تركيا وقادتها الجدد... خطوة في مسيرة الألف ميل

 

شبكة النبأ: بعد ان كانت محل اهتماما كبيرا من قبل المراقبين والسياسيين، وبعد ان اتخذت الآراء أشكالا وألوانا مختلفة حسب النظريات التي وضعها المتابعين حول ما سيحدث بعد إجراء الاستفتاء الذي كان ينتظر نتائجه الجميع وليس الشعب التركي فقط، تمر تركيا بفترة تحول من حال إلى حال بالأخص عندما تحمل الوعود الجديدة من قبل بعض أعضاء الحكومة الجديدة التي فازت في الاستفتاءات الأخيرة بصيص أمل بالنسبة لتحسن الأوضاع في البلد، وتأتي هذه الجهود في سبيل دخول تركيا إلى الاتحاد الأوربي.

وسرعان ما ظهرت نتائج الاستفتاء حتى أكدت البيانات إلى ان الاقتصاد التركي يشهد نمو فاق التوقعات التي وضعها الاقتصاديون قبل هذه الفترة، وهكذا أكد الحكومة التركية من أنها ستعمل دائما في سبيل وضع تركيا في المراكز العالمية الأولى في مختلف المجالات.

إقرار الإصلاحات الدستورية

فقد تعهدت الحكومة التركية بالمضي قدما في خططها للإصلاح بعد انتصار في استفتاء على تعديلات دستورية دعمت الأسواق وعززت فرص حزب العدالة والتنمية في الفوز بفترة ثالثة في السلطة.

ودفع إقرار التعديلات جماعات لحقوق الإنسان إلى تقديم سيل من الطلبات لمحاكمة قادة الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1980 والذين جردوا من الحصانة بموجب احد التعديلات في حزمة الإصلاحات الدستورية.

وما ان اعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان فوزه في الاستفتاء حتى أذكى مخاوف العلمانيين المتشددين حين قدم مذكرة تفيد بأن حزبه سيشرع على الفور في وضع دستور جديد للبلاد.

وصعدت نتيجة الاستفتاء بالأسواق المالية حيث رفعت الأسهم الى مستوى قياسي مرتفع وقال وزير المالية إنها وفرت فرصة لتوسيع برنامج الإصلاح التركي. وصوت 58 في المئة بنعم مقابل 42 في المئة صوتوا بلا. وبلغت نسبة الإقبال على المشاركة في الاستفتاء 77 في المئة بين 50 مليونا يحق لهم الإدلاء بأصواتهم.

واجري الاستفتاء في الذكرى الثلاثين لانقلاب عام 1980 وشحذ اردوغان الرأي العام وراء تغيير الدستور الذي كتب خلال الحكم العسكري للبلاد من خلال تذكير الأتراك بالحكم الاستبدادي الذي نشأ مع تولي الجنرالات الحكم. وقالت صحيفة صباح الموالية للحكومة "تركيا تنظف عار الانقلاب."

وتحركت جماعات حقوق الإنسان سريعا في أعقاب التصويت وتقدمت بالتماسات بمكتب مدعي أنقرة لمحاكمة قادة الانقلاب وبينهم الرئيس السابق كنعان افرين وهو جنرال سابق على جرائم ضد الانسانية.

وبعد الانقلاب اعدم 50 شخصا واعتقل الآلاف وعذب الكثير ومات المئات في الاحتجاز واختفى كثيرون. ودافع افرين (93 عاما) عن الانقلاب قائلا انه وضع نهاية لسنوات من العنف بين جناحي اليسار واليمين والتي قتل فيها نحو خمسة آلاف شخص.

وصعدت السندات والأسهم التركية حيث اعتبر المستثمرون نتيجة الاستفتاء دعما للاستقرار ولفرص فوز الحكومة بفترة ثالثة في انتخابات برلمانية من المقرر أن تعقد في يوليو تموز العام المقبل.

وارتفعت الأسهم اثنين بالمائة إلى مستوى قياسي مرتفع وسجلت الليرة أقوى مستوياتها مقابل الدولار في شهر وتراجع العائد القياسي للسندات 11 نقطة أساس.

