزة الدولة في الظرف الحالي، وهذا الظرف لزاما يفضي
الى تفعيل الشعور بالتنافر بين القاعدة الجماهيرية والمسؤول.
غياب الوعي المشترك
ومن خلال هذه القراءات البسيطة للواقع العراقي الجديد تستشرف بأن
حالة الذوبان في المسؤولية وحالة التراص والترابط بين القاعدة
الجماهيرية ومسؤوليهم، هي بمثابة ثقافة ووعي مشترك بين طرفي المعادلة
وعند غياب أحد عناصر هذين الطرفين أو كليهما يوجد خللا في النظرية، أذن
نحن أمام ثقافة لا وجود لها على مستوى عالمنا العربي قديما او حديثا،
وهذا مما يجعل المهمة أشبه ما تكون بالمستحيلة في ظل ذلك الوعي القبلي
الذي لم يمهد لبناء كيان حضاري يأمن بأن يتكأ البعض على البعض الاخر من
المواطن الى المسؤول للنهوض بواقع الامة العراقي على ألاسس الديمقراطية
والتي تعني (حكم الشعب للشعب). |