بإزاء العقلية النهضوية التي فجرها المرجع الديني الراحل السيد محمد
الشيرازي (قدس سره)، هنالك عقليتان تضران بمسيرة النهضة، وهما:
الأولى: العقل الراكد.
الثانية: العقل المؤزّم.
ولقد تجاوز السيد الشيرازي ذينك العقليتين، ووضع الحلول والعلاجات
للخروج منهما، عبر عطائه العلمي المتميّز، وعبر حركته الدائبة، وسلوكه
الرفيع. متفوقاً على واقع الركود والسكون والتهاون وطلب الراحة والدعة
والانزواء والانعزال عن هموم الناس والأمة، ببث روح النهضة والعمل
والفاعلية والتغيير والحركة في الأمة، من أجل بناء جيل مسلم يتربى على
القيم الدينية قلباً وقالباً، ولكي ينهض (الفرد)، (المجتمع)، (الدولة)
ويقدّم الإسلام ويتقدّم بالإسلام.
وقدم النظريات المستلهمة من القرآن والسنة المطهرة، متفوقاً على
عقلية التأزيم والفتنة والتنازع والحقد والكراهية والقطيعة وشقّ الصف،
ببث روح الإصلاح والتصالح والتنظيم والوحدة ولمّ الشمل ورأب الصدع، ورص
الصفوف بين أطياف الأمة الإسلامية، لتكون منطلق النهضة وموطن العزة
والشموخ، ورائدة العطاء والخير، والإحسان والمحبة، لكي يدخل الناس في
الدين أفواجاً.
هاتان العقليتان: (الركود) و(التأزيم)، هما بلاء الأمة ومكمن الضعف
التي ابتليت به، وما زالت إلى اليوم، لا تستثني صديقاً أو غريباً. وعند
مراجعة الفكر والنظر في العلم الموروث من هذا السيد الجليل، نجد أن
الأمر يستحق منا التأكيد، لكي لا تنحرف المسيرة ولا يشوه وجهها
الراكدون أو المأزمون.
فنحن لا نتخذ من ذكرى الإمام الشيرازي محطة للبكاء والندم، بل نتخذ
منها منطلقاً وتداولاً للعلم الذي سكبه حبره المبارك ميراثاً لنا
وللأجيال من بعده، كما يقول الإمام علي (ع): (العلم وراثة كريمة).
فأنت عندما تقف أمام مكتبة الامام الشيرازي الراحل (قدس سره الشريف)
الوافرة والتي ناهزت 1600 كتاب، وتستل منها كتاباً، ستجده يؤكد على
الفاعلية والتنظيم الحديدي فيها، ويؤكد على استغلال الوقت في العمل من
أجل الدين.
وتأخذ كتاباً آخر لتقرأ أهم سطوره نظرية الوحدة بين الأمة الواحدة
وبث روح التلاقي والتنازل للأخوة في الدين، والتصالح والعفو، حتى يذهب
بك إلى مشاركة كل المسملين في نظرية الحكم.
وإذا تناولت كتاباً مختلفاً، ستجده يؤكد بين سطوره على روح الشريعة
ومضامين الشعائر وقيم الإسلام لتأخذ مكانها، ويحث للعمل بالقرآن في
أيام عاشوراء لأن عاشوراء هي دفاع عن قيم القرآن، ويدعو الخطيب لأن
يكون مطلعاً على شؤون الأمة، السياسية والاجتماعية والفكرية ليقدم
معالجات الدين ويهتم بشؤون المسلمين.
ويصر بكل وثوقية في أكثر كتبه بأن يوم الإمام الحسين (ع) هو كل
أيامنا، وكل أرض لابد أن تكون كربلاء، شعلة في القيم والتقوى والعمل
الصالح، لا أن نتخذ من الإمام الحسين (ع) تبريراً لذلنا وهواننا
وركودنا.
وهكذا تناول كتاباً آخر لتكتشف أنه يدعو إلى السلم والسلام والأمن
وإيصال هذه الرسالة حتى إلى الأعداء والمختلفين، ناهيك عن المسلمين
المتباينين في المذاهب والأفكار.
وقدّم أناملك لتلتقف كتاباً آخر، لتتحقق من أن سماحته يناهض عمليات
التكفير والتنجيس والرفض والقطيعة، ويرفض روح البغضاء بين المسلمين
والسب والشتم والبذاءة، ويدعو العلماء إلى التواصل والتلاقي والتعاون
في سبيل الحفاظ على وهج الدين وصبغته.
ونحن في محطة تذّكر وتداول وتأريخ لهذه الشخصية العظيمة، نضع أمام
ناظرنا نقطتين:
الأولى: لا نتخذ من مواجهته لعقلية الركود، بعطائه الكبير، ذريعة
لركودنا وتكاسلنا، معتمدين على عطاءاته، مبررين لأنفسنا التقصير
والتراجع والتفرّج، فعطاؤه يدعونا إلى العطاء ويحثنا على العمل الدؤوب
من أجل الإسلام ومن أجل المسلمين.
الثانية: لا نتخذ من مواجهته لعقلية التأزيم، بالعفو والتسامح
والوحدة والتواصل والتعاون، ذريعة لرمي الآخرين بالتهم واشعال الفتن
وشن الحروب بالحقد والقطيعة والشتيمة، فعفوه وتسامحه وروحه الإيجابية
(قدس سره) تنمي فينا روح التآخي ونوايا الإصلاح، وحسن الخلق مع
الآخرين، من أجل أن لا تذهب ريح الأمة وروحها.
هكذا هو الشيرازي (انتماءً) عبر الفكر والسلوك، وإلا فلا.
قراءة الفاتحة عند قبره الشريف (حرم السيدة فاطمة المعصومة (ع) قم
المقدّسة) |