السعودية وأزمة السكن وما خفي كان أعظم

احمد عقيل

 

شبكة النبأ: على الرغم من حجم الواردات الهائل التي تعود الى خزينة السلطات السعودية إلا إن واقع المعيشي لمعظم سكانها يعاني من نقص مستمر في العديد من الخدمات والمرافق الحيوية الواجب توفرها، مما يعكس حجم الفساد المتفشي في أركان النظام القائم هناك.

فبات المواطن السعودي سيما المقبل على الزواج، يتمنى إيجاد منزل يضمن له الاستقرار وبداية حياة جديدة دون مشاق وعسر، ولكن هذا الأمر بات مستبعدا في تلك الدولة الرابضة على اكبر مصدر للنفط، بعد تفاقم أزمة السكن هناك، مما يثير مشاعر الإحباط واليأس لدى الكثير ممن ينوون الإقبال على الزواج وتأسيس عش الزوجية، فما تقدمه الحكومة من خدمات وتسهيلات لا يوازي الارتفاع الهائل في عدد العمالة الوافدة نحو البلد والنمو السكاني المتزايد وبشكل كثيف.

هذا كله اثر على ابن البلد في توفير مسكن له، وما يزيد الوضع سوءا وبنظر المحللين الاقتصاديين والاجتماعين هو عدم الاهتمام الذي تبديه الدولة بهذه القضية وعدم اخذ الموضوع على محمل الجد لأيجاد حلول له.

وبين هذا وذاك مازال السعوديين يتأخرون بفترة الخطوبة رغم الضغوط التي يمارسها أهل الفتاة عليهم من طلبات ملحة في إيجاد منزل يضمن حياة ابنتهم، على أمل ان يجدون مسكن تغطي تكاليفه ميزانيتهم.

قنبلة موقوتة

هذا وقد مثل آلاف غيره من الشبان السعوديين يجد نايف الناصر نفسه ممزقا بين مشاعر الحب وسوق العقارات التي أصابها الجمود.

ارتبط الناصر (34 عاما) بخطيبته قبل سبع سنوات. وتدر عليه وظيفة بائع سيارات دخلا يبلغ 5000 ريال (1333 دولارا) شهريا. وعندما يحقق مبيعات طيبة يزيد دخله بما يصل الى 4000 ريال شهريا فوق الراتب الاساسي. يقول الناصر انه في مثل هذا الوضع كان من المفترض أن يكون متزوجا بالفعل وينعم بحياته.

بيد أن هناك مشكلة. فالناصر لا يملك منزلا والى أن يحدث هذا يصر والد خطيبته على عدم إتمام الزيجة.

يقول الناصر "المطلوب بيت وليس شقة فهو لا يريد لابنته أو شقيقاتها وأمها عند زيارتها أن يشاركهن أغراب في المبنى .. وهو يعني بذلك الجيران."

ولفترة قصيرة فكر الناصر وخطيبته في الإقامة مع أسرته. لكن الناصر قال "أول سؤال يطرحه عليك صهر المستقبل هو.. هل لديك بيت.. الأمر لم يعد كما كان عليه من قبل عندما كان المطلوب أن تكون لديك وظيفة وقبل ذلك كان يكفي أن تكون مسلما صالحا."

وشراء بيتك الاول يمكن ان يكون تجربة حافلة بالمعاناة في أي بلد في العالم. لكن قلة من الدول تنطوي على نفس المزيج من المشاكل المالية والثقافية مثل السعودية. والعقبة الكأداء هي سوق للرهن العقاري لا مثيل لها يبدو أنها تأسست لتعود بالنفع على ملاك العقارات الحاليين والمقترضين ميسوري الحال بينما توصد أبوابها في وجه الطبقة الوسطى ومحدودي الدخل.

وتكمن معظم جذور مشكلة الإسكان في التركيبة السكانية التي تشهد تحولا سريعا في البلاد. فمع الارتفاع الهائل في عدد العمالة الوافدة زاد عدد سكان المملكة نحو 20 في المائة ليصل الى 27.14 مليون نسمة بين عامي 2004 و 2010 وفقا لإحصاء حديث.

والمسألة ببساطة هي أن عدد المساكن لا يكفي الطلب. وإجمالا تعاني البلاد عجزا يصل الى مليون وحدة سكنية وهو عدد يرتفع بنحو 150 الف وحدة سنويا وفقا لما يقول الاقتصادي المستقل سعود جليدان.