ويخشى معارضون ان يكشف حزب العدالة والتنمية الحاكم بعد ان اكسبه الفوز قوة عن أجندة اسلامية اذا فاز بفترة ثالثة في السلطة خلال الانتخابات المقررة بحلول يوليو تموز القادم وان نفى اردوغان اي خطط للعدول عن السياسة العلمانية الرسمية لتركيا المعاصرة.

ومعظم حزمة الإصلاحات غير مثير للجدل ولكن منتقدين علمانيين يقولون ان تغيير الطريقة التي يتم بها تعيين كبار القضاة سيجرد السلطة القضائية من دورها في الإشراف على السلطة التنفيذية وسيفقدها استقلالها.

وشارك في الجدل الدائر المدعي العام التركي الذي كاد ان ينجح عام 2008 في حظر حزب العدالة والتنمية لنشاطه الاسلامي. وقال عبد الرحمن يالجيناكيا رئيس مدعي محكمة الاستئناف العليا "تصميمنا كقضاة هو حماية استمرار استقلال النظام القضائي حتى في وجه تغيير الدستور والقوانين." بحسب وكالة الانباء البريطانية.

ويعتقد منتقدون ان حزب العدالة والتنمية سيمرر الان تشريعات دون خوف من ان تعطلها المحكمة الدستورية كما فعلت عام 2008 حين حاولت حكومة اردوغان إلغاء حظر مفروض على دخول المحجبات الجامعات ولكن المحكمة الدستورية أحبطت هذا التحرك.

وكسبت حكومة اردوغان قلوب الكثير من الاتراك بقيادتها لحملة الانضمام الى الاتحاد الاوروبي والاشراف على اصلاحات وعلى نمو اقتصادي لم يسبق له مثيل حول تركيا الى نجم متلالئ بين الاسواق الناش. وقال وزير المالية التركي محمد شيمشك ان إقرار التعديلات الدستورية يعزز استقرار الاقتصاد الكلي والاستقرار السياسي في البلاد.

وقال "هذا سيعزز الثقة في تركيا. هذا سيوفر فرصة لتوسيع وتعميق برنامجنا الاصلاحي." وقلص ركود عميق العام الماضي آمال حزب العدالة والتنمية الانتخابية لكن الانتعاش القوي اعاد ثقة الناخبين اخذا بنتيجة الاستفتاء.

وتوج الاداء الضعيف للمعارضة العلمانية بعدم تمكن زعيم حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض كمال كيليجدار أوغلو من الادلاء بصوته في الاستفتاء.

وأصدر الحزب بيانا قال فيه ان زعيم الحزب لم يكن على علم بقواعد تقيد الأماكن التي يمكن ان يصوت فيها أعضاء البرلمان. وعلق الحزب العلماني آماله على كيليجدار اوغلو ليعلي مكانة حزب مؤسس تركيا العلماني مصطفى كمال اتاتورك قبل انتخابات العام القادم.

ويتوقع اشخاص كثيرون الان اتساع هوة الانقسامات بين مؤيدي حزب العدالة والتنمية والعلمانيين حيث لا تزال روح التسوية غائبة في ديمقراطية تركيا.

وقال فاروق لوغلو وهو سفير سابق في الولايات المتحدة انه يعتقد ان السياسات ستتعرض للاستقطاب. وأضاف "الحزب الحاكم سيكون حتى اقل احتراما للمعارضة وستستخدم المعارضة كلمات واتجاهات اشد لتقويض الحكومة."

وكان زعيم الحزب العلماني قد صرح في وقت سابق بأن الحكومة اتخذت " خطوة كبيرة" في اتجاه السيطرة على السلطة القضائية وان حزبه سيعارض محاولات حزب العدالة والتنمية لاحتكار السلطة.

الدستور التركي الجديد

من جانبه قال عضو قيادي في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ان مشروع دستور جديدا يهدف إلى النهوض بالديمقراطية والحريات الفردية في البلاد لن يكون جاهزا للعرض على الناخبين قبل الانتخابات المقررة في يوليو تموز القادم.

