تطوير الوعي السياسي ومناهضة القوانين المجحفة

رؤى من فكر الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: اعتمدت المجتمعات المعاصرة في عملية النهوض والتطور على تفعيل الوعي السياسي لدى أفرادها وجماعاتها معا، بحيث يصل وعي الفرد الى الدرجة التي تجعله عارفا بحقوقه وحرياته وعارفا أيضا بكيفية استخدامها والاستفادة منها بالتوازي والتزامن مع الحقوق التي تقع على عاتقه وفقا للعقد المبرم بين الحاكم والمحكوم والموقع عليه من لدن الطرفين وهو ما اصطلح عليه المعنيون بتسمية (الدستور).

فمن دون الوصول الى درجة جيدة من الوعي السياسي ومعرفة الحقوق وسبل الحصول عليها، يبقى الفرد (والأمة في نهاية المطاف) بحالة من التردي والخضوع التام لإرادة الحاكم الذي غالبا ما يكون تعامله قاسيا مع من يجهل حقوقه ويتخلى عنها بإرادته او من خلال السلطة الضاغطة عليه، لذا فإن اضمحلال الوعي السياسي يقود الفرد والمجتمع عموما الى حالة من الضعف المتنامي تفتح الأبواب أمام السلطان المتجبر وتجعله يتعامل بقسوة مع المحكومين.

في هذا المجال يقول الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس) بكتابه القيّم الموسوم بـ (كل فرد حركة وفلسفة التأخر):

(حيث ضَعُف في المسلمين الحسّ السياسي, ضعف فيهم كل شيء، اقتصاداً واجتماعاً, وديناً ودنياً، وتربية وعائلة، وأخلاقاً وآداباً, وغيرها).

من هنا تبدو أهمية الحس السياسي المتطور والواعي حيث ينسحب هذا الوعي على جميع مجالات الحياة قوة وضعفا، فمن لا يملك وعيا سياسيا متطورا لا يملك رؤية معاصرة لكيفية مجاراة الحياة وتفعيلها في عموم المجالات، لهذا جاء تأكيد الإمام الشيرازي على أهمية أن يتسلح المسلمين بالوعي السياسي الذي يؤهلهم لمعرفة ما يدور حولهم في مجالات الحياة كافة لاسيما ما يتعلق بحقوقهم وحرياتهم.

ولكن كيف يمكن لنا تنمية هذا الجانب لدى عموم الناس، من الواضح ان الانسان إبن محيطه وبيئته ولا يأتي لهذه الحياة محملا بالمعرفة والوعي المطلوب، لذا لابد أن تكون هناك جهات معينة ومخولة ايضا تأخذ على عاتقها مهمة تفعيل الوعي السياسي لدى الافراد والجماعات معا في سلسلة تنظيمية معرفية مخطط لها سلفا.

هنا يؤكد الإمام الشيرازي في كتابه نفسه قائلا في هذا الصدد:

لابد (من تشكيل لجان لتقوية الوعي السياسي في الناس, بجعل دروس السياسة, وطبع ونشر الكتب السياسية الهادفة وما أشبه من الأشرطة السمعية والبصرية, وتنظيم المؤتمرات والاجتماعات السياسية, وتشكيل المؤسسات الدستورية إلى غير ذلك). هذا يعني أن الامر يحتاج الى التنظيم والتخطيط المسبق وتكليف الجهات العارفة بمهمة تطوير الوعي السياسي لدى عموم الناس بالوسائل التي ذكرها الإمام الشيرازي آنفا.

وقد أكد الإمام الشيرازي على طبيعة الوعي السياسي ومساراته وتوجهاته وألزم ذلك بالحضور الإنساني الواضح لهذه المسارات وعدم التورط بالسياسات (المتشيطنة) كما هو الحال مع المبادئ السياسية الواردة في الأفكار الميكافيلية، فقد أكد الإمام الشيرازي في هذا المجال على أنه يعني السياسة الإسلامية ذات التوجه الإنساني:

(لا السياسة بمعنى: المراوغة والكذب والاحتيال مما يسمى في الاصطلاح الغربي بـ "المكيافيلي" وإلاّ فمثل هذه السياسة, ليست إلاّ شيطنة, وتوجب تأخيراً وإفساداً في الأمة).

ويؤكد الإمام الشيرازي على التأثير الشامل للسياسة على مجالات الحياة كافة، من هنا تبدو أهمية الوعي السياسي كبيرة مثلما يصح القول بأن خطر السياسة يصل الى جميع المجالات التي ينشط فيها الانسان او معظمها، لذلك أكد الإمام الشيرازي في كتابه هذا على:

(أن ّ كل شيء ــ إلاّ النادر النادر ــ مبني على السياسة, ولذا فانحرافها يوجب انحراف كلّ شيء, إلاّ بالنسبة إلى من حفظهم الله تعالى).

وغالبا ما تكون القوانين الوضعية مرادفة لتأثيرات السلطة السياسية وداعمة لها لأنها توضع منهم سواء بصورة مباشرة او من قبل جهات او أشخاص موالين لهم، لهذا يؤكد الإمام الشيرازي قائلا بهذا الصدد:

(لقد أكثر الحكام المرتبطون بالغرب عمالةً أو فكراً, من القوانين الكابتة لمختلف مناحي الحياة التجارية والزراعية والصناعية والمعمارية والسياحية والعائلية وغيرها). والسبب واضح تماما وذلك لحصر القدرات والسلطات بيد الحاكم وحده وتغييب الدور الاستشاري للشعب أو لمن يمثله.

لهذا يقترح الإمام الشيرازي بتشكيل لجان تعمل على تحرير الأمة من ربقة هذه القوانين وهؤلاء الحكام في الوقت نفسه، إذ يؤكد في هذا المجال:

يجب (على اللجان المحرِّرة تغيير الأسس الثقافية التي أقامها الغرب والشرق في بلادنا إلى الأسس الإسلامية المحرِّرة, وبذلك يُرجى النجاة بإذنه سبحانه وتعالى).

وغالبا ما تكون القوانين السلطوية كابتة للرأي والحرية لذا لابد أن تتقاطع مع التوجهات المتحررة، إذ يقول الإمام الشيرازي في هذا الصدد:

(ليعلم أنّ القوانين الكابتة تكون على خلاف القوانين التي تهم الشورى). إذن لابد من تطوير الوعي السياسي لدى عموم المسلمين لكي يمكنهم مقارعة القوانين الوضعية الكابتة لحرياتهم، وذلك من اجل الوصول الى حكومة ذات طابع تحرري يحفظ للإنسان حقوقه وكرامته في آن واحد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 28/أيلول/2010 - 18/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م