تقاليد الشعوب وعاداتها... بين الموروث والمكتسب

 

شبكة النبأ: لا يختلف العالم بمناطقه ومدنه وسياساته فقط، بل بالإضافة الى ذلك فلكل بلد عادات وتقاليد خاصة به وتختلف عن غيرها، ولعل هذا الاختلاف هو ما يجعل العالم جميلا، لأنك ستبقى دائما متميزا بعاداتك الخاصة التي توارثتها من أسلافك وأجدادك، حاملا" إياها الى أبناءك وهكذا، ولكن الأجمل في هذا هو انك تكون دائما بحاجة الى ان تتعرف على عادات شعوب غيرك وكيف هي حياتهم، ويمتلكك الفضول لمشاهدتها ومحاولة تجربتها أو على الأقل الاطلاع عليها.

هذا كله يجمع العالم ويجعله مكان يسود فيه الحب والأمان والاحترام المتبادل للعادات والتقاليد التي تتنوع وتختلف من بلد الى آخر او من شعب الى غيره، وليس هذا فقط بل قد تكون هناك أحيانا اختلاف في بعض الظواهر في البلد نفسه بل بالتقليد ذاته وذلك حسب الزمان الذي يمر به التقليد وحسب اهتمام الأجيال به.

ثقافة السباب

فقد أظهرت دراسة لعادة السباب في كندا وبريطانيا والولايات المتحدة ان الكنديين هم أكثر من يلجئون إلى الشتيمة خلال الحديث مع الأصدقاء.

وتبين في استطلاع أجرته مؤسسة "أنغوس ريد بابليك أوبينيون" ومقرها مدينة فانكوفر الكندية، شمل 1012 كنديا و1013 أميركيا و1992 بريطانيا ان 56% من الكنديين يعترفون بأنهم غالباً من يسبون في مناسبات عادية خلال الحديث مع الأصدقاء، مقارنة مع 51% من البريطانيين و46% من الأميركيين.

وبين الاستطلاع إن 27% من الكنديين والبريطانيين المستطلعين يسمعون أصدقاءهم يشتمون على أساس يومي، مقابل 26% من الأميركيين. لكن 21% من الراشدين الأميركيين يقولون إن أقاربهم يستخدمون كلاماً نابياً بشكل دائم، مقابل 17% من الكنديين و13% من البريطانيين. بحسب وكالة الأنباء الروسية.

وقال حوالي ثلث المستطلعين، 37% من البريطانيين و35% من الأميركيين و34 من الكنديين، إنهم قادرون على كبح أنفسهم والحؤول دون السباب في الأماكن العامة. يشار إلى إن هامش الخطأ هو 3.1% في أميركا وكندا و2.2% في بريطانيا.

عادات جديدة

فيما تشتهر حمامات البخار في أوساط الزائرين لاسطنبول في أشهر الصيف الحارة. لكن عدد الأتراك الذين يذهبون إلى حمامات المدينة أخذ في الانخفاض بصورة مستمرة وتحولت معظم الحمامات التاريخية إلى استخدامات أخرى أو أغلقت أبوابها بشكل كامل.

وتنساب الثرثرة الممتعة والأحاديث خلال الهواء الساخن المعبأ بالبخار. ويجلس عدد قليل من النساء إلى جانب حوض الاستحمام، يسكبن المياه على أجسادهن وعلى أطفالهن قبل التحرك صوب لوح الرخام الكبير الموجود في وسط الحمام. وتستخدم المساعدات إسفنجات خشنة لتنظيم بشرة الزائرين.

وربما تنتقل الأحاديث تجاه اختيار مرشحات للزواج من أبنائهن أو تعليقات على الأجساد العارية للنساء الشابات. وبعد الانتهاء من الأسفنجة تأتي مرحلة الصابون والتدليك القاسي. كل هذا كان هو المشهد الشائع في الحمامات التركية في أسطنبول في العقود الغابرة.

أما اليوم، فزيارة أحد الحمامات هو تجربة مختلفة تماما، أول ما تلحظه عندما تذهب لحمام "سمبرليتس" في وسط اسطنبول القديم هو الرفوف الزجاجية المملوءة بعناية بمنتجات الاستحمام الملونة والمعروضة للبيع.

