في شارعنا سلطان

كاظم فنجان الحمامي

يبدو أننا اكتسبنا خبرات انتخابية واسعة, وصارت عندنا مهارات ديمقراطية متراكمة, جنيناها من خلال ممارساتنا الدستورية المتكررة, حتى أصبحنا على قناعة تامة بعدم جدوى انتخاب أي مرشح من أبناء قريتنا, أو من أبناء مدينتنا, أو إذا كان مقيما في أحيائنا السكنية, ولا أظن أننا سننتخب أي مرشح لمجالس المحافظات أو للبرلمان المقبل إذا كان من أبناء جيراننا, فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين, فما بالك إذا كان هذا المؤمن قد تلقى اللدغات تلو اللدغات من كل الجحور والثغور والفتحات, وأُغلقت بوجهه الشوارع والأزقة الفرعية المؤدية إلى السوق والمخبز والعيادة الطبية.

صار من المتعذر علينا العودة إلى بيوتنا, أو الوصول إلى مواقع أعمالنا عبر الطرق السالكة, بسبب كثرة الحواجز الكونكريتية, وبسبب تقاطعات الأسلاك الشائكة, والعوارض الأنبوبية, والمعرقلات البلاستيكية, والكتل والمطبات الحجرية, وبسبب كثرة مراكز الرصد والمراقبة, ونقاط التفتيش التي أقامها جارنا بعد نجاحه بالانتخابات, وفوزه بصولجانات المناصب العليا. 

لقد أصبح جارنا العزيز بين ليلة وضحاها من علية القوم ووجهائهم, وربما سيرتقي في يوم من الأيام إلى درجة أمير أو سلطان أو حتى مهراجا, وبات من حقه غلق الشوارع والفروع والأرصفة, وتطويق منزله بمجموعة من العناصر المدججة بالأسلحة النارية الفتاكة المحشوة بالذخيرة الحية, ووزع الكشافات الضوئية المخصصة لملاعب كرة القدم على أركان داره, وصرنا لا نستطيع الخروج من بيوتنا, ولا التجول في الطرق التي كنا نسلكها قبيل فوز معاليه في الانتخابات, فتعثرت خطواتنا, وتغيرت خارطة مدينتنا, وتقطعت أوصالها أربا أربا, وانقلبت معالمها الجغرافية رأسا على عقب, وتحولت ضواحينا, التي كانت تنعم بالهدوء والاستقرار, إلى ثكنات حربية, ومعسكرات قتالية تحتشد فيها الهمرات, وتصول فيها المصفحات والمدرعات, وتصطف على أرصفتها العجلات الحديثة ذات الدفع الرباعي, التي تنطلق صباح كل يوم بسرعات صاروخية, وبحركات جنونية لتمهد الطريق لحضرة جناب جارنا السلطان, وهو يغادر منزله الحصين في موكب استفزازي مهيب, تحف به سيارات الفارهة بصفاراتها وزعيقها وصخبها. 

فجارنا السلطان قبل أن يصبح سلطانا كان مواطنا بسيطا معروفا بتواضعه وبتفانيه, وكان متميزا بنبله ودماثة أخلاقه, لكنه حالما جلس على عرش السلطنة حتى بان على حقيقته, فتخلى عن معاني التفاني التي كان يتظاهر بها, ولم يعد يحمل أي صفة من صفات التواضع, ليس لأنه صار أكبر منصبا, ولا لأنه أصبح سلطانا, بل لان الشيطان غرس في قلبه فيروسات جنون العظمة, وانتزع من روحه خصلة التواضع, فعزل نفسه عنا, وتنكر لنا, وتقوقع في دوائر التكبر والتجبر. وصار في نظرنا مجرد سلطان مؤقت في طريقه إلى الفناء والتعفن في مزابل التاريخ, وهو الآن يتمتع في قريتنا بصلاحيات مؤجلة, ويحمل مشاعر حيوانية لا تصلح إلا في الغابات والمستنقعات حيث الأقوياء ينتهكون حقوق الضعفاء, بينما راح الناس يتندرون ويتهكمون على أمثال هذه الدفعات الجديدة من السلاطين والأباطرة, الذين اقفلوا الشوارع, وأغلقوا الطرق, وخنقوا الأزقة, واستحوذوا على محرمات الأرصفة.

انتشرت هذه الظاهرة في عموم المحافظات, وصارت موضة من الموضات السلطانية البرمكية المزعجة. تفننت بها شرائح ومجاميع سلطوية كبيرة, بل أنها صارت من المظاهر الشائعة المنتشرة حول بيوت المسئولين ومكاتبهم, واللافت للنظر أنها ظلت تمارس من قبل المسئولين السابقين, والمحالين منهم إلى التقاعد, وصار بعض رجال الدين يمارسونها أيضا, ولكن على نطاق ضيق.

فمتى تزال هذه التجاوزات المنغصة وانتهاكاتها السافرة من مدننا وقرانا وأحيائنا السكنية ؟. انه مجرد سؤال نطرحه على مدراء البلديات في المحافظات كافة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/تشرين الأول/2010 - 24/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م