ويعزز الفوز في الاستفتاء الذي أُجري على تعديل الدستور الحالي فرص رئيس الوزراء طيب اردغان للفوز في الانتخابات العامة التي يسعى فيها حزب العدالة والتنمية للفوز بالحكم منفردا للمرة الثالثة على التوالي.

وأعلن أردوغان بعد الفوز في الاستفتاء خططا لوضع دستور جديد يحل محل الدستور الحالي الذي وضع في أعقاب انقلاب عسكري عام 1980. وقال عمر جليق نائب رئيس حزب العدالة والتنمية للصحفيين خلال افادة صحفية في اسطنبول "سنطرح الدستور الجديد بعد الانتخابات العامة." وقال ان البرلمان الحالي سيعطي الاولوية لتوفيق التشريعات مع الاتحاد الاوروبي عندما يبدأ دورته الجديدة الشهر القادم. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وقال جليق ان الوثيقة التفصيلية الخاصة بالدستور الجديد المقترح لن تصبح جاهزة قبل الانتخابات العام القادم لكن ابرز نقاط الدستور الجديد ومبادئه الاسترشادية التي ستركز على القيم الديمقراطية والحريات الفردية ستعلن مضيفا ان الدستور سيحوي إجراءات للتمييز الايجابي في صالح المرأة.

غير انه أضاف ان الدستور لن يحوي بنودا تتصدى بشكل مباشر للقضايا المتصلة بالأقليات العرقية او الدينية او الطائفية حيث سيكون وثيقة لكل الأتراك.

نمو اقتصادي يفوق التوقعات

فيما حقق الاقتصاد التركي نموا بنسبة 10.3 بالمائة على أساس مقارنة سنوي في الربع الثاني من العام متفوقا على التوقعات مع نموه 3.7 بالمائة مقارنة بالربع الأول.

وعززت البيانات موقع تركيا الريادي بين الاقتصادات الناشئة التي تتعافى من الأزمة العالمية حيث تشهد انتعاشا بعد انكماش بلغ حوالي خمسة بالمئة العام الماضي كما دفعت أسواق الأسهم والعملة المحلية صعودا.

وارتفعت الليرة التركية الى 1.4945 ليرة للدولار من 1.4965 ليرة قبل صدور البيانات. وتحولت الأسهم للارتفاع وصعدت 0.1 بالمائة بعدما جرى تداولها بتراجع طفيف بينما استقر العائد على السندات القياسية عند 8.03 بالمائة.

ويقارن النمو في الناتج المحلي الإجمالي مع توقعات بنمو نسبته تسعة بالمئة في مسح أجرته رويترز لآراء 19 خبيرا اقتصاديا. وكان الاقتصاد قد انكمش 7.7 بالمئة في الربع الثاني من العام الماضي. وأظهرت بيانات معهد الإحصاء التركي أن معدل النمو السنوي في الربع الأول البالغ 11.7 بالمائة ظل كما هو دون تعديل. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وتوقع المسح الذي أجرته رويترز الأسبوع الماضي أن يبلغ معدل النمو ستة بالمئة للعام الحالي بأكمله وأن يتباطأ الى 4.2 بالمئة العام المقبل. لكن بعض الاقتصاديين قالوا بعد صدور البيانات ان النمو قد يتجاوز ذلك في العام الحالي.

وتوقع وزير التجارة التركي ظافر جاجلايان أن تتباطأ وتيرة نمو الاقتصاد في الربعين الثالث والرابع من العام الحالي لكنه قال ان النمو السنوي سيبلغ ستة بالمئة بسهولة. وقال وزير الصناعة نهاد ارجون ان معدل النمو قد يبلغ سبعة بالمئة. ورغم الانتعاش القوي في النشاط الاقتصادي أعلن البنك المركزي التركي أنه سيبقي على أسعار الفائدة مستقرة دون تغيير حتى 2011 قائلا ان تركيا مازالت عرضة للتأثر بصدمات اقتصادية خارجية وضعف منطقة اليورو والولايات المتحدة.