نساء من ذوي البشرة الفاتحة يرقدن على حجر أملس في غرفة دافئة، والتي تكون عادة ساخنة بصورة جيدة، حتى خلال أشهر الصيف الحارة.

وتلمع شمس النهار من خلال نوافذ في قبة وسقف الحمام وتسقط أشعتها على التصميم الداخلي للحمام المزدان بالرخام الأبيض. وتفرك العاملات في الحمام اللائي يرتدين ملابس بكيني برفق أجساد الضيفات من النساء بالصابون. ولا تسمع همسا في الحمام، واختفى دور الحمام كمكان للتعارف وتبادل المعلومات كما كان قديما.

ويقول "روسن بالتاجي"، مالك حمام سمبرليتس: " عصر الحمامات القديمة انتهى". ففي الماضي ، كانت زيارة الحمام هي الوقت الوحيد الذي يمكن أن تقضي فيه التركيات الوقت مع أنفسهن بحرية، "لكن في هذه الأيام يمكنهن ارتياد الحانات ودور العرض والأسواق التجارية"، كما أن أغلب المنازل أصبح بها حماماتها الخاصة، ما يقلل من أهمية الحمامات العامة. وهذا يوضح السبب في هذه الحمامات التركية التقليدية تحولت إلى مصدر جذب للسائحين.

ويقول شاب تركي " لم أذهب يوما ما إلى أي حمام"، مضيفا أنه يرغب في رؤية حمام عام من الداخل لكنه لا يعرف ما هو الأجراء المتبع للذهاب إلى هناك، قائلا " لم ننشأ على الذهاب إلى الحمام". بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

ويوضح كيرك هيندرسون، الذي يجري أبحاثا عن الدور الاجتماعي للحمام التركي ، أن كثيرا من الأتراك يتأففون من الحمامات، قائلا " يعتقد كثير من الأتراك أن الحمامات هي أماكن تفتقر لقواعد الصحة العامة وهي خاصة فقط بالسائحين".

وأدى هذا التوجه إلى مشكلات اقتصادية عويصة بالنسبة لحمامات المدينة، حيث تحول عدد كبير من الحمامات القديمة إلى مقاهي ومتاجر. ويستخدم فقط 50 حماما في الوقت الحاضر من أصل مئة حمام كانت موجودة إبان فترة الخلافة العثمانية في أسطنبول.

وتوجد بعض تلك الحمامات في حالة مزرية وتحتاج للترميم غير أن سلطات المدينة لا توفر أموالا من أجل صيانتها.

وتجني معظم الحمامات اليوم الأموال الخاصة بها من خلال السائحين. وينتقد هندرسون الحمامات مثل سمبرليتس قائلا " تركز بصورة كبيرة على السائحين وهذا أفقدها الشعور التقليدي". من جانبه، يعتقد "بالتاجي" أن أموال السياحة ستبث الحياة فيها لفترة قصيرة وحسب، ويقول "وكالات السياحة تروج بكثرة لزيارة الحمامات لكن لن يدوم الأمر طويلا ". ويعتزم بالتاجي تغيير حمامه إلى نادي صحي" إس بي أيه " ويوفر حمامات الطمي والاعتناء بالأظافر بالإضافة إلى حمام البخار التقليدي.

تراث المطبخ

بينما تطل بلدة ومنتجع تيجرنسي على بحيرة تيجرنسي وتقع على مسافة 50 كيلومترا جنوب ميونيخ وداخل منطقة الألب البافارية، وليس من المستغرب بالنسبة لبلدة تنتمي لولاية بافاريا الألمانية أن يكون تناول الطعام والشراب جزءا من التقاليد المتوارثة لبلدة تيجرنسي.

ومن العبارات المأثورة التي دونها الشاعر البافاري أوجين روث عن مصنع الجعة الملكية في تيجرنسي أن من لا يشرب على الأقل كوبا خزفيا واحدا من الجعة فلن يكون قد جرب أقل الأشياء قدسية من الحياة البافارية.

