أراسلك اليوم آملاً أن تصل رسالتي إليك، كما كانت تصل من قبل،
ويصلني الجواب، وبخط يدك المبارك، لأنك عشت بدون حاجب تماماً، وذلك قبل
قصة الرحيل المفاجئ المفجع قبيل خلاص العراق الجريح من الديكتاتورية
وإنتقاله إلى ديمقراطية مشلولة مختلة تملي التخطيط للإنتقال إلى
الديمقراطية المباشرة، وأعلم أني في هذه السطور أقوم بأقل الواجب و
التقدير الذي أكنه لك، ويدفعني إلى أن أبوح بهذه الكلمات إلى روحك
الطاهرة...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته المطهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ألف تحية وسلام و...
إلى منْ ردَّ الأقلامَ إلى صوابها دون أن يسميها، ودون أن يجرحها.
إلى منْ علمنا أنه لا يؤلم الإنسان أن يموت على يد منْ يناضل من
أجلهم.
إلى منْ علمنا بسلوكه كيف نحترق؟ كي ننير الطريق للآخرين.
إلى منْ أرهق الأقلام في إنتاجه المعرفي الكبير دون يعرف قاموسه ما
يسمى بالإرهاق.
إلى منْ علمنا التحصين بالوقاية الإستباقية المبكرة من الأخطار
المعرفية والحضور الدائم في جميع الساحات المعرفية.
إلى منْ شرحَ لنا كيف؟، ولماذا؟ يمكن أن تنقلب الثورة إلى "لا
ثورة"، أو حتى إلى "ضد الثورة" بطريقة واضحة، وخفية في الوقت نفسه.
إلى منْ علمنا أن الثورة التي لا تحافظ على كرامة الإنسان وشرفه،
وعلى كرامة المجتمع والدولة وشرفهما هي ثورة مغتالة، ومخذولة لأنها
ستفشل في تغيير الإنسان لعدم تمسكها بقاعدة أخلاقية قوية راسخة ذات
يقظة روحية مستدامة عالية، وإنضباطية سلوكية ذاتية إجتماعية ديناميكية
إقتحامية مرنة.
إلى منْ حللَ لماذا كتب هذا؟ كتاباً بعنوان " شاهد على إغتيال ثورة
"، وذلك الأخر كتاباً عنوانه " الإستقلال المصادر "، وذلك الثالث
كتاباً سماه '' إستقلال ممزق '' لتحصين مستقبل حركات التغيير والإصلاح
الاجتماعي التالية من تلك المآلات الخائبة.
إلى منْ فسرَّ لنا ظاهرة النكوص المتواصلة في الثورات الإجتماعية
لمواجهة فمعالجة الأمراض دون الضياع في أعراض المرض، وبالإستعانة
بالأدوية المتوافرة في الصيدلية المسلمة وبعيداً عن تضخيم فقه تبرير
النكسات والإخفاقات والدفع به إلى السطح، من خلال التركيز الأحادي
المطلق على فكرة الابتلاء، وفكرة المهم هو العمل، وليس المهم هو
النتيجة.
إلى منْ علمنا أن نتسائل، ونسأل:
أين كانت الأمة من مذبحة كربلاء يوم عاشوراء؟
لماذا لم يعرف لحد اليوم العالمُ كله عاشوراء؟
لماذا لم يعرف المسلمون لحد اليوم حق عاشوراء عليهم؟
لماذا لم تعرف البشرية لحد اليوم حق عاشوراء عليها؟
كيف نقرأ الإمام الشيرازي الراحل في ذكراه التاسعة؟
تصورات على الطريق إلى القراءة الصحيحة:
- قراءة لاتفوت إحداث التراكمية المعرفية للأمة بواسطة الاعتماد على
نتائج دراسات شخصية محدودة، غير دقيقة أوغير مكتملة لأسباب تعود إلى
المنهج المستخدم، أو إلى تحيزات سلبية مازالت تمنع الأمة من الإقلاع
لدخول التاريخ الكبير لذوباننا في التاريخ الصغير.
- قراءة تحمل معولها في الحفر والتنقيب عن الأسس التي قام عليها فكر
الإمام الشيرازي الموسوعي الأصيل، وبها ازدهر، وآتى ثماره الفكرية
النظرية يانعة، وكيف نمنع دخول الصقيع الذي يحاول تجميّدها، ويعيق
إستمراريتها دون تسلّف.
- قراءة تسكتشف القاعدة الثقافية التاريخية الإجتماعية الذاتية
الإبداعية الأسرية الحوزوية البيئية والبنيوية المؤثرة التي ساهمت في
تمكين الإمام الشيرازي من الإنتاج المعرفي الغزير الكثيف المتغيير الذي
يجمع بين الأصالة والمعاصرة من جهة، وبين الدورين الاجتماعي والمعرفي
لرجل المعرفة بل لرجل الفقه والمرجعية التي حاول زرع اللامركزية،
التعددية، المأسسة، الشورى، العمل الجمعي فيها، و...الخ، ودفع الثمن
وبالتمام والكمال، وأحياناً على طريقة الدفع المسبق التصاعدي المضاعف
!.
