المقالة هي فن ادبي جميل تجتمع فيه خلاصة زبدة الفكرة والرأي في
قالب صغير على العكس من الكتاب الذي تكون فيه اوسع واشمل بكثير وتكون
حاوية للافكار والاراء والتحليلات دون الخضوع الجبري لقاعدة الاختصار
وقد تكون واسعة الى درجة تسمى حينها بالموسوعة.
الفارق اذا واسع وكما ان للكتب انواع تأتي من مضمونها في الاساس،فأن
للمقالة انواع ايضا...فقد تكون مقالة صغيرة وحجمها اقل من صفحة واحدة
وقد تكون كبيرة وحجمها بين 2-10 اما اذا توسعت اكثر من ذلك فأنها تصبح
دراسة او بحث وصولا الى حجم الكتاب، كما تصنف حسب متونها ايضا ومن
اشهرها الان المقالة السياسية ثم تأتي بعدها المقالة الادبية،واكيد في
انواع اخرى شاعت كثيرا وبخاصة في القرون الاخيرة مثل المقالة
الاقتصادية او الاجتماعية او العلمية او حتى قديمة مثل الفلسفية
والدينية الخ.
للمقالة تاريخ قديم جدا وقد استخدمها الاغريق والعرب وبقية الشعوب
المسلمة التي انصهرت حضارتها في بوتقة الحضارة الاسلامية التي يصعب
تمييز القومية فيها!...وكان يطلق سابقا عليها الرسالة اوالفصل لذلك نرى
ان الكثير من الفقهاء والادباء كتبوا رسائل ولكن هي اوسع من حجم
المقالة الحديثة فقد يصل حجمها الى مائة صفحة او اكثر! لذلك نجد احيانا
مؤلفين قد كتبوا عددا كبيرا صنفت خطأ بأنها كتب! ومن هنا قد يتعجب
المرء عندما يقرأ مثلا عن فقهاء او علماء سابقين انهم الفوا بين 300
الى 1000 كتاب! وفي الحقيقة ان ذلك لا يعد صحيحا بالمعنى الحرفي للكلمة
بل هي رسائل مختصرة قاموا بتأليفها لطرح مسألة ما مما يعني انها لو
جمعت مجموعة منها لاصبحت كتابا واحدا!وقد يكون ذلك مجهولا في ظل عدم
طبع كافة الرسائل المخطوطة مما يعني عدم معرفة حجمها المتعارف
عليه،ولذلك فالاصوب القول بأن له كتب ورسائل ومقالات ودراسات وبحوث حتى
يتم تبيان الحجم المتعارف والتمييز بينها دون الوقوع في خطأ المبالغة!.
شهرة المقالة بصورتها الحالية قد جاءت مع عصر النهضة الاوروبية
وانتشار الصحافة التي تمتاز بحجمها الصغير والمطبوع بفترات زمنية محددة
مما يجعلها تحتاج الى هذا الصنف الادبي القصير كي يستطيع القارئ الذي
يقرأ الصحيفة بسرعة من قراءة المقال والافكار الواردة فيه دون الحاجة
للتوسع من خلال قراءة كتاب الا في اوقات اخرى،وهذا التطور ادى الى ظهور
المقالة الحديثة التي انتقلت بفعل التلاقح الطبيعي بين الحضارات الى
العالم العربي وكانت الابرز في مصر ولبنان بفعل القرب الجغرافي واسبقية
التأثر بالحضارة الغربية.
لايشترط بكاتب المقال ان يكون صحفيا بل قد يكون اديبا او رجل دين او
عالم طبيعيات او اي فرد اخر يرغب في التعبير عن فكرته او ذاته في مقال
مطبوع ومنشور كي يحقق الهدف المنشود من وراءه او اشباع الرغبة الذاتية
التي تختلف موازينها من فرد لاخر!.
لا شك ان للمقالة اثرها الكبير في خدمة العلم والمعرفة واصبحت مفتاح
لحل الكثير من القضايا العالقة كما انها البوابة الطبيعية لتأليف الكتب
في حالة التوسع،وهناك مقالات لاحدود لعددها حققت شهرة عالمية لاصحابها
وللقضايا المنشورة فيها من خلال قوة البيان والتأثير في الرأي العام
وهذا لا يختص ببلد ما بل كل شعوب العالم تعرضت لذلك ولكن تختلف درجات
الاهمية والشهرة فقد تكون عالمية تتجاوز حدود البلد الاصلي وقد تكون
محلية ضيقة تنحصر ضمن نطاق اصحاب الشأن، مما يعني ان درجة التأثير
مختلفة وحسب الظروف وسعة الانتشار.
