قراءة في كتاب: شعر العصر العباسي... أبو القاسم الزاهي

ابن فلسطين يعيد إلى بغداد زهو أدبها المضيَّع

 

 

 

 

 

الكاتب: خالد أحمد السنداوي

الكتاب: شعر العصر العباسي .. أبو القاسم الزاهي

الناشر: مؤسسة "هارّاسّوفيتز فيرلاج" (Harrassowitz Verlag)

عدد الصفحات: 240 صفحة من القطع الوزيري

عرض: د. نضير الخزرجي

 

 

 

 

شبكة النبأ: ليس من الصعوبة بمكان أن يبري الباحث يراعه في الحديث عن واقعة معاصرة أو قريبة أو عن شخصية ذات تأثير ملحوظ في المحيط الإجتماعي، فهو أما أن يكون قد عاصر الواقعة أو الشخصية أو أنها قريبة العهد تمتلك كامل أو معظم جزئيات البحث وتتوفر فيها المصادر الكافية، لكن الأمر سيطول وسيصعب كلما غار الباحث في عمق التاريخ لأن المصادر إن وجدت ستكون في بعضها أو معظمها غائمة ضبابية بحاجة إلى منظار باحث حاذق، بيد أن الصعوبة سيكبر حجمها حينما تكون الشخصية ذات قيمة اجتماعية كبيرة مورس بالضد منها التهميش والتجهيل في عصرها أو بعده، فمن الطبيعي أن تأتي الصورة باهتة تفتقد إلى رتوش كثيرة ومواد مظهرة لبيان معالم هذه الشخصية على حقيقتها وإزاحة الرين الذين غطى خطوطها.

وهذه العملية أقل ما يقال عنها أنها مهمة غير يسيرة وإن امتلك الكاتب ناصية القلم، ولكنها في الوقت نفسه غير عسيرة على الباحث الذي يتحرى الحقيقة وإن طال به الزمن أو عقمت في جعبته المصادر أو كادت، لأن ديدنه إظهار الحقيقة من بين ركام التاريخ حتى وإن تطلب منه الأمر السفر هنا وهناك وطرق الأبواب المختلفة متحملاً في ذلك ثقل الصعاب وذل السؤال، وإلا فإن الكتابة الجامدة وإن زوَّقها الكاتب بالمحسنات البديعية تظل قطعة أدبية لا ترقى إلى البحث العلمي الأكاديمي، إلا أن الباحث الجاد هو الذي ينقب عن المعلومة أنى كانت ويتسقطها حيثما يظن وجودها، لأن العمل الخارج من آلة البحث والجهد المعرفي هو الذي يكتب له الدوام والخلود في سجل الثقافة الإنسانية.

زهاء البغدادي

وما أتى به الباحث الفلسطيني المختص بالأدب العربي القديم والأدب الشيعي، الأستاذ بالكلية العربية للتربية في حيفا الدكتور خالد أحمد السنداوي المولود في الجليل الأعلى بقرية الجش سنة 1963 م، يدخل في هذا المعترك الثقافي الأدبي المشهود، حيث استطاع بمقدرته العلمية والأدبية أن ينتشل ملف شخصية أدبية كبيرة من مطاوي التاريخ ويرفع عنها الغبار المتراكم ويقدمها للقارئ بعد ألف عام من اللامبالاة، وهي شخصية الشاعر البغدادي علي بن إسحاق الزاهي (925- 963 م) من أدباء وشعراء القرن الرابع الهجري الذين ذاع صيتهم في الآفاق، لكن معتقداته الدينية حالت دون وصول كل شعره إلينا، بل أن جهات عدة مارست عملية الطمس المنظم لقصائده وقصائد أمثاله من الشعراء لما كانت تتركه من أثر عميق بفعل الذائقة الشعرية التي استطاعت أن تتماهى مع عواطف الناس وتتداخل مع نفوسهم، ولذلك يرى الدكتور السنداوي حسبما توصل إليه: "إن لعقيدة الشاعر وموقفه السياسي صلة بأسباب ضياع كمية كبيرة من شعره على نحو ما وقع لدواوين شيعة آخرين أمثال: دعبل الخزاعي، والسيد الحميري وآخرين)، ومع هذا فإن الشاعر الزاهي وإن ضاعت قصائده، لكن شعره انتشر في عصره، وهو ما يؤكد عليه المؤلف فـ: (الذي يستلفت النظر في رواة شعر الزّاهي تنوع أقاليمهم وجنسياتهم بين نيسابور ودمشق، وإذا أخذنا بالحسبان أن الزّاهي أقام في بغداد، فهذا يعني أن شعره كان ذائع الصيت وحظي بشهرة في أصقاع وأقاليم مختلفة من بينها العراق وخراسان والشام، والفضل الكبير يعود إلى رواة شعره) والرواة بطبيعة الحال إنما يعمدون إلى حفظ الشعر الجزل وتداوله ونشره.

