الحكومة العراقية... نهاية مأزق وسيناريو محتمل

 

شبكة النبأ: في 1 تشرين الأول/أكتوبر تحرك رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي خطوة أقرب من أجل الحصول على ولاية جديدة عندما كسب دعم تجمعات عديدة داخل «التحالف الوطني العراقي» الشيعي. ويستطيع المالكي الآن الاعتماد على ما بين 49 إلى 54 مقعداً من هذا «التحالف»، بالإضافة إلى 89 مقعداً فازت بها قائمته «ائتلاف دولة القانون» في انتخابات آذار/مارس الماضي. وهذا يوفر له ما يصل إلى 143 مقعداً من بين 163 مقعداً لازمة للمصادقة على تعيين رئيس جديد للوزراء. بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

وعلى الرغم من أن هذا التطور الأخير يمكن أن يؤدي إلى حشد معارضي المالكي ليعملوا على تشكيل كتلة معارضة مؤلفة من عناصر مختلفة، إلا أن النتيجة الأكثر احتمالية هي أنه سيتم انتخاب المالكي رئيساً للحكومة الجديدة. إن الولايات المتحدة - التي تخلت عن دورها القتالي في العراق حيث تتقدم بخططها للانسحاب الكامل من تلك البلاد بحلول نهاية عام 2011 - ربما تكون راضية بهذا التحول في الأحداث؛ بيد، تصاعدت المخاوف لأنه يبدو أن الإيرانيين قد توسطوا في هذه التسوية المرجحة وأنها قد تأثرت بشدة بالحركة الشيعية الراديكالية [التي يتزعمها] مقتدى الصدر. وعلاوة على ذلك، لا تعطي هذه التسوية سوى دوراً هامشياً للعرب السنة في العراق.

لعبة الأرقام

منذ التصويت [في الانتخابات التي جرت في شهر] آذار/مارس 2010 المنصرم، توقع قليلون قيام تحالف بين أكبر كتلتين وهما القائمة «العراقية» برئاسة إياد علاوي، و«ائتلاف دولة القانون» التي يتزعمها المالكي. ونتيجة لذلك فإن ائتلافات الدرجة الثانية - مثل ذلك الذي يشمل «التحالف الوطني العراقي» والقوائم الكردية - قد شغلت المساحة الرئيسية في سياسات ما بعد الانتخابات العراقية. ووفقاً لاتفاقية 1 تشرين الأول/أكتوبر، يتمتع المالكي الآن بدعم «التحالف الوطني العراقي» - أحد هاتين الكتلتين البرلمانيتين الرئيسيتين. وهذا الانجاز هو الأعظم بالنظر إلى أن أكبر أحزاب «التحالف الوطني العراقي» التي تدعم المالكي - وهي الكتلة التي حصلت على تسعة وثلاثين مقعداً والمرتبطة بمقتدى الصدر - كانت قد وقفت سابقاً بحزم ضد ترشيحه. ويبدو أن إيران قد لعبت دوراً قوياً في ترتيب "زواج المصلحة" هذا، حيث أفادت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أن طهران قد سهلت المفاوضات وعرضت وسطاء لابرام الاتفاق. ولو استمر «التيار الصدري» و«منظمة بدر» وقائمة إبراهيم الجعفري في دعم المالكي، سيحتاج رئيس الوزراء الحالي إلى ما بين تسعة عشر مقعداً إلى خمسة وعشرين مقعداً آخراً فقط لضمان إعادة تعيينه.