وقد بدأ الرهبان من المذهب البندكتيني تخمير الجعة أولا في تيجرنسي في القرن الثامن وحصلوا على رخصة لإنتاجها عام 1675. وتجذب الجعة الحلوة المذاق الزوار حتى يومنا هذا حيث توجد كميات كبيرة من الأطباق البافارية الأخرى الخاصة مثل النقانق البيضاء والكوارع وفطيرة التفاح متاحة بكثرة.

ويتنافس كل يوم السكان المحليون مع السياح للحصول على مقاعد تحت أقواس المدينة بينما تكون الشرفات والمصاطب التي تطل على البحيرة هي الموقع المفضل عندما يكون الطقس رائعا.

وتوضح ساندرا فايس من المكتب السياحي بالمنطقة إن الشيء العظيم حقيقة حول تيجرنسي هو تنوع المطبخ فيها، وتتراوح الاختيارات ما بين حدائق الجعة التي تسودها الحميمية وجو من الاسترخاء إلى الحانات الموجودة بالجبال والتي تجاورها مطاعم رائعة تقدم أطعمة محلية راقية. 

وحصلت المطاعم المقامة حول بحيرة تيجرنسي على أربعة نجوم من مؤسسة ميتشلين التي تقيم جودة المطاعم العالمية، ويمتلك كريستيان يورجنز إثنين من هذه المطاعم، وتقول فايس إن ملاذ يورجنز يقع في الفندق المطل على بحيرة أوبرفاهرت في روتاخ إيجرن.

وحصل الفندق على اسمه من ربابنة العبارات ويقوم زورق حتى اليوم برحلة يومية إلى الرصيف الممتد داخل بحيرة أوبرفاهرت.

ويستخدم يورجنز اللحوم التي يحصل عليها من مزارعين يستخدمون الأساليب العضوية والخضروات التي تنمو في الحقول المحيطة وسمك السلمون المرقط القادم من بحيرة تيجرنسي أو من مزرعة الأسماك الملكية ببلدة كرويث القريبة، ومن ناحية أخرى يمكن الحصول على السمك المدخن من بركة الأسماك في فيلدباد كرويث.

ويقول دومينيك بليز الذي يقوم بزراعة سمك السلمون المرقط والسمك الأبيض إن المنطقة تجذب الكثيرين من هواة القيام برحلات السير على الأقدام ومحبي ركوب الدراجات الذين يتوقفون للاستمتاع بالطقس الرائع، ويضيف إنهم يحصلون كل يوم على سمك طازج مدخن باستخدام خشب الزان. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

ويكشف بليز أن الأسماك يكون مذاقها أكثر شهية عندما تكون لا تزال دافئة بعد أن تخرج من فرن التدخين. وتعد بلدة كرويث نقطة الانطلاق بالنسبة لكثير من طرق المشي التي تأخذ هواة السير على الأقدام من بلدة فيساش إلى فولفشلوشت.

ويوضح ماكس هاجن أن كل شيء بدأ منذ قرن عندما قامت جدته بتخمير الشراب الخاص بها، ثم تم بعد ذلك عرض الخبز المصنوع محليا إلى جانب زجاجة من الشراب الجبلي يأخذها الزائر معه.

وبمرور الزمن تحول مصنع التخمير إلى مطعم، وتمتلئ الأرفف حاليا بعبوات أنيقة من عسل النحل المنتج محليا، وتأخذ وحدة لإنتاج الألبان والأجبان الطبيعية التي افتتحت حديثا في كرويث نصيبها من الزوار وتحصل هذه الوحدة على دعم من المزارعين المحليين.

21 سمة تميّز الصينيين

يورد كتاب نقل إلى العربية ما اسماه طريقة تفكير الصينيين وفلسفتهم في الحياة في أقسامه الثلاثة التي تتحدث عن السلوك الاجتماعي والعائلة والمبادئ الأخلاقية. ويتحدث الكتاب في هذه المجالات عن 21 سمة تميّز بها الشعب الصين، فاختلف فيها مع الآخرين حيناً والتقى معهم حيناً آخر، ربما بسبب التطوّر الحديث في بعض الحالات.

