الإنسان القديم... مؤرخ الحضارات غابرة

 

 

شبكة النبأ: رغم مرور مئات آلاف السنين عليها واندثارها تحت باطن الأرض التي تأثرت الأخيرة بعوامل طبيعية مرت عليها من تغيرات مناخية وتقلبات جيولوجية، مازالت آثار العصور القديمة تستخرج من قبل بعض الخبراء والمنقبين الذين يبحثون عن إجابات لأسئلة تدور في بالهم عن حياة تلك الحقبة وطبيعتها الاقتصادية والثقافية وحتى الحربية.

كذلك يحتاج الكثيرون الى معرفة أسباب بعض القصص والروايات والتأكد من أنها حدثت بالفعل بهذه الطريقة أم ان هناك طريقة أخرى، وهذا التأكيد لا يمكن ان يجده العلماء اذا لم يبحثوا وينقبوا جيدا للحصول على أدلة قوية تقطع الشك باليقين.

الإنسان القديم في انجلترا

فقد عثر على أدوات مصنوعة من الصوان في قرية انجليزية تؤكد على إن الإنسان القديم استوطن في شمال اوروبا قبل 800 الف سنة وهو تاريخ أقدم كثيرا مما كان يعتقد من قبل الأمر الذي قد يدفع العلماء الى إعادة تقييم قدرات الإنسان الأول.

وكشفت عملية تنقيب في قرية هابيسبورو الساحلية بشرق انجلترا أوردت دورية نيتشر العلمية نتائجها عن اكثر من 70 اداة من الصوان يرجح أنها كانت تستخدم في قطع الأخشاب او اللحوم وتقدم اول سجل لإقامة الإنسان عند اطراف الغابات الشمالية الاكثر برودة في اوراسيا.

وقال كريس سترينجر المتخصص في اصول الانسان بمتحف التاريخ الطبيعي بلندن الذي قدم افادة عن البحث "هذه الاكتشافات هي اقدم دليل على وجود البشر في بريطانيا حيث يسبق الاكتشافات السابقة بمئة الف عام على الاقل.

"ولها اثر كبير على فهمنا لسلوك الانسان الاول وطرق تكيفه وبقائه وكذلك كيف ومتى استعمر اسلافنا الأولون اوروبا بعد مغادرتهم الأولى لأفريقيا."

وتعزز الدراسة نتائج نشرت عام 2005 من بيكفيلد في سفولك بشرق انجلترا اشارت الى ان البشر نجحوا في الوصول الى بريطانيا قبل نحو 700 الف عام عندما كان المناخ دافئا بدرجة تكفي لمقارنته بمناخ البحر المتوسط حاليا. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وكان يعتقد حتى ذلك الحين ان البشر لم يستوطنوا الا في المناطق الواقعة جنوبي الألب والبرانس في اوروبا. ورجح سترينجر ان يقود الاكتشاف العلماء الى اعادة النظر في قدرات الانسان الاول حيث اظهرت خلافا للتفكير العلمي السابق انه كان قادرا على الانتقال الى الاجزاء الاكثر برودة في شمال اوروبا والعيش فيها. ويعتقد الباحثون ان البشر عدلوا اسلوب حياتهم ليلائم الظروف المعيشية القاسية حيث تقل النباتات والحيوانات التي يمكن اكلها فضلا عن البرد القاسي في فصل الشتاء.

قبل مليون عام

بينما توصل باحثون دوليون الى كشف أثري مهم يعزز احتمال وجود حياة بشرية بجزيرة (فلوريس) الواقعة بشرق اندونيسيا منذ مليون عام على الأقل.

وقال آدام بروم عضو فريق الباحثين الدوليين - الذي توصل الى الاكتشاف بجزيرة فلوريس- «ان الفريق اكتشف معدات حجرية بتلك الجزيرة يعود تاريخ إنتاجها الى مليون عام ماضية، مشيرا الى أن ذلك الاكتشاف يؤكد وجود الإنسان البدائي بتلك المنطقة.

وأضاف بروم «أن فريق العلماء اكتشف أيضا موقعا أثريا بجزيرة فلوريس يعود بناؤه الى 120 ألف عام ماضية»، مشيرا الى أن فريق الباحثين سيواصل عمليات التنقيب عن الآثار بفلوريس وعدد من الجزر الاندونيسية الأخرى من أجل كشف النقاب عن طبيعة الإنسان البدائي الذي عاش في تلك المنطقة منذ حوالي مليون عام. وكان علماء آثار اندونيسيون قد عثروا مؤخرا على بقايا معبد هندوسي يرجح بناؤه خلال القرن التاسع الميلادي بإقليم (جوجياكرتا) بوسط اندونيسيا. بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط.