وعلى بعد المسافة المكانية والزمانية، إلاّ أن الدكتور السنداوي الذي يرأس أيضا قسم دراسات الشرق الأوسط في كلية "عيميك يزرائيل" بجامعة تل أبيب، والأستاذ في أكاديمية القاسمي للتربية في باقا الغربية (طولكرم)، كان موفقا في غربلة كتب التاريخ واستنطاقها واقتناص أية معلومة عن الشاعر العراقي مهما صغرت، وتفحصها بعين الأكاديمي والباحث الأدبي، مما أضاف للمكتبة العربية ديوانا جديدا هو (ديوان أبو القاسم الزاهي) صدر حديثا (2010 م) في ألمانيا عن مؤسسة "هارّاسّوفيتز فيرلاج" (Harrassowitz Verlag) تحت عنوان (شعر العصر العباسي .. أبو القاسم الزاهي)، ضم 54 قصيدة ومقطوعة وبيت في 309 أبيات، وهو المجلد الثاني عشر من سلسلة المخطوطات العربية القديمة، ولا يخفى أن الديوان جاء مزودج الفائدة للناطقين بالعربية والانكليزية وإن تصدرت اللغة الإنكليزية عنوان الديوان، فالمقدمة المستفيضة عن الشاعر وأدبه جاءت مترجمة إلى اللغة الانكليزية واستحوذت على ربع عدد صفحات الكتاب التي بلغت 240 صفحة من القطع الوزيري، مما يعني أن الديوان يمثل إضافة جديدة إلى المكتبة الإنكليزية، وهذه قيمة علمية وأدبية راقية يستجليها المؤلف لتعريف الناطقين باللغة الانجليزية بالأدب العربي في العهد العباسي، ولا سيما أدب شعراء لم تكن السلطات المتعاقبة تنظر إليهم بارتياح بسبب توظيفهم الكلمة وتطويعها في بيان أفكارهم ورؤاهم السياسية النابعة من خلفية ولائية.

وسطية الولاء

وربما تعد النظرة السلبية هذه واحدة من العوامل التي ساهمت في ضياع الكثير من القصائد وتغييب أسماء لامعة في سماء الأدب، ولم تحظ بقدرٍ كاف من الإعلام أو الإهتمام الحكومي أو إلتفاتة من النوادي الأدبية كما حظيت شخصيات أقل شأنا وأضعف شعراً وأدباً، رغم أن القرن الرابع الهجري كما يشير الدكتور السنداوي :(شهد نهضة فكرية في أرجاء العالم الإسلامي وصلت إلى الذروة) كما: (ويشار إلى أن التنافس بين الدويلات ومراكز الحكم الإسلامي أدّى إلى تنافس ثقافي، فالمملكة الإسلامية في القرن الرابع الهجري كانت أعلى شأنا في العلم من القرون التي سبقتها حيث نضجت فيها الثمار العلمية).

