سينما الاغتصاب وتشويه صورة المرأة المسلمة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: آخر مشروع فلمي للممثلة انجلينا جولي والذي يجري تصويره حاليا يدور حول قصة حب تنشأ بين امرأة بوسنية مسلمة ورجل صربي إبان الحرب التي دارت بين البوسنيين والصرب،الى هنا الموضوع عادي ويحدث بين الكثير من الشعوب والثقافات والأديان.

لكن غير العادي في هذا الفيلم هو طبيعة كل من الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم واللتين تدور أحداثه حولهما، فالمرأة البوسنية هي إحدى ضحايا جرائم الاغتصاب التي مورست بشكل مدروس ومنظم ضد النساء البوسنيات،والرجل الصربي هو مغتصبها في أثناء تلك الحرب.

ليست المرة الأولى التي تتناول فيها السينما الجرائم المأساوية التي تقع في المجتمعات مثل جرائم الاختطاف وجرائم قتل الرهائن وجرائم الاغتصاب.

وقد قدمت الممثلة الايطالية مونيكا بيلوتشي إحدى الشخصيات النسائية المغتصبة والذي أثار ضجة كبيرة حول مشهد الاغتصاب الطويل الذي احتواه.

في جميع الأعمال المعروضة لم تستطع السينما او التلفزيون ان تقدم شخصية امرأة مغتصبة استطاعت ان تتعايش مع تلك التجربة ونسدل عليها ستائر النسيان بل على العكس نلاحظ تلك النساء يطاردهن شبح المغتصب ويتعرضن الى الكثير من المشاكل الأسرية والنفسية التي نادرا ما يستطيع العلاج النفسي تداركها.

ومنهن من تلجأ الى الانتحار او تصاب بانحرافات سلوكية ليس اقلها الانتقام من جنس الرجال جميعا وحتى القتل أحيانا.

وعن التداعيات النفسية التي تلقيها تلك الجريمة علي الضحية تراها أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس نجية إسحاق أنها تتمثل في التدمير النفسي الكامل للضحية وكراهية الحياة والرفض التام لها ما يظهر في الإقدام علي الانتحار, والانسياق في بعض الأحيان وراء سلوكيات إجرامية يغذيها عدم غفران المجتمع مدللة علي ذلك بالإشارة إلي أن نسبة كبيرة من محترفات البغاء هم ضحايا جرائم اغتصاب واجهن ردود فعل المجتمع العنيفة حيالهم.

وكثيرا ما قدمت لنا تلك الأفلام المرأة وهي تغسل جسدها الى حد تجريحه وإسالة الدماء منه في محاولة لتطهيره من الدنس الذي لحق به.

وفي السينما العربية كان اشهر الأفلام الذي تناول جريمة الاغتصاب هو فيلم العار المأخوذ عن قصة للأديب المصري يوسف إدريس والتي صدرت تحت عنوان النداهة وجسدت الفنانة فاتن حمامة دور الضحية ولا ننسى ليلى علوي ودورها في فيلم المغتصبون والذي تفاوتت ردود الأفعال حوله.

وقد يكون مفهوما أحيانا ان تنشا علاقة حب مفترضة بين المرأة التي تتعرض للاختطاف مع الرجل الذي يختطفها والتي تم توصيفها في مدارس علم النفس بعقدة او متلازمة ستوكهولم، وفيلمها الآخر (زمن الممنوع) و فيلم (الهجامة) وفيلم (بيت القاصرات) وفيلم (اغتصاب) لعلي عبد الخالق و(الأوباش) لأحمد فؤاد.

من تلك الأفلام (لا تيتا اسوستادا) او (حليب الأسى) للمخرجة البيروفية كلوديا للوزا الذي فاز بجائزة الدب الذهبي لمهرجان برلين عام 2009.

ويروي هذا الشريط قصة الوجع الخاص بالمرأة في البيرو وجراح الحرب التي خنقت البلاد ولا زالت آثارها حاضرة في النفوس وفي الفئات الاجتماعية التي تفرق بينها العنصرية.

ويستند الشريط على خلفية واقعية وثائقية درستها المخرجة طويلا قبل انجاز السيناريو وهي التقطت في شريطها فضاء مدينة ليما وضواحيها الفقيرة حيث ترفض شابة تسكن مع عمها الاقتراب من الرجال بعد أن شهدت شخصيا اغتصاب أمها وهي طفلة.

ويقود بحث الشابة عن المال في رحلة نحو التحرر من عقد الخوف التي لزمتها منذ الفجيعة التي شهدتها وحيث تعمدت المخرجة تكرارا الى إخفاء وجه القاتل دلالة على شمولية فعل القتل في البيرو في سنوات الحرب.

وكانت المخرجة صرحت خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب عرض فيلمها (الحرب انتهت في البيرو لكن لا أحد يريد ان يتكلم عن ذلك الماضي. الجميع ارتكب جرائم في هذا البلد الى درجة ان الطريقة الوحيدة للاستمرار في العيش باتت تتمثل بإغماض العينين) .

نأتي الى فيلم أنجيلينا جولي عن جرائم الاغتصاب في البوسنة والذي اخذ يثير غضبا متزايدا في سراييفو بسبب قصته حبه الافتراضية والتني لا تنسجم مع الواقع الذي عايشته النساء البوسنيات في سنوات الحرب تلك.

