المجتمعات التي تهوى السـبات

مرتضى بدر

عالم السبات عالم يستسيغه الكثيرون في مجتمعاتنا؛ لأنه خالٍ من وجع الدماغ، ووجع القلب، وربما من أوجاع أخرى... عالمٌ ملؤه الراحة والنوم العميق وأحلام اليقظة... عالمٌ يجعل كل حركات وسكنات الإنسان في روتين ممل، حتى يجعله مدمناً على هذا النمط من الحياة.

الرجل من أهل السبات مثله كمثل الشجرة غير المثمرة واقفة لا تتحرك سوى أغصانها وأوراقها التي تتمايل مع هبوب الرياح. الرجال من قوم السبات يزعجهم صوت الريح وحركة السحاب، ويكرهون حركات الطيور وزغاريدها، بل حتى حركة الذبابة. إنهم قومُ أدمنوا الراحة والسكون والجمود لدرجة أن فيهم من يفضل الموت السريري، فيتحول إلى جثة هامدة مرمية على السرير... في المنزل أو في المستشفى.

 إنهم قومُ لا يحبّذون نور الشمس فيكتفون بنور الشمعة في كهوفهم. صدورهم وأفق تفكيرهم ضيق كضيق اللحد، وضمائرهم أشبه بالميتة... إنهم يفتقدون الشعور والإحساس بالمسؤولية تجاه أنفسهم والمجتمع. ولأنهم يعيشون في عالم الأحلام، فمنهم من يرى نفسه محور الكون، وأنه هو الأفضل والأنقى، والآخرون - حسب اعتقاده - إما ملوثون بوسخ الدنيا أو مبتلون بالأمراض النفسية! الرجال من حزب السبات يعيشون بيننا... يأكلون ويشربون وينامون في حركة روتينية كما تفعل الأنعام.

 إنهم يكرهون النشاط والإنتاج حتى في مجاله النظري، ويبحثون عن أعمال أقل جهداً، وأقل تكلفة. منهم من اختار بإرادته أن يكون اتكالياً إلى أبعد الحدود، وأن يكون متطفلاً يعيش على هامش المجتمع، ويتسلق على أكتاف الرجال المنتجين المضحين من أصحاب الهامات العالية.

شريحة من حزب السبات تميل إلى الثرثرة في مقاهي الشيشة، وشريحة أخرى تدمن مشاهدة قنوات الرقص والغناء والأفلام المبتذلة، أو الاستماع إلى الأشعار التي تأخذ بعقل الإنسان إلى العصور الوسطى، والتي تثير العصبية الجاهلية. وما أكثر هذه القنوات في فضائنا العربي والإسلامي، منها ما تبث سموم الطائفية، وأخرى تفتح أبواب الرذيلة والتخلف والانحطاط، وتشجع على التكاسل والجمود والخنوع والركون، وتساهم في تحطيم العزائم، وتسعى لقلب المفاهيم لدى الشباب، كمفهوم الإبداع والفن، وذلك من خلال تضخيم الفن الهابط، والرقص المبتذل، وتصويرها للمشاهد كنوع من أنواع الإبداع الفني والفكري!!

هذا في الوقت الذي نشاهد شعوباً عديدة تنطلق نحو البناء والرقي، وتدخل عصر الإنتاجية والتنافسية، وتستشرف المستقبل، وتستغل العلوم والتقنيات الحديثة لتزيد من معارفها، وتختار لنفسها موقعاً مناسباً بين الشعوب المنتجة.

(المجتمع السباتي) مجتمعُ مسلوب الإرادة، مكسور الجناح، عديم الهمة والطموح، اتكالي إلى أبعد الحدود، منهزم نفسياً، شديد التأثر، يميل مع كل ريح وكل صوت وكل شعار مهما كان كاذباً وخادعاً.

 يصف الإمام علي عليه السلام أفراد هذا المجتمع بالهمج الرعاع، فيقول: “الناس ثلاث، إما عالم رباني، أو متعلم على سبيل نجاة، أو همج رعاع يتبعون كل تابع، وينعقون مع كل ناعق”. هكذا كانوا ولازالوا، يصدقون الشعارات الزائفة، ويتأثرون بالدعايات الإعلانية والإعلامية. باعتقادي، في زمن الخنوع، تكون أصوات الرعاع أعلى من أصوات الدعاة والمصلحين. وقد يوصف المصلح أحياناً بأقبح الأوصاف، ويتهم بأسوأ التهم!!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تشرين الأول/2010 - 4/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م