ولم يخف الشاعر الزاهي البغدادي ولاءه للنبي (ص) وأهل بيته (ع)، وقد خلص السنداوي في قراءته المستفيضة لشعره: (أن معظم شعر الزاهي في العقيدة إنما هو تصوير لمذهب الإمامية ودفاع عنه)، يقدم بصورة بديعة، كقوله في وصف صولات الإمام علي (ع) في الحروب، من الكامل:

هذا الَّذي هشَّمت يداه فوارساً *** قسراً ولم يكُ خائفاً مُترَقِّبا

وبتقديري أن الزاهي البغدادي أحسن استخدام عبارة (هشَّمت يداه) بصورة ملفتة للغاية محاولا تذكيرنا بجد أبيه عمرو بن عبد مناف الشهير بـ "هاشم" الذي إليه يُنسب "بنو هاشم" والمدفون بغزة في فلسطين، حيث هشَّم الخبز بيده لعمل الثريد لأهل مكة يوم أصابتهم المجاعة، فعليٌّ يهشِّم رؤوس الشرك والنفاق إنقاذا للأمة من أسر الجبت والطاغوت وعمرو يهشِّم الخبز إنقاذاً لقومه من غول الجوع والمجاعة، وفي ذلك يقول مطرود بن كعب الخزاعي من بحر الكامل:

عمرو الذي هشَّم الثريد لقومه *** قوم بمكة مسنتين عجاف

لكن ولاء الزاهي لا يذهب به بعيداً إلى الغلو كما يؤكد المحقق الفلسطيني، فلم يكن دأبه هجو الصحابة كما فعل بعض الشعراء الذين مالوا إلى التطرف والتعصب والغلو ولذلك يضعه في: (صف الشعراء المتساهلين)، بيد أن الدكتور السنداوي بالغ في القول بأن: (الشيعة على اختلاف فرقها، ما عدا الزيديّة، تجوز لأتباعها سبَّ وشتم الصحابة والتقريع بهم والسخرية والتهكّم عليهم)، والحقيقة أن بعض المتعصبين الجانحين إلى الغلو هم الذي يعمدون إلى السب، فالشتم من شيمة ضعاف النفوس ولم يرد عن النبي الأكرم محمد (ص) وأئمة أهل البيت (ع) تجويزهم للسب الشتم، ثم أن التوجه القرآني هو عدم سب غير المسلم أساساً بنص قوله تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) سورة الأنعام: 108، فالموصوف بـ : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) القلم: 4، لا يدعو إلى الرذيلة، ومن كان السب والشتم وهتك الأعراض ديدنه مهما تعددت طيات عمَّته وطول ذؤابات لحيته وتهدَّلت أذيال جبّته أو قصرت فهو فيمن قال فيه الإمام علي (ع): "يُهلك فيَّ رجلان: محب مفرط غال ومبغض قال" كنز العمال: 11/324، وهذا الصنفان لعنهما الإسلام حيث قال الإمام علي (ع): "اللهم العن كل محبٍّ لنا غال وكل مبغض لنا قال" كنز العمال: 11/325،

وفي تقديري أن المغالين والسبّابين والمتهتكين للأعراض والحرمات هم غير أسوياء، فالتطرف في البغض والحب شعبة من شعب الأمراض النفسية، وهناك من الغلاة في الحب والبغض من يحاول أن يحتكر الإسلام مستغلا عواطف الناس أو جهلهم، فيضع نفسه موضع الرب الجليل يدخل الجنة من يشاء ويدخل النار من يشاء، وما أظن هؤلاء مكانهم الطبيعي إلا في مستشفى الأمراض العقلية.

التصوير الكاريكاتوري

لا شك أن الخبرة البحثية والأكاديمية للدكتور السنداوي وضلوعه في الأدب العربي بعامة والشيعي بخاصة، مكّنته من الوقوف على الموضوعات والأغراض الشعرية التي تناولها الزاهي البغدادي في شعره، مما سهلّ على القارئ الناطق بالعربية أو الانكليزية التعرف على الموضوعات في شعر الزاهي ونسبتها في القصائد والمقطوعات والأبيات التي لاحقها السنداوي في مظان الكتب والمصادر القديمة والحديثة، حيث لاحظ أن شعر الزاهي البغدادي تناول الموضوعات والأغراض التالية:

