البيروقراطية: ظاهرة تستنزف الكفاءات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يعتبر الروتين من أسوأ مظاهر التخلف الاداري في الشعوب، وغالبا ما يتأتى الروتين من شيوع النهج البيروقراطي في إدارة مؤسسات ودوائر الدولة، وجانب الخطورة يتمثل بتكريس الفساد الاداري في مستويات أدنى ثم أعلى وأعلى، أي صعودا متدرجا من قعر القاعدة الى قمة الهرم الاداري.

وفي ظل التراجع الاداري الخطير تصبح الكفاءات في مهب الريح، ويتم تهميشها او إلغائها كليا في ظل السيطرة البيروقراطية على المفاصل الادارية لمؤسسات الدولة الانتاجية والخدمية وغيرها، ويصبح الروتين وعقد الصفقات الفردية والجماعية نهجا اداريا مستديما يثقل كاهل الدولة ويقضي على الفرص التي تحاول أن تنهض بإدارة المؤسسات الرسمية بصورة قوية وواضحة، تعتمد الحداثة والنزاهة والشفافية في تفعيل أنشطتها كافة.

وشيئا فشيئا تسود ظاهرة الاستبداد السرّي التي تتخفى بمظاهر ومخاطر البيروقراطية المقيتة، فتحارب الكفاءات وتقصيها من خلال عدم السماح لها باداء الدور الذي يليق بها، لاسيما أنها تمتلك السبل والوسائل العلمية والعملية الكفيلة بالنهوض بالقطاعات التي تتطلب جهدا اداريا معاصرا.

فحين يقوم مدير فاشل على إدارة مؤسسة ما، ممن وصلوا الى هذا المنصب بعيدا عن مقاييس الاستحقاق العلمي والعملي كتوافر الشهادة العلمية او تحصيل الخبرة والاختصاص العملي، فإنه لابد أن يتطيَّر من المدير الكفؤ ذي الشهادة والمراس، وهكذا سيتعاضد (مدراء التخلف الاداري) فيما بينهم ليشكلوا مصدر استبداد سري يحارب الكفاءات التي تشكل خطرا على مناصبهم ومصالحهم بغض النظر عما تلحقه هذه الحالات من أضرار جسيمة بالمنظومة الادارية التي تقود البلد إداريا وانتاجيا في المجالات كافة.

ولذلك غالبا ما تتعرض الكفاءات في بلداننا الى التهميش والمحاربة، وغالبا ما تجد ترديا واضحا في القطاع الاداري بسبب نقص الخبرة وفقدان القدرات العلمية المناسبة، وتقف المحسوبية والعلاقات المغرضة والحزبية وما شابه وراء مثل هذه التجاوزات على حقوق الكفاءات ومواقعهم وأدوارهم التي ينبغي أن تدير القطاع الاداري للدولة وفق أحدث الطرق الادارية وأكثرها دقة وتحديثا.

ولعل السبب الأكثر وضوحا في هذا الجانب يتمثل بفرض المقربين من السلطة الحاكمة على رأس هذه المؤسسة الادارية أو تلك، وقد تكون لمثل هذه الافعال الخاطئة مبررات سياسية أو ما يشبه ذلك، وهو منهج شائع في البلدان التي لا تتمتع بقدرات سياسية وإدارية سليمة ومعافاة من مرض البيروقراطية ومضاعفات الاستبداد وتكريس المناهج التي أكل عليها الدهر وشرب.

فالتحديث يُفترَض أن لا ينحصر بالتجديد الشكلي للفكر او للرؤى او الاقوال المثالية التي يطلقها هذا السياسي او ذاك، بل التحديث الأمثل يكمن في التطبيق الفعلي للمناهج والبرامج الادارية المحدثة التي تنهض بها الكفاءات المناسبة والفاعلة في مجالاتها وتخصصاتها، على عكس ما يحدث في الادارات البيروقراطية المريضة. وهكذا يتطلب الامر مراجعة شاملة للمنظومة الإدارية الفاشلة، ولابد من أن يتخذ المعنيون، سياسيون وإداريون، الخطوات الصحيحة التي تحد من تفشي الروتين والنهج البيروقراطي القاتل للكفاءات، لاسيما وأن طبيعة العصر تتطلب استغلالا أمثل لطاقاتهم وقدراتهم من خلال: 

- إقامة المنظمات المتخصصة بدعم الكفاءات وتوفير القدرات والمؤهلات اللازمة لها كالاستقلالية والتمويل وما شابه.

- احتضان الكفاءات والدفاع عن مشاريعهم واستيعابهم لاسيما أولئك العائدون من بلدان  المهجر بسبب التجاوز على حقوقهم وهدر فرصهم.

- مكافحة الأساليب البيروقراطية والحد من انتعاشها في المفاصل الادارية للدولة.

- تقديم المحفزات المادية والمعنوية للكفاءات وفسح المجال أمام قدراتهم المتنوعة كي يتم تطبيقها على الأرض.

- وضع التشريعات اللازمة من لدن الجهات المعنية بخصوص الحد من الروتين وتطبيق مبدأ الإنسان المناسب في المكان المناسب.

- تفعيل الجهد الإعلامي في المراقبة والتوعية في آن فيما يخص معالجة المخاطر الادارية التي تفتك بالجهاز الإداري للدولة.

- الانطلاق بنوايا صادقة لدعم الكفاءات لاسيما من لدن القادة السياسيين وتقديمهم على غيرهم كونهم الفئة التي يمكنها أن تحدّث مفاصل الادارة، وذلك عبر خطوات فعلية تأخذ قوة القانون وقدرته على التنفيذ الفوري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 18/تشرين الأول/2010 - 10/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م