وتقدر شركة التمويل العقاري (ريفكو)السعودية الخاصة وشركة كلايتون هولدنجز الاستشارية الأمريكية أن 30 في المئة فحسب من السعوديين يمتلكون الآن مساكن. ويقل هذا أكثر من النصف عما كان عليه قبل 20 عاما وفقا لبعض التقديرات ويمثل رمزا صارخا للتفاوت في توزيع الثروة في بلد هو أكبر مصدر للنفط في العالم.

نمو سكاني

بينما هناك سؤال يطرح: هل سيؤدي نقص المساكن يوما ما الى إثارة قلاقل اجتماعية؟ لم يذهب أحد الى هذا الحد بعد. ولكن في تقرير صدر في أواخر يوليو تموز قال البنك الأهلي التجاري ان النمو السكاني السريع والعدد الضخم للشبان السعوديين الذين تقل أعمار ثلثيهم عن 30 عاما "يمثلان ضغطا هائلا على البنية التحتية للبلاد بينما يتسببان في اختلالات اجتماعية واقتصادية."

ويقول جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي ان التحدي الذي تفرضه أزمة الإسكان "لا ريب فيه".

لو كانت السعودية قد طورت بشكل أفضل أسواقا للرهن العقاري وأسواقا عقارية ثانوية لما نشأت أزمة الاسكان أصلا.

فالبنوك تقدم قروضا للسعوديين الموسرين. بل أنه خلافا للاعتقاد الشائع فان البنوك التجارية تتقاضى فوائد عن القروض في حين تتقاضى البنوك الإسلامية رسما محددا عن القرض أو هامش ربح متفق عليه.

ولا يزال يتعين على السعودية سن تشريع لتنظيم الرهن العقاري وخاصة ما يتعين عمله في حالة تخلف المقترض عن السداد.

وفي ظل هذا الوضع تحجم البنوك عن الإقراض على نطاق واسع ويضطر المواطن السعودي للاعتماد على صندوق التنمية العقارية الحكومي الذي يتيح الحصول على قروض حسنة تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية.

لكن صندوق التنمية العقارية ليس بوسعه تقديم الكثير. ففي عام 2008 لم تتجاوز نسبة السعوديين الذين شيدوا مساكن جديدة من خلال قروض الصندوق ثمانية بالمئة وفقا لتصريح متحدث باسمه.

ويقول المنتقدون ان الحكومة لا تدعم الصندوق بالأموال الكافية في حين قال المتحدث ان "معدلا كبيرا لحالات التخلف عن السداد" يضر بمساعي تقديم مزيد من القروض.

وحتى اذا كان صندوق التنمية يقدم مزيدا من القروض فان اشخاصا مثل الناصر قد تفوتهم الفرصة فالسوق الثانوية للعقارات السكنية في السعودية محدودة وأي شخص يدخل السوق سعيا وراء مسكن غالبا ما يبني مسكنه ولا يشتريه جاهزا من غيره.

بيد أن صندوق التنمية لا يقدم قرضا للبناء الى أن يكون لدى طالب القرض أرضا للبناء عليها كما أنه لا يقدم قرضا لشراء أرض.

ومع الشح الشديد في كل من التمويل والأرض والنمو السريع في الطلب فلا عجب أن قطاع الإسكان يعاني مثل هذه الأزمة الحادة. ووفقا لدويتشه بنك فان الرهن العقاري يمثل واحدا بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة.

ويقارن هذا مع "أكثر بكثير من 50 بالمئة في أكثر الدول تقدما ونحو ستة بالمئة في الكويت وسبعة بالمئة في الإمارات العربية المتحدة ."

وفقا لتقرير البنك الأهلي التجاري فان أكثر قليلا من الربع فقط من اجمالي 165 مليار ريال (44 مليار دولار) جرى انفاقها على التشييد في السعودية في عام 2009 ذهبت لبناء وحدات سكنية. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وقال التقرير "الإنفاق على بناء مساكن شهد تراجعا مطردا خلال السنوات الخمس الماضية."

وعلى مدى العقد الأخير دار النقاش حول الحل الواضح المتمثل في إصدار قانون شامل للرهن العقاري دون أن يسفر عن شيء ملموس.

