حالة التحقق من الصراع ضد الإرهاب العالمي

 

شبكة النبأ: يكشف "التقرير السنوي حول الإرهاب في العالم لعام 2009" أو [تقرير 2009] (CRT 2009) الذي نشرته مؤخراً وزارة الخارجية الأمريكية، العديد من الإتجاهات الهامة في تطور الإرهاب العالمي. والنبأ السار هو أن تنظيم «القاعدة» يواجه ضغطاً كبيراً حتى حينما تحتفظ المنظمة وأتباعها وتلك التي تدور في فلكها بالنية والقدرة على تنفيذ هجمات. إن الذي يتبقى رؤيته هو ما إذا كان تشتت التهديد الجهادي العالمي من قلب الشرق الأوسط حتى جنوب آسيا وأفريقيا، يوحي بالتراجع أو البعث التنظيمي لتنظيم «القاعدة» نفسه والأيديولوجية الراديكالية الجهادية التي يعتنقها. إن الكيفية التي ستقوم بها الحكومات والمجتمع المدني على حد سواء بتنظيم نفسها للتعامل مع هذا التهديد المتغير سيكون محورياً لهذا الحُكم. إن الأنباء السيئة هي أن الحكومات والمجتمع المدني لا تزال غير فعالة بصورة مفجعة في التقليل من انتشار وجاذبية التطرف الإسلامي الراديكالي.

تنظيم «القاعدة» يواجه الضغوط

في الوقت الذي تستمر فيه "القيادة العليا لتنظيم «القاعدة»" التي مقرها في باكستان بتمثيل أخطر تهديد إرهابي تواجهه الولايات المتحدة، فإن الضغوط من العمليات العسكرية الباكستانية في "المناطق القبلية المدارة اتحادياً" قد جعلت تنظيم «القاعدة» ضعيفاً بصورة ملحوظة. فقد عانت الجماعة من خسائر كبيرة في قياداتها العليا نتيجة للهجمات الأمريكية من طائرات بدون طيار، ومن بين هؤلاء رئيسها للعمليات الخارجية صالح الصومالي [الذي قُتل] في كانون الأول/ديسمبر المنصرم. وقد نجحت ضربات باكستانية عسكرية ناجحة -- مثل "عملية الطريق إلى النجاة" في تشرين الأول/أكتوبر بعد موت زعيم طالبان بيت الله محسود -- في بسط سيطرة الحكومة على المناطق التي لم تكن خاضعة لسيطرتها سابقاً.

ورغم الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد، ما تزال الهجمات الإرهابية داخل أفغانستان وباكستان مستمرة. فقد تضاعفت الهجمات في أفغانستان تقريباً بين عامي 2008 و2009، بينما زادت الهجمات في باكستان للسنة الثالثة على التوالي. وعلاوة على ذلك، عملت باكستان كأرض تدريب للإرهابيين الذين حاولوا الهجوم على الأراضي الأمريكية، بما في ذلك نجيب الله زازي الذي حاول وفشل في تفجير مترو أنفاق نيويورك. على أن أحد الحقائق المقلقة المذكورة في كل من تقرير وزارة الخارجية الأمريكية و"تقرير الاتحاد الأوروبي لحالة واتجاه الإرهاب" (TE-SAT) [المعروف أيضاً بتقرير مكتب البوليس الأوروبي] لعام 2009، هو عدد المواطنين الأوروبيين الذين سافروا إلى أفغانستان وباكستان للقتال فيهما جنباً إلى جنب مع تنظيم «القاعدة» أو طالبان، حيث تلقوا تدريباً عسكرياً ثم عادوا إلى أوطانهم قادرين على شن هجمات. بحسب معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

وبالإضافة إلى النكسات العملياتية، خسر تنظيم «القاعدة» بثبات منزلته الشعبية داخل المجتمع الإسلامي في جميع أنحاء العالم بسبب عدد المسلمين الذين كانوا هدفاً لهجماته. وطبقاً للمرفق الإحصائي لـ "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب"، مثّل المسلمون أكثر من خمسين بالمائة من القتلى ضحايا الإرهاب في عام 2009. وقد حدثت كذلك زيادة ملحوظة في عدد رجال الدين المسلمين والمحاربين السابقين الذين يعترضون ويتحدون تنظيم «القاعدة» نتيجة لذلك.

تشتت تنظيم «القاعدة»

على الرغم من أن القيادة الجوهرية لتنظيم «القاعدة» ربما تكون قد تضاءلت في عام 2009، إلا أنه تم تعويض خسائرها جزئياً بفضل نمو الجماعات التي تدور في فلك «التنظيم». ففي كانون الثاني/يناير 2009، اندمج المنتسبون إلى تنظيم «القاعدة» في المملكة العربية السعودية مع تنظيم «القاعدة» في اليمن لتشكيل "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية"، مع أهداف معلنة تتمثل في القضاء على الحكومتين السعودية واليمنية وإعادة الخلافة. وفي الوقت الذي ركزت فيه الحكومة اليمنية على ديناميات الأمن المحلي وأبرزها "الحرب السادسة" للتمرد الحوثي، والحركة الإنفصالية الجنوبية الناشئة، فإن "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" قد تُرك للعمل بحرية في المناطق القبلية في البلاد. ويذكر التقرير أيضاً تأثير الجهود السعودية المعززة لمكافحة الإرهاب - فضلاً عن عودة المقاتلين الأجانب من أفغانستان وباكستان - على الوجود الإرهابي المتزايد في اليمن.