ومن الموضوعات البارزة في تلك السمات «الميانزي» و«المهجونج» بمعنى الشخص المطبوخ والآخر غير المطبوخ. إلا أننا في حالات كثيرة نتوصل ـ وذلك باعتراف المؤلف الصيني نفسه ـ إلى اختلافات في أنماط التفكير والحياة بين الشرق والغرب وإلى اكتشاف أن أوضاع الإنسان على تباينها يصح فيها التعبير المصري الشائع «كله زي بعضه». تجارب الإنسان تتشابه والناس تسير كما يبدو نحو نوع من العولمة الثقافية والاجتماعية.

أما اسم الكتاب فهو «طريقتنا في تفكير فلسفة الحياة الصينية» وقد كتبه رجل فكر أكاديمي هو الدكتور لي جانج. أما ترجمته من الإنجليزية فهي للمترجمة ررفيف غدار. وقد جاء الكتاب في 87 صفحة متوسطة القطع وصدر عن «سينولينغوا» وعن «الدار العربية للعلوم ناشرون».

لي جانج دكتور في الفلسفة وأستاذ في جامعة بكين للبريد والاتصالات وتتركز أبحاثه على الدراسة المقارنة بين الثقافتين الشرقية والغربية والفلسفة الاجتماعية، وخلال دراسته في جامعة كيمبردج البريطانية كان رئيس منتدى كيمبردج للصين، وله مؤلفات عدة.

في «تمهيد» تحدث جانج فقال إنه «كعالم شغوف ومهتم كثيراً بشأن الدراسة المقارنة للثقافتين الشرقية والغربية» قرأ كثيرا في هذا المجال ونشر كثيراً من الكتابات، لكن معظمها كانت أعمالا أكاديمية.

وأضاف أن «فرصة سنحت له للدراسة في بريطانيا، وقد كانت البيئة الثقافية هناك هي التي أتاحت لي الفهم المباشر للثقافة الغربية الذي كان في السابق مقدراً استقرائياً من مصادر إعلامية متنوعة»، كما كان مجبراً على إعادة النظر في الأشياء التي كان قد قرأها وفكر في شأنها في الماضي.

وقال: «في غضون ذلك ذهلت مرات عدة بالاختلافات بين الثقافتين خلال أقامتي هناك، ما زودني بانطباع يصعب محوه للقول الصيني القديم: ليس كافياً أبداً أن تمعن التفكير بالنظرية، لن يدرك المرء صعوبة المهمة إلى أن يقوم بها بنفسه».

تنوّع

وفي مجال حديثه عن «استقراء خصائص السلوك للصينيين» قال: «ليس هناك شعب صيني موحد السلوك في الحياة الواقعية تقليدية كانت أم حديثة، على العكس الصينيون متنوعون، إذا لم نقل إنهم متناقضون». وتابع قوله إن الصينيين «في المجتمع التقليدي يتميزون بثباتهم على المبدأ او بتعبير آخر لقد اتخذوا بالفعل شكلاً معينا. ولكن ما نحن بحاجة الى توضيحه يتعلق أكثر بصين اليوم وشعبها».

خضع المجتمع الصيني لفترة من التحول الهائل خلال العقود الأخيرة فقد أدت سياسة الإصلاح والانفتاح والشروع في وضع حد للقديم وترسيخ الجديد الى أحداث تغييرات ملحوظة في المجتمع ككل.

«إن المجتمع والناس الذين هم وسط هذه التغييرات يمكن أن يحتفظوا بالعادات الثقافية للمجتمع التقليدي الذي دام لآلاف من السنين، وأن يتبنوا في الوقت نفسه أفكاراً ومقومات جديدة سببها الاندماج المتزايد مع بقية العالم». وحين أعدت النظر بترو قررت في النهاية ان أقدم الى القراء «حالات متناقضة» لأنني لا استطيع بغير هذه الطريقة أن أصف الشعب الصيني بشكل صادق». بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وفي باب السلوك الاجتماعي وتحت عنوان «الميانزي ترجح كل شيء» قال الكاتب إن «الميانزي هي كلمة مهمة ومثيرة للاهتمام في اللغة الصينية الرئيسة، وقد تطورت من معناها الحرفي الى مرادف لكلمة (الكرامة)». وحتى ما وراء ذلك.