غزوا بنسلهم

فيما قال باحثون ان الغزاة الذين نشروا نسلهم في أنحاء أوروبا في العصور القديمة كانوا مزارعين من الشرق الاوسط.

وتشير دراسة للكروموسوم واي الذي ينتقل مع تغيير طفيف جدا من الاب الى الابن الى أن رجال اوروبا من نسل شعوب انتقلت الى القارة قبل عشرة الاف عام من منطقة "الهلال الخصيب" الذي يمتد من مصر عبر الشرق الاوسط وحتى عراق اليوم.

وقالت باتريشيا بالاريسك من جامعة لستر ببريطانيا "ربما حينذاك كان العمل كمزارع اكثر جاذبية."

وذكر الباحثون في دورية (بابليك ليبراري اوف ساينس Public Library of Science ) أنهم درسوا الحمض النووي لعدد من الرجال يبلغ 2574 من أنحاء أوروبا. ولان الكروموسوم واي يتغير تغيرا طفيفا جدا عند انتقاله من جيل الى التالي فانه يمكن تسجيل التغييرات من خلال قياس عشوائي للطفرات الوراثية.

هذه "الساعة الجزيئية" رسمت صورة للانتشار الوراثي في أنحاء أوروبا من الشرق الأوسط حيث نشأت الزراعة. وقالت بالاريسك "ركزنا على أكثر خط كروموسومي شيوعا في أوروبا ويحمله نحو 110 ملايين رجل."

وأضافت "يتبع هذا منحنى من الجنوب الشرقي الى الشمال الغربي ليصل تكراره الى قرابة مئة بالمئة في ايرلندا. بحثنا في كيفية توزيع هذا النسب ومدى تنوعه في أجزاء مختلفة من اوروبا وكم عمره." بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

ويبدو أن 80 في المئة من الكروموسوم واي في اوروبا من أصول شرق أوسطية. وقالت بالاريسك ان الاكتشاف يشير الى حدوث بعض الاختلاط المثير للاهتمام في عصور مبكرة بأوروبا ويستحق مزيدا من الأبحاث الوراثية.

وأضافت "بالنسبة لنا يشير هذا الى أفضلية تناسلية للذكور المزارعين على الذكور من السكان الأصليين الذين اعتمدوا على الصيد والجمع خلال الانتقال من الصيد والجمع الى الزراعة."

مقبرة للمجالدين

في حين عثر علماء آثار بريطانيين في شمال إنجلترا على مقبرة تضم هياكل عظمية تحمل علامات لأسنان وإصابات من أسلحة مختلفة، ويعتقد الخبراء أن المقبرة كانت مخصصة للمصارعين والمجالدين إبان العصر الروماني.

ومن بين ما تم العثور عليه، رؤوس مقطوعة، وعضات من أسد أو نمر أو دب، وعضلات ضخمة على رجال ضخام البنية، كل هذه دلائل تشير إلى اكتشاف مقبرة قديمة شمالي إنجلترا، وتشكل المثوى الأخير للمصارعين والمجالدين. أعلن هذه النتائج العلماء بعد بحث وتدقيق وفحص استمر نحو سبع سنوات.

وقالت مؤسسة يورك للآثار إن نتائج أعمال الحفر الأثرية كشفت عن "ما قد يكون مقبرة المجالدين الرومانيين الوحيدة في العالم المحفوظة بشكل جيد." فقد عثر العلماء منذ عام 2003 على 80 هيكلاً عظمياً في "مقبرة فريدة من نوعها تحت مدينة يورك بشمال إنجلترا.

وكان يعتقد أن المقبرة تحتوي على أشلاء وبقايا مجرمين أو معارضين سياسيين تمت تصفيتهم. غير أن هذا الاعتقاد لم ينجح في تفسير علامات الأسنان الضخمة على الهياكل العظمية.

وقال كورت هنتر-مان، قائد الفريق الأثري، إن "من بين هذه الأدلة، عضة كبيرة لحيوان مفترس، يرجح أن تكون لأسد أو نمر أو دب، وهي إصابة قد تكون ناجمة عن مبارزة في الميدان."

من ناحيته، قال مايكل ويسوكي، الذي أجرى فحصاً للرفات في مختبر الطب الشرعي بجامعة لانكشاير: "لم يتم العثور على مثل هذا من قبل على هياكل عظمية رومانية."

