تغييرات المناخ وانقراض الدول... مستقبل يكتنفه الغموض

 

شبكة النبأ: ازدادت في الآونة الأخيرة الكوارث الطبيعية التي تدمر المنازل وتقتل المحاصيل وتسلب الأرواح، حيث شهد العالم مشاكل كبيرة من وراء الدمار الذي خلفته هذه الكوارث، لاسيما عندما تكون الأزمة مستعصية ولا يمكن حلها، حيث كان يظن البعض انه عندما تمر الكارثة الطبيعية فأن الأمور تعود الى ما كانت عليه، غافلين عن حجم الأضرار التي خلفتها الأعاصير او البراكين والسيول من أزمة غذائية وانتشار الإمراض المزمنة والمميتة، بالإضافة الى انتشار الفقر بسبب خسارة المحاصيل المزروعة ونقص المواد الغذائية، كل ذلك آثار مخاوف المتابعين والمحللين الاقتصاديين من استمرار التزايد في عدد الضحايا بسبب المرض والجوع، مشددين في الوقت ذاته على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفادي الكوارث القادمة، لاسيما وإنهم يرصدون تغيرات في المناخ سريعة وهي ما تؤكد على إن هناك مشاكل آتية في الطريق ولابد الحذر منها. 

العالم العربي مهدد

فقد قال خبراء في مؤتمر عقد في فترة سابقة ان العالم العربي سيكون أحد أكثر المناطق تضررا في العالم من تغيرات المناخ لكنه مازال يفتقر الى أي جهد منسق لمواجهة الآثار المدمرة المحتملة لها.

ويقول برنامج الامم المتحدة الانمائي انه في ظل ظروف مناخية أشد حرارة وجفافا وأقل تنبؤا بها فإن من المتوقع أن تقل كمية المياه التي تجري في الانهار والمجاري المائية بالمنطقة بما يتراوح بين 20 و 30 في المئة عام 2050 مما يفاقم حالات التصحر ونقص الأمن الغذائي.

وقال خبراء في الاجتماع الاقليمي لبرنامج الامم المتحدة الانمائي الذي استمر يومين ان الدول العربية وكثيرا منها غني بالنفط وتعاني من زيادة متسارعة في عدد السكان تفتقر الى الإرادة السياسية للعمل.

وقال مصطفى طلبة المدير التنفيذي السابق لبرنامج الامم المتحدة للبيئة ان المسؤولين يتركون أجيالا كاملة سوف يستيقظون يوما ليجدوا كارثة بين أيديهم خاصة وأنهم غير مستعدين تماما للتعامل معها.

ويوجد بالمنطقة ست من بين عشر دول هي الأكثر ندرة للمياه في العالم. ويبلغ نصيب مواطني هذه الدول ألف متر مكعب من المياه في المتوسط سنويا أي أقل بسبعة أمثال المعدل العالمي. ومن المتوقع أن يتقلص هذا المعدل الى 460 مترا مكعبا عام 2015.

ومن بواعث القلق الاخرى التي تلوح في الأفق بالنسبة لكثير من دول المنطقة ارتفاع منسوب مياه البحار مما يهدد الدول الجزرية الصغيرة مثل البحرين فضلا عن الجزر الطبيعية والصناعية في الخليج العربي. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال مصطفى الراعي المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للحد من خطر الكوارث انه في مصر حيث يعيش أكثر من 50 في المائة من السكان في المنطقة المحاذية لساحل البحر المتوسط لمسافة مئة كيلومتر يواجه ما بين ستة الى ثمانية ملايين شخص خطر التشرد.

ومصر أكبر مستورد للقمح في العالم بالفعل وسوف يؤدي ارتفاع منسوب المياه في الأراضي المنخفضة بدلتا النيل -التي يزرع بها نحو نصف محاصيل البلاد- الى إغراق الأراضي أو تشبعها بالمياه المالحة.

وقالت شادن عبد الجواد رئيس المركز الوطني لأبحاث المياه أمام المؤتمر ان التغيرات المناخية ستجعل الكثير من المناطق الساحلية في العالم العربي مهملة أو مهجورة.

وقال الراعي مستشهدا بأرقام البنك الدولي ان الأضرار المحتملة لارتفاع منسوب مياه البحر يمكن أن تخفض إجمالي الناتج المحلي في مصر بنسبة 16 في المائة وهو أسوأ ضرر محتمل في المنطقة. وتأتي قطر وتونس بعد مصر مباشرة.

وتمثل زيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم العربي واحدة من أسرع المعدلات عالميا حيث تأتي الكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر في مقدمة دول العالم من حيث حجم الانبعاثات مقارنة بعدد السكان. رغم ان عدد سكان المنطقة يمثل خمسة في المائة فقط من إجمالي سكان العالم.

