أصناف الناس

مرتضى بدر

معظم الناس يتوخّون البعد عن الحياة الصاخبة المليئة بالضجيج والمناكفات، وكل ما يسبّب لهم وجع الرأس والقلب، وربما السواد الأعظم من الناس يتمنّون الحياة المريحة والهادئة، بعيداً عن المشاكل والصراعات والقيل والقال..

فمنهم من يهرب بعيداً من بيئته، ويقصد مكاناً مريحاً يستريح فيه من مشاكل محيطه ومجتمعه، فيختار السفر والسياحة والاستجمام؛ ليعيش فترةً من الزمن في ظلّ طبيعةٍ جديدةٍ غير طبيعة بلاده، ومجتمعٍ غير مجتمعه، ومنهم من يعتزل الساحة هرباً من المسؤولية والمشاركة الاجتماعية، ولا يتوانى عن تقديم حججٍ تبرّر موقفه.

لكن ما هو معروف، أنّ الإنسان بطبيعته يميل عادةً إلى الراحة والدعة، ويبتعد عن العناء والتعب. في مجتمعاتنا المعاصرة، نجد هناك ثلاثة أصناف من الناس، صنف تهيمن عليه نزعة الأنانية، فيحب الخير لنفسه دون غيره، ويسعى للاستحواذ على كلّ شيء، وصنف يحب الخير والراحة والسعادة لنفسه ولغيره، ويصدق فيهم حديث الرسول الأكرم (ص) حين قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه»، وصنف يضحي من أجل سعادة الآخرين حتى وإن كان على حساب سعادته وراحته ومستقبله.

 هذا الصنف من الناس يرى في خدمة الآخرين والعمل على حلّ مشاكلهم وإسعادهم لذة وراحة وسعادة.

والسؤال: متى تبرز معادن الرجال؟ الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في كلمات نورانية يوضّح لنا حقيقة الأفراد ومعادنهم حينما تتحول أحوالهم من الشدة إلى الرخاء أو العكس، أو حينما تنزل عليهم المصائب، فهناك من ينجح في امتحان الحياة، وهناك من يسقط سقوطاً مدوياً قد يصعب عليه العودة إلى جادة الصواب، فيقول عليه السلام في حديث مأثور: «في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال»، بمعنى هناك من الرجال من ينقلب على مبادئه وقيمه متى ما تغيرت أحواله وظروفه، فيلهث وراء مصالحه الشخصية على حساب مصالح مجتمعه.

وفي المقابل هناك من الرجال من يصمد على الحق، ويتمسك بمبادئه، ولا يتزحزح عنها مهما تغيرت ظروفه سلباً كانت أم إيجابًا.

 الآن وبعد أن عرفنا مفهوم «معدن الرجل»، ومتى ينكشف ذلك المعدن، نأتي إلى واقع مجتمعنا البحريني الصغير الذي يمر هذه الأيام بمرحلة الانتخابات، حيث الشوارع قد امتلأت بصور المرشحين وشعاراتهم ووعودهم الانتخابية، إضافةً إلى الخيام الانتخابية التي نصبت وما يتوافر فيها من مأكولات ومشروبات.

باعتقادي، حقيقة الرجال ومعادنهم تتجلى في هذه المرحلة، فهناك من المرشحين من كان وبالاً على المجتمع، وإذا به يتحول إلى طفل وديع، يبتسم في وجوه الجميع، ويعطف على الفقراء والمساكين، ويصبح كريماً وسخياً حتى أنه لا يتوانى عن توزيع الخيرات، كالثلاجات والمكيفات على المحتاجين في دائرته.

وهناك من عاش سنين في كهف بيته، ولم يُسَجّل له أي نوع من التواصل الاجتماعي، أو النشاط السياسي، وإذا به يرفع شعار الدفاع عن حقوق المظلومين والمحرومين، ويتعهّد بأن يكون خير سندٍ لهم في المجلس النيابي أو البلدي.

وهناك أمثلة كثيرة بعضها مبك، وكثير منها مضحك لدرجة أنّ المشاهد الانتخابية والوعود العرمرمية للمرشحين تحولت إلى أحاديث ومسامرات للمجالس هذه الأيام. أتصوّر أنّ الناخب البحريني قد وصل إلى درجة من النضج السياسي، فيميز بين المرشح الصالح الذي يحمل هموم الوطن والمواطن، والمرشح الطالح الذي لا همّ له سوى مصلحته الذاتية، وصدق من قال: «عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان».

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الأول/2010 - 10/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م