ويشهد المجتمع السعودي عملية تحديث رغم أنه قد لا يبدو عليه ذلك في كل الأحوال لمن ينظر اليه من الخارج. فقد بدأت المملكة تحت قيادة الملك عبدالله صاحب الميول الاصلاحية تعديل بعض قوانينها. وتردد أن الاسكان يمثل أولوية في هذا الصدد.

واستعدت البنوك المحلية والأجنبية لطفرة مأمولة في سوق للرهن العقاري يقدر حجم معاملاتها السنوية بنحو 20 مليار دولار.

فأطلق دويتشه بنك مشروعا للرهن العقاري يتفق مع الشريعة الإسلامية بمشاركة مستثمرين في المملكة. وتملك صندوق الاستثمارات العامة حصة بنسبة 20 في المئة في شركة ريفكو الخاصة للرهن العقاري التي أسستها قبل أكثر من عشر سنوات مجموعة من الوكلاء العقاريين السعوديين ترقبا لصدور قانون الرهن العقاري وتعتزم الآن البدء في تقديم قروض إسكان هذا العام وقيد أسهمها في البورصة عام 2012.

وبدا أن الأمل في انفراجة تحقق في مايو ايار عندما قال الأمين العام لمجلس الوزراء ان مشروع القانون على وشك أن يدخل مرحلته الاخيرة. لكنه سرعان ما تراجع عن هذا الموقف ونفى في وقت لاحق أنه أدلى بهذا التصريح.

السعوديون ينتظرون

من جانبها قالت مجموعة سامبا المالية في تقرير لها مؤخرا انه رغم حالة الترقب فلا توجد بوادر واضحة على أن القانون سيحظى بالاقرار النهائي هذا العام. وأضافت أن من اطلعوا على القانون يقولون انه تعوزه تفاصيل من بينها آليات التنفيذ.

وقالت مصادر متخصصة ان التأخير مبني في جانب منه على عدم تقبل السلطات لفكرة امكانية طرد المتخلفين عن السداد من عقاراتهم وهي الفكرة الشائعة على مستوى العالم وان كانت تخطى بقبول أقل في الشريعة الإسلامية.

لكن من حق أصحاب العقارات في السعودية الآن طرد المستأجرين اذا لم يسددوا الإيجار. فلماذا يختلف الطرد عندما يتعلق الأمر بالحاصلين على الرهن العقاري.

ورغم أن الملك في السعودية التي يحكمها نظام ملكي مطلق قد يكون تقدميا نسبيا فان الكثيرين في الاسرة الحاكمة ليسوا تقدميين. فمن الممكن أن يكون لدى فرع ذي نفوذ في الحكومة أسباب دينية أو ثقافية لرفض التغيير. ويسيطر أفراد من العائلة المالكة على الوزارات والمحافظات البالغ عددها 13 محافظة.

ومن المحتمل أيضا أن يكون السبب مختلفا كل الاختلاف. اذ يشير بعض المحللين إلى مستثمرين عقاريين ممن لهم صلات قوية بذوي الشأن يستفيدون من النظام الحالي وعمدوا إلى الضغط على الحكومة لتأجيل مشروع القانون.

وقال عبد العزيز الدخيل نائب وزير المالية في السبعينات والذي يرأس حاليا المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل ان مسؤولين حكوميين يمنحون بصفة منتظمة قطعا من الأراضي لكبار الشخصيات والمسئولين. ثم يبيع هؤلاء الأراضي للمضاربين الذين يبيعونها بدورهم للمطورين العقاريين.

وتقول المصادر ان دائرة ملاك الأرض تعمل على الحد بكل دقة من مساحة الأراضي التي تدخل السوق. أضف الى ذلك طوفان العمال الأجانب الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة ليصبح سوق تأجير المساكن مصدرا ممتازا لتحقيق الربح. وقال بنك كريدي سويس في يوليو تموز ان عوائد الإيجارات السكنية في الرياض وجدة بلغت ثمانية وعشرة في المائة على الترتيب وهي نسبة جيدة.

ومن المفيد أن رجال الدين السعوديين وافقوا قبل 30 عاما على إعفاء أرباح رأس المال على الأرض من الضرائب. وقال عبد العزيز القاسم الذي يرأس شركة محلية للاستشارات القانونية "ليست لدينا آلية عادلة وشفافة لتخصيص الأراضي.

