العمالة المؤقتة ظاهرة تحتاج إلى توضيح

تحقيق: عصام حاكم

 

شبكة النبأ: من المسلمات بل من البديهيات أن لا نذعن او نستسلم لفلسفة الانزواء عن دائرة الضوء في تناول العديد من الثقافات والظواهر التي استطاعت ان تخترق حاجز الصمت في ذاكرة الوعي المجتمعي لواقعنا المعاصر، المثخن بالعديد من الازمات والمصاعب التي باتت تعصف بوجدان القاعدة الأهم في مكون الواقع العراقي، ألا وهي العائلة العراقية على وجه التحديد، وذلك من خلال ملامسة أو محاكاة ما من شانه أن يشكل ضرورة ملحة في خارطة الهم الشعبي المكتنز بحالة العجز التام عن مسايرة الحياة اليومية في ظل تداعي الوضع المعيشي وحالة البطالة، هذا مما يضطر الكثير منهم الى التشبث بأنصاف الفرص المتاحة أمامهم من قبيل الأجر اليومي (العمالة المؤقتة) وذلك من اجل سبر أغوار الأفواه الجائعة، وحتى لو اضطرتهم الظروف للعمل بالتنظيف أو المجاري او أشغال أخرى شاقه، مقابل مبلغ رمزي لا يكاد يشكل في أيسر الظروف ملمح من ملامح الكفاف بالنسبة للأسرة العراقية اليوم في ظل ذلك التصاعد المجنون في الأسعار.

هذا مما يضطرنا للبحث عن اجابه شافيه لذلك التساؤل اليتيم، هل نحن بحاجة ماسة الى تشغيل عدد من الافراد بصفة عامل مؤقت اما لا؟

واذا كنا بحاجتهم فعلا لماذا لا نشغلهم على الملاك الدائم؟ على الرغم من كوننا نعلم كما هم يعلمون بان العامل المؤقت لا يقل شائنا عن العامل الدائم.

من اجل الوقوف على أبعاد هذه الأزمة الإنسانية والآثار المترتبة عليها كان لزاما علينا أن نستطلع آراء بعض من التقينا بهم فكانت الحصيلة ما يلي:

(ابو علي) مواطن عراقي وهو من مواليد 1961 حاصل على شهادة إعدادية الزراعة لعام 1981 والى الآن لم يحصل على وظيفة تتفق مع اختصاصه الزراعي او غيره من المجالات القريبة من ذلك الاتجاه، وهو الآن يعمل في بلدية كربلاء في قسم الحدائق بصفة عامل وقتي براتب شهري قدره 180 الف دينار عراقي وهذا المبلغ لا يكفي لسد الاحتياجات الضرورية فقط حسب قوله وهو يعيل عائلة مكونه من سبعة أفراد، وهو يتساءل ما هو الضير في ان يتم تعينه على الملاك الدائم طالما الجهة التي توظفه الآن هي بحاجه إلى العمال، وإلا لمه ينفقون هذه الأموال على العمالة المؤقتة اذا لم يكونوا بحاجتها أصلا وهو تسائل مشروع يطلب الإجابة.

موطن آخر يشكو من نفس الهم متذرعا بان العمالة المؤقتة في مجال الحدائق تحقق له غايتان في ظل هذا الظروف العصيبة التي يمر بها بلدنا العزيز، الأول وهو الأهم كونه يوفر له متسعا من كسب الرزق والثاني هو تنمية المساحة الخضراء في مدينة كربلاء المقدسة لكونها محطة مهمة للوفود الزائرة كما انها إطلالة أكيدة لتشجيع السياحة الدينية فضلا عن كونها معلم من معالم الدحض لكل التخرصات المناهضة للواقع العراقي الجديد، كما يستطرد في قولة على ان العمالة المؤقتة قد لا تحقق له غاية الاستقرار والاطمئنان على مستقبلة ومستقبل عائلته كونه مهدد على الدوام ان لا تدم تلك النعمة.

