مصر وازمة الخبز... ثورة جياع متوقعة

 

شبكة النبأ: تمر مصر ببداية أزمة غذائية بسبب النقص الحاصل في محصول القمح وعلى الصعيد العالمي بعدما خلفته حرائق روسيا خلال الفترة السابقة من تصاعد في الأسواق العالمية وهذا بدوره قلل من نسبة الاستيراد والتصدير لمادة القمح خاصة بالنسبة لمصر، لاسيما وإنها كانت تعتمد وبشكل كامل على المحصول الروسي التي كانت تستورده، وفيما يرى بعض المحللين من ان هناك مخاوف من حدوث أزمة كبيرة جراء الغلاء المنتشر في الأسواق المصرية في مادة الخبز والتي يعتبره المصريين من أهم أنواع الغذاء وهو أساسي في حياتهم ولا يمكن أن يستغنى عنه، حيث سيؤدي هذا الى ظهور احتجاجات ومطالبات من قبل المواطن المصري وقد تصل الى أعمال الشغب والسرقة.

لكن من جانبها الحكومة المصرية طمأنت المصريين من أنها تتخذ إجراءات مستقبلية لعدم حدوث أي أزمات غذائية، ورأى بعض المتابعين ان مصر بإمكانها ان تتجاوز هذه المحنة لأن ما لديها من خزين وما تقوم به من البحث عن مصادر أخرى لاستيراد الحنطة والقمح سيكون كفيلا لتفادي أي أزمات.

تداعيات الازمة

فقد سارعت مصر الى استبدال طلبيات بعدما أوقفت روسيا التي يعصف بها الجفاف صادرات الحبوب في أغسطس اب وهو ما دفع أسعار القمح للارتفاع بشدة. كانت القاهرة تعاقدت حتى ذلك الحين على 540 ألف طن من القمح الروسي منذ يوليو تموز.

وتظهر السرعة التي جددت بها دفتر طلبياتها من القمح عزما على تحاشي أي نقص في الخبز المدعم الذي تعتمد عليه أعداد كبيرة من الفقراء في البلد الذي يقطنه 78 مليون نسمة. وتقول الحكومة مرارا ان الإمدادات تكفي.

كان نقص المعروض قبل عامين قد تضافر مع ارتفاع في أسعار سلع أولية أخرى ليفضي الى مصادمات بين محتجين والشرطة. وفي مصر يعتبر تدبير السلع الغذائية الأساسية مسألة حساسة من الناحية السياسية على الدوام لكن المحللين يقولون ان الحكومة تتوخى الحذر بشكل خاص في الوقت الحالي لأنها تريد تفادي أي اضطرابات قبيل انتخابات برلمانية ورئاسية تجرى في العامين الحالي والقادم.

وقال مجدي صبحي من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية "لا أرى انه ممكن يتصعد الوضع الى مشاحنات مثلما حدث في 2008 لان الارتفاع في السوق العالمي ليس بنفس الارتفاع في 2008." وكانت أسعار القمح ارتفعت في 2008 بعد عدة سنوات فاق خلالها استهلاك القمح العالمي حجم الإنتاج.

لكن خبيرا غربيا بالصناعة مقيم في القاهرة قال ان أحدث زيادة في الاسعار جاءت عقب محصولين عالميين قياسيين وان الإمدادات تتجاوز الطلب لذا من المستبعد أن تعاود الاسعار ارتفاعها بنفس القوة.

فاتورة اكبر

وقال "الأسعار ارتفعت أكثر بكثير منذ عامين ولا أتوقع أن تواصل الارتفاع كثيرا هذا الموسم أو في السنة التسويقية الحالية نظرا للمخزونات (العالمية) التي تراكمت على مدى العامين الأخيرين. ويتفق معه في الرأي خبير اقتصادي بمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة حيث يقول ان حظر التصدير الروسي لا يعني تكرار أزمة غذاء 2007-2008.

ودفعت مصر نحو 280 الى 290 دولارا للطن مقابل قمح من فرنسا وكندا والولايات المتحدة في أغسطس وسبتمبر أيلول في حين دفعت في يونيو حزيران نحو 160 دولارا للطن مقابل بعض القمح الروسي. وفي أوائل 2008 دفعت مصر 450 الى 480 دولارا للطن مقابل بعض الشحنات.