أولا: الوصف: وتوزع على وصف الطبيعة والخمرة وتميز بالوصف التصويري الذي أسماه المحقق بـ "التصوير الكاريكاتوري"، فهو عندما يصف الطبيعة كما يعتقد السنداوي: (يبدو الزاهي في وصف الطبيعة عاشقا مُصوِّراً رسَّاماً محلِّقاً في عالم الصور، يُبدع في مزج الألوان وتنسيقها، وسكب مشاعره وأحاسيسه عليها)، فهو يوالف بين المحسوس واللامحسوس، بين عالم التجرد وعالم الشهود، وبتعبير السنداوي: (فهناك دائما صورتان في وصف الزاهي، صورة حيّة في الطبيعة ماثلة أمام ناظريه، وصورة متخيّلة مرسومة في خياله كنموذج وجداني حسّي وجمالي، وهو يجتهد في شعره لنقل الصورتين إلى القارئ) ومن ذلك قوله من الطويل:

سَفَرْنَ بُدُوراً وانْتَقَبْنَ أهِلَّةً *** وَمِسْنَ غُصوناً والتَفَتْنَ جَآذرَا

ويلاحظ في الوصف عند الزاهي تهكمه وسخريته من بعض الشخصيات التي تمثل حالة سلبية أو ظاهرة مرضية في المجتمع مثل بعض أصحاب اللحى، وقد وضع السنداوي شعر الزاهي في خانة "الوصف التصويري" أو ما "الوصف الكاريكاتوري" الذي يعني بنقل الحالة أو الظاهرة بصورة ساخرة وناقدة كما يفعل فنان الكاريكاتور، باعتبار أن قصائد السخرية كما يرى السنداوي: (تعتبر أداة دفاعية، عن طريقها تستريح النفوس المعذبة وتجد ملاذها).

وفي ذلك ينشد الزاهي من البسيط:

ماشيتُ داودَ فاستضحكتُ من عجب *** كأنَه والدٌ يمشي بمولودِ

ما طولُ داودَ إلا طولُ لحيته *** يُظنُّ داودَ فيها غير موجودِ

فالزاهي البغدادي كنى عن قصر قامة داود مقابل طول لحيته بالوالد يحمل مولوده، وإذا مشى داود يضيع بين لحيته لطولها وشعثها فلا يرى إلا اللحية كأنه غير موجود، فالزاهي يتندر ويعبر عن امتعاضه من بعض الأدعياء الذين يدارون قصور فهمهم بطول لحاهم ليغروا الناس مستأكلين بها وبالدين!

ثانيا: التشيّع: من الملاحظ أنّ قيام حكومات وسقوط أخرى يعد من العوامل الرئيسة في قوة الشعر وضعفه، وقد حالف الحظ الشاعر أنه ظهر في القرن الرابع الهجري الذي شهد ظهور حكومات تبنت المذهب الشيعي في مقابل حكومات تبنت المذهب السني، ويبدو كما يستظهر السنداوي أن الزاهي البغدادي استفاد من هذا الوضع السياسي في نظم شعر الولاء لأهل البيت (ع) وانتشاره وعنده أن: (أغلب الظن أنه نظمه في آخر سنين حياته، وأصبح مجاهرا بعقيدة التشيّع بعد دخول البويهيين إلى بغداد، فقد دخل أحمد بن بويه معزّ الدولة سنة 334 هـ/945 م وأصدر أوامره بالحداد العام في بغداد سنة 352 هـ/ 963 م على مقتل الحسين بن علي).

ويخلص المؤلف من خلال القراءة المستوعبة والحاذقة لهذا الديوان الذي يعود الفضل إليه في إخراجه من كُمِّ الضياع والنسيان أن الشاعر الزاهي: (استوعب تاريخ الشيعة وصبَّه بأشعار التشيع لديه) وهو تشيع إمامي إثنا عشري كما يظهر ذلك من قصائده، وهو كما عرفناه بارعا في شعر الوصف والغزل والسخرية نستطيع القول كما يؤكد الباحث: (إن شعره المذهبي كان تعبيراً حيًّا ومرآة صادقة لآرائه ومعتقداته، وقد استطاع أن يقدم لنا لوحة مذهبيّة عن جميع معتقدات الشيعة الإمامية التي كانت سائدة في عصره).