وعلى الرغم أن بإمكان المالكي الحصول على الأصوات المطلوبة من بين خليط مكون من القوائم الصغيرة والمعارضين الذين انشقوا [عن أحزابهم]، إلا أنه سيسعى على الأرجح إلى الفوز [بتأييد] التكتل برئاسة «التحالف الكردستاني» الحائز على سبعة وخمسين مقعداً. ولا يتمتع المالكي بثقة الأكراد الذين شهدوا وتحققوا من جهوده لتوسيع السلطة الاتحادية في المناطق المتنازع عليها وكذلك في السياسة النفطية. ومع ذلك، تبدو الأحزاب الكردية أقرب إلى التحالف مع المالكي بدلاً من خصمه الرئيسي - تحالف «العراقية» الذي يتمتع بـ 91 مقعداً برئاسة الشيعي (ولكن العلماني) إياد علاوي. وربما يرجع تفضيل الأكراد هذا - بصورة جزئية - إلى موافقة المالكي على إجراء عملية إحصاء وطني في النهاية، والتي كان من المقرر في الأصل إجراؤها في 24 تشرين الأول/أكتوبر (لكن تم تأجيلها حتى 5 كانون الأول/ديسمبر بسبب ضغوط من العرب والأقلية التركمانية)، لتلبية الطلب المستمر من قبل «حكومة إقليم كردستان». وقد تنازل المالكي أيضاً في قضايا مثل تطوير قوات الأمن التابعة لـ «حكومة إقليم كردستان» بتمويل من قبل [الحكومة] الاتحادية وبدعم تدريبي عسكري أمريكي. وما تزال حركة «العراقية» - على النقيض من «ائتلاف دولة القانون» التي يترأسها المالكي - شريكاً محتملاً مثيراً للمشاكل بالنسبة للأكراد لأنها تشمل أحزاباً مناوئة للأكراد بقوة.

سيناريوهات الحكومة

يسود سيناريوهان موثوقان لتشكيل الحكومة. ويمكن تسمية السيناريو الأول والأرجح بـ "عربة المالكي" التي ستركز على ما بين 190 إلى 200 مقعداً يشغلها «ائتلاف دولة القانون» و«التيار الصدري» والقوائم الكردية. وسوف تقفز الأحزاب الأخرى بسرعة إلى عربة المالكي، إذا جاز التعبير، لكي تحاول إيجاد مكان لها داخل الحكومة الجديدة. وربما يتم منح دور رمزي إلى العناصر المرتدة عن القائمة «العراقية» في مثل هذه الحكومة، وهي [المجموعات] التي تمثل الأغلبية الساحقة من الناخبين العرب السنة (والشيعة العلمانيين).

وبإمكان تسمية السيناريو الثاني الأقل احتمالية بحكومة "أي شخص ما عدا المالكي". وفي هذا السيناريو سيضع الأكراد و«العراقية» هواجسهم المشتركة جانباً من أجل منع إعادة انتخاب رئيس الوزراء الحالي. وستنضم إليهما تلك العناصر من «التحالف الوطني العراقي» التي عبرت عن معارضتها لترشيح التحالف للمالكي، وبالذات «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» - الذي يحظى بثمانية مقاعد - وحزب «الفضيلة» الذي يملك ستة مقاعد. وبإمكان مثل هذا التحالف حشد أغلبية ضيقة تتكون من 164 مقعداً. وللتعويض عن التنافر الذي سينتج عن قيام حكومة أقلية شيعية في بلد غالبية سكانه من الشيعة، من المرجح أن تمنح رئاسة الوزراء إلى القيادي بـ «المجلس الأعلى الإسلامي العراقي» ونائب الرئيس الحالي، عادل عبد المهدي.

تحديات للسياسة الأمريكية

سيكون لعملية تشكيل الحكومة تأثير كبير على سياسة الولايات المتحدة وأهدافها في العراق لأنها ستؤسس التوازن السياسي داخل مجلس الوزراء العراقي، حيث من المحتمل اتخاذ أعداد متزايدة من القرارات الرئيسية للحد من صلاحيات رئيس الوزراء المستقبلي. وبنفس القدر من الأهمية، فإن الحكومة التي ستُنشأ، ستحدد الإيقاع للسنوات الأربع القادمة، بتأسيسها علاقات مع الفصائل الخاسرة التي تميل باتجاه أحد الطرفين - إما المعادين أو المتعاونين. ولدى الولايات المتحدة مصلحة قوية في ضمان قيام علاقات مع المتعاونين، حيث سيسمح ذلك إتمام الانسحاب المخطط للقوات العسكرية الأمريكية بأقل خطر ممكن مزعزع الاستقرار.