يقول لو اكسان، وهو كاتب صيني عصري، إن «الميانزي هي الأخلاقية الأساسية للصينيين. تشبه الميانزي الضفيرة التي كان يعقدها الجميع في الجزء الخلفي من رؤوسهم خـلال عهـد مانشـو، ما ان يمسك بضفيرتـه لا يستطيع المرء ان يتحرك خطوة واحدة ويصبح تحت سيطرة الشخص الآخر، ان الوعي للاعتبار «او الكرامة» هو ظاهرة نموذجية في الثقافة الصينية.. فإن الصينيين يراعون تماماً مشاعر الآخرين وآراءهم».

الصداقة

وتحدث بعدها عن «الصداقة الأخوية» فقال إن «هناك علاقة فريدة في المجتمع الصيني الصداقة الأخوية، انها علاقة متينة وامتداد لمفهوم الإخوة الكونفوشيوسي في السلوك الاجتماعي». تختلف الصداقة عن قرابة الدم، هناك قول صيني «يعتمد المرء في البيت على والديه وفي الخارج على أصدقائه».

يعتقد الصينيون ان الإخوة هم تماماً مثل الأيدي والأقدام ولهذا هم لا يدعون أصدقاءهم «إخوة» فحسب، بل يعاملونهم أيضا مثل إخوتهم».

وينتقل إلى « فن السلوك الصيني في لعب المهجونج» فيقول: «في الصين لا يمكن للإنسان أن ينجح بالذكاء وحده وما يحدد نجاحه ليس حاصل ذكائه العقلي «اي.كيو»، وإنما حاصل ذكائه العاطفي «ئي.كيو». يجسد لعب المهجونج فن السلوك الصيني على أحسن وجه، ويبدو أن اللعبة قد ابتدعت بصورة مثالية للصينيين. هي لعبة تعتمد على الحظ وليس على التنافس الفكري. وبالمنطق الصيني أليست أكثر الألعاب تعقيداً هي اللعبة التي يمكن أن تجعل أكثر الناس ذكاءً من حيرة في أمرهم».

الاعتذار

وفي الحديث عن الدلالات المختلفة لكلمة «آسف» قال إن «الأجانب قد يجدون ان الصينيين لا يقولون كلمة «آسف» في حياتهم اليومية، ولهذا يساء فهم الصينيين، ويظن أنهم يخافون من الاعتراف بأخطائهم وغير مستعدين للاعتذار».

إن مفهوم «الشن شي» الصيني ينصح الناس بألا يتسرعوا في قول أي شيء في أي وقت وألا يقوموا بأفعال ستجعلهم يندمون لاحقا. بهذه الطريقة فقط يمكن تجنب قول كلمة «آسف»، أما اذا قام شخص بأمر وندم عليه فإن الاعتذار في هذه الحالة يجب أن يكون نابعا من القلب ولا يجب قول كلمة «آسف بلامبالاة».

إلا أنه أضاف أنه مع «اندماج الصين المتزايد مع العالم تصبح كلمة آسف مقبولة على نطاق واسع من قبل الشعب الصيني». ويتحدث عن «التناغم» وهو شأن مهم في الثقافة الصينية ويرمز الى حياة اجتماعية مستقرة ومتكاملة.

وتحت عنوان «ثقافة الأكل» يتحدث لي جانج عن قول لحكماء الصين القدماء عن أن «الطعام هو أكثر ما يهم الناس»، ويتحدث عن أمور منها مع من تأكل وكيف تأكل وأين وماذا تأكل، لقد كان الأكل لفترة طويلة قوة ثقافية في الصين.

