تراكم الاخطاء المترتبة على سياسة النظام السابق تسببت بنقل الملف
العراقي بشكل مباشر الى الطاولة الدولية، وهيأت الموقف والوضع لاحتلال
البلاد ونقل زمام المبادرة من الشأن الوطني الى الشأن الخارجي، وكان
ذلك نذيرا ببروز الكثير من الظواهر التي لم تكن تنسجم في يوم من الايام
مع واقع العراق واعرافه الاجتماعية والسياسية، ومن بين تلك الظواهر
والامراض الغريبة المحاصصة المذهبية والقومية التي اعتمدت من قبل
السفير بريمر، بداية الامر، وسيلة لادارة البلاد وكانت السبب الرئيسي
في تعقيد المشهد السياسي والمساهمة بإيجاد نوعا من التخندق الطائفي
والعرقي وبالتالي اللجوء الى خارج الحدود لاستيراد عوامل الاستقواء على
الفرقاء داخل الحدود في محاولة لابتزازهم والدفع بهم الى زاوية
الاستسلام والقبول بالامر الواقع...
هذه النتيجة كانت حصيلة لمقدمات سبقت السقوط وهيأت لسلسلة تداعيات
وانهيارات وقعت بعده، وهي نتيجة طبيعية لغياب العامل الوطني في التغيير
والاستعاضة عنه بالعامل الاجنبي الذي عادة ما يراهن على مواطن الضعف
ويحاذر مواطن القوة داخل الامة والمجتمع.
عندما نسلم بهذه الحقيقة ينبغي علينا التسليم ايضا بما لحق بنا من
ازمات خطيرة ومختلفة آخرها ما انتهت اليه مساعي تشكيل الحكومة التي ما
فتأت تتفاعل منذ اكثر من سبعة اشهر لتتحول الى ازمة سياسية مستعصية،
فقد ولدت هذه الازمة من رحم التدخلات الخارجية وهذا ما اشار اليه رئيس
الوزراء المنتهية ولايته ووزير خارجيته ذاتهم مؤخرا في معرض تذكيرهما
بالاسباب الحقيقية المؤدية الى الاوضاع السياسية الحالية، ومؤدى ذلك ان
المناعة الوطنية لازالت للاسف الشديد غير مؤهلة لمواجهة التدخلات
الخارجية والحيلولة بينها وبين العبث بالارادة الوطنية والتأثير على
المشاريع الداخلية...
الاصوات المسؤولة كانت ولا زالت تمثل هاتفا لايقاض دعاة التدخل
الخارجي من غفوتهم والعمل على اعادتهم الى دائرة الخيار الوطني
واستضافتهم للجلوس على الطاولة الوطنية المستديرة وهذا ما يمكن ملاحظته
في دعوات الائتلاف الوطني التي اطلقها في فترة مبكرة من ظهور نتائج
الانتخابات السيد عمار الحكيم، ثم عاد السيد مسعود البرزاني رئيس اقليم
كردستان ليؤكدها عبر دعوة مماثلة وجهها للقوائم الفائزة لكي تجلس على
طاولة واحدة، لكن هذه المرة عبر ممثلين اثنين عن كل كتلة سياسية
مفاوضة. وبناء على ذلك لا بد ان ننتهي الى نتيجة مفادها ان البلاد
اليوم ممثلة بقواها السياسية في مواجهة خيارين مصيريين :
الخيار الاول - القبول بالتدخلات الخارجية والاستسلام الى طروحاتها
الداعية الى تقاسم السلطة وتوزيع الصلاحيات وتسمية رئيس الوزراء بطريقة
تهميشية لا تأخذ بتوجهات الفرقاء ولا تلتفت الى تصوراتهم او تحترم
استحقاقهم الانتخابي فضلا عن احترام توجهات الشارع والمواطن.
الخيار الثاني - يتمثل بالاحتكام الى الفضاء الوطني والاصطفاف مع
القوى السياسية والالتقاء مع شركاء الوطن للاتفاق على تسمية مرشح
القبول الوطني لتولي رئاسة الحكومة القادمة.
واذا كان من المنطق منح التحالف الوطني الحق بترشيح واختيار رئيس
الوزراء كونه الكتلة الاكبر والجهة المخولة دستوريا لانجاز مثل هذه
المهمة، الا ان ذلك لا يمنع اللجوء الى الفضاء الوطني الواسع والاخذ
بآراء جميع الاطراف والفرقاء للوصول الى موقف وطني جامع يوفر الضمانات
العملية اللازمة لشرعية الحكومة ولانجاز مقبوليتها على الصعيد الوطني،
ومثل هذه المهمة تبدو في غاية الضرورة اذا اخذنا بنظر الاعتبار الظرف
السياسي القائم وحاجة الوطن الى المزيد من التقارب خاصة اذا كان الامر
يتعلق بقضية مصيرية كقضية تسمية رئيس الوزراء او تشكيل الحكومة. |