وقال الخبراء ان جهود مواجهة التغيرات المناخية موجودة في خطط الحكومات العربية الا انهم دعوا لاتخاذ إجراءات لجذب القطاع الخاص اليها وقالوا ان السبيل الوحيد هو استهداف جيوب قطاع الأعمال.

وقال طلبة ان العاملين في قطاع الأعمال والاقتصاد في حاجة لرؤية بعض العائدات المحتملة من مواجهة التغيرات المناخية وبدون ذلك لن يحدث شيء.

تغير المناخ وزيادة الوفيات

من جانب آخر، يقول خبراء في مجال البيئة ان الوفيات الناجمة عن كوارث طبيعية تتضاءل الا أن التغير المناخي قد يدير الدفة ويتسبب في زيادتها بسبب تطرف الأحوال المناخية والآثار المترتبة عليه مثل انتشار الأمراض وسوء التغذية.

وازداد استعداد الكثير من الدول لمواجهة التطرف المناخي بفضل تحسن نظم توقع الأعاصير والموجات الحارة وتراجع معدلات الفقر في الدول النامية خلال العقود القليلة المنصرمة مما ساهم في الحد من أعداد الوفيات.

وقال ديارميد كامبل لندرام الخبير بمنظمة الصحة العالمية "نحرز تقدما جيدا من ناحية إنقاذ الأرواح فعليا." وأضاف "لكن لا توجد ضمانات للمستقبل في وقت نرى فيه تزايد المخاطر خاصة أشياء مثل الإجهاد الحراري حيث ربما لا نكون على أتم الاستعداد (لمواجهتها)." ويمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة الى تفاقم اثار الكوارث الى جانب حدوث تغيرات تدريجية نتيجة الحرارة المرتفعة مثل تراجع إنتاج بعض الأغذية.

وقال كامبل لندرام "التغير المناخي يضيف سببا آخر يحتم علينا إحراز تقدم في السيطرة على الملاريا والإسهال والتعامل مع مشكلة سوء التغذية." وأضاف "هذه هي التحديات الكبيرة." وتتوقع دراسات الامم المتحدة أن يؤدي التغير المناخي الى مزيد من الجفاف وحرائق الغابات والموجات الحارة والفيضانات والانهيارات الأرضية وارتفاع منسوب مياه البحار وكلها مخاطر تهدد سكان العالم الذين يتوقع أن يزيد عددهم الى تسعة مليارات نسمة بحلول 2050 من 6.8 مليار حاليا.

تفاقم الآثار

وعادة ما تكون الآثار الناجمة عن الكوارث الطبيعية هي الأسوأ من حيث زيادة حالات الوفاة.

قال اندرو هاينز مدير كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة ان حالات الوفاة نتيجة تطرف الأحوال المناخية هذا العام مثل فيضانات باكستان "هي بمثابة تحذير بأن علينا تجديد المساعي للسيطرة على ظاهرة تغير المناخ."

وأضاف "هناك زيادة في معدلات الوفيات نتيجة أسباب غير مباشرة.. تصاب الأسر بالفقر فترتفع معدلات وفيات الأطفال التي لا يتم حصرها في العادة." ومضى قائلا "ربما يكون تقديرنا للوفيات أقل كثيرا من الواقع." ومن شأن التغير المناخي أن يؤدي الى تفاقم الآثار المدمرة الناجمة عن الكوارث الطبيعية.

ولقي أكثر من 1750 شخصا حتفهم جراء الفيضانات في باكستان لكن الملايين يتهددهم خطر الإصابة بالأمراض. وتوفي 54 شخصا على الأقل في حرائق غابات في روسيا في يوليو تموز وأغسطس اب مما أدى الى ارتفاع أسعار الحبوب وهو ما يهدد بدوره بانتشار سوء التغذية بين الفقراء. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ومن المقرر أن تصدر منظمة الصحة العالمية تقريرا في العام المقبل يشمل تحديثا لدراسة أجريت في 2003 قدرت عدد الوفيات الاضافية بسبب الاحتباس الحراري بنحو 150 ألف شخص سنويا معظمهم نتيجة سوء التغذية والإسهال والملاريا.

أنظمة لتقليل الخسائر

بينما من المتوقع أن تتضاعف الوفيات بحلول 2030. وأحجم كامبل لندرام عن توقع الارقام الجديدة. وقال أكيم شتاينر مدير برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة "تتمثل الاستجابة على المدى القصير في الاستعداد (لمواجهة) الأمراض" مشيرا الى النجاح في الحد من حالات الوفاة جراء عواصف في بنجلادش وكوبا خلال العقود الأخيرة.

