الفرص المستحيلة بين صانع الملوك وسيدة الملف الأمني

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا شيء يبقى على حاله، فبعد ان حصل التيار الصدري بعد إعلان نتائج الانتخابات الأخيرة على لقبي (بيضة القبان) (وصانع الملوك) ووصفته مجلة (فورين بوليسي – السياسة الخارجية) الأميركية بأنه (صانع الرؤساء) في العراق، فهو من دفع بنوري المالكي إلى رئاسة الحكومة في 2006، وهو كان قد تقاسم اللقب الأول مناصفة مع التحالف الكردستاني، تغيرت المعادلة الان وغاب التساوي في المصطلح الأول، واصبح لقب صانع الملوك حصرا من نصيب التحالف المذكور.

نعلم ان الألقاب تطلق جزافا في الواقع السياسي العراقي ولا تعبر عن مدلولاتها التعبير الصحيح، بل هي في الحقيقة فذلكات بلاغية يراد منها افهام السامع ان المتكلم بليغ ويفهم في السياسة تنظيرا وتعاطيا.

والأمثلة كثيرة خلال السنوات السبع المنصرمة فالقاتل والإرهابي (رمز وطني) والسياسي الكاذب والمنافق هو لسان حال الجماهير العراقية ووعد الخلاص المرجو لها، والجماعات المسلحة التي تحصد أرواح مئات الأبرياء هي جنود الله وأنصار سنة نبيه وهي مقاومة وطنية شريفة عفيفة مصونة.

حين كان التيار الصدري يتخذ موقفا ممانعا من ترشيح المالكي أطلق عليه لقب صانع الملوك والمقصود منه ان يكون الملك من القائمة العراقية لان الظنون والأوهام والتمنيات قادت الآخرين للاعتقاد ان المالكي أصبح ملكا بدون رعايا وما هي إلا أيام وسيخلع التاج ليلبسه الملك الجديد القادم من القائمة العراقية.

وفي فترة المفاوضات المكوكية بين الكتل السياسية كان التيار الصدري اقرب من حبل الوريد الى القائمة العراقية لانه تيار وطني وشعبي وما الى هنالك من النعوت التي كانت تسبغها القائمة العراقية على الكتل المتحاورة معها.

لكن المعادلات السياسية سواء منها الدولية او الإقليمية وحتى الداخلية كذبت هذه الظنون وخرج التيار الصدري من معادلة صناعة الملوك الى معادلة صناعة الصعاليك، واخذ الحديث الان يتجه صوب راديكالية التيار وقواعده الشعبية والتخوف من استلامه حقيبة امنية.

حسنا، الان الجميع يخطبون ود التحالف الكردستاني وهو يتمنع بدلاله المعهود، فالجالس على قمة الجبل ليس كمن يجلس في الوديان السحيقة، وتاج الملوكية لا يبقيه او ينقله الا بعد الموافقة على ورقته المتضمنة تسعة عشر بندا معظمها بحكم المقدس السياسي والقومي، ما الذي يفعله طلاب التاج الملكي؟

يتحاورون، يتفاوضون، يشكلون اللجان، يذهبون، يجيئون، والتصريحات تحمل الكثير من الاطمئنان الزائف (المفاوضات جيدة، والإشارات ايجابية) من العروس المتمنّعة، وصانع الملوك وجد كثيرا في جغرافية السياسة العالمية ومجتمعات غير المجتمع العراقي.

فنيك كليغ زعيم الديمقراطيين الأحرار قد صرح قبل الانتخابات البريطانية الأخيرة ان (هناك 45 مليون شخص لهم حق التصويت، وهم 45 مليون صانع ملوك).

ويطلق على هاشمي رفسنجاني في إيران لقب (صانع الملوك)، فقد كان له دور كبير في وصول خامنئي الى منصبه عام 1989 وفي تسلم محمد خاتمي سدة الرئاسة عام 1997، وكان قد تولى الرئاسة الإيرانية بين عامي 1989 و1997. وفي الجزائر يعتبر الجنرال العربي بلخير هو صانع الملوك هناك.