يرتبط العديد من المفاهيم الصينية التقليدية بالأكل، على سبيل المثال، يقال للغريب «رين ـ شخص»، «شينج ـ غير مطبوخ»، بينما يقال لأي من المعارف «رين ـ شخص»، «شو ـ مطبوخ»، نقاط عدة أخرى كتب عنها وأرانا استمرار بعضها او كيف تعايش مع الحاضر، وأشار إلى سعي الإنسان شرقاً وغرباً إلى صون حياته بطرق تبدو متناقضة ومختلفة، لكنها قد تتشابه رغم ما يبدو من تباين.

قسوة البشر

«مدينة قابيل شُيّدت بالدم البشري، وليس بدم الثيران والماعز». بهذا الاستهلال المقتبس عن الشاعر وليام بليك، يعدّ الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا قارئه للدخول إلى العوالم المرعبة لروايته «ليتوما في جبال الأنديز»، الصادرة، أخيراً، بترجمة صالح علماني عن دار المدى (دمشق - 2009).

هذا الاستهلال، الذي يحيلنا إلى القصة المعروفة حول قتل قابيل لشقيقه هابيل، لم تدرج، هنا، على نحو اعتباطي، بل انه يكشف، ويضيء الكثير من الأسرار والتفاصيل الغريبة في هذه الرواية الحافلة بصور رهيبة عن القسوة والخوف والعنف هناك في البيرو، وعلى مرتفعات جبال الأنديز حيث الخرافات تفعل فعلها، وحيث الأساطير والحكايات الخيالية تمثل الخبز اليومي لسكان تلك البقاع، من دون أن تثير الشكوك لدى أحد.

ويوسا (المولود عام 1936 في أريكيبا في البيرو) خبير في عرض قصصه، وقادر على جذب القارئ أياً كانت الحكاية التي يرويها. ولعل الترجمات التي حظيت بها أعماله إلى اللغة العربية، كما إلى لغات عالمية أخرى، صنعت إيقاعاً مألوفاً لاسم هذا الروائي والصحافي الذي رُشح مراراً لنيل جائزة نوبل في الآداب، من دون أن يحالفه الحظ، كما رشح للرئاسة في بلاده عام 1990.

عرف يوسا الشهرة باكراً عندما أصدر في مطلع ستينات القرن العشرين روايته الأولى «المدينة والكلاب»، كما حظيت روايته الثانية «البيت الأخضر» بالنجاح نفسه، ثم توالت أعماله الروائية، ومن أهمها: «محادثة في الكاتدرائية»، و «بانتاليون والزائرات»، و «حرب نهاية العالم»، و «قصة مايتا»، و «امتداح الخالة»، و «دفاتر دون ريغوبيرتو»، و «من قتل بالومينو موليرو»، و «شيطنات الطفلة الخبيثة».

هذه الروايات المترجمة إلى العربية فتحت نافذة واسعة للتعرف إلى سحر الحياة في أميركا اللاتينية. وروايته «ليتوما في جبال الأنديز»، الحائزة عام 1994 جائزة سرفانتس الرفيعة في الأدب الاسباني، لا تشذ عن هذه القاعدة، بل هي من الروايات القليلة التي تقتفي دروب البيرو الوعرة، وتسبر تلك الجغرافيا القلقة؛ المسكونة بالكوابيس والألغاز والهواجس.

تجوب قراها وبلداتها وأقاليمها. تلج الكهوف المملوءة بكتابات ورسوم غامضة. تصغي إلى رسائل الأسلاف المدفونة في أخاديد الوديان وسفوح الجبال. ترصد الحروب الخفية والمعلنة، وتستقي من الموروث الشعبي الساذج والماكر في آن: «البيرو! ها هي: فسيحة، غامضة، اخضرار، فقر، ثراء، عراقة، تكتّم محكم».

إزاء هذه التناقضات والمفارقات، تتشعب الحكايات، وتتنوع الشخصيات، وتتداخل الأصوات في هذه «الرواية المركبة» التي ترصد الموزاييك المزدحم لبلاد اسمها البيرو. يواجه العريف ليتوما ومساعده توماس، المسؤولان عن المخفر الأهلي في قرية ناكوما النائية، سلسلة اختفاء رجال لا تفسير لها في منطقة مناجم في جبال الأنديز حيث قسوة الطقس، والفروقات الحرارية الشاسعة بين الليل والنهار، تتـضافر مع قسوة البشر لتشكل عالماً بدائياً قاتلاً لا مجال فيه لأي منطق: «كانت تسمع أصوات رعود نائية تدوّي في الجبال بزمجرات متقطعة، تصعد من باطن تلك الأراضي، فيظنها أولئك الجبليون مسـكونة بثيـران وحيـّات ونسور كوندور وأرواح». بحسب وكالة الأنباء السعودية.

