خصلة الكذب لدى الأطفال... آثارها والوقاية منها

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: يرى بعض الباحثين أن الكذب الحقيقي عند الأطفال لا ينشأ إلا عن خوف، الغرض الأساسي منه حماية النفس. نظرا لشيوع الكذب لابد من دراسته قائما بذاته. ويرجع الاهتمام بهذا الموضوع الى أسباب عدة:

أولها: أن الكذب يستغل في العادة لتغطية الذنوب والمخالفات الأخرى.

ثانيهما: وجود علاقة كبيرة بين خصلة الكذب وخصلتي السرقة والغش.

ووجد الباحثون في جرائم الأحداث بنوع خاص أن من اتصف بالكذب يتصف عادة بالسرقة والغش. لا غرابة في هذا إذا علمنا أن هذه الخصال الثلاث تشترك في صفة واحدة هي عدم الأمانة.

فعلى حين أن الكذب هو عدم الأمانة في وصف الحقائق، نجد أن السرقة هي عدم الأمانة نحو ممتلكات الآخرين وأن الغش هو عدم الأمانة في القول أو الفعل بشكل عام.

كثيرا ما يشكل علينا الأمر فيما إذا كنا نعتبر الشخص كاذبا أو صادقا. يخيل إلينا لأول وهلة أن الصدق هو مطابقة القول للواقع (قول وفعل). لكن كثيرا ما يحدث ألا يكون القول مطابقا للواقع، مع ذلك نعتبر الشخص صادقا، كقول القدماء مثلا بأن الأرض مسطحة. كثيرا ما يحدث أن نقول مطابقا للأصل، لكننا نعتبر أن الشخص كاذب، كقول بعضهم: ويل للمصلين، ثم الوقوف عند ذلك.

في الصدق يهمنا أن تكون النية متوفرة لمطابقة القول الواقع مطابقة تامة. في الكذب يلاحظ توتر النية لعدم المطابقة والتضليل.

نحن نعلم أن الأطفال كثيرا ما يكذبون. ليس بغريب على الطفل أن ينكر أمام والديه فعلة قد أتاها، لكن الغريب أن يتألم الآباء لهذا أشد الألم، معتبرين الكذب فاتحة لعهد تشرد وإجرام في تاريخ حياة أطفالهم.

جرت العادة أن ينصب الآباء على الأبناء بالتقريع، الإذلال، التشهير، الضرب اعتقادا منهم أنهم بذلك يصلحون أبنائهم، يقطعون دابر الكذب منهم، لكن الأطفال يصرون على صحة كلامهم، يتفننون في إخفاء الحقائق وتزييفها.

يجب أن نعرف أن الأمانة في القول أو في غيره خصلة مكتسبة وليست فطرية، هي صفة تتكون في المرء عن طريق التقليد والتمرين. كذلك يجب أن نتذكر أن الكذب ما هو إلا عرض ظاهري، والأعراض لاتهم كثيرا في ذاتها، إنما الذي يهمنا هو العوامل والدوافع النفسية والقوى التي تؤدي الى ظهور هذا العرض.

هناك استعدادان يهيئان الطفل للكذب:

أولهما: قدرة اللسان ولياقته. لعل هذا في الموروث الشعبي يوافق الاعتقاد السائد قديما عن بعض الأطفال على سبيل المزاح، أن الطفل الذي يخرج في الأسابيع الأولى لسانه، يحركه يمنة ويسرة سيكون في مستقبل حياته قوالا كذبا.

ثانيهما: خصوبة الخيال ونشاطه. حيث تدفع الأطفال باتجاه مثلا التأليف القصصي أو كتابة الإنشاء، الى غير ذلك من الأمثلة.

أيضا تظهر في ألعاب الأطفال المصحوبة بالخيال، التي تسمى باللعب الايهامي، التي يمثلون فيها آباء وأمهات، عرائس، فرسانا ولصوصا..الخ قد تتطور مخيلة الأطفال الى اكتشاف، اختراع،  تأليف معين.

أما في المدارس ما يشجع على الكذب:

1- العقوبات وما يصاحبها من شدة وصرامة، تدفع التلميذ الى تغليف نفسه لوقايتها من العقوبة.

2- عدم تناسب العمل اليومي أو الواجب البيتي الذي يكلف به الطفل مع مقدرته، مما يضطره الى استعمال حيل للتخلص من الظهور بمظهر العجز.

3- عدم تناسب البيئة مع مستوى الطفل كوجود طفل فقير في وسط غني، طفل غبي في وسط أذكياء.

4- من أخطاء المدارس أحيانا عرض بعض الأعمال في المعارض على أنها أعمل التلاميذ، أو تبرير ذلك بأن جزءا منها من أعمال التلاميذ، يكون الواقع أن ما قام به التلاميذ من التفاهة بحيث لا يبرر عرضه على أنه من عملهم، والتلاميذ يشعرون عادة في قرارة أنفسهم بهذا، يتعودون الكذب والتساهل فيه في صميم نشاطهم المدرسي، ذلك عن طريق المثال والممارسة الذاتية. يحصل هذا سنويا في معارض الرسم والنحت والأشغال اليدوية والابتكارات،  كذلك مسابقات الخطابة، الخط، النشرات، البحوث... وغيرها.

لذلك تعد العوامل التالية مانعة تقريبا للكذب:

إذا نشأ الطفل في بيئة تحترم الصدق، وبقي أفرادها دائما بوعدهم، وإذا كان الأبوان والمدرسون لا يتجنبون بعض المواقف بأعذار واهية كإدعاء التغيب والمرض، إذا نشأ الطفل في منظومة اجتماعية شعارها الصدق قولا وعملا، طبيعي جدا أن ينشأ أمينا في كل أقواله وأفعاله. إذا توفرت له عوامل تحقيق حاجاته النفسية الطبيعية من اطمئنان، مقدار من الحرية الشخصية، تقدير، عطف، شعور بالنجاح، استرشاد بتوجيه معقول... فإن الطفل لا يلجأ الى التعويض عن نقص، التغليف ضد قسوة، الانتقام من ظلم، أو غير ذلك من الاتجاهات، التي تجد في أنواع الكذب صورا مناسبة عن نفسها.

أن نتجنب الظروف التي تشجع على الكذب، فإذا كان لدينا طالب نعهد فيه هذه الخصلة، لا نجعله مصدر الشهادة في حادثة ما، لأنه يعطيه فرصة الانطلاق والتمرن على عادة الكذب.

 كذلك لا يصح أن يعطى الكاذب فرصة الإفلات بكذبه دون أن نكشفه لأن النجاح في الإفلات بالكذب له لذة خاصة تشجع على تثبيته واقترافه مرة أخرى.

سلح نفسك بالأدلة القاطعة عند مواجهة الكذاب، لا تلصق به التهمة وأنت في شك. لا يجوز في الأحوال العادية إيقاع العقوبة على الطفل بعد اعترافه بذنبه؛ فالاعتراف له قدسيته وحرمته... لأن من شأن إيقاع العقاب على الطفل بعد أن نحمله على قول الصدق والاعتراف ضد نفسه، أن يقلل من قيمة الصدق ومكانته في نظر الطفل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 5/أيلول/2010 - 25/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م