ومع ارتفاع الاسعار لم تدع الحكومة شيئا للصدفة فاشترت مخزونات تكفي حتى يناير كانون الثاني وهو هامش مريح. وتستهلك مصر نحو 14 مليون طن من القمح سنويا تستورد نصفها تقريبا ويكون معظم ذلك عن طريق الهيئة العامة للسلع التموينية التي اشترت نحو 5.5 مليون طن عبر مناقصات عالمية في السنة المالية 2009-2010.

وستتحمل الحكومة فاتورة أكبر من المخطط له في السنة المالية الحالية لتمويل إنتاج أرغفة الخبز "البلدي" الصغيرة المدعومة التي يزن الواحد منها نحو 100 الى 125 جراما ويباع بخمسة قروش (أقل من سنت أمريكي). بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وتقول القاهرة انها تتوقع انفاق 2.5 مليار الى أربعة مليارات جنيه اضافية في 2010-2011 لتعويض النقص بعد الحظر الروسي. لكن الخبراء يقولون ان مصر تستطيع تغطية ذلك بسهولة. وقال محمد أبو باشا الخبير الاقتصادي لدى بنك الاستثمار المجموعة المالية- هيرميس " نتوقع نحو ثلاثة مليارات جنيه بما يعادل حوالي 0.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي .. ليست زيادة كبيرة ولدينا ما يكفي من المال لدفع الفرق."

إجراء استباقي

كما صمد الاقتصاد المصري في مواجهة التباطوء العالمي مواصلا النمو حتى في خضم أزمة الائتمان عند حوالي خمسة بالمئة. كما عززت مصر احتياطيات النقد الاجنبي للبنك المركزي الى مستويات قياسية تتجاوز الآن 35 مليار دولار. وقال الخبير الغربي "يبدو أنهم يملكون العملة الصعبة. ليست مشكلة بالنسبة لهم. قطعا ستكون للقمح أولوية قصوى لدى الحكومة وسيتأكدون من توافر الميزانية."

وأضاف أنه يمكن إنتاج الخبز "البلدي" باستخدام أصناف مختلفة من القمح مما يمنح هيئة السلع التموينية خيارا واسعا للشراء. وفي الآونة الأخيرة أضافت الهيئة الأرجنتين الى قائمة مورديها التقليديين وهم الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكندا وأستراليا. لكن بعض التجار في القاهرة قالوا ان مصر التي لم تشتر الا قمحا روسيا في يوليو كانت بطيئة أكثر من اللازم في رصد أثر الجفاف.

وقال أحدهم "كانت هناك علامات مسبقة على أن روسيا تواجه بعض المشاكل في معروض القمح وكان ينبغي على مصر أن تتخذ إجراء استباقيا بتنويع مصادرها." وقد حدث بعض التبرم ومظاهرات متواضعة لا يشارك فيها أكثر من بضع عشرات الأشخاص من حين لآخر احتجاجا على ارتفاع الأسعار في الأسابيع الأخيرة.

ومن غير المتوقع أن يواجه الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم تحديا كبيرا سواء في الانتخابات البرلمانية المقررة في نوفمبر تشرين الثاني أو في الانتخابات الرئاسية عام 2011 لكن الحكومة تريد عدم إعطاء الخصوم أي ذخيرة. وقال صبحي "لن نرى طوابير عيش أو مشاحنات لان استعداد الحكومة أعلى ولأننا على وشك موسم انتخابات حتى لا يكون هناك أي أثر سلبي على الحزب الوطني الديمقراطي في الانتخابات."

فرن منزلي

على صعيد متصل، وفي ركن بمنزل أسرتها في قرية جنوبي مدينة الجيزة المصرية جمعت رحاب قبيل زفافها نصيبها من مستلزمات بيت الزوجية لتريه للأهل والجيران قبل نقله الى بيت العريس. رصت الأجهزة المعمرة المختلفة كغسالة الملابس والتلفزيون وموقد البوتاجاز بعناية فائقة يتصدرها فرن معدني بجواره عبوة غاز اسطوانية جديدة.

لقد صار فرن الخبز المنزلي الذي يعمل بالغاز بندا مهما ضمن مستلزمات البيت لكل عروسين جديدين فيما يسمى "جهاز العروسين" في معظم القرى بسبب الصعوبات التي باتت تكتنف شراء الخبر المدعم.

لم يسبق لرحاب التي تعلمت حتى نالت شهادة الثانوية العامة ان استعملت مثل هذا الفرن من قبل لكن والدتها التي دفعت في فرن الغاز واسطوانته زهاء 500 جنيه (نحو 90 دولارا) تقول "الهدف هو إعداد رحاب لمواجهة أي صعوبة في الحصول على الخبز الجاهز (المدعوم") متعهدة بتدريب ابنتها على كيفية إعداد الخبز في بيتها الجديد كلما لزم الأمر.

