
الكتاب: محمد صالح وبناته الثلاث
الكاتب: عبد الله المدني
الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر
عدد الصفحات: 141 صفحة متوسطة القطع
عرض: جورج جحا
شبكة النبأ: يظهر الكاتب البحريني عبد
الله المدني في عمله الروائي الاخير "محمد صالح وبناته الثلاث.. شهربان
وخير النساء وفاطمة جل" قدرة جلية على السرد الممتع وعلى شرح الجغرافيا
والتاريخ بتبسيط.. لكنه في رسم الشخصيات ودواخلها لا يتجاوز خطوطا
عريضة عامة.
والكاتب من حيث المحصلة الفكرية النهائية لما قاله في الرواية اصدر
حكما جازما على كل فكر تغييري يساري ويميني فجاء موقفه يشبه دعوة الى
ان يبقى الانسان على حاله لان في بقائه سعادته وان في عالمه الصغير
المحدود.
خلاصة مغامرة بطل الرواية محمد صالح خيبة انسانية كبيرة وعميقة تشبه
خيبة صياد ارنست همنجواي في رواية "الشيخ والبحر" الذي اكتشف ان جهاده
ومعاناته القاسية في البحر وتلك السمكة الكبيرة التي نجح في اصطيادها
وأفرحته لم تصل معه الى الشاطىء بل وصل منها هيكل عظمي تناتشت لحمه
كائنات البحر المتعددة. كأن ما تعطينا اياه الحياة ليس في النهاية الا
"حفنة ريح" وفقا لتعبير الاديب اللبناني الراحل سعيد تقي الدين.
والواقع ان هذا هو باختصار ما تقوله الرواية وقد بدا انها جاءت
لتطور هذه الفكرة ففعلت لكنها على ما تخلقه من متعة لم تقدمها عبر ما
يمكن تصويره داخليا من محنة النفس فكنا "نرى" ذلك من خلال كلام الكاتب
من الخارج لا من خلال المعاناة الداخلية لاشخاصه. بحسب رويترز.
الا ان الكاتب قدم لنا في عمله هذا اختصارا "تثقيفيا" لاحداث
تاريخية واجتماعية في منطقة الخليج من خلال محمد صالح العربي الايراني
الجنسية فأظهر لنا مشكلته الكبيرة وهي انه في الضفة العربية لم يعتبر
عربيا تماما وفي الضفة الفارسية اعتبر عربيا مشكوكا في ولائه.
رواية عبد الله المدني جاءت في 141 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن
المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
في رواية "محمد صالح وبناته الثلاث.. شهربان وخير النساء وفاطمة جل"
يروي عبد الله المدني بشكل ممتع.. لكن دخوله الى عالم الشخصية
الانسانية لا يقدم اكثر من وصف عام لا ينقل الينا عالم تلك الشخصية بل
يتناولها من الخارج.
تبدأ الرواية مع محمد صالح وقد ترمل وهو في الثلاثين من العمر بعد
ان توفيت زوجته الحبيبة في عمر مبكر وتركت له بناتهما الثلاث شهربان
وخير النساء وفاطمة جل. ضيق العيش جعل محمد صالح يأخذ بنصيحة صديقه
وشقيق زوجته محمد شفيع فترك قريته "كرمستج الداخلية في بر فارس العربي"
وسافر الى الشارقة للعمل وقد ترك بناته في عهدة خالهن في منزله مع
عائلته.
وبعد جهاد وتعب اكتسب ثقة حاجي عبد القادر صاحب العمل الذي اسكنه
معه في بيته. كان للحاجي عبد القادر ابنة وحيدة عزيزة عليه تدعى لطيفة.
يصف المؤلف لنا الحياة في المنطقة التي كانت تحت الحماية البريطانية
والتي لم تكن قد عرفت ازدهارها الحالي لكنها كانت مكانا يقصد للعمل
التجاري وجني المال. سافر محمد صالح الى الشارقة سنة1945 فعمل بكد
وجدية ودرس باجتهاد في مدارس ليلية وما لبث ان اصبح الساعد اليمنى
للحاجي عبد القادر الذي اشركه في تجارته.
