استئصال العنف المدرسي ضرورة تربوية أخلاقية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: تشير الدراسات الاجتماعية المختصة إلى حدة الطبائع التي تميّز معظم المجتمعات العربية والإسلامية، حتى في مراحل منظورة من التأريخ، وتعزى الأسباب إلى جملة من الظروف البيئية وغيرها، وقد انعكست هذه الطبائع على طرائق العيش وسبل التعامل بين أفراد وجماعات المجتمعات المذكورة.

ولكن تبقى حدة الطبع والتعامل العنيف حلقة من حلقات النهج البشري في مراحل تكوينه الأولى، حيث كان قانون الغاب يتسيّد مشهد الحياة آنذاك، لكن الشعوب والأمم أخذت تهذب من ذاتها وتغادر رويدا حالات العنف والصراع إلى رحبة السلام والإبداع الإنساني، متخلية عن مظاهر العنف والتطرف، لصالح التعايش والانشغال بتطوير وسائل وآليات التثقيف والإنتاج الأفضل في المجالات كافة.

ومن ظواهر العنف السائدة في مجتمعاتنا هي ظاهرة العنف المدرسي، ويمكن إيجازها باستخدام القسر والقهر مع الطلبة بوسائل وطرق مختلفة، الأمر الذي يثير الاستغراب والعجب، ويتقاطع كليا مع الأهداف التربوية التي ينبغي أن تنهض بها المدرسة، وعنصرها الأول (المعلم) الذي قال فيه الشاعر بيتا شعريا خالدا: قف للمعلم وفٍّه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا

ولا يخفى على الجميع أن العنف المدرسي لن يأتي بنتائج مأمولة في معظم الأحيان، بل يشكل في الغالب خطوات سريعة نحو التراجع العلمي والأخلاقي في آن.

ويؤكد المختصون أن لجوء المعلم إلى استخدام الضرب ووسائل الإكراه الأخرى مع طلابه ينم عن ضعف في شخصية المعلم ذاته، ناهيك عن عدم قدرته على توصيل المعلومات لطلابه كما يجب، فيضطر إلى اللجوء  لوسائل حماية بديلة يعتقد بأنها تساعده على الإمساك بزمام الأمور وتحفظ له هيبته ورصانته أمام الطلاب، وهو تفكير قاصر في جميع الأحوال.

والمشكلة الكبيرة التي يكاد أن لا يفهمها المعلمون او يتغاضون عنها، أن العنف المدرسي الذي يتعرض له الطلبة الصغار إنما يؤسس لطريقة حياة خاطئة، بل كارثية، لأنها تساعد على انتشار وتنمية معظم أنواع العنف الأخرى في المجتمع، فالغرس الجديد المتمثل بالطلبة الصغار حينما يتم التعامل معهم بوسائل العنف لابد أن ذلك سينعكس على حياتهم المقبلة في المجالات العملية المختلفة.

فإذا تسنم احدهم أي منصب مهما كان نوعه، فإنه لابد أن يلجأ الى وسائل القسر التي عُومِل بها من لدن معلميه وهو صغير، لأنه نشأ فيها حين فتح عينيه ووعيه، فتعوَّد  الضرب والتجاوز والإكراه في التعامل مع العلم والتعليم وغيره، وهكذا تصبح معظم مؤسسات المجتمع الإنتاجية والإدارية والعلمية والتعليمية والأسرية وغيرها عرضة لمثل هذا النظام القهري الخطير الذي تم زرعه في نفوس الصغار في مراحل التعليم الأولى، وليس في هذا الرأي محاولة لتضخيم العواقب.

وإذا كان المعلم نتيجة لعجزه لا يجد سبيلا آخر غير العنف كي يتعامل به مع طلابه، فإن المفارقة الغريبة تكمن في القصور المضاعف لدى أولياء الطلبة وآبائهم حيث يتفق هؤلاء مع أساليب العنف ويطالبون باستخدامها مع أولادهم!!

فليس من الغريب أن ترى أو تسمع أحد الآباء وهو يطالب المعلمين بضرب ابنه وتأديبه ودفعه إلى هضم الدروس حتى لو تمّ ذلك بوسائل القسر المتعددة، وقد كان احد الآباء يكرر إحدى الجمل التي كان يتفوه بها أمام الجميع حين يقول للمعلم (هذا ابني لكنك حرّ في طريقة تعليمه، فتعامل معه كما تشاء، لك اللحم ولي العظم)! بمعني اضربه كما شئت حتى لو أدميته ولكن لا تكسر له عظما!

فإذا كان الآباء يتعاملون مع العنف بهذه الطريقة إزاء أبنائهم، فكيف سيتعامل المعلمون مع هؤلاء الصغار خاصة أنهم حين يعجزون لسبب أو لآخر في توصيل المعلومة، فإنهم لن يترددوا آنذاك باستخدام الوسائل القهرية التي يظنون بأنها كفيلة بزيادة ذكاء الطالب واستيعابه، وهو تصوّر خاطئ بطبيعة الحال.

فقد ذكر أحد المسنين الذي ناهز عمره السبعين، بأنه كان يمقت درس اللغة الانكليزية ويستشيط منها خوفا وغضبا في آن، ولكن بعد أن تغيّر معلم هذه المادة وحل محله معلم آخر تمكن أن يحبب هذه المادة للرجل المسن الذي كان طالبا صغيرا آنذاك واصبح بعد مقته للغة الانكليزية احد أهم مدرسي هذه المادة حتى وصل الامر به الى درجة التعلق الشديد بها، وينطبق هذا مع الدروس الأخرى بطبيعة الحال.

وهكذا فإن أسلوب التعليم له دوره في هذا الصدد، مضافا الى ذلك العناصر الأخرى المساعدة لإنجاح العملية التربوية كحداثة المناهج وتوفير وسائل الإيضاح وما شابه، لكن تبقى ظاهرة العنف هي الأخطر في تهديد العملية التربوية برمتها، الأمر الذي يتطلب سلسلة من حملات التوعية والتطوير التربوي من لدن الجهات الرسمية والمنظمات الأهلية للقيام بهذا الهدف التطويري الهام، ولعلنا لاحظنا انتشار المدارس الأهلية التي يقل فيها العنف ويزداد فيها النظام والتعليم الذي يعتمد الشروط الصحيحة التي ينبغي أن يتحلى بها التدريسي لاسيما معلم المرحلة الابتدائية الذي تقع على عاتقه مسؤولية زرع التوازن والانسجام في شخصية التلميذ الصغير كونه اللبنة الأصغر للمجتمع، لكي نضمن ضمور العنف ليس في مجال التعليم والتربية فحسب وإنما في عموم مجالات الحياة المتنوعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/تشرين الأول/2010 - 30/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م