لغز الاختفاء يسيطر على الشرطيين ليتوما وتوماس وسط أجواء عنف معادية في عالم فطري نسيته الحضارة. عالم تتلاشى فيه الحدود بين البهيمي والإنساني، بين الوهم والحقيقة، فضلاً عن التهديد المتواصل الذي يتمثل في مقاتلي حرب العصابات الماويين من أعضاء جماعة «الدرب المضيء» التي تسيطر على مناطق واسعة من سلسلة الجبال، وتبث الرعب في نفوس الأهالي: «العنف يملأ هذه الجبال بالموت والخوف والأشباح». من هنا، لا يتردد يوسا في وصفها بـ «الجماعة الإرهابية»، متسائلاً بلسان إحدى الشخصيات: ألا يقتل الإرهابيون الناس ذات اليمين وذات الشمال بحجة الثورة؟».

لكن، مهلاً، لا يمكن اختزال الرواية في معاناة الشرطيين، فثمة كذلك حكاية الساحرة أدريانا وزوجها الخمّار ديونيسيو، اللذين يديران حانة بائسة يرتادها العمال والقرويون البسطاء. وثمة حكاية الفرنسي ألبير وصديقته ميشيل اللذين دفعا حياتهما ثمناً لمغامرة كانت ستكون استثنائية لو لم تنتهِ بمأساة.

وحصل الأمر ذاته للباحثة السيدة دِهاركور، ذات الأصول الأوروبية، والتي لم يشفع لها عشقها للصحارى والغابات والأشجار والحيوانات والثلوج في البيرو، إذ ذهبت بدورها ضحية عنف مجاني لا مجال فيه لإعمال العقل. ويبدو أن لوثة العشق تصيب كل غريب يرتاد تلك الأماكن الغامضة: «إنها بلاد لا يفهمها أحد.وليس هناك ما هو أكثر جاذبية مما لا يمكن فهمه بالنسبة الى أناس من بلدان صافية، شفافة».

وهذا ما جذب البروفسور الدنماركي بول ستيرمسون الذي قضى نحو ثلاثين سنة في دراسة تاريخ تلك البلاد وعاداتها وتقاليدها وأساطيرها، حتى أصبح «الأنديز مثل بيته». ولعله توصل إلى حقائق تخالف آراء المؤرخين، وهو ما يستثمره يوسا في محاولة لتصويب أخطاء التاريخ، إذ يذكر على لسانه أن حضارة الهوانكا والتشانكا تعرضت للمحو على يد الإنكا، مع أن الإنكا حققوا سمعة طيبة، فمنذ القرن الثامن عشر يتحدث الجميع عنهم باعتبارهم «غزاة متسامحين تبنوا آلهة المهزومين».

إنها أسطورة كبيرة، كما يحاجج يوسا، فالإنكا، «مثل جميع الإمبراطوريات، كانوا همجيين في معاملتهم للشعوب التي تخضع لسلطتهم بإذعان، فقد أخرجوا عملياً من التاريخ شعبي الهوانكا والتشانكا، دمروا مدنهم وشتتوهم، وقضوا على لغتهم وعاداتهم ومعتقداتهم.

لكن المؤرخين لا يميلون إلى التعاطف مع الهوانكا لأنهم ساعدوا الأسبان ضد جيوش الإنكا. ألم يكن تصرفهم ذاك عدلاً؟ ساعدوا الفاتحين الإسبان، معتقدين أن هؤلاء يساعدونهم، أيضاً، على التحرر ممن استعبدوهم، وقد كانوا مخطئين، بالطبع، إذ جرى استعبادهم مجدداً على يد الإسبان.

