تمكين الأمية في البلدان العربية... مخاطر سياسية واقتصادية واجتماعية

 

شبكة النبأ: عرّفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) الأمي، بأنه الفرد الذي لا يستطيع مع الفهم قراءة وكتابة جملة قصيرة بسيطة عن حياته اليومية، أو إذا كان يستطيع القراءة ولا يستطيع الكتابة.

ويعتبر محو الأمية سبباً للاحتفال حيث أن الإنسانية قد حققت تقدماً متميزاً في هذا المجال وحيث يوجد حالياً 4 بليون مثقف في العالم. غير أن محو الأمية للجميع - أطفال، وشباب ومراهقين - لم يتحقق حتى الآن ولا يزال هدفاً متحركاً.

يعود السبب في ذلك إلى عدة عوامل مجتمعة مع بعضها البعض ومنها الأهداف الطموحة، والجهود المتوازية غير الكافية، والتقدير غير الصحيح لحجم وعظمة هذه المهمة. لقد أثبت التجارب خلال العقود الماضية أنه من غير الممكن تحقيق هدف محو الأمية على المستوى العالمي وأن ذلك يستوجب ليس فقط تكثيف الجهود بل وأيضاً تجديداً في الإرادة السياسية والعمل بشكل مختلف عن السابق وعلى جميع المستويات المحلي والوطني والدولي.

وقد أعلنت الجمعية العامة في قرارها A/RES/56/116، بأن يكون الأول من كانون الثاني/يناير 2003 بداية عقد الأمم المتحدة لمحو الأمية. ورحبت الجمعية العامة في قرارها A/RES/57/166 بخطة العمل الدولية المتعلقة بالعقد.

وتقرر أن تقوم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بدور تنسيقي في الحث والتحفيز على الأنشطة المضطلع بها على الصعيد الدولي في إطار العقد.

وكانت من التوقعات الصادمة التي حملها تقرير المنظمة العربية للثقافة والذي صدر في العام 2005 أن عدد الأميين في العالم العربي سيصل إلى سبعين مليون شخص، وقد أشار التقرير أيضاً إلى أن هذه النسبة تكاد تعادل ضعف المتوسط العالمي للأمية، كما ورد في التقرير أن عدد الإناث في الرقم المذكور يقترب من ضعف عدد الذكور.

ومن المعطيات الصادمة في هذه الوثيقة، وقد احتلت مصر المرتبة الأولى بـ17 مليون أمي، يليها السودان ثم الجزائر والمغرب واليمن، في حين احتلت الرتب الأولى في باب نقص الأمية كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر، ثم البحرين والكويت.

بعد ثلاث سنوات حذرت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالكسو) من خطورة ظاهرة الامية التي لا تزال مرتفعة في العالم العربي، حيث بلغ عدد الاميين قرابة 100 مليون نسمة. بزيادة ثلاثة مليون نسمة عن التقديرات السابقة.

ورأت (الالكسو) في بيان بمناسبة الاحتفال باليوم العربي لمحو الامية أن "البيانات الاحصائية حول واقع الامية في الدول العربية تشير الى ان عدد الاميين لدى الفئات العمرية التي تزيد عن 15 عاما بلغ قرابة 99,5 مليوناً" وتابعت ان "معدل الامية في المنطقة وصل الى 29.7%".

واوضحت المنظمة ان 75 مليونا من اجمالي الأميين العرب تتراوح أعمارهم بين 15 و45 عاما. وتزيد معدلات الامية بين النساء حيث يعاني قرابة نصفهن منها (46.5%).

واكدت الالكسو ان الاعداد الكبيرة للاميين في الدول العربية "تعبر عن فجوة بنيوية عميقة تؤثر على تطور المجتمع العربي، كما تترتب عنها نتائج سياسية واجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة".

وقال البيان انه "بالرغم من الجهود العديدة التي بذلت على الصعيد العربي لم يرتق ملف الامية الى مستوى الاهمية التي ينبغي ان ينالها في المنطقة العربية التي يصل عدد سكانها إلى 335 مليونا". ولفت الى ان محاربة الامية يجب ان تتركز على تعميم التعليم الاساسي والزاميته وتنظيم حملات مكثفة بالمناطق الريفية الفقيرة.

و قد دعت المنظمة إلى ضرورة تكثيف الجهود لتقليص نسب الأمية و إلى مزيد بذل الجهود من أجل مجابهة هذه الزيادة في عدد الأميين. و قد أكد البيان أن هذا الارتفاع يشمل خاصة الفئات العمرية التي تزيد عن 15 سنة.

و كنتيجة لذلك فإن نسبة الأمية في الوطن العربي تبلغ 35.6 % و هو ما يساوي ضعف معدل الأمية في العالم.

