النبي محمد (ص) هو خاتم الانبياء وما جاء به هو خاتم التشريعات
والحساب يوم القيامة سيكون بموجب اخر تشريعات انزلها الله عز وجل على
عباده ، ومنذ ان رحل خاتم الانبياء الى الرفيق الاعلى وتغير مسار
التشريعات بدأت تظهر افكار ومصطلحات لتكون وقود للتشريعات المستحدثة
منها تلصق بالدين الاسلامي ومنها بالوضعي وثالث بالعرفي ومن بين هذه
التشريعات لابد من ان هنالك تشريع معتمد سيكون له الفصل يوم الفصل.
واخر فكرة مستحدثة الان على الواقع العالمي هي العلمانية وبعيدا عن
جذورها واساسها وتعريفها فان خلاصة القول انها تعني فصل الدين عن
الدولة اي فصل الخطاب الاسلامي عن الخطاب السياسي ، ومن هذا المنطلق
سننطلق لاثبات ضحالة هذا الفكر بالرغم من ان هنالك بعض القوانين
التشريعية التي قد يعتقد مشرعيها انها من تشريعاتهم وليست دينية هي من
صلب الدين الاسلامي وهي معتمدة لدى المسلمين.
الدين هذه المفردة يمكن ان الخص تعريفها بهذه العبارة الموجزة وهي
تشريع سماوي لتنظيم علاقات الانسان الاربعة وهي مع الله ومع نفسه ومع
المجتمع ومع الموجودات الاخرى ، بقي هل هذه التشريعات حصرت في حيز زمني
معين كان يكون فترة الرسالة ام ان هنالك من تكفل في هذه التشريعات الى
يوم الحساب؟ من هنا سنبدأ.
القران والرسالة وخاتم الانبياء مفردات لا يمكن لعاقل ان ينكرها لا
العلماني ولا الملحد ، لنتوقف عند هذه الاية العظيمة التي لها دلالات
واسعة ترتبط بالامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف الاية تقول:
فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {الزلزلة/7} وَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة/8} هنا قد يثار
اشكال بخصوص معنى المثقال على اعتبار انه وحدة قياس لمادة وعليه تكون
اعمال الفرد هي المادية وليست المعنوية من تشريع قوانين او استحداث
نظريات بل مقصورة على الصناعة مثلا وكل ما له اثر عيني وهذا الاشكال
ترد عليه ايات اخر منها : [إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا
عَظِيمًا {النساء/40}] ـ [ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ {الأنبياء/47}]
ومن هذه الايات يتضح المقصود بالظلم هو قرار او حكم نظري اذن يصح
استخدام كلمة مثقال للتعبير عن صغر العمل ماديا ومعنويا.
يوم الحساب لا تنكره العلمانية والذي فيه سيرى الانسان اعماله الشر
والخير ولو كان بحجم المثقال والشر والخير هو الثواب والعقاب حيث ان
اعمال البشر ان كانت خيرا فقد يجزى عليها دنيويا واخرويا وقد يجزى
عليها اخرويا فقط او دنيويا فقط.
من هنا لنبدأ كيف سيحاسب الله عز وجل عباده على اعمالهم بعد انتهاء
فترة الرسالة وعصر الائمة الاحد عشر امام بالنسبة للامامية اي فترة
الغيبة الكبرى ؟ والمعلوم لدينا هنالك براءة شرعية والتي دليلها القران
ومن هذه الايات هي (لا يكلف اللّه نفسا الا ما آتاها) (و ما كنا معذبين
حتى نبعث رسولا) والبراءة العقلية هي قبح العقاب من غير بيان ، فكيف
يحاسب الله عباده من غير تشريع او ايضاح للبشر حتى يفرق الخير عن الشر
؟ واذا قلنا ان الاستدلال على الخير والشر قوانين قرانية معروفة اذن
هنا لايمكن فصل الدين عن الدولة وفي نفس الوقت سنقول من له القدرة على
تميز كلام الله عز وجل ليفرق بين الخير والشر الا من كان هو حجة الله
عز وجل ومنح ملكة ومؤهلات تجعله قادر على فرز الخير عن الشر حتى يتم
تشريع القوانين على ضوئها ؟.
سيقولون لو اقتنعنا جدلا بصحة ما تقولون فمن اين لنا ان نصل الى
المشرع اليوم ؟ هنا سنقول لهم في هذه الحالة ان كنتم وثقتم بالفترة
التي هي قبل الغيبة وان المشرع كان الحسن العسكري وابيه واجداده عليهم
افضل الصلاة والسلام فهو القائل اعتمدوا قول ولدي المهدي والمهدي هو
القائل ان علماء امتي حجة عليكم ، وبهذا فان مطلب العلمانية بفصل الدين
عن الدولة هو عزل العلماء المميزين الذين هم حجة الحجة علينا.
ومن جانب اخر لناخذ الامور بشكل علمي ومنطقي وبعيدا عن الخوض
بمفردات فلسفية وسوفسطائية مثلا (الديمقراطية والبراغماتية و
الابستمولوجيا و البلشفية وووو....) هل تمكن العلمانيون من تشريع قانون
فيه المصلحة للبشرية لا وجود له في مفردات التشريع الاسلامي (كتابا
وسنة) ؟ فان قيل نعم فانا اجزم اما انه موجود او انه سلبي والاستشهاد
بدليل هو خير رد.
الى اليوم عجزت كثير من الانظمة العالمية عن تشريع قانون بخصوص
الارث يضمن العدالة للورثة فدائما نجدهم يشرعون ويلغون قوانين بسبب ما
بها من فجوات او ظلم لفرد دون الاخر. |