ومن قصائده الولائية من البسيط يقول في أولها:

يا لائمي في الوِلا هل أنتَ تعتبرُ *** بمَن يُوالي رسولَ الله أو  يَذَرُ

ثم يختم بقوله:

حَسْبي بهم حُججاً لله واضحةً *** تَجرْي الصلاةُ عَلَيهم أينما ذُكروا

هم دوحةُ المجدِ والأوراقُ شيعَتُهُمْ *** والمصطفى الأصلُ والذرِّيَّةُ الثَّمَرُ

نكبة الأدب

وكرد فعل على أدب الولاء، فإن شعر الزاهي البغدادي تعرض للضياع أو التغييب، وهو لا يختلف من هذه الناحية عن أي شاعر ولائي آخر، ويرجع المحقق الفلسطيني ذلك إلى عوامل عدة أهمها:

أولا: التعصب المذهبي للمؤرخين الذين أرَّخوا فترات تاريخية معينة أو شعراء فترة معينة كالقرن الرابع، فإنهم تجاهلوا شعراء الشيعة.

ثانيا: انتماء الزاهي البغدادي إلى المذهب الشيعي. وهذا ما كلَّفه الكثير خلال حياته وبعدها، وأقلَّها فقدان شعره، أو ربما كما يستقرء السنداوي: (أتلف الشاعر نتاجه في حياته أو أن الموالين له الذين جاؤوا من بعده فرّطوا بشعره خوفا من الإيقاع بهم).

ثالثا: إبادة السلاجقة قسماً كبيرا من تراث البويهيين والحمدانيين، وبتعبير المؤلف: (وقد فعلوا ذلك عمداً لأنهم أرادوا إبادة حضارة يطغى عليها التشيُّع).

رابعا: الاضطرابات السياسية في هذا القرن، وكما يؤكد المؤلف: (إذ سبَّبت زوال الدولة البويهية والحمدانية، مأساة للحياة الأدبية والفكرية أيضا، وقد ضاع الكثير ولم يظهر حتى الآن).

خامسا: يعتقد البعض كالأديب والباحث المصري الراحل الدكتور أحمد شوقي بن عبد السلام ضيف (1910- 2005 م) الشهير اختصارا بـ "شوقي ضيف" أن الزاهي كان شاعراً شعبيا ولذلك أصاب الإهمال شعره وشخصه، لكن الهنداوي له رأي آخر، فهو يعتقد أن الذي يذهب هذا الرأي إنما : (بنى حكمه هذا على الزاهي استنادا إلى شعر التشيُّع عنده، وعلى ما يبدو لم يتسنَّ لشوقي الإطلاع على شعر الوصف عند الزاهي، فجاء تقييمه له جزئياً، مبتوراً، وغير دقيق).

وفي الحقيقة أن السنداوي أصاب كبد الحقيقة في تحليله، لأن الحالة التي سادت العراق في القرن الرابع الهجري تكررت قبل وبعد إذ كانت المكتبات العامة والخاصة تتعرض بين فترة وأخرى للمصادرة أو الخراب، وإذا كان من نصيب المكتبات العامة الجرد والمراقبة وإبادة نوع معين من المؤلفات، فإن المكتبات الشخصية كان نصيبها التلف الكلي حيث يقدم أصحابها على طمرها في باطن الأرض أو دفنها في الجدران تفاديا لعيون السلطات، وقد أخفيت عام 1979 م مكتبتي الشخصية على قلَّتها في كوّة عمودية داخل جدار المنزل، كما ساعدت شقيقي الأكبر في طمر مكتبته الشخصية في باحة داره، وفعل مثلي الكثيرون، وهذه الظاهرة التي تتكرر في العراق بين فترة وأخرى لا شك حصول مثلها في بلدان أخرى.

أعتقد أن الجهد الذي بذله الباحث والأديب الفلسطيني الدكتور أبو أحمد خالد بن أحمد السنداوي ليس بالقليل، فديوان الزاهي البغدادي نتاج علمي وأدبي اسثنائي، عمد فيه إلى بث الروح في شاعر كاد شعره أن يُسحق تحت عجلة الصراعات السياسية المؤطّرة بدعامات مذهبية.

أكاديمي وإعلامي عراقي

الرأي الآخر للدراسات – لندن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 16/تشرين الأول/2010 - 8/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م