رب العائلة والدور الاجتماعي والأخلاقي المسئول

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: إن أول ما يتبادر الى الذهن عندما يثار موضوع المسائل الاجتماعية هو العلاقات بكل أشكالها. بذا يمكن تحديد جانب من مسؤولية الأب في هذا المجال.

تخضع العلاقات الى ضوابط وقوانين. قد تكون قوانين إلهية أو مدونة من البشر أنفسهم أو مأخوذة من أديان وفلسفات غير إلهية. المهم هو وجود القانون في المجتمع، على أبنائه أن يتكيفوا بشكل معقول مع هذه القوانين. تقع على الأب مسؤولية تعليم الطفل هذه القوانين وإعداده للإلتزام بها.

قد لا يراعي جميع الأشخاص الذين يعيشون في المجتمع تلك القوانين أو أن بعضهم يتجاوز حدوده، يسمى هذا إنحرافا. ينبغي على الآباء أن يوضحوا لأولادهم الإنحرافات ويحفظونهم بعيدا عنها.

لكي يدرك الإنسان ماذا يعني الإنحراف، ماهي حدوده، من هو المنحرف، هل يمكن العفو والتسامح؟ لأن ذلك يحتاج الى القدرة على التمييز والتشخيص. على عاتق الأب تقع مسؤولية تنمية هذه القدرة لدى الطفل وتعويده على اتخاذ الرأي المناسب والموقف الصحيح في مختلف القضايا.

إن نتيجة الحكم على شخص معين هو إما أن يستحق الثواب أو العقاب. يمكن عن الطريق هذا تعليم الطفل وتفهيمه معنى السجن والتأديب، الحد، التعزير، القصاص، الدية، وحري بالأب أن يلقن طفله هذه المعاني حتى يمتنع عن الانحراف وإلا سينال جزاءه.  

أما الأخلاق فهي من المواضيع المهمة التي تميز الإنسان عن الحيوان. هي تلك القوانين التي يتمكن الإنسان أن ينشأ ويتكامل في ظلها.  فهو بحاجة الى نمو إجتماعي يوازي نموه الجسماني وينسجم مع الحياة الإجتماعية التي يعيشها. قد أكد الإسلام كثيرا على هذا الموضوع، اهتمت التربية الإسلامية بالأخلاق الى درجة جعلتها الهدف من بعثة الرسول الأكرم(ص): ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

فالأخلاق هي أثمن شيء لدى الإنسان إضافة الى أنها تعد من ضروريات الحياة الفردية والإجتماعية، تؤدي الى تكامل الإنسان فرديا وجماعيا.

ينظر ديننا الحنيف الى عديمي الأخلاق فيعتبرهم أمواتا. فما أكثر الجرائم، الجنح، المشاكل، المفاسد التي لا يمكن حلها إلا في ظل الأخلاق. إن الجريمة ثمرة الأخلاق السيئة أو أنها بسبب تربية فاسدة قامت على الأخلاق المنحرفة، لذلك لا يمكن الفصل بين التربية والأخلاق أبدا.

إن للأخلاق تأثيرا فطريا على الإنسان؛ فالأطفال يولدون بفطرتهم صادقين أمناء طاهرين ثم يقتبسون صفات الخيانة والكذب والظلم من محيطهم التربوي. تقع على الآباء مسؤولية بناء فطرة أطفالهم تنميتها، توجيهها نحو الخير والفضيلة، لذا فهم مسؤولون عن مراقبة سلوك الأطفال والإهتمام بالجوانب الأخلاقية والعاطفية.

من جانب آخر تقتضي وظيفة الأب أن يكون معلما لولده، قدوة له في الأخلاق، يجب عليه أن يكون إنموذجا في الخير، الإحسان، الإيثار، التعاون، التكافل الإجتماعي، فيوجه طفله نحو الفضائل والأخلاق الحسنة مستخدما في ذلك جميع الأساليب الممكنة.

من الضروري أن يراعى في هذا الطريق أمرين:

الأول: أن يلتزم الأب عمليا بذلك السلوك الذي يرغب أن ينشأ عليه ولده.

الثاني: أن يوفر له المناخ الملائم والأجواء المناسبة حتى يستأنس به الطفل فتبرز عنده رغبة التقرب من أبيه وتقليده في أساليبه وخطواته. من هنا تبرز أهمية ثقافة الأب ومطالعاته بهذا الخصوص.

لابد من الإدراك أن التربية الإجتماعية والأخلاقية لها مجالات واسعة جدا إذ أنها تشمل كل ما يحتاج إليه الطفل في حياته الحالية والمستقبلية. لهذا يجدر بالآباء أن لا ينظروا الى تربية أولادهم نظرة ضيقة، ذات بعد واحد، حيث تقع عليهم مسؤولية كبيرة جدا في  جوانب عديدة، منها:

الجانب الفردي: على الآباء أن يعلموا أطفالهم الطرق والأساليب النافعة والمفيدة في الحياة كي يكونوا أناسا قادرين على التمييز بين الحق والباطل، منتقدين، هداة صابرين، أن يتعرفوا على المشاكل والصعوبات حتى يكونوا وقورين في الكبر ويمتازون بالحلم. جاء عن الإمام الكاظم(ع) قوله: ( تستحب عرامة الغلام في صغره ليكون حليما في كبره). فينبغي أن يتحلى الولد بالإباء وعزة النفس ويهتم بشرفه وعفته حتى يقاوم الانحرافات والمفاسد.

الجانب الإجتماعي: علينا أن نربي أولادنا على حب الناس وخدمتهم، تمني الخير لهم، على الشعور بالمسؤولية وأدائها على أفضل ما يرام، التعاون في طريق الخير، التكافل الإجتماعي، المساواة والمواساة .

أما الطريق الى ذلك، الطفل نفسه يجيد عملية التقليد، إنه يرغب تعلم السلوك الذي يمثل إنموذجا له فيلتزم به، يسير خلف أشخاص يمتازون بالصفات التالية:

1ـ أن يكونوا أبطالا جهد الإمكان حتى ينبهر الطفل تقريبا لتصرفاتهم وأعمالهم.

2ـ أن يكونوا ممن يحبهم الطفل ويألفهم.

3ـ أن يقبلوه ويهتموا به ويداروه.

4ـ أن تكون تصرفاتهم متجسدة دائما أمام الطفل فينظر إليها باستمرار.

من هنا تبرز أهمية دور الوالدين، للأب تأثير يفوق الآخرين لأنه المسؤول عن الانضباط وتنفيذ القوانين.

هكذا نشاهد أن عيوب  الأب وسلبياته سوف تسري بلا شك الى ولده الذي يحاول تقليده في كل شيء.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تشرين الأول/2010 - 29/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م