ففي بنجلادش على سبيل المثال ساهم نظام الإنذار المبكر ومساكن الإيواء في تقليل أعداد الوفيات. ووفقا لقاعدة بيانات حالات الطوارئ فقد أسفر الإعصار بولا عن مقتل 300 ألف شخص في 1970 بينما أدى إعصار في عام 1991 الى وفاة 139 ألفا فقط. وفي 2007 توفي 3500 شخص نتيجة الإعصار سيدر.

وقال شتاينر انه بالإضافة الى استثمار باكستان في نظم الحماية من الفيضانات أو تحسين نظم المعلومات بشأن كيفية التعامل مع الموجات الحارة فان الحل على المدى البعيد يكمن في خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري ومعظمها ينتج عن احتراق الوقود الاحفوري.

وأضاف "التعامل مع العناصر الرئيسية للتغير البيئي هو الذي سيحتم على العالم في نهاية الامر اما الاستثمار بشكل متزايد في معالجة الكوارث أو في التنمية... هذا هو اختيار الجيل الحالي."

وأضاف أن التغير المناخي دفع لتعزيز الخدمات الصحية الأساسية في الدول الفقيرة حيث يعاني 830 مليون شخص من سوء التغذية ويواجهون القدر الاكبر من المخاطر. وللتغير المناخي اثار سلبية وايجابية. فكما أن عددا كبيرا من الناس معرضون لخطر الموجات الحارة مثلا يفيد اعتدال الأجواء في فصل الشتاء بعض كبار السن.

وربطت دراسات أخرى بين الاحتباس الحراري وانتشار القراد الذي يحمل مرض التهاب الدماغ في شمال أوروبا. وأشارت دراسة الى ارتفاع معدلات الانتحار بين المزارعين في استراليا خلال موجات الجفاف وذلك وفقا للجنة من علماء المناخ تابعة للأمم المتحدة.

وتفيد قاعدة بيانات حالات الطوارئ أن الوفيات الناجمة عن كوارث طبيعية تراجعت من حوالي 500 ألف سنويا قبل مئة عام الى ما دون 50 ألفا في السنوات الاخيرة. وتشمل الارقام كوارث لا ترتبط بالتغير المناخي مثل موجات المد العاتية والثورات البركانية. وفي الفترة الأخيرة كان عام 2004 هو الأسوأ اذ شهد موجات مد عاتية في المحيط الهندي.

الاحترار المناخي

في حين انحسرت الكتل الجليدية على جبل ارارات الواقع شمال تركيا بنسبة 30% على مدى ثلاثين عاما تقريبا ولعل السبب يعود الى ارتفاع حرارة الجو المحيط بها، حسبما أكد محمد عكيف ساريكايا الذي اعد دراسة حول الموضوع.

وقال عالم الجيولوجيا هذا الذي لم تنشر نتائج أبحاثه بعد "استعنا بصور الأقمار الصناعية لتحليل تداعيات التغيير المناخي على الكتل الجليدية في قمة جبل ارارات. واكتشفنا انها خسرت 30% من مساحتها بين العامين 1976 و2008".

وتابع الباحث، وهو استاذ مساعد في جامعة الفاتح في اسطنبول ومكلف بالأبحاث في جامعة اوماها (الولايات المتحدة) "تقلصت مساحة الكتل الجليدية من 8 كيلومترات مربعة في العام 1976 الى نحو 5,5 كيلومترات مربعة في العام 2008، اي بمعدل سبعة هكتارات سنويا.

ويرى العالم ان السبب المرجح لذوبان الجليد هو الاحترار المناخي حول جبل ارارات. ويقول "بحثنا عن اسباب الذوبان ووجدنا ان الحرارة ارتفعت 0,03 درجة سنويا" خلال الفترة التي شملتها الدراسة، من دون استبعاد عوامل أخرى محتملة مثل ازدياد الأمطار والتعرض لأشعة الشمس والطوبوغرافيا. بحسب وكالة فرانس برس.

لكن عالم الجيولوجيا لم يحدد أسباب هذا الاحترار او مدى ارتباطه بظاهرة الاحترار المناخي العالمية. ورفض ايضا التكلم عن الإمكانات الجديدة التي يوفرها هذا الذوبان للبحث عن طوف نوح. وفقا للكتاب المقدس، فإن طوف نوح هو مركب كبير بني لإنقاذ نوح وعائلته وكل الأجناس الحيوانية من طوفان وشيك.

ويقول بعض الخبراء ان جبل ارارات (البالغ ارتفاعه 5137 مترا) هو المكان الذي رسا فيه الطوف في نهاية رحلته. وقد حاولت عدة فرق إيجاد الطوف على جبل ارارات بلا جدوى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 4/تشرين الأول/2010 - 24/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م