وكما ان للكتب اعمار من خلال القيمة المتواصلة لها التي قد تستمر
طويلا او تنتهي بعد صدوره بفترة وجيزة! فأن للمقالة عمر اصغر بكثير مما
هو للكتاب خاصة اذا كانت القضايا المشار اليها هي آنية كحوادث سياسية
معينة،ولكن يبقى لبعض المقالات عمرا مديدا لا يخضع لزمن معين وهي التي
تختص بالاداب او العلوم الدينية واللغوية او بعض العلوم الاجتماعية
وغيرها،ومن هنا جاءت فكرة تجميع المقالات التي تختص بلون ادبي او فكري
معين في كتاب جامع يكون حافظا لها من النسيان بسبب صعوبة طبع مقالات
صغيرة منفصلة او لغرض الاستفادة المستقبلية منها،وقد يكون الجمع غير
خاضع لقاعدة التصنيف المتعارف عليها اي انها تضم كل المقالات وقد تسمى
بأسماء جديدة ايضا وتضم تراث كل كاتب المنشورة في مقالات وبحوث وكتب
وحينها تكون اقرب للموسوعة في الحجم كما حصل لتراث طه حسين والعقاد
وغيرهم كثيرون.
كتب المقالات هي التي تختلف بدرجة نسبية معينة عن الكتب العادية،فهي
تحسب للكاتب انها كتاب مؤلف له بينما هي مجموعة مقالات مطبوعة سابقا له
نشرت في الصحف والمجلات والان ايضا في شبكة الانترنت تجمع له بين دفتي
غلاف! وقد نرى كتاب مقالات لم يؤلفوا كتابا واحدا وتحسب لهم مقالاتهم
المجمعة في كتاب على انها مؤلفات بذلوا في اخراجها جهودا مضنية!! وهذا
في الحقيقة خطا شائع،بينما تأليف الكتاب وبخاصة الذي يحتوي على افكار
واراء وتحليلات مبتكرة او تجميع المادة المعرفية مع شرحها والتعليق
عليها ولا تستخدم المصادر والمراجع الاخرى بكثرة هي التي تحتاج الى جهد
عقلي وبدني كبيرين مع صبر عال على المشقات والمتاعب وترويض النفس
والرغبات الى درجة يصعب على الغالبية الساحقة تحقيقها،من هنا وجب
التمييز بين الاثنين للاهمية المطلقة...
نعم قد يكون هنالك كتابا منشورا على شكل حلقات اواقسام او حتى فصول
لصعوبة النشر الكلي في الصحف والمجلات او التأليف المتدرج الغير خاضع
لزمن ثابت كما هو حاصل في نشر الروايات او المذكرات على سبيل المثال او
للتعريف به قبل طباعته،فهذا النوع بالتأكيد سوف يكون مختلفا عن كتب
المقالات المشار اليها كما ان الاختلاف الاخر يكون في ان كتب المقالات
حتى لو جمعت وصنفت المقالات حسب انواعها فأن الافكار فيها غالبا تبقى
غير منتظمة التسلسل وبخاصة من ناحية الجانب الفني او غير مشروحة بالشكل
الكافي نظرا للاختصار الموجود فيها ولكونها نشرت في مواضع لم تكن نية
التأليف فيها مما يعني ان الاهمية سوف تقل عن الشكل المرغوب فيه وبخاصة
في حالة التجميع العشوائي!.
من مميزات كتب المقالات انها سلسلة وبسيطة وشائعة الاستخدام لانها
خفيفة على الذهن لكون المقالات في الغالب تستخدم صيغا واساليب في غاية
التبسيط والتشويق التي تفتقر اليها الكتب المنهجية او ذات الافكار
العميقة التي لا تحتاج الى جذب بمقدار الحاجة الى اهمية الطرح لغرض
الخدمة المراد منها او التي مؤلفة اصلا لغرض التوسع في البحث او تطويره
او عرض المادة وهي بلا شك مسائل لا يشترك فيها عددا كبيرا من العامة
الذين يفضلون نظرا لمصاعب الحياة وتعقيداتها السهولة في العرض وتبسيطه
للاذهان ويتركون صعب الادراك للمتخصصين او الراغبين فيه كما ان ضعف
حركة التأليف لاسباب مختلفة قد ساعد على نشر اي شيء يراد طباعته! ولذلك
اخذ ينتشر هذا النوع من المطبوعات وقد تساعد شهرة الكاتب غالبا على
سهولة طباعته او زيادة مبيعاته دون ان يكون هنالك شرط اعتباري لاهمية
المادة المعروضة فيه!. |