وفي الصومال تمكنت حركة «الشباب» الإرهابية من إحكام السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي، وصرحت علناً عن ولائها لـ "القيادة العليا لتنظيم «القاعدة»" في باكستان. وتتكون هذه «الحركة» من ميليشيات عشائرية مسلحة مختلفة، ورغم عدم ارتباطها رسمياً بتنظيم «القاعدة» إلا أن لها علاقات خطابية وأيديولوجية وثيقة بهذه الجماعة. وبسبب ضعف قبضة "الحكومة الإتحادية الإنتقالية" على البلاد، وبالتوافق مع عدم الإستقرار العنيف المتواصل، والحراسة الضعيفة على الحدود والسواحل، وقرب الصومال من شبه الجزيرة العربية، أصبحت تلك البلاد الممر الإرهابي الرئيسي ونقطة الإنطلاق لشن هجمات محلية وخارجية. وفي الحقيقة اخترق العديد من النشطاء الأجانب من غير حركة «الشباب» حدود الصومال ونفذوا بنجاح هجمات داخل البلاد. وقد ادعت حركة طالبان فقط مسؤوليتها عن عدد أكبر من الهجمات مما ادعت إليه حركة «الشباب» في عام 2009، كما هددت الجماعة الصومالية أيضاً باستهداف كل من أمريكا وإسرائيل.

التهديد في الداخل

ولعل الإتجاه الأكثر إثارة للقلق الذي كشف عنه تقرير وزارة الخارجية الأمريكية هو الإزدياد الموثق في التطرف الناشئ في الداخل ومحاولات الهجوم داخل الولايات المتحدة. وقد سجلت التقارير ستة وأربعين حادثة من الراديكالية والتجنيد [المحلي] منذ أيلول/سبتمبر 2001، حيث وقعت 30% منها في عام 2009. وفي حزيران/يونيو 2009، قام عبد الحكيم مجاهد محمد الذي اعتنق الإسلام، بإطلاق النار على مركز تجنيد تابع للجيش في ليتل روك في ولاية آركانسو الأمريكية، مما أسفر عن مقتل شخص واحد. وقد أتى هذا الهجوم مباشرة في أعقاب إقامة عبد الحكيم محمد لمدة عامين في اليمن حيث ألقي القبض عليه في عام 2008 لمكوثه فترة زادت عما تسمح به التأشيرة.

وفي أيلول/سبتمبر، اعتُقل باكستانياً أمريكياً تم ذكره آنفاً، وهو نجيب الله زازي، لتخطيطه شن هجوم على مترو أنفاق نيويورك. ويواجه حالياً زازي الذي تلقى تدريباً من تنظيم «القاعدة» وقاد خلية محلية لـ «القاعدة»، اتهامات بالتآمر لاستخدام أسلحة دمار شامل. وفي تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، وقع هجوم بإطلاق النيران على فورت هود بولاية تكساس، وفي الشهر التالي في يوم عيد الميلاد، حاول نيجيري كان قد درس في بريطانيا وتم تدريبه من قبل "تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية" أن ينسف طائرة تابعة للخطوط الجوية لشركة "نورثويست إيرلاينز" في رحلتها رقم 253، بمتفجرات ثبتها في ملابسه الداخلية.

ووفقاً لآخر تقرير للإتحاد الأوروبي عن الإرهاب، فإن ثلثي الإرهابيين الإسلاميين العنيفين الذين ألقي القبض عليهم باتهامات الإرهاب، لم يكونوا متصلين بجماعة إرهابية محددة. ولكنهم التزموا بالأيديولوجية الجهادية العالمية لتنظيم «القاعدة» بدون عضوية اسمية فيه أو دعم من المنظمة نفسها. غير أن استخدام تنظيم «القاعدة» لدعاة على الإنترنت من الناطقين بالانجليزية قد وسع وصول «التنظيم» - عن طريق الشبكة العنكبوتية - إلى قطاع أكبر من الجماهير الغربية.

مواجهة التطرف العنيف

بينما تنخرط الحكومة الأمريكية في الجهود الرامية للتوصل إلى فهم أفضل للكيفية التي يصبح فيها الأفراد عرضة للأيديولوجية الإسلامية الراديكالية التي يغذيها تنظيم «القاعدة» وأمثاله -- العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية "التي تعمل ضد التيار" - لا تفعل هذه الحكومة شيئاً لمنافسة الرسالة الإسلامية الراديكالية.