وفي حالة إعادة تعيين المالكي، فإن دور إيران الواضح في تسهيل قيام الحكومة الجديدة يمكن أن يخلق مشاكل للولايات المتحدة. وبغض النظر عن دور إيران الفعلي في المفاوضات فإن قطاعات كثيرة من المجتمع العراقي، وخاصة المجتمعات العربية السنية، سترى عودة المالكي إلى السلطة بمثابة نصر حُرم منه علاوي. وعلاوة على ذلك، سترى هذه المجتمعات بأن الحكومة الجديدة مباركة من قبل إيران وتدل على ضعف أمريكا النسبي. وعلى الرغم من أن عناصر من القائمة «العراقية» قد تنضم إلى الحكومة، إلا أن علاوي سيشق طريقه بصعوبة لكي يخدم في وزارة برئاسة المالكي. وفي استطلاع أجراه "المعهد الجمهوري الدولي" في حزيران/يونيو 2010، شعر 74% من المستجيبين عبر أنحاء المحافظات السنية بأن تشكيل حكومة بدون علاوي ستنقصها الشرعية. إن ما ينتج عن ذلك من مزيج من هجمات التمرد المنسقة بعناية، والخطوات الخاطئة من قبل قوات الأمن ذات الأغلبية والقيادة الشيعية في المناطق العربية السنية، والإدراك المتزايد بوجود حكومة اتحادية مدعومة من قبل إيران في بغداد يمكن أن يؤدي إلى نشوب عنف متجدد في شمال العراق ووسطه.

وجنباً إلى جانب مع المقاومة الداخلية، من المرجح أن يتم استقبال حكومة المالكي الجديدة بصورة باهتة من قبل دول "مجلس التعاون الخليجي"، وخاصة السعودية التي دعمت بقوة ترشيح علاوي. وبالمثل، يمكن أن تقوم إيران بالمزيد من الخطوات التحسنية تجاه «حكومة اقليم كردستان»، وذلك في محاولتها لإنشاء مركز مشتريات بديل لدبي وإيجاد مصدر لمنتجات النفط للتعويض جزئياً عن التأثير المستقبلي للعقوبات. ومن بين المخاوف الأكثر إلحاحاً، أن قيام حكومة برئاسة المالكي سيعني احتمال تعزيز دور «التيار الصدري» في وزارة الداخلية العراقية، وهو الموقف الذي يمكن أن يعقد المهمة التي هي صعبة بالفعل والمتمثلة بمساعدة العراق في التحول إلى [دولة تسيطر على] قوات الشرطة، وبتنسيق عملية تسليم [مسؤولية] تدريب هذه القوات من وزارة الدفاع الأمريكية إلى وزارة الخارجية الأمريكية. وهناك أيضاً احتمال أن تكون هناك مساومة فيما يتعلق بتمديد أو تجديد "الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق" من خلال [فرض] نفوذ أقوى من قبل «التيار الصدري» وإيران على الائتلاف الأكبر الحاكم.

ولا تؤكد هذه العوامل بالضرورة بأن الحكومة التي تترأسها القائمة «العراقية» ستكون مميزة للمصالح الأمريكية. وفي الحقيقة إن الحكومة التي تقودها «العراقية» والتي تتضمن تمثيل للعرب الشيعة كأقلية ويُنظر إليها بأنها قد عُيّنت من قبل الأمريكيين أو السعوديين، قد تكون في حد ذاتها عاملاً مزعزعاً للاستقرار. وبدلاً من ذلك، من الواضح أن في أي سيناريو لتشكيل الحكومة، هناك خطر كبير يكمن في تقويض الاستقرار الهش في العراق بصورة أكثر، من خلال الاستبعاد الفعلي لكتلة سياسية رئيسية. وقد ذكرت الولايات المتحدة - على نقيض صارخ من إيران - مراراً بأنها ستعمل مع أي ائتلاف يفوز في السباق السياسي في العراق. وتحتاج الحكومة الأمريكية الآن إلى الانضمام إلى الشركاء الإقليميين وأعضاء المجتمع الدولي ذوي التوجه المماثل، لممارسة أقصى ضغوط ممكنة لضمان وجود مكان لأحزاب أخرى في عربة الحكومة - دون [أن يؤدي ذلك] إلى الدفع بأعضاء الائتلاف العراقي الأكبر إلى أحضان إيران.

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تشرين الأول/2010 - 4/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م