وتشير هذه الإحصائيات المقلقة إلى أن الدول العربية هي في مواجهة مباشرة لتحديات كبيرة في سعيها لمكافحة هذا المشكل المتفاقم.

و قد أرجعت المنظمة وجود هذا العدد الكبيرمن الأميين في الوطن العربي إلى أسباب عدة لعل أهمها تقصير بعض الدول في هذا المجال و الانقطاع المبكر جدا من التعليم بالإضافة إلى عدم توفر الحلول البديلة لمجابهة العزوف عن الدراسة.

و قد انتقدت المنظمة كذلك مجهودات الدول العربية في مكافحة الأمية و الأساليب التقليدية في برامج محو الأمية.

حيث أشار البيان إلى أن بطئ التقدم في برنامج محو الأمية جاء نتيجة اقتصار برامج محو الأمية على التعليم الأبجدي و بعض العمليات الحسابية، دون الاهتمام برفع الكفاية المهنية لهؤلاء.

بالإضافة إلى أن الجهود المبذولة لحل هذا المشكل مازالت تعاني من الخلل و نقاط الضعف و القصور في تحديد الأسباب الكامنة وراء تواصل ارتفاع عدد الأميين العرب رغم انطلاق العمل ببرامج محو الأمية منذ وقت طويل.

و رأت المنظمة في هذا الصدد،أن الحل الأقرب لمجابهة مشكل الأمية هو سد منابع الأمية و ذلك عن طريق ضرورة فرض إلزامية التعليم للذكور و الإناث على حد السواء، سياسة إلزامية على جميع الدول العربية،وهذا بالطبع توازيا مع الاستمرار في تنفيذ خطط تعليم الكبار التي اعتمدتها بعض الدول العربية منذ سنة 1970.

ذلك أن الواقع يؤكّد وجود مستويات متدنّية في التعليم لدى بعض الدول العربية، ويظهر مدى التفاوت بين معدلات الامية، فبينما ترتفع نسبة المتعلمين في لبنان إلى 93،7 % العام 2000 ويتوقّع ارتفاعها إلى 95،8 % العام 2010 وتحتفظ الاردن و تونس وسوريا والسعودية والكويت والإمارات وقطر وليبيا بمعدلات تفوق 80 %، نجد أن هذه المعدلات تتراجع لتبلغ أدنى مستواها في موريتانيا والمغرب والسودان: حوالى 40 إلى 50 %.

و نسبة الأميات في البلدان العربية فاقت 46.5% بينما لم تتجاوز نسبة الذكور الأميين 25.1%.

و رغم تكثيف العمل على بث الوعي في صفوف المجتمعات العربية حول خطورة الأمية على الفرد و الأسرة و المجتمع ككل فإن عديد الفئات لم تدرك إلى حد الآن خطورة هذه الظاهرة على تقدم المجتمعات العربية و مازالت تتعايش بكل أريحية مع أميتها.

و رغم سياسة الزامية التعليم الذي انتهجتها بعض البلدان العربية فإن كثير من الدول لم تنتهج إلى الآن هذه السياسة و لا زال تعليم الأطفال رهن اختيار العائلات العربية التي و للأسف لم تدرك بعد خطورة الأمية على مستقبل أطفالها.

و المؤسف في الوضع العربي في مجال محو الأمية أن المساعي الرامية لمحاربة الأمية قد انطلقت منذ أكثر من 30 سنة لكن المشوار لايزال طويلا أمام هذه البلدان ونسق التطور بطيء جدا في حين أن مفهوم الامية قد تغير مع التطور التكنلوجي و العلمي الكبير الذي شهده العالم.

و اذا أخذنا هذه المقاييس الجديدة للأمية فإن نسبة الأمية في الوطن العربي سوف تكون أكثر بكثيرمما هي عليه باعتمادنا على مفهوم الأمية الحالي في الوطن العربيمية قد تغير أمية قد تغير و اذا أخذنا المقاييس الجديدة للامية في العالم..

يواجه العرب إذن في مطلع القرن الواحد والعشرين، قرن التطور المذهل لمجتمع المعرفة نتيجة الطفرات الحاصلة في تكنولوجيا المعلوميات، معضلة انتشار الأمية في المجتمعات العربية ذات الكثافة السكانية المرتفعة.

وقد ازدادت أهمية هذا المؤشر في النظريات الاجتماعية الجديدة في مجال التنمية، حيث أصبحت العناية تتجه لإبراز الأدوار الهامة التي تلعبها المعرفة في مجال التنمية الإنسانية الشاملة، كما أصبحت البنيات المعرفية وبنيات التنشئة الثقافية تشكل مداخل أساسية، في باب مقاربة كثير من الظواهر السلبية المهيمنة على المجتمعات المتخلفة.