تنشأ علاقة حب بين محمد صالح ولطيفة ابنة الحاجي عبد القادر. يصور
الكاتب علاقة عذرية بين محمد صالح والفتاة التي تبلغ عمر صغرى بناته
لكن يبدو الكاتب قد "زادها قليلا" وهو يحاول ان يشدد على موضوع الشرف
والعفة.
محمد صالح يشتهي الفتاة ويحلم بها وينتهز الفرص كي يلمح بعض مفاتنها
وهي كذلك مغرمة به. ولم يكن محمد صالح وهو الذي كان قبلا صبي المتجر
يجرؤ على طلب يد الفتاة من ابيها على رغم تفاهمهما وتبادلهما الحب. لكن
الفرصة تأتيه بصورة غريبة.
هذا النوع النبيل من العلاقات العفيفة الشريفة ليس امرا مستحيلا.
لكنه في الحالة هذه يبدو امرا غريبا من حيث المعالجة الروائية. الحاجي
عبد القادر الحريص على سمعته وسمعة ابنته اراد التوجه الى المملكة
العربية السعودية لاداء فريضة الحج. وقد ترك هذا العربي الغيور على
شرفه -وخلافا للعادات العربية- ابنته الوحيدة في بيته وحيدة مع بطل
الرواية ولم يتركها في بيت شقيقته.
ولما كان السفر صعبا في تلك الايام كما قال الكاتب فقد استغرقت رحلة
الحج وعودة الحاجي عبد القادر منه مدة طويلة من الزمن اذ انه غادر
الشارقة في عام 1951 وعاد اليها في منتصف عام 1952. وطوال تلك المدة
كان الرجل يتحين الفرص للتمتع بمنظر مفاتن الفتاة يعيش معها وحيدين تحت
سقف واحد.
والغريب في الامر ان الاب الذي بدا شديد التحرر -على عكس ما هو
بالفعل- سمح بكل ذلك لكنه بعد عودته غضب عندما ابلغ ان محمد صالح اخذ
الفتاة التي اصابها مرض شديد الى الطبيب فأنقذ حياتها.
قال لمحمد صالح في جو من الغرابة الشديدة التي يبدو ان الكاتب لم "
ينتبه" اليها "الان وقد انكشفت على ابنتي وانكشفت هي الاخرى عليك
وتحادثتما وحدث بينكما ما حدث فان امامك خيارين لا ثالث لهما.. اما ان
تبحث لك عن مكان اقامة اخر بعيدا عن بيتي وذلك منعا للقيل والقال او
احتمال غواية الشيطان الرجيم لاحدكما واما ان نعقد قرانكما وتتزوجا على
سنة الله ورسوله وتقيما معي في هذا البيت الواسع "
تتطور الرواية فيأتي محمد صالح ببناته ويزوج الكبرى للحاجي عبد
القادر وتتزوج الاخريان من رجلين عربيين وينعم الله على الجميع باولاد
وتمر السنون وينتشر اولاد محمد صالح واحفاده بين الخليج والقاهرة
والهند وامريكا طلبا للعلم او التجارة.
يختصر الكاتب لنا تاريخ المنطقة العربية عامة حتي فترة عهد الرئيس
المصري انور السادات وتوزع افكار ومشاعر افراد العائلة هنا وهناك ودخول
بعضهم السجون. كانوا صورة مصغرة عن كثير شبان وشابات العرب في تلك
الحقبة.
يقول الكاتب "وهكذا وجد محمد صالح نفسه في مشهد سريالي باعث على
الشفقة فيه ابن "اخواني" وابنة "بعثية" وزوجته ناصرية وحفيد " سلفي"
واخر "شيوعي" وثالث امريكي الهوى..."
وقبل ان يموت محمد صالح تمنى مستحضرا فكرة الة الزمن للكاتب
البريطاني هربرت جورج ولز "ان تزول الثروة الطائلة التي كونها بالعرق
والسهر والدموع على مدى ثلاثة عقود من الزمن... تمنى ان يفقد كل
العلاقات التجارية التي نسجها مع علية القوم وخلقت له نفوذا وسمعة طيبة
في مقابل ان يستعيد فلذتي كبده.. كان يتمنى.. ان تلقي به "الة الزمن
ثلاثة عقود الى الوراء الى قريته الصغيرة كرمستج حيث الحياة بدائية
وقاسية لكنها خالية من تأنيب الضمير وأوجاع القلب." |