سألني ذات ليلة أحد الشباب مستنكراً قائلاً: لِمَ تحتفون بذكرى
الشيرازي في كل عام..؟ فأجبته على الفور: ماذا قرأتَ للإمام محمد
الشيرازي"قدس سره"؟، بل ماذا تعرف عنه؟ فكشف لي عن سَوْأة جهله قائلاً:
لم أقرأ.. وهو مرجع كبقية المراجع..، ثم سأل - تِباعاً- مرة أخرى:
لماذا لا يحتفي الآخرون بذكرى رحيل مراجعهم؟ فقلت له: لقد أرحتني عن
الإجابة..
لو كانت العلاقة المتبادلة للمجدد الثاني الإمام الشيرازي "رحمه
الله تعالى" بمقلديه وأتباعه مجرّد فتاوى الحلال والحرام.. لم يحتفِ به
مقلدوه ومنصفوه - في كل الأصقاع- في كل عام، كغيره من المراجع الراحلين
"قُدّست نفوسهم".
وهنا لا أريد أن أجتر وأسطّر فيمّ وعمّ كتب وأسّس الإمام..فيكفي أن
نرى نتاج فكره الذي ما زال يطلّ علينا عند إشراقة كل عام.. ونحن نحتفي
بذكرى رحيله التاسع!!
فمن بديهة القول: أن مرجعية الإمام الشيرازي"رحمه الله" قد تحوّلت [إلى
مدرسة من خلال الإنتاجات الثقافية التي كانت تطرح باستمرار على مدار
أربعين أو خمسين سنة، والتي غطّت الكثير من الجوانب العلمية
والاجتماعية والسياسية والحركية والنفسية والاقتصادية، هذا من جانب،
ومن جانب ثانٍ: المشاريع الاجتماعية والحركية التي تولّدت ضمن هذه
المدرسة طوال مسيرتها.. والمدرسة تعني مجموعة من الرؤى التي طُبّقت على
أرض الواقع، فأصبحت ثوابتاً يمكن الاتكاء والاعتماد عليها في إعطاء
آراء ونظريات في العديد من المواقف المتجددة، فإذا وصلت أيّ تجربة إلى
هذه المرحلة فإنها تشكّل مدرسة، وإذا أصبحت مدرسة لا يمكن التنازل عنها
بين عشيّةٍ وضحاها..]، هذه من ناحية.
ومن ناحية أخرى أن الإمام الشيرازي هو مكتسبات إنسانية عظيمة،
وإنجازات حضارية قلّ نظيرها تتعدى العالم الذي عاش فيه.. وربما يتساءل
البعض، أين مقلدوه وأتباعه من كلّ هذا..؟
والإجابة على هذا التساؤل المشروع: هو أن الإمام "قدس سره" كالنهر
الجاري الذي يستلذ بعذب مائه الجميع، وكلٌّ وما اتسع إناؤه.. ثم يدخل
الأمر الأهم وهو كيفية ومدى الاستفادة من ذلك الزاد على الواقع المعاش؛
وهذا الأمر يتطابق مع حياة الأنبياء"عليهم السلام" ومدى استفادة مَن
حولهم منهم.
إن البعض للأسف الشديد ما زال - إلى الآن- يعيش ذلك الجو القاتم
الذي أفرزته تلك المرحلة الخطيرة التي دفعت فاتورتها المجتمعات..
فحينما يقع في يده - مصادفة - كُتَيّب أو كرّاسة من تأليف الإمام
الشيرازي مُوجّه إلى الشباب الناشئ، أو إلى الشباب في الغرب.. فتراه
يغمز ويلمز: نريد نوعاً ولا نريد كمّاً.. ثم لمّا تسأله سؤالنا الذي
سألناه أخانا في صدر المقالة: ماذا قرأتَ للإمام الشيرازي، بل ماذا
تعرف عنه؟ يُبدي اعتذاره - بخجل- أنه: لم يقرأ للإمام الشيرازي غير هذه
الكراسة!!.
حقيقة إن من يقرأ مدرسة الإمام الشيرازي من زاوية واحدة سوف يظلم
نفسه..وإن مَن يُحجّم تلك المدرسة في كرّاسةٍ أو كتيّب أو حزب أو
منظمة؛ سوف يظلم نفسه ويظلم كلّ من استمع له، بل سيظلم الإمام
الشيرازي؛ حينما نتناسى أن المدرسة الشيرازية متعددة الأبعاد، تحتوي
المجتمعات بكل أطيافها ومستوياتها.. فتخاطب الطفل في المدرسة، والشاب
الناشئ، والأم، والبنت، والجامعي، والدكتور، والتيارات المختلفة، وتلِج
– في الوقت نفسه- في خضم أعقد المسائل الشرعية بتفريعات قلّ نظيرها،
كما أنها تمسح أغلب شؤون الحياة الحيوية مِن أمْن، وصحة، ومرور.. إلخ؛
نعم سوف يكون ذلك النسيان أو الغفلة - بقصد أو دون قصد- خسارة إنسانية
فادحة.
وفي الأخير أوجّه دعوة لقراءة أهم أفكار الإمام الشيرازي التي ضمتها
الكتب التالية: السبيل إلى إنهاض المسلمين، الصياغة، ممارسة التغيير..
كما أشير إلى بعض الكتب التي أعجبتني حين قرأتها: مباحثات مع
الشيوعيين، انفقوا لكي تتقدموا، تلك الأيام، الرأي العام والإعلام.
ومما لفتني أني رأيت للإمام الشيرازي في أحد معارض الكتب كتاباً ضخماً
في "العَرُوض والأوزان الشعرية". ولا أنسى الإشارة إلى موسوعة الإمام
الشيرازي الفقهية التي وصل عدد مجلداتها إلى 150 مجلداً؛ ولا أظن أن
أحداً من مراجعنا العظام- رحم الله الماضين وحفظ الباقين- قد جاء
بمثلها فيما حَوَت وتعددت من مواضيع فقهية متفرعة بكثافة وغزارة.
www.rasid.com |