تكمن قيمة المعطيات الإحصائية التي تضمنها تقرير «الألكسو»، في عنايتها بتشخيص مكونات أوضاع التعليم والمعرفة في المجتمعات العربية، وهي تلتقي مع كثير من المعطيات المتضمنة في تقرير التنمية الإنسانية الثاني، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سنة 2003 في موضوع: نحو إقامة مجتمع المعرفة. إنهما معاً يضعان الأصبع على مواطن الخلل في أنظمتنا في التربية والتعليم، ويشخصان بكثير من الجهد والجرأة غربة العرب عن مجتمع المعرفة.. إن نتائجهما العامة تدعونا إلى إعادة بناء التحديات الأكثر خطورة في الحاضر والمستقبل العربي، فنحن نتحدث منذ عقود من الزمن عن التحدي التكنولوجي وما يترب عنه من نتائج في مجالات المعرفة والمجتمع والإنتاج في العالم العربي، ونغفل بناء ما يعتبر الأصل في تبلور هذا التحدي. ونقصد بذلك مبدأ تعميم التعليم وتوسيع دائرة المتعلمين أولاً وقبل كل شيء، فلا يمكن أن نتحدث عن تحد تكنولوجي بدون بلوغ مراتب محددة من درجات العمل الهادف إلى القضاء على الأمية المتفشية بصورة مهولة في أوساط ناشئتنا من الإناث والذكور، وبدون أن ننجز الإصلاح المطلوب في الأنظمة التربوية والتكوينية السائدة.

تساعدنا أرقام الأمية الواردة في التقرير، على إدرك فشل سياسات التعليم في كثير من الأقطار العربية، وهو الأمر الذي يؤكد مطلب الإصلاح في مجالات التربية والتعليم المختلفة، إصلاح أنظمة التعليم والمعرفة، ومحاولة الاستفادة من المكاسب والمنجزات التي حققتها الأنظمة التربوية الجديدة، في مجال مقاربة الظواهر التعليمية في مختلف مستوياتها وأبعادها، وهي تساعدنا كذلك على تفسير كثير من مظاهر التقليد المنتشرة في عالمنا، سواء في المجال السياسي أو في مجال العقائد والأفكار، أو في مستوى انتشار آليات ورؤى الفهم الأسطوري للظواهر الطبيعية والإنسانية. ولا يمكن مواجهة كل ما سبق إلا بوضع مخططات في التنمية تعطي لعامل تعميم وتوسيع وتطوير المعرفة داخل المجتمعات العربية، دوراً فاعلاً في مشروع مواجهة ظواهر التطرف التي صنعت كثيراً من البؤس التاريخي المعمم في مجتمعاتنا.. فلا جدال اليوم في الدور الذي تمارسه المعرفة في مجال بلوغ الغايات الإنسانية الكبرى، المتمثلة في الحرية والعدالة والتقدم، ولن نتمكن من ولوج أبواب التحديث السياسي، بدون محاربة آفة الأمية المنتشرة وسط ملايين الشباب في العالم العربي.

• أسباب تفشي الأمية في البلدان العربية:

تعود ظاهرة تفشي الامية في البلاد العربية الى اسباب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية نذكر منها:

- الزيادة السكانية الكبيرة في البلاد العربية.

- ضعف الكفاية الداخلية لانظمة التعليم التي تؤدي الى تسرب الاطفال من التعليم.

- عدم تطبيق التعليم الالزامي بشكل كامل في معطم البلدان العربية.

- عجز معظم الحكومات العربية عن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية التربوية.

- عدم جدوى الاجراءات التي تتخذ بشأن مكافحة الامية وتعليم الكبار في البلاد العربية.

- عدم ربط التنمية الثقافية والاجتماعية في البلاد العربية بالتنمية التربوية التعليمية.

- تدني مستوى المعيشة وانخفاض مستوى الدخل في معظم الاسر العربية.

- عد ظاهرة الامية من الظواهر الطبيعية التي تتسم بها مجتماعاتنا العربية

التدابير الواجب اتخاذها في سبيل مكافحة الامية:

- تطبيق التعليم الالزامي ومده آلي نهاية التعليم الأساسي من اجل سد منابع الامية.

- إقامة دورات فاعلة للاميين الكبار.

- تقديم الحوافز المادية والمعنوية للمتحررين من الامية الكبار والصغار.

- نشر الوعي الثقافي بين جميع ابناء المجتمع.

- اجراء اليحوث والدراسات التي تعنى بهذا الجانب للوقوف على الاسباب والنتائج.

- الاستفادة من تجارب الدول المختلفة في هذا المجال.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 7/أيلول/2010 - 27/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م