فشلت الجهود الدولية لإقناع حكومة نتنياهو اليمينية بتجميد البناء
لفترة أطول، وقد بدأ البناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
نتنياهو الذي كان وما يزال الداعم الأكبر للاستيطان مارس الكذب
والنفاق مع حكومة باراك أوباما والمجتمع الدولي، ففي الوقت الذي كان
يكرر فيه من طرف لسانه أنه مع عملية السلام وإقامة الدولتين، فإنه نفذ
وعده للمستوطنين، وأعطت حكومته الائتلافية الضوء الأخضر ببدء البناء في
المستوطنات.
ويعد هذا القرار إعلانًا صريحًا بفشل المفاوضات المباشرة من جهة،
وتوجيه صفعة للسلطة الفلسطينية وللأمريكان من جهة أخرى. السلطة
الفلسطينية اشترطت تجميد البناء مقابل استمرار المفاوضات، والأمريكيون
من جهتهم ظلوا يرددون رفضهم لبناء المزيد من البيوت في المستوطنات،
وأما نتنياهو الذي لم يكترث يوماً لا بدعوات المجتمع الدولي، ولا بشروط
السلطة الفلسطينية ولا حتى لضغوطات الولايات المتحدة واللجنة الرباعية،
فقد استمر في نهجه التوسعي وأوفى بوعده للمستوطنين، وكأنه يقول للجميع:
“شاء من شاء وأبى من أبى .. ومن لا يعجبه فليشرب من البحر ا! لميت”.
المستوطنون احتفلوا على طريقتهم الخاصة، وشرعوا في عملية البناء في
27 من الشهر الماضي. مندوب (وكالة رويتر) الذي حضر حفل تدشين المشاريع
الاستيطانية الجديدة في مستوطنة (يتسعار) في الضفة الغربية، نقل تصريحاً
لمستوطن يهودي يدعى (أبراهام بنيامين) ..
ليت محمود عباس ورفاقه قرؤوا تصريح هذا المستوطن؛ لكي يتعرفوا على
عقلية خصومهم الصهاينة الذين يطمحون للاستيلاء على جميع أراضي الضفة،
والتي تسمى في توراتهم (يهودا والسامرا)، وأنها بحسب زعمهم (أرض
الميعاد). يقول هذا المستوطن: “إن أي انسحاب إسرائيلي من الأراضي
المحتلة سيكون بمثابة قطع أحد أطرافه”، ويضيف: “إن هذه الأرض هي أرض
الميعاد، فوفق ما ورد في التوراة فإنها تسمى يهودا والسامرا، ولا يمكن
أبدًا التنازل عنها ولو حتى مقابل السلام”. إذن حكومة نتنياهو اليمينية
تنفذ عملياً عقيدة اليهود، وتستمر في التوسع.
اليوم يعيش أكثر من 300 ألف مستوطن يهودي في الضفة الغربية مقابل
مليونين ونصف فلسطيني. ووفق خطط العصابات الصهيونية، والتي كانت دوماً
مدعومة من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فإن المشاريع الاستيطانية في
الأراضي الفلسطينية سوف تستمر! دون توقف حتى يشتد الخناق على
الفلسطينيين ويفقدوا الأمل بصورة نهائية في إقامة دولتهم الفلسطينية،
ويسقطوا مطالبهم بإرجاع القدس كعاصمة لدولة فلسطين، وعودة اللاجئين،
والتعويضات.
إننا حينما نقرأ المعتقدات اليهودية، ونشاهد ممارسات العصابات
الصهيونية على الأرض، والتي تمارس وفق الأساطير التلمودية تارة،
والصهيونية تارة أخرى، حينئذ يراودنا السؤال التالي: لماذا اتخذ محمود
عباس ورفاقه هذا المنحى الاستسلامي في صراعهم مع العدو؟ إنني أعتقد
جازماً أن رجال السلطة لم يفقدوا رفاقهم في السلاح والنضال فحسب، إنما
فقدوا ثقة معظم الشعب الفلسطيني بعد أن سوقوا كثيراً لمشروع ما يسمى
بعملية السلام، وضيعوا فرصًا تاريخية على الشعب الفلسطيني.
رجال السلطة بقيادة أبي مازن اليوم في موقف حرج، فهل يمتلكون
الشجاعة الكافية ليعلنوا انسحابهم من المفاوضات أم أنهم سيرضخون
كعادتهم لضغوطات الإدارة الأمريكية ويدخلون مرة أخرى في مفاوضات عبثية؟
الإدارة الأمريكية لم تكن يوماً طرفًا نزيهًا ومحايدًا، فهي تظهر
للعالم كأنها الوسيط الذي يريد إحلال السلام في المنطقة، وقيام دولتين
تعيشان جنباً إلى جنب، لكن الواقع إنها تدعم الكيان الصهيوني سياسياً
وعسكرياً.
المفاوضات المباشرة التي تصرّ عليها واشنطن ما هي إلا لشراء الوقت،
وخلق الهدوء وضبط النفس بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي؛ خدمةً
لأهداف إستراتيجية أخرى يخطط لها البيت الأبيض. |