العراق بين الأغا والبيك والمقصلة الوطنية

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الأغا هو الشيخ، شيخ العشيرة في المجتمعات القبلية وهو قمة الهرم الاجتماعي في الترتيب العشائري.

والأغا تعني أصلا السيد أو الأخ الكبير واللفظة مشتقة من المغولية وتعني الأخ. وللأغا معاني شتى منها الخصي، وجمعها أغوات حيث كان لهم نفوذ في قصور سلاطين الدولة العثمانية. ومنها ألقاب شيوخ ورؤساء الأكراد. كما تدل على الموظف من الدرجة الوسطى عادة سواء كان مدنيا أو عسكريا أو مستخدما في بيت عظيم الشأن في العهد العثماني وتطلق لفظة الأغة بالدارجة على الأمي أي لمن يجهل القراءة والكتابة،(معجم الألفاظ الدخيلة).

المصطلحات الكردية لا تفرق بين زعماء القبيلة أو العشيرة أو الحمولة: فعلى جميعهم يطلق ببساطة لقب الأغا مع استثناءات قليلة. كما يذهب إلى ذلك (مارتن فان بروينسن) مؤلف كتاب الأغا والشيخ والدولة / البنى الاجتماعية والسياسية لكردستان.

في العرف العشائري الشيخ يملك كل شيء. حين يحضر مجلس القبيلة تسكت الأصوات جميعا إلا صوته، وفي الفصل العشائري هو من يقرر المختلف عليه.

وهناك لقب (البيك) وكان غالبا ما يستخدم للإشارة إلى الأكراد المتمدنين المتبوئين مناصب إدارية وهم في الوقت نفسه ملاك أراض غائبون.

هناك عدد من الفروق بين الأغا والبيك:

الأغا هو الزعيم القبلي الذي يعيش في الجبال بين أفراد قبيلته.

البيك يعيش في البلدة، وقد يكون أو لا يكون زعيما قبليا أصلا أو قد لا يكون.

البيك يعرف القراءة والكتابة والأغا أمي.

البيك متحضّر ويشارك في السياسة أما الأغا فيحارب.

حسب التصنيف السابق، باستثناء الجهل بالقراءة والكتابة، هل يمكن تحديد الأغا والبيك لدى الزعامات الكردية في الوقت الحاضر ؟ اترك السؤال معلقا، وانتقل إلى موضوع آخر.

ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الأكراد الاستفادة من الانقسام الشيعي داخل الائتلاف الوطني أو من ضعف العرب السنة وخلافاتهم داخل الكتل السياسية. فهم استفادوا سابقا من الانقسام الذي حدث في (الائتلاف العراقي الموحد) الذي دخل انتخابات العام 2005 بشان قضية كركوك بين موقف المجلس الأعلى الأكثر تراضيا والذي يدعو اليه بقوة عادل عبد المهدي المناصر للكورد وموقف الصدريين وحزب الدعوة ايام رئاسة الجعفري.

كان الصدريون معادين للمطالب الكردية ومعادين كذلك في الواقع للمطالب الإقليمية كلها، وفقد الجعفري رئاسة الحكومة آنذاك بسبب موقفه وموقف حزبه.

في الزمن الحاضر يجلس الكورد باسترخاء بعد أن قدموا ورقتهم التفاوضية إلى بقية الكتل السياسية المتصارعة على منصب رئاسة الوزراء.

الورقة تتكون من تسعة عشر نقطة، هل تذكّر بالآية القرآنية (لواحة للبشر عليها تسعة عشر) ويكون الأكراد حراسا للجحيم العراقي؟

تتضمن مطالب الكرد التي طرحها الوفد المفاوض في بغداد منذ بدء جولة مفاوضاته في منتصف حزيران الماضي من خلال ورقة تفاوضية 19 نقطة تطالب بأخذ ضمانات مكتوبة من الأطراف التي سيدخل معها في تحالفات بتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها وفي مقدمتها مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط التي يطالب الأكراد بضمها إلى إقليمهم الشمالي الذي يحكمونه منذ عام 1991.

كما يطالب الأكراد بمنحهم منصب رئاسة الجمهورية إضافة الى إيجاد حلول مع بغداد بشأن العقود النفطية ومسألة ميزانية حرس الإقليم "البيشمركة" وإجراء التعداد السكاني العام والالتزام بالدستور والنظام الفيدرالي.

وحسب التصريحات التي تحملها وسائل الإعلام لم يعد الاكراد يكتفون بوزارة الخارجية بل أصبحوا يطمحون في وزارات سيادية أخرى أبرزها الداخلية والمالية والنفط.