وقد شجع عدم فرض ضرائب على الاراضي الناس على المضاربة وخاصة عندما تنفق الدولة المال على تجهيزها. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

ويلقي سعود القصير المدير العام شركة دار الأركان للتطوير العقاري اللوم على قرار أصدرته الحكومة في أوائل السبعينات يشترط ملكية الأرض للحصول على قرض من صندوق التنمية العقارية. والنتيجة أن الأرض أصبحت أغلى من البيوت.

ويقدر القصير أن أسعار الأراضي ارتفعت 40 مثلا في المتوسط في الفترة بين 1973 ومنتصف الثمانينات و80 مثلا في المناطق الحضرية الرئيسية.

وفي الأشهر الستة الأخيرة من عام 2009 وحدها زادت أسعار الأراضي بنسبة 30 في المائة. وقال القصير "يردد أصحاب الأرض قولا واحدا هو سأنتظر عندما تتحدث اليهم عن البيع." ويقدر القاسم أن سعر الارض يمثل الان 60 في المئة من اجمالي تكلفة المنزل العادي في السعودية.

وحتى اذا تم اقرار قانون الرهن العقاري فمن المستبعد أن يحل مشكلة عجز الوحدات السكنية بالكامل. وقال سفاكياناكيس "أساس مشكلة الإسكان يكمن في القدرة المالية. فقانون الرهن العقاري لم يخلق العرض الذي سيساعد في سد عجز الوحدات السكنية للسعوديين من أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة اذا لم تعالج المشاكل الاخرى."

وعلى رأس هذه المشاكل انخفاض أجور العاملين في القطاع العام وارتفاع أسعار الاراضي. وتظهر احصاءات رسمية أن متوسط الراتب الشهري للعاملين في القطاع العام بالسعودية لا يتجاوز 5200 ريال (1390 دولارا). ويمثل هؤلاء نحو ثلاثة ملايين قال سفاكياناكيس انهم العامل المحفز للطلب على المساكن الجديدة.

وقدر عبد العزيز الدخيل أن أربعة من كل خمسة سعوديين يحصلون على ما بين 2500 و8500 ريال شهريا.

وقال الدخيل "من يتقاضون أقل من عشرة الاف ريال شهريا وهم بالملايين لا يمكنهم شراء منزل." خاصة عندما يكون سعر قطعة تبلغ مساحتها ربع فدان في حي عادي بالرياض 1.5 مليون ريال (400 ألف دولار).

ودار الاركان هي أكثر شركات التطوير العقاري تطورا في المملكة وقد أسست مؤخرا شركة للتمويل العقاري للاستفادة من الطلب المتنامي من الطبقة المتوسطة في السعودية. ومع ذلك فان الشركة مازالت تحقق 90 في المئة من ايراداتها و96 في المئة من أرباحها الاجمالية من بيع الاراضي.

وقال سعود القصير انه يجب على الحكومة أن تدعم الإسكان للعمال من أصحاب الدخل المنخفض.

وحتى اذا انخفضت الاسعار فان شركات التطوير العقاري التي تملك الخبرة لبناء كل الوحدات السكنية الجديدة المطلوبة قليلة العدد.

وتساءل سفاكياناكيس "من سيبني العمارات السكنية وأين. وهناك مشكلة نقص المواصلات العامة. وسيتعين أن يتم حل مشكلة الاسكان في السعودية من خلال تطوير أحياء وهذا يتضمن مد شبكات البنية التحتية وشبكة تعمل بكفاءة للمواصلات العامة."

وقد بدأت البلاد تشهد تحولا ثقافيا. ويشير القصير الى أن الشقق السكنية لم تكن مرغوبة قبل 20 عاما لكنها أصبحت تلقى اقبالا الآن في مدن مثل الرياض. ومع نمو افراد الجيل الذي ولد في سنوات الازدهار في السبعينات سيتعين عليهم أن يتعلموا أن يرضوا بأقل مما اعتادوا عليه.

وبالنسبة لامثال الناصر مندوب مبيعات السيارات حان أوان التغيير. ويقول الناصر "من الصعب أصلا أن تعثر على فتاة تود فعلا أن تتزوجها في هذه البلاد. وأم خطيبتي الآن تؤنبها باستمرار وتحاول أن تدفعها لمقابلة عريس أيسر حالا. لقد تقدمت بطلبات لشغل وظائف في قطر والكويت. فهذا هو الحل الوحيد."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/أيلول/2010 - 28/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م