ويسلط "التقرير السنوي حول الإرهاب في العالم لعام 2009" المنشور من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، الضوء على جهود العديد من الدول الشرق أوسطية والأوروبية للتنافس مع ما يصفه التقرير - في سياق ملاحظاته عن الدنمارك - كـ "أيديولوجية إسلامية متطرفة"، لكنه لم يقل الكثير عن الجهود الأمريكية للقيام بمثل هذا التنافس.

وبالفعل يشير "تقرير 2009" إلى مبادرات قُطْرية على وجه الخصوص تستهدف الجماعات الجهادية المعرَّفة ذاتياً وأيديولوجياتها المتطرفة الضمنية لكنه لم يشر أبداً - باستثناء المادة التي كتبها عن الدنمارك - إلى التطرف الإسلامي الراديكالي أو الجهادية أو التصورات الأخرى للأيديولوجية التي تقبع وراء التهديد الإرهابي العالمي هذه الأيام، باعتبارها مفاهيم بارزة.

ويقر "التقرير السنوي حول الإرهاب في العالم لعام 2009" ضمنياً بأن الأيديولوجية الراديكالية التي يمثلها خصم الولايات المتحدة، تستهدف المجتمعات الإسلامية، ذاكراً أنه "في كثير من الحالات، يكون للمسلمين مصداقية أكبر مما للحكومة الأمريكية في معالجة تلك القضايا في مجتمعاتهم". كما يذكر التقرير أن هؤلاء المسلمين هم في أفضل وضع، "لنقل حكايات مضادة وفعالة وقادرة على تشويه [سمعة] التطرف العنيف بطريقة منطقية تروق مجتمعاتهم المحلية، وهم فقط من لديهم المصداقية لمواجهة المزاعم الدينية التي يروج لها المتطرفون الذين يمارسون العنف". ينبغي عمل المزيد لدعم هذه السرديات المضادة كأدوات ضد التطرف العنيف الذي يعتبر أساسياً بالنسبة للسرد الإسلامي الراديكالي. ويعترف "تقرير 2009" بهذه الحاجة ويوافق ضمنياً أن ما تم عمله ليس كافياً: "تستطيع الولايات المتحدة أن تساعد على دعم هذه الجهات الفاعلة المحلية من خلال مساعدة برنامجية أو تمويل أو ببساطة من خلال مدّها بمساحة - مادية أو الكترونية - لكي تستطيع تحدي الرؤى المتطرفة العنيفة".

الخاتمة

بالنسبة لجميع النجاحات التكتيكية لمكافحة الإرهاب المسجلة في "تقرير 2009"، نجد أن أبرز نتيجة خرج بها التقرير هي تلك المفقودة: إن النجاح الأستراتيجي لمكافحة الإرهاب ما يزال بعيد المنال. فـ "القيادة العليا لتنظيم «القاعدة»" [تعمل] في الخفاء حيث تتم مطاردتها من مكان لآخر لعدة سنوات حتى الآن، لكن رغم فقدان الملاذات الآمنة ومواجهة أوقات مالية صعبة، ما تزال المنظمة والذين يدورون في فلكها وأتباعها الذين يفكرون مثلها، قادرين على تجنيد جنود مشاة جدد، وتنفيذ هجمات. ولسوء الحظ، فعلى الرغم من الإرتفاع الحاد في التخطيطات الإرهابية وحالات الراديكالية التي تتم رعايتها وتنميتها في الداخل، ما تزال السياسات والبرامج المحددة التي تهدف مباشرة إلى مواجهة السرد الراديكالي، قليلة ومشتتة. ومن البديهي أن لا تستطيع الولايات المتحدة مجرد استخراج الحل من المشكلة بالإعتماد فقط على الأسْر أو القتل، بل يجب عليها إيجاد وسيلة للتعامل المباشر مع الأيديولوجية المتطرفة.

وكما استنتج تقرير استراتيجي أخير لمعهد واشنطن الذي صدر باللغة الإنكليزية بعنوان: "خوض المعركة الأيديولوجية: الحلقة المفقودة في الجهود الأمريكية لمكافحة التطرف"، فإن الفشل في إدراك تأثير الإسلاموية الراديكالية - أيديولوجية سياسية متطرفة منفصلة وبعيدة عن الإسلام كدين - كمحرك رئيسي يؤطر ويحفز ويبرر التطرف العنيف إنما يعيق جهود التدخل في وقت مبكر في عملية التطرف لمنع الأفراد من أن يصبحوا متطرفين.

ماثيو ليفيت زميل أقدم ومدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والإستخبارات في معهد واشنطن. وقد تم تقديم بحث قيم لهذه النشرة من المرصد السياسي من قبل كل من مساعد الأبحاث بنيامين فريدمان والمتدرب سام كاتلر.

.................................................

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/أيلول/2010 - 26/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م