قراءة في كتاب: كراهيات منفلتة

 

 

 

 

الكتاب: كراهيات منفلتة

الكاتب: نادر كاظم

الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون

عدد الصفحات: 271 صفحة متوسطة

عرض: رويترز.

 

 

 

 

 

شبكة النبأ: كتاب الباحث البحريني نادر كاظم يشكل قراءة معمقة للكراهيات ومصيرها وازدهارها غير المتوقع في ظل الانظمة الديمقراطية ويسعى الى اقتراح حلول لها او مسكّنات على الاقل.

وأكثر ما يكون الدكتور نادر كاظم عمقا في موضوعه يظهر حين يتناول الكراهيات عامة وتلك التي عادت لتشتد خاصة في بلدان اوروبية في هذا العصر.

الكتاب وعنوانه (كراهيات منفلتة.. قراءة في مصير الكراهيات العريقة) صدر في 271 صفحة متوسطة القطع عن (الدار العربية للعلوم ناشرون) في بيروت.

الحلول التي يقترحها نادر كاظم قد لا تبدو عمليا في مستوى التحليل والعرض العميقين اللذين قام بهما في بحثه هذا.

ولا يعني هذا القول التقليل من شأن هذه الحلول بل انها مثالية تختصر كثيرا مما جاءت به الاديان وتستند الى ايقاظ الوجدان والقيم الخلقية في الانسان وهذا أمر رائع ومطلوب لكنه في المدى القصير لايعمل بسرعة كافية كالقرارات العملية التي تتخذها الحكومات لمعالجة سريعة لامور طارئة بل يترك ذلك للتطور والتبشير وعملهما بطيء دون شك. لكن لا بد من القول ان اهمية هذه الخطوات المطلوبة هي انها اساسا تستند الى كثير من التعاليم السالفة الذكر.

في مقدمة الكتاب الطويلة والمكثفة التي جاءت أقرب الى دراسة مهمة حملت عنوانا هو (في الحاجة الى مراعاة الاخرين) تحدث المؤلف عن كلام لالبرت اينشتاين بعد ان قرأ كتاب سيجموند فرويد (الحضارة واحباطاتها) وقال ان اينشتاين "تأثرا بافكار فرويد ذهب... ذهب الى القول بأن الحروب ترتكز على رغبة غريزية قوية متجذرة في نفوس البشر تلك هي غريزة الكراهية والتدمير والعدوانية..."

وقال المؤلف "احرزت البشرية تقدما مذهلا على مستويات عديدة الا انها ما زالت عاجزة عن التقدم بخطى ملموسة على صعيد التعامل مع هذه النوازع العدوانية التي يبدو انها اعمق تجذرا مما توهم بعض الحداثيين ودعاة التحديث وكثير من الشيوعيين اليوتوبيين (الطوباويين) الذين حلموا في ما مضى بعالم بلا طبقات وبلا عداوات وبلا صراعات وبلا كراهيات..." وتحدثوا عن "مسار ينتهي لا محالة بانتصار البروليتاريا وسيضع هذا الانتصار حدا نهائيا لهذه العدوانيات والتناقضات بين البشر.."

لكن كما قال فان "هذا الانتصار لم يتحقق كما بشرت به هذه اليوتوبيا والعداوات والتناحرات والكراهيات والاحقاد العنيدة لم تختف بل مازالت الكراهيات المنفلتة الى اليوم قادرة على الاستفزاز والجرح والايذاء.

"بل انها ازدادت قدرة على ذلك مع زوال عزلة الجماعات (القوميات والاديان والطوائف)... وتقدم الاتصالات بحيث صارت اخبار الكراهيات وحوادثها تنتقل بسرعة فائقة... وكأن التسهيل اللامتناهي لوسائل المواصلات الذي ابتدعته البرجوازية وراهن عليه الماركسيون في ما بعد قد بدأ يفعل فعله ولكن بطريقة عكسية.

"فالتعصب والتقوقع القوميان لم يتراجعا وموقف العداء داخل الامة وبين الامم لم يختف والكراهيات بين البشر لم تهتز بل صارت تتغذى على هذا التسهيل اللامتناهي لوسائل المواصلات والاتصالات وتتوسل به بل تطوّعه لصالحها."

واستتج كاظم من ذلك ان اهم درس يمكن استخلاصه من هذا الامر "هو ان انتعاش الكراهيات بين البشر انما كان يستمد قوته من العزلة الجغرافية ومن التقوقع والانكفاء القديمين بين الجماعات وقد تمكنت هذه الجماعات في ظل هذه العزلة من انتاج كراهياتها وتداولها دون تكاليف باهظة..."