وأوضح أن علامات العض توحي بأن الرفات تعود لشخص قاتل بوصفه مصارعاً أو مجالداً.

واستبعد ويسوكي تعرض الشخص لهجوم من قبل نمر فيما كان عائداً إلى منزله من حانة في مدينة يورك قبل 2000 سنة. بحسب وكالة السي ان ان.

وكشف أن ذراعاً كانت أكبر من الذراع الأخرى في العديد من الهياكل العظمية، مشيراُ إلى أن الرجال كانوا مصارعين تدربوا على استخدام السلاح بأيديهم منذ صغرههم.

وتشمل الأدلة الأخرى إصابات ملتئمة وأخرى غير ملتئمة جراء إصابات بالأسلحة، كالضرب بالمطرقة على الرأس على سبيل المثال، أو بوجود بقايا مفاصل من اللحوم أو الفخار، ما يدل على الاحترام.

غير أن هنتر مان حذر من أن هذه النتائج غير قاطعة حتى الآن، مشيراً إلى أن البحث سيستمر ويتواصل.

لكنه قال إن بقايا الهياكل العظمية كلها لذكور أقوياء في الغالب ومتوسطي الطول، وهي صفات المجالدين أيضاً الذين كانوا يجلبون من أنحاء الإمبراطورية الرومانية المختلفة، والتي سادت قبل أكثر من 2000 عام.

ولعل أكثر القبور إثارة، ذلك الذي يعود لرجل طويل يتراوح عمره بين 18 و23، ودفن على الأرجح في تابوت، في قبر كبير بيضاوي قبل 1700 سنة. وقال العلماء أنه تعرض لقطع رأسه بضرب رقبته بعدة ضربات بالسيف.

أقدم حذاء جلدي

وفي السياق ذاته، عثر على أقدم حذاء جلدي في العالم يرجع تاريخه الى 1000 عام قبل بناء الأهرامات في مصر محفوظا بحالة ممتازة داخل كهف في ارمينيا.

والحذاء الذي يعود الي 5500 عام اكتشفه فريق من علماء الآثار الدوليين. وهو مصنوع من قطعة واحدة من جلد البقر وبه اربطة ومصمم بحيث يناسب قدم من يرتديه.

ويبلغ طوله 24.5 سنتيمتر وعرضه ما بين 7.6 سنتيمتر و10 سنتيمترات ويرجع الى نحو 3500 عام قبل الميلاد وهي فترة عرفت بالعصر النحاسي.

وقال رون بنحاسي من جامعة كولدج كورك في ايرلندا الذي قاد فريق البحث "ليس معروفا ما اذا كان الحذاء لرجل او لامرأة" مضيفا انه بينما ان حجم الحذاء صغير - مقاس 37 الاوروبي او مقاس 7 الامريكي في عصرنا الحالي- الا انه يمكن "ان يناسب ايضا رجلا من ذلك العصر."

والكهف الذي اكتشف فيه الحذاء يقع في اقليم فايتوس دزور في ارمينيا على الحدود بين ارمينيا وايران وتركيا. وقال بنحاسي ان الظروف المستقرة والهادئة والجافة في الكهف تعني ان الاشياء المختلفة التي عثر عليها هناك كانت محفوظة بشكل جيد تماما.

وتشمل المكتشفات الأخرى حاويات كبيرة من الخزف يحتوي العديد منها على القمح والشعير والمشمش ونباتات أخرى صالحة للأكل.

وقال الفريق ان وجود طبقة سميكة من روث الخرفان على أرضية الكهف ساعد في الحفاظ على الأشياء المكتشفة وابقتها سالمة لبضعة الاف من السنين.

وعثرت الطالبة الأرمينية ديانا زاردريان التي كانت تعكف على رسالة الدكتوارة في معهد الاثار في ارمينيا على الحذاء في 2008 داخل تجويف ضم ايضا وعاء مهشما وقرون خرفان. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقالت في تقرير الاكتشاف الذي نشر في دورية المكتبة العامة للعلوم "اندهشت عندما وجدت انه حتى أربطة الحذاء محفوظة."

ويعمل علماء في مختبرات الكربون المشع في كاليفورنيا وفي اكسفورد بانجلترا منذ 2008 على محاولة وضع تاريخ دقيق للحذاء. وأقدم حذاء معروف في العالم هو خف يعتقد انه يرجع الى نحو 2500 عام قبل الحذاء الجلدي الأرميني. وعثر على الخف في كهف في ميزوري بالولايات المتحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/أيلول/2010 - 3/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م