وكان زعيم الأغلبية الجمهورية السابق في مجلس النواب الأميركي توم ديلاي كثيرا ما وصف بأنه (صانع الملوك)، كما أنه كان يعرف في أوساط الكونغرس باسم «المطرقة» لتشدده في التعامل مع القوانين، وفي وقت من الأوقات اعتبر آية الله العظمى السيد علي السيستاني(صانع الملوك).

ننتقل الى القسم الثاني من العنوان البيني وهو المصطلح الذي نحته عضو القائمة العراقية صالح المطلك في وصفه للقائمة العراقية بأنها سيدة الملف الأمني في حديثه الى جريدة العالم الصادرة يوم الاثنين 11 / 10 / 2010، يقول المطلك في حديثه للصحيفة المذكورة (في هذه اللحظة أدرك المالكي ان فرصته لا تزال معرضة للخطر لأن الآخرين غير مستعدين لانتظاره، ومن المتوقع ان يقدم تنازلات كبرى للتحالف الكردستاني والقائمة العراقية، بغية التعجيل بتشكيل الحكومة، رغم كل الشكوك التي تعرقل انتزاع موافقة من قائمة أياد علاوي).

وخلص الى القول بأن المعادلة حاليا (هي ان الأكراد صانعو الملوك، والعراقية سيدة الملف الأمني، ومن يضمنهما معا يحوز السلطة).

سيدة الملف الامني، هذا المصطلح فيه انطباق الدال على المدلول بصورة لا تحتمل التأويل، فهو اعتراف صريح بان أوراق الملف الأمني (استقرارا او فوضى) بيد القائمة العراقية او على الأقل بيد قسم من المكونات المنضوية تحتها.

قبل الانتخابات الأخيرة هدد رئيس القائمة العراقية بقيام حرب أهلية في العراق اذا استمرت هيئة المساءلة والعدالة في اجتثاث مرشحي قائمته، ثم فسر وبرر وشرح إساءة الفهم الذي تعرضت له تصريحاته وما تعنيه بعد صيحات الاحتجاج على تهديده.

وبعد الانتخابات توقع تصاعد العنف وانهيار الأمن بلهجة تفيد التهديد والوعيد اذا تم الالتفاف على حق قائمته الدستوري بتشكيل الوزارة العتيدة حسب فهم القائمة للحق الدستوري، والجميع يعلم سيناريو الساعات الأخيرة للانقلاب في النتائج الذي جعل قائمته تتقدم على ائتلاف دولة القانون بمقعدين.

كان تصعيد العنف في فترات سابقة يخدم الى حد ما مطالب بعض الكتل والشخصيات السياسية، الا انه وبعد الانتخابات الاخيرة، آثرت تلك الكتل تهدئة هذا الملف بعد سقوط الحجج بتأجيل بانسحاب القوات الأمريكية من المدن وان استعيض عنه ببعض المحطات عبر العبوات اللاصقة وإطلاق بعض الصواريخ للتذكير بوجوده وبان العودة لقلب الأوضاع ليست بالمستحيلة في ظل هذه التجاذبات السياسية الشديدة التعقيد.

في الأخبار الأخيرة ان الورقة الكردية تقلصت الى عشرة نقاط، وان الحديث الان يدور حول تقاسم للسلطات بحد معين، وإعطاء القائمة العراقية مناصب تجعلها قريبة من صنع القرار السياسي ان لم تكن متساوية فيه.

ولا يمنع ذلك بعد هذه التطورات الجديدة، ورغم بوادر الانفراج من ان يذكّر صالح المطلك بان القائمة العراقية هي سيدة الفوضى او سيدة الاستقرار المبجلة في أي حكومة مستقبلية تبعا لموقع هذه السيدة ومكان جلوسها على كراسي السلطة، فمن يضمن الجالسين على قمة الجبل الى صفه ومن يحتضن تلك السيدة اللعوب فانه سيحوز على السلطة في العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 13/تشرين الأول/2010 - 5/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م