اما محطتنا التالية فقد كانت مع احد المهندسين العاملين في مجال المساحة وهو المهندس(حسين دبعون) وهو من منتسبي دائرة بلدية كربلاء، حيث قال: لا مفر من تبيان حقيقة مفادها بان كربلاء والمحافظات الأخرى تعيش اليوم حالة من التوسع غير الطبيعي في مجال بناء الأحياء الجديدة وإحياء التجاوز وهذا مما يلقي على كاهل الدوائر الخدمية ومنها البلدية عبئا ثقيل من خلال تهيئة الكوادر العاملة في مجال التنظيف وإقامة المساحات الخضراء والحدائق وإدامة المرافق السياحية المهمة في مركز المدينة وعناوين أخرى، هذا مما يلزمنا حسب قول الأستاذ حسين للاستفادة من الكفاءات والكوادر العمالية من اجل احتواء الموقف عن طريق انتهاج أسلوب العمالة المؤقتة او الأجر اليومي، وذلك للسعي على تحقيق هدفان مهمان في المرحلة الحالية الأول امتصاص زخم البطالة الموجود في شريحة الشباب والشرائح الأخرى والهدف الثاني يتمحور في متابعة محور العمل البلدي بالنسبة للمحافظة، اما بخصوص ما ذهبتم اليه في تساؤلاتكم حول اعتماد العمالة المؤقتة إلى دائمة فهذا الأمر مرهون بإستراتيجية الوزارة من جهة والتوجهات السياسية والاقتصادي من قبل صناع القرار في الحكومة العراقية والمتمثل بدولة رئيس الوزراء ووزير المالية فهم من يشير على الوزارات عن حاجتها الى الأيادي العاملة.

اما المقاول (محمد مجهول) فهو يقول: من غير المعقول والمنطقي ان تستقطب المؤسسة الحكومية هذا الكم الهائل من العاطلين عن العمل، وهذه الحقيقة تشهد لها أغنى الدول في العالم، ناهيك عن كون القطاع الخاص يتحمل هو الآخر وزر مسؤولية تشغيل العاملين، علما بان العمالة المؤقتة ظاهرة عالمية ولا يمكن حصرها في العراق فقط، والدولة ليست هي المسئول المباشر عن تشغيل كل افراد المجتمع، وهذا الأمر أشبه بالمستحل لانها ليست لديها القدرة على استيعاب كافة مكونات الواقع العراقي في المؤسسات الحكومية اذا ما نظرنا الى وضع العراقي اليوم وهو يعيش حالة من الانهيار بكل مفاصل القطاع الزراعي والصناعي والسياحي وقطاعات أخرى، إذن لا ينبغي ان نعفي المواطن من مسؤوليته المباشرة للسعي إلى إيجاد فرصة عمل له من خلال العمل في الأنشطة التجارية او في مجال البناء او مجالات أخرى، وعلى الرغم من هذا كله فان الدولة تحاول بكل جهدها احتواء الأزمة المتجذرة وهي أزمة البطالة من خلال فتح شبكة الحماية او الإقراض لبناء مشاريع صغيرة او فتح الباب أمام استقطاب العمالة المؤقتة في مجال البلدية من خلال قسم الحدائق او المشاتل، وهذه الالتفاتة الكريمة هي محط احترام وتقدير من قبل صنوف المجتمع الواعي وهي دلالة أكيدة على وعي القيادة السياسية في العراق على احتواء الفرد العراقي في ذلك الظرف الاستثنائي والعصيب.

ومن ثمة اتجهنا إلى دائرة البلديات لنلتقي هناك بمدير البلديات العامة اثر زيارته إلى كربلاء وهو يرد في معرض كلامه عن العمالة المؤقتة عن كونها دائرة من دوائر التوجه الحكومي للقضاء او الحد من البطالة المستشرية في الواقع العراقي اليوم، وما يتقاضاه الأجير هو مبلغ جيد نسبيتا لسلم الرواتب المعمول به في قطاع البلديات، علما بان العامل المؤقت لهو أفضلية في التعيين عن سواه من المتقدمين بنسبة 25% والسنوات السابقة لهي خير شاهد ودليل فقد تم تعيين عدد من العمال المؤقتين بصفة عامل دائمي، علما بأننا على الدوام محكومين بضوابط محددة من قبل وزارة المالية من خلال التخصيصات الممنوحة إلينا لذا ليس بمقدورنا ان نعين أي شخص على الملاك الدائم اذا لم نستحصل الموافقات الأصولية من قبل وزارة المالية.

وفي نهاية هذه الجولة نستخلص بان المعالجات الحالية هي مجرد إسعافات أولية لتلك الحالية الاجتماعية ونحن ننظر بعين المشفق على ان تكون المعالجات الناجعة ليست ببعية عن متناول المواطن العراقي الذي ضاق ذرعا بتلك الوعود التي باتت عنوانه الأول والأخير من ثمانينات العقد الماضي والى يومنا هذا وعسى أن يكون القادم خير.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تشرين الأول/2010 - 4/ذو القعدة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م