الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في بيروت. هذا هو الخبر الذي يشغل الرأي
العام العالمي. سبق ذلك بإتصالين في غاية الاهمية. الاول بالعاهل
السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز، والثاني بملك الأردن عبدالله
الثاني بن الحسين.
تأتي الزيارة لتحدث أثر الصعقة في الغرب الذي يصدر القرارات تلو
الاخرى التي تتضمن حصارات، ووقف لتعاملات بنكية وملاحقات قضائية وحجب
لتعاون تقني وتضييق على شخصيات بعينها ومراقبة على إنتقال المعلومات،
وسواها من إجراءات كانت إيران ترد عليها بتلميح الى أنها غير مجدية.
وهو مايمكن التيقن منه بمرور الوقت حيث يتأكد رويدا أنها لاتؤتي
أكلها لطبيعة الظروف الأقليمية ونوع العلاقة التي تربط إيران بجاراتها
من الدول العربية وغير العربية وتلك التي تحتفظ فيها إيران بجاليات
كبيرة أو علاقات ثقافية وعقائدية متماسكة..
بعد قيام النظام الإسلامي في إيران ورد فعل الغرب وخاصة أمريكا على
نوع الحكم في هذه البلاد والتطورات التي سادت المنطقة والعالم بعد
تغيير نظام الحكم الشاهنشاهي كان الشرق الأوسط يسير جهة المجهول على
الصعد كافة وكان من الواضح أن إيران ستبقى المؤثر في السياسات ولابوادر
لضعفها او تراجع عن دورها الحيوي وطبيعة علاقاتها مع الدول المحيطة بها.
كانت أزمة إحتجاز الرهائن في السفارة الامريكية بطهران دليل ضعف
الإرادة لدى الديمقراطيين وكانت حكومة الرئيس كارتر تتهاوى رويدا مع
صعود مد الجمهوريين، ومعها نتج دور مغاير لإيران التي أكدت أنها ليست
ضعيفة بعد تأكيدها ممارسة فعل التجسس ضد إيران وبتواطؤ نظام الشاه نفسه
ومع إندلاع حرب مروعة مع العراق بتأثير قوى إقليمية ودولية. وبدأت
الحرب التي عرفت على أنها صراع بين نظام علماني في بغداد مع نظام
إسلامي يهدد مصالح الغرب..
لم تنجح واشنطن في كبت المشروع الإيراني وربما حجمته ثم أضطرت صدام
حسين لدفع فاتورة الحرب ليس بالقرارات الدولية وحسب ولا بمعاداة
أمريكا، إنما برسائل تنازل عن كل ماأعلن إنه (إنتصار عراقي). وكانت
رسالة صدام نهاية 1990 الى هاشمي رفسنجاني دليل ذلك التراجع بحزمة
تنازلات لم تراع كمية الدماء التي سالت على مدى ثمان سنوات من الحرب
الضروس.
إنهزم صدام وغادر الكويت، وظهرت إيران كمساهم في الحلحلة وصناعة
الضغوط. ثم ذهب صدام في 2003 وصارت إيران توجه سياسات المنطقة بالرغم
من الرفض الامريكي الظاهر وعلى إستحياء دون أن تعترف بضعفها.
نجاد في بيروت، بعد عدة قرارات أممية بحصارات من نوعيات مختلفة.
نجاد يتصل بالملك عبدالله بن عبد العزيز وبالعاهل الأردني الحليفين
الإستراتيجيين لواشنطن. ويثني على سعد الحريري في مؤتمر صحفي مع الرئيس
ميشيل سليمان، ولقائه بالرئيس الأسبق أمين الجميل وقائد القوات
اللبنانية سمير جعجع، وسبق ذلك حفل في شوارع بيروت من المطار حتى قصر
بعبدا.
كانت الصعقة الإيرانية غير متوقعة بالنسبة لواشنطن التي أرادت من
الحلفاء العرب مساعدتها في خنق إيران، كما فعلت بالعراق حين حاصرته
وقتلت شعبه في أسوء جريمة عرفها تاريخ الإنسانية، وحين كانت جثث
الأطفال توزع على المقابر.
نجاد يهاتف(زعماء الأعتدال ) بحسب التصنيف الامريكي للعرب. ويزور
عواصمهم ويدعو الى وحدتهم ونبذ الخلافات معهم! أمريكا كانت تريد المزيد
من التأزم والتصعيد والتصريحات المتشنجة لكي تضعف إيران بصورة أكبر.
التطورات الأخيرة تشي بإمكانية نجاح طهران في فك شيفرة العلاقة
الأمريكية العربية والحصار المزمع ضدها لتطويق محاولاتها من أجل الوصول
الى القدرات النووية من خلال توفر بدائل عن الاسواق التي تحاول واشنطن
وحلفاؤها من الغربيين إغلاقها بوجه الطموحات الإيرانية.
فالعراق يلعب مع إيران ذات الدور التي لعبته الأردن أيام الحصار
الأمريكي ضد العراق. ودول كالسعودية والامارات والبحرين والكويت الاردن
في حال من الحرج في حال الإنجرار وراء المشروع الأمريكي في المنطقة..
فهل ستنجح إيران في محاصرة أمريكا ثانية وتطيح بآمالها في حشد الدعم
العربي؟
الأشهر القادمة ستفصح عن الكثير من المعطيات في هذا الشأن، وماعلينا
إلا أن ننتظر.
hadeejalu@yahoo. com |