تواجه الممثلة الهوليودية الشهيرة، أنجيلينا جولي، عاصفة من الانتقادات الحادة في البوسنة، بسبب فيلمها الجديد المثير للسخط، والذي يجدد جراح الماضي الأليم والقريب. كما فتح باب الجدل حول طبيعة الفن، وما إذا كان يحمل رسالة الحقيقة، أو إذا كان مدخلا لكل الأغراض الرفيعة والدنيئة، من خلال نفي البعد الرسالي عن موضوعاته، وجعله في إطار البحث عن الإثارة، حتى إن صادمته الحقيقة، وجنت على التاريخ، والناس (الضحايا)، والواقع.

وقد أثار هذا الأمر غضب الكثير من منظمات المجتمع المدني في البوسنة، وفي مقدمتها: جمعية «نساء ضحايا الحرب». وطالبت بوقف التصوير وتغيير السيناريو بما يتوافق وحقيقة ما كان يجري في معتقلات الاغتصاب.

وقالت رئيسة جمعية «نساء ضحايا الحرب» بكيرة هيساتشيتش (في كل الحروب، حدثت عمليات اغتصاب، ولكن ما حدث في البوسنة كان فريدا ومختلفا؛ حيث كان ضمن مشروع متكامل، أي مخطط له سلفا، ولم يحدث عفويا، فمعظم اللاتي تم اغتصابهن، أنهى المجرمون حياتهن بالقتل).

وتابعت: (لقد استخدم الاغتصاب كسلاح لتدمير القوة المعنوية للمسلمين وتدمير روح المقاومة لديهم؛ لذلك اغتصبت فتيات في سن بين 11 و18 سنة ونساء كبيرات في السن، تجاوزن الـ65 عاما، وتمت جرائم الاغتصاب في المعتقلات الجماعية، وفي المؤسسات العامة، وفي المنازل الخاصة، وتعرضت المغتصبات للترهيب وللرعب وللضرب، وكانت المعاملة القاسية بهدف الإهانة بكل أصنافها، وكل مفرداتها، وكل أنواعها، ثم تأتي أنجيلينا جولي، لتغطي على كل ذلك في فيلم يتحدث عن قصة حب بين ضحية وجلاد) واستطردت: (ما حدث هو الاغتصاب، والقتل، والإهانة، والرعب، والمرض، والمعاناة، وليس الحب).

وعن سبب اختيار جولي للبوسنة من دون غيرها من الأماكن بحكم أن ما جرى لم يكن فيه أي مجال لتصور علاقة حب بين الضحايا والمجرمين قالت: (اغتصب النازيون اليهوديات والفرنسيات والبولنديات، كما اغتصبت الألمانيات عندما سقطت برلين على يد جنود الحلفاء، لا سيما الروس، وحصلت زيجات بين الجنود والنساء، فلماذا لم يتحدث فيلم واحد عن ذلك؟ حيث حدث ما لم يحدث في البوسنة إلا في مخيلة جولي، وأنا أدعوها أن تقرأ عن جرائم الاغتصاب في البوسنة، وأن تطلع على مستوى التدمير الذي أحدثته في الأسر والمجتمع، وأن تطلع على الثقافة السائدة لدى المسلمين والتي تفضل قتل الابن على اغتصاب البنت أو الزوجة أو الأخت. لقد ارتكبت جولي من حيث تدري أو لا تدري جريمة فظيعة أشد من جريمة الاغتصاب نفسها).

وذكرت بكيرة أن (عدد النساء اللواتي تم اغتصابهن بلغ 25 ألف امرأة، في أجواء من الكراهية والإهانة والسادية في أبشع أشكالها). ووصفت فيلم جولي (تزييف للتاريخ والحقيقة، فليس في السادية حب، وفي الكراهية عواطف، سوى الكراهية ذاتها.

فالصربيات اللواتي كن يسهمن في إذلالنا داخل المعتقلات الجماعية، كن يقلن لنا: لن تلدن أتراكا بعد اليوم وإنما ستلدن صربيين، كن يصفننا بأننا تركيات).

وأفادت بكيرة بأن (56 امرأة حملن سفاحا داخل المعتقلات ولم يكن بإمكانهن إجراء عمليات إجهاض، وقد تمت عمليات الاغتصاب في 67 مكانا في مختلف أنحاء البوسنة، ولم تفكر أية ضحية في حب من اغتصبها وتأتي أنجيلينا لتقول في فيلمها هذا حدث، ليبصق علينا العالم، فأي احترام لامرأة يتعرض شعبها للإبادة ونساؤه للاغتصاب تقع في حب السفاح الذي يقتل ويغتصب؟!).

وقال السياسي والدبلوماسي أدهم باشيتش: (الاغتصاب أسوأ تصرف إنساني، وعندما يقدَّم في قالب حب، وهو أرقى المشاعر الإنسانية، يقع من يفعل ذلك في التناقض).

وأردف: (لا يمكن تفسير هذا إلا بأنه أحد مظاهر الانحطاط الأخلاقي بمفهومه الثقافي والحضاري والإنساني، وليس بالمفهوم التقليدي فحسب). وتساءل: «ماذا لو أقدم مخرج نازي على تصوير فيلم يظهر اليهوديات اللاتي اغتصبن من قبل النازيين، فضلا عن ضحايا السبي الجماعي في التاريخ، يسقطن في حب الجنود النازيين؟ هل كان العالم سيبقى ساكنا في مكانه؟).

وأكد أن (الحقيقة يجب أن تقال، وأن يدافع عنها، وليس الكذب من أجل الإثارة، في قضية إنسانية وتاريخية؛ حيث لم تحدث ولو حادثة واحدة أحبت فيها مغتصبة المعتدي عليها).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 14/تشرين الأول/2010 - 6/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م