وكانت أم احمد (33 سنة) التي تسكن بنفس البلدة على حال رحاب من الجهل بعملية الخبز الى ان انتهت من دراستها الجامعية وعملت مدرسة. لكنها لجأت لتعلم الخبز مستخدمة فرن الغاز لتوفر على زوجها المدرس عناء الوقوف في صف طويل كل صباح لشراء الخبز. وتقول أم أحمد "لجأت للخبز في البيت بنفسي لأوفر على زوجي الوقوف ساعات أمام المخبز والعودة بخبز لا يصلح أحيانا طعاما للآدميين."

حتى وقت قريب كانت من تحصل على مؤهل دراسي حتى لو كان شهادة إتمام الدراسة الإعدادية في قرية كتلك التي تنتمي اليها أم احمد ورحاب لا تقرب الفرن باعتبارها "متعلمة" لا يقبل في محيطها أن تقوم بأعمال شاقة تليق بمن لم تنل نصيبا من التعليم او تحظ بزيجة "مريحة".

لكن ام احمد وعددا اخر من زميلاتها حاملات الشهادات الجامعية بنفس المدرسة بل وناظرة المدرسة صرن من الماهرات في إعداد الخبز المنزلي بدافع الحاجة الى تفادي مشاكل الخبز الجاهز وبفضل فرن الغاز الذي يمكن وضعه بأي مكان بالمنزل دون أثر لدخان او حاجة لحطب او قش كما كان الحال في الفرن الطيني الذي استعملته جداتهن وأمهاتهن. وتحصل أم أحمد على الدقيق اللازم للخبز بشراء كمية من القمح خلال موسم الحصاد من أحد الفلاحين او بشراء الدقيق الجاهز ويكلفها ذلك مبالغ كبيرة تؤثر على نفقات أسرتها.

مشروع شخصي

في حين تسبب تفتت الملكية الزراعية في عزوف صغار الملاك والمستأجرين في كثير من أنحاء الريف المصري ولاسيما قرب العاصمة عن زراعة القمح لبقائه في الارض لشهور يحرمون خلالها من أي دخل.

ويقول نبيل وهو مزارع بالقرية ويملك مطحنة آلية "الخضراوات تستمر شهرين او ثلاثة في الارض وتوفر للفلاح مالا يعيش منه. الناس تموت لو استمرت دون مال ستة شهور كاملة وعيش (خبز) المخبز ابو خمسة قروش يساعدهم لأنه ارخص."

ويباع رغيف الخبز المدعم في مصر بخمسة قروش للرغيف وهو سعر يتيح الخبز لكل فئات المجتمع تقريبا. كما يباع في الأسواق نوع اخر غير مدعوم يتراوح سعره بين 25 و50 قرشا حسب الحجم والجـودة وهو أكـثر توفـرا من النوع الأول لكـنه خـارج متـناول كـثير من الفئات.

وتقول الحكومة ان ميزانية الدولة تتكبد مليارات الجنيهات كل عام لدعم الخبز. ومن بين كل 20 رغيف خبز مدعم في مصر هناك 12 رغيفا يتم استيراد القمح اللازم لها من الخارج طبقا لبيانات مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري الخاصة بعام 2009 والتي اشارت ايضا الى ان الخبز المدعم مكون رئيسي في وجبات 90 في المائة من الأسر المصرية. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وأكد رئيس الوزراء احمد نظيف مؤخرا أن الخبز المدعم لن يتأثر بأي زيادة في أسعار القمح بعد قرار روسيا وقف تصدير القمح اثر موجة الحر والحرائق هناك. ويقول طارق القهوجي وهو موزع لأفران الغاز المنزلية بمدينة البدرشين جنوبي القاهرة ان فرن الغاز صار جزءا أساسيا من تجهيزات أي عروس في المنطقة.

ويبيع القهوجي ما بين 30 و40 فرنا شهريا لكنه يضيف "رغم ذلك الفرن ليس له أي اشتراطات أمان لأنه مصنوع في الغالب في ورش صغيرة تفتقر للرقابة الصناعية كما انه ليس له ضمان." وحوادث انفجار مواقد واسطوانات الغاز من الأمور المألوفة في مصر ويروح ضحيتها عشرات الأشخاص كل عام.