- قراءة تسكتشف متطلبات التحديث المعرفي والإستمرارية لأن النظام
العالمي تغير كثيراً حيث اصبح يتحرك نحو الأحادية القطبية الهشة خطوة
ليتوقف فيفكر في الإشراك، وباتت الرأسمالية تتحرك من العولمة والتجارة
الحرة نحو القطرية الحرجة والحمائية والتأميم والنظام المالي العالمي
الجديد علاوة على التراجع البطئ الخفي من الديمقراطية والإلتزام بحقوق
الإنسان.
- قراءة تستمر، ومن حيث إنتهى الإمام الشيرازي في التنقيب لإستكمال
الإجابة على السؤال الذي طالما طرحها مثل "لماذا تأخر المسلمون؟"، "ما
هو السبيل إلى إنهاض المسلمين؟"، و"ما هو الطريق لصياغة عالم الرفاه
والحرية والتقدم؟"، و" كيف يمكن إنقاذ الغرب؟"، " المرض والعلاج؟"،
و...الخ.
- قراءة تنظر إلى الإنتاج المعرفي للإمام الشيرازي نظرة متحركة
ديناميكية، وبعيداً عن النظرة السكونية الدوغمائية الستاتيكية، لأنه
طاب ثراه كان مبتكراً لحلول لاتفرط بالأصالة كما لاتفرط بالمعاصرة،
ويمكن أن تعالج معضلة العالم الحضارية بتكاليف قليلة، غير جراحية،
وبعيدة عن العنف والمركزية، والإستبداد بأنواعه، ودون تفريط بالسيادة
الكاملة لأن القراءة الديناميكية لوحدها يمكن أن تهدينا إلى كشف المنهج
الذي قام عليه الإنتاج المعرفي الكبير للإمام الشيرازي لتكريسه بعيداً
عن الخلط بين الإنجاز السياسي، والإنجاز الثقافي لأن الأخير يتميز
بالبطئ الشديد، ولابد فيه من التراكمية، والنفس الطويل، وتقديم للحركة
العمودية على الأفقية.
- قراءة تستبعد إعمال التفكيك أو الإختزال لأن الإنتاج المعرفي
الكبير للإمام الراحل كتلة واحدة، ومنظومة متكاملة لا تقبل التجزئة، أو
الإقتطاع، أو الإلحاق، أو...الخ بدوافع تلفيقية واجتزائية أو انتقائية.
- قراءة لاتتجاهل النقد المزدوج للشرق والغرب كما لاتتجاهل المعامل
الإستعماري، وكما لاتتجاهل معامل القابلية للاستعمار، لأن الوصول إلى
السيادة الكاملة، وبناء الدولة الحديثة سيتعثر، والقضية واضحة،
ولاتحتاج إلى بيان كثير لأن الأصالة للواجبات، وهي متقدمة في الرتبة
على الحقوق بالرغم من تلازمهما، وكما قيل:
"الحق ليس هدية تعطى، ولا غنيمة تغتصب، وإنما هو نتيجة للقيام
بالواجب "
- قراءة واعية متتبعة لأدوات الإمام الراحل في معالجة الفصام الفكري
المتفاقم الذي كان ومايزال قائماً مثل النقل الفكري الميكانيكي من
الآخر، ومقولات إنهزامية أداتية للإستعمار مثل مقولة:
" كل ما هو حضاري من الخارج، وكل ما هو متخلف من الداخل ". ومقولة
ادغار كينيه الإستشراقية:
" من الشرق الأنبياء، ومن الغرب العلماء ".
ومقولة المطلوب:
" قلب إسلامي، وعقل غربي "
أو:
" قلب عربي، وعقل أوروبي ".
ومقولة المتوسطية التغريبية، وما نحو ذلك من هرطقات معروفة.
- قراءة للتطبيق الإختباري المحدود فالمراجعة والتقييم
فالتعميم...قراءة لتغيير الذات...قراءة للتكريس...قراءة تؤرقها هموم
تحقيق الإنجاز الحضاري والمدني الشامل.
إنها قراءة تمليها المدرسة الشيرازية لمنْ يطمح، ولابد أن يطمح كل
واحد منا ليكون فاعلاً نهضوياً مسلماً وقادراً على تحويل البعد
الإيماني إلى إنجاز حضاري...فاعلاً لايتقدم في الهدف والوسيلة كما
لايتأخر فيهما عن مدرسة أهل البيت المطهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام
قيد أنملة. |