والأمر المؤكد أن التاريخ كان جائراً في تعامله مع شعب الهوانكا، فهم لا يكادون يظهرون في الكتب التي تتحدث عن البيرو القديمة، ولا يذكرهم أحد عادة إلا للقول إنهم كانوا أناساً لهم عادات همجية، ومتعاونين مع الغزاة الأسبان.

هذا المنحى التاريخي الأسطوري يحتل حيزاً واسعاً في الرواية، إذ يعتمد يوسا على روح الثقافة المحلية، ذات الجذور العميقة الغور في تربة تلك المنطقة، ليعرض أحداثاً ووقائع يصعب تصديقها.

فإلى الآن يؤمن أولئك الجبليون بضرورة تقديم القرابين تجنباً لغضب الطبيعة. هذه طريقتهم في إظهار الاحترام لأرواح الجبل والأرض التي تقلقهم، كي لا تحدث الانهيارات الجبلية والصواعق والفيضانات. وبحسب ثقافة أسلافهم السائدة كيقين واضح، لا توجد كوارث طبيعية، وإنما كل شيء يحدث بإرادة عليا يتوجب كسب رضاها بالقرابين، كما أن نماذج مثل الساحرة أدريانا التي تقرأ حظوظ الآخرين وأقـدارهم تتمتع بمقـدار واسع من السطوة والنفوذ.

إن الكثير من المعتقدات والقناعات التي يظنها المرء جزءاً من التاريخ الآفل، لم يزل حاضراً، وبقوة، في تلك الأنحاء المتشبثة بالغيب، وكأن ثقافة الهنود الحمر التي تعرضت للإلغاء والسلب والمحو استطاعت أن تصمد في وجه النكبات التي ألمّت بهم على يد الغزاة الفاتحين، فهي عصية على الزوال رغم كل مظاهر الحضارة الخادعة.

ولعل الخط الروائي الذي يخفف قليلاً من حدة هذه الوقائع، يتمثل في حكاية الحب التي ربطت بين الحارس الأهلي توماس ومرثيدس، ولا يمل العاشق من رواية قصة حبه للعريف ليتوما الذي لا يجد ما يسليه في تلك البقاع المقفرة سوى الإصغاء إلى لواعج الحب التي يظهرها توماس في كل ليلة.

وحتى قصة الحب هذه التي انتهت بوصال الحبيبين، لم تنشأ على نحو مفهوم، فالعاشق كان يصغي إلى استغاثات الفتاة وهي تمارس الحب مع أحد الوجهاء المحليين المتنفذين. وفي حين كان يفترض به أن يكون حارساً وفياً للمتنفذ، يتدخل ليقتل الأخير فينقذ الفتاة من البراثن البشرية، ويحظى بقلبها المحطم.

يقتحم يوسا عزلة البشر في تلك الأقاليم النائية، ليقدم نصاً مشغولاً بعناية؛ ينتمي بامتياز إلى أدب الواقعية السحرية. ويبدو أن هذه الصفة اكتسبت شرعيتها من الفضاءات الملغزة التي ترسمها تلك الأعمال، إذ تختلط الحقائق بالخرافات، وتتلاشى الحدود بين الحلم والواقع.

إن هذه الملحمة الروائية، التي توثق بعض سنوات الرعب في البيرو، تعرض مأساة اجتماعية ذات أصداء أسطورية، حيث يتحول العنف إلى ظاهرة يومية لدى فئات اجتماعية أو أيديولوجية تؤمن بهذا العنف وتروجه كثقافة عقائدية تجذب عدداً كبيراً من أولئك الفقراء الفلاحين والقرويين المعدمين، وبوسائله السردية المتقنة، ولغته الرشيقة والسهلة، يصنع يوسا أجواء كابوسية قاسية لا تستند إلى أي قانون أو منطق أو تفسير، ليغدو العنف، والحال كذلك، أحد موضوعات الرواية الأكثر جلاء، ذلك العنف الذي يتحكم بمصائر الأبطال، وبمسار الرواية ووقائعها المفجعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 18/أيلول/2010 - 8/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م