كما استغلت بعض النسوة ممن يجدن الخبز فرن الغاز كمشروع شخصي صغير حيث ينتجن الخبز ويبعنه للجيران والمارة لاسيما في المناطق الحضرية بثمن قدره 50 قرشا للرغيف الصغير وجنيه للرغيف الكبير.

ولكن برغم انتشار الفرن المعدني الذي يعمل بالغاز تقول حماة ام احمد إنها لن تستغني عن فرنها الطيني العتيق القابع منذ عقود في منزلها القديم في حجرة اتشحت بالسواد بفعل دخانه. فهو كما تقول "ذكرى من خير زمان عندما كانت البيوت عامرة بالقمح والدقيق والخير من كل نوع وكان من العيب شراء الخبز الجاهز من خارج البيت."

تفادي أعمال شغب

من جانبه قال وزير التجارة المصري ان مصر دبرت كميات القمح التي تحتاجها لتفادي أي نقص في الخبز المدعم وانها لن تواجه أعمال شغب بشأن الغذاء على غرار ما حدث في 2008 بسبب نقص الخبز.

وتدفع مصر أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان وأكبر مستورد للقمح في العالم دعما حكوميا ضخما للإبقاء على سعر الخبز منخفضا في البلد الذي يعيش خمس سكانه على أقل من دولار واحد في اليوم بحسب الأمم المتحدة.

وفي 2008 تسبب نقص في الخبز وارتفاع في أسعار السلع الى مصادمات بين محتجين والشرطة. وسارعت مصر الى تعويض 540 ألف طن من عقود القمح الملغاة بعدما حظرت روسيا أكبر مورد للقمح إليها صادرات الحبوب حتى نهاية العام لمواجهة جفاف حاد.

وقال وزير التجارة المصري رشيد محمد رشيد ردا على سؤال ان كانت الحكومة تتوقع أن تثير طفرات سعر القمح العالمي اضطرابا عاما في مصر "مستحيل لان السياسة واضحة جدا. أولا لقد دبرنا كل الكميات التي نحتاجها لاستهلاكنا."

وأضاف "دبرنا أيضا الأموال اللازمة لزيادة ميزانية الدعم لدينا وهو ما يعني في نهاية الأمر أن المستهلك المصري والمواطن المصري لن يشعر بأثر زيادة الأسعار عالميا."

وارتفع التضخم الأساسي في مصر على غير المتوقع في أغسطس اب ليصل الى 8.2 بالمائة من 7.08 بالمائة على مدار عام حتى يوليو تموز. وعزا البنك المركزي الزيادة الى ارتفاع أسعار الغذاء بالتزامن مع شهر رمضان الذي انتهى في التاسع من سبتمبر أيلول. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال رشيد ان دعم أسعار المواد الغذائية سيساعد على احتواء أثر ارتفاع أسعار الغذاء. وقال "حقيقة أننا نزيد ميزانية الدعم لدينا وحقيقة أن لدينا أكثر من 60 مليون شخص يستفيدون من برنامجنا لدعم أسعار المواد الغذائية هي في حد ذاتها أفضل إجراء نتخذه."                    وقال ان وزارة الزراعة تتخذ أيضا خطوات لزيادة إنتاج القمح محليا لكنه أضاف أن مصر ستحتاج رغم ذلك الى استيراد ستة ملايين طن من القمح سنويا على مدى الأعوام القليلة القادمة.

وقال رشيد "ما ننظر اليه هو ضمان أنه مهما كان ما ننتجه فانه سيواصل الزيادة تدريجيا لكن من الواضح أننا سنظل مستوردا رئيسيا للقمح على الصعيد العالمي في السنوات القليلة القادمة." وقال "سنظل نستورد في حدود ستة ملايين طن من القمح سنويا."

وفي مارس آذار 2008 فرضت مصر حظرا على تصدير الأرز للسيطرة على ارتفاع تكلفة السلع الأساسية. وكانت الوزارة قالت إن الحظر سيستمر حتى أكتوبر تشرين الأول 2010. وردا على سؤال إن كانت مصر ستمد أجل حظر تصدير الأرز قال رشيد إن هذا سيتوقف على حجم المحصول. وقال "ينبغي أن ننتظر المحصول الجديد."

ومنذ مطلع السنة المالية 2010-2011 في أول يوليو اشترت مصر 1.65 مليون طن من القمح الفرنسي والأمريكي والكندي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/أيلول/2010 - 20/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م