وقال ان تسهيل وسائل المواصلات والتواصل المكثف لم يزل العزلة بل بقيت قائمة "والكراهيات العريقة ما زالت منتعشة."

ورأى المؤلف ان وسائل المواصلات والاتصالات هي وسائل "مرنة وطيّعة ويمكن استخدامها في خدمة الاغراض المختلفة.. بمعنى ان الجماعات تستطيع ان تعيد انتاج عزلتها وكراهياتها بالاستعانة بهذه الوسائل..."

ورأى انه لا يمكن انكار دور تسهيل المواصلات والاتصالات في تقريب البشر "وتقليص المسافات وتجاوز الحدود الجغرافية التي كانت تفصل بينهم الا ان هذا لا يعني بالضرورة زوال عزلة الجماعات لان الجماعات قد تتساكن وتتجاور في المكان الا ان هذا لا يعني بالضرورة انها تتعايش وتتواصل في مابينها..."

اضاف انه يمكن للتسهيل لوسائل المواصلات ولذلك المجال العام المجزأ ان يؤديا وظيفتهما بطريقة عكسية "فبدل ان يعززا التواصل والانفتاح والعيش المشترك ويهددا بزوال الفواصل وكبت الكراهية اذا بهما يعمّقان عزلة الجماعات الافتراضية والمتخيلة ويعيدان انتاج التواصل والتنافر والكراهيات والحساسيات المتبادلة..."

واستغرب الباحث ان تكون الكراهية قد استشرت والعنصرية كذلك "مع انتشار الديمقراطية في العالم ما بعد الشيوعي..." وتساءل "هل هذه ظاهرة طبيعية .. هل يمكن تفسيرها من خلال القول ان الديمقراطية تسمح بحرية التعبير ....."

ورأى ان الديمقراطية ليست مجرد انتخابات وتمثيل سياسي وتداول السلطة وغيرها "وذلك بمعزل عن جوهر فكرة الديمقراطية هذا الجوهر الذي يقول بان الديمقراطية ينبغي ان تقوم على ضمان احترام كرامة الانسان والاعتراف بان البشر غايات جديرة بالاحترام بحد ذاتها..."

وتبنى نادر كاظم ماسمّي ضرورة مراعاة الاخرين "واخذهم بعين الاعتبار من اجل التعامل معهم باحترام يليق بهم الامر الذي يحفظ للناس كرامتهم الانسانية ويؤمن لهمم العيش المشترك..."

وانطلاقا من شبه "تسليم" غير مبرر من الكاتب بصحة ما قال به اينشتاين وفرويد في هذا المجال ودون نقاش لارائهما التي بنى عليها المؤلف كثيرا من نظريته وكأنها مسلّمات او اقدار نهائية رأي انه اذا كان صحيحا ان البشر عاجزون عن اقتلاع جذور هذه الكراهية من نفوسهم بصورة كلية "فالصحيح ايضا ان هذا العجز ليس مبررا للانسياق وراء متطلبات هذه النوازع ولا للتسليم لها وعدم مقاومتها. فقد نكون غير قادرين على اقتلاع هذه النوازع من جذورها لكننا لسنا عاجزين عن مقاومتها وتحدّيها."

من الخلاصات التي توصل اليها المؤلف ما بدا اشبه بدعوة الى "مسيحية" لم يأخذها المؤلف عن السيد المسيح بل عن فيلسوف غير مسيحي هو الهولندي باروخ سبينوزا (1632-1677) فقال "سبق لسبينوزا ان ان قال (ان الكراهية تزداد اذا قوبلت بالكراهية لكنها تزول اذا قوبلت بالحب) ويعد الرد على الكراهية بالحب فضيلة عظمى... الا انها فضيلة قد تكون فوق طاقة الكثيرين من البشر."

وردّ على سبينوزا بموقف شبه ديني ايضا فقال "أما ما هو في متناول عموم البشر فهو المعاملة بالمثل حيث يردّ على الاحترام باحترام مماثل الا ان العيب في اخلاق المعاملة بالمثل ان الكراهية في المقابل سيردّ عليها بكراهية مضادة...". يبدو لنا اذن من هذا القول انه لا بد من مقابلة الكراهية بالمحبة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 21/تشرين الأول/2010 - 13/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م