عشرة جرحى

بينما أصيب عشرة أشخاص بينهم ستة من رجال الشرطة في انفجار قنبلة جنوب شرق تركيا وذلك غداة انفجار لغم لدى مرور حافلة صغيرة أودى بحياة تسعة قرويين اكراد من ركابها كما أفاد مصدر رسمي محلي.

وتشتبه السلطات المحلية في وقوف المتمردين الأكراد وراء هذا الاعتداء الذي وقع في بلدة يوكسيكوفا بمحافظة حكاري الواقعة في أقصى الجنوب الشرقي لتركيا، على الحدود مع ايران والعراق. وقال المصدر طالبا عدم ذكر اسمه، ان أربعة من الشرطيين المصابين في حالة خطرة.

وكانت القنبلة موضوعة قرب موقف لسيارات الأجرة، وانفجرت وقت مرور آلاف الأشخاص في الشارع الرئيسي للبلدة، بعد ان شاركوا في تشييع جنازة اثنين من أبنائها قتلا في هجوم على حافلة صغيرة تقل مدنيين في بلدة أخرى بمحافظة حكاري.

وقبل الانفجار وقع صدام بين جمهور المشيعين وشرطة مكافحة الشغب. فقد رشق هؤلاء الشرطة بالحجارة فردت بفتح خراطيم المياه وإلقاء القنابل المسيلة للدموع، قبل ان تطلق النار في الهواء لتفريق المتظاهرين. بحسب وكالة فرانس برس.

واكد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان مرتكبي الاعتداء لن يفلتوا من العقاب واتهم حزب العمال الكردستاني بالوقوف ورائه. الا ان الجناح العسكري لهذا الحزب المتمرد نفى أي مسؤولية له في الهجوم على الحافلة الصغيرة، واتهم عناصر داخل الدولة يقول انها مكلفة اشاعة الفوضى في هذه المنطقة التي تشهد منذ وقت طويل معارك بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني وقوات الأمن.

وعادة ما ينفي حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن عملياته اذا ما تسببت عمدا او عرضا في مقتل مدنيين وذلك لتفادي الاستياء الشعبي. وتعتبر تركيا والعديد من الدول الأخرى حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وهو يطالب بحكم ذاتي أوسع في جنوب شرق الأناضول.

خلاف بشأن صليب

في حين خيمت مقاطعة جزئية على أول قداس للأرمن منذ ما يقرب من قرن من الزمان في كنيسة بتركيا بسبب رفض السلطات التركية وضع صليب فوق الكنيسة.

وحضر حوالي ألف من المسيحيين الارمن القداس الذي كان من المتوقع أن يحضره 5000 شخص في كنيسة الصليب المقدس والذي أشادت به الحكومة التركية باعتباره علامة على تزايد التسامح الديني في تركيا ذات الأغلبية الكاسحة من المسلمين والتي ترغب في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

وتحولت الكنيسة التي أغلقت منذ مذابح الأرمن على أيدي القوات العثمانية عام 1915 الى رمز لتاريخ تركيا المعقد مع الاقلية الارمنية ولعملية المصالحة المؤلمة. ووافقت تركيا في وقت سابق من هذا العام على إعادة فتح الكنيسة التي تقع بجزيرة أكدامار في بحيرة فان ليك لإقامة قداس واحد سنويا.

وقالت السلطات التركية ان صليبا وزنه 200 كيلوجرام صنع للكنيسة التي يعود عمرها لآلاف عام أثقل من أن يحمله سقف البناء العتيق مما أثار غضب بعض الأرمن. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وألغى كثيرون من المسيحيين في أرمينيا خططهم لحضور القداس في حافلات تقلهم في رحلة لمدة 20 ساعة عبر جورجيا بعد أنباء عن أن الصليب سيوضع عند باب الكنيسة.

وقال أسقف البطريركية الارمنية في اسطنبول للمصلين متحدثا أمام ما تبقي من جدارية متهالكة في الكنيسة التي جرى ترميمها ان السلطات وعدت بوضع الصليب فوق الكنيسة "في أقرب وقت ممكن" بعد الاحتفال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/أيلول/2010 - 13/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م