تعلل ذلك القيادية في التحالف الكردستاني آلا الطالباني قائلة: اتجاه الأكراد نحو وزارة النفط والمالية يأتي بسبب معرفتهم بصعوبة الحصول على وزارة الخارجية مرة اخرى، وتضيف الطالباني (استحقاقنا الدستوري يمكننا من الحصول على وزارة سيادية، وهذا ما يجعلنا ننظر صوب المالية والنفط وربما الداخلية أيضا).

كيف ينظر الكتاب والمحللون الغربيون إلى قوة الكورد ألان؟

تحدث الكاتب رانج علاء الدين في مقال له بصحيفة الجارديان عن حالة الضعف التي أصبح عليها العرب في العراق، ويقول إن بغداد لا يوجد بها حكومة أو قيادة، ولا تزال تتعرض لهجمات انتحارية كبيرة وعمليات قتل يومية كما أن الانقسام يسودها بشكل لا يمكن إصلاحه، أصبحت ضحية الخلافات الأيديولوجية والصراع الإقليمي بالوكالة. وهناك مجموعة واحدة فقط ستستفيد من ذلك، وهم الأكراد.

ويقول الكاتب، وهو باحث متخصص في شئون الشرق الأوسط بكلية لندن إن حظ الأكراد بدأ يعود مرة أخرى، فقد مر ما يقرب من 7 أشهر على الانتخابات العامة في العراق، ولم يتمكن العرب من تشكيل الحكومة فيها. ومن ثم فإن العرب أصبحوا عرضة للخطر وكذلك أكثر انفتاحاً واستعداداً لتقديم تنازلات. وللاستفادة من ذلك في الوقت المناسب، قام الأكراد بإعداد قائمة تضم 19 طلبا لشركائهم المحتملين في ائتلاف الحكومة ببغداد.

 في الجانب العسكري وبعد انسحاب القوات الأمريكية أكّد الكابتن تجي تيبلي بقاء قواته على الخط الأمامي في المناطق المتنازع عليها، و(التي تمثّل أكبر تحدّ يواجه البلاد).

وأشار تيبلي إلى أن (بعض الأمور يصعب فهمها، وعندما يتحدثون عن العراق في أميركا، نتصور أنه سنة وشيعة)، مضيفاً (لكن عندما تصل هنا تدرك أنّك في خضم "صراع" بين الأكراد والعرب).

قبل سنتين نشر الباحث العراقي الدكتور علي السعدي مقالا تحت عنوان الرئيس المرؤوس في صحيفة خطوة نحو الحقيقة استشرف فيها الكثير مما يحدث الآن ومنبها في الوقت نفسه بقية القيادات السياسية إلى طبيعة الابتزاز الكردي الذي يمارسوه تحت ذريعة الحق التاريخي وذرائع الديمقراطية والعراق الفدرالي واحترام الدستور. يقول السعدي:

من يقرا سيرة التعصب والاستبداد في التاريخ سيجد تشابها غريبا ومثيرا فهتلر حقق لألمانيا انجازات كبيرة بجعلها أقوى دولة في أوربا خلال سنوات قصيرة لكن انجازاته الداخلية تحطمت على صخرة أطماعه في بناء إمبراطورية كبرى تحت شعار الحق التاريخي، وكذلك زميله موسوليني الذي سار على نفس النهج، قبلهما سقط أعظم قائد في التاريخ الأوربي الحديث نابليون بونابرت لا سباب مشابهة، أما صدام حسين فأفعاله ستبقى ماثلة للعيان وهي أيضا تحت شعار الحق التاريخي في الكويت.

بيد أن القيادات الكردية بدت كمن يمشي على الحبل ذاته فعلى الرغم من معرفتهم أن ثوراتهم عبر التاريخ لم تحقق لهم سوى المجازر والدمار مع أنهم استفادوا من سياسات الأنظمة السابقة وعقدوا تحالفات مع هذه او تلك من الدول – خاصة المجاورة – وان الانجازات التي نعموا بها في العقود الأخيرة إنما جاءت نتيجة عاملين : حماقة صدام حسين في غزوه الكويت وحماية الحراب الأمريكية أما بعد قيام الديمقراطية فقد اختلفت الظروف وان أشعلوا النار فمن شبه المؤكد أنهم سيكونون أول المحترقين بها.

ورقة التفاوض الكردية لن يجرؤ أي رئيس وزراء على التوقيع على بنودها جميعها ومنحهم وعد بلفور جديد مهما كانت مغريات المنصب الرفيع كبيرة، ففي مجلس النواب قوة لا يستهان بها ستقف في طريقه إذا آثر الانتحار وتقديم رقبته مجانا تحت المقصلة الوطنية – وصف مجازي –مقصلة إسقاطه ملاحقا بلعنة التاريخ.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 10/تشرين الأول/2010 - 30/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م