كارثة باكستان.. مخاطر بيئية وتهديدات إرهابية

 

شبكة النبأ: بعد إن بذلت منظمات الإغاثة العالمية جهدا كبيرا في محاولة إيقاف الفيضانات التي اجتاحت باكستان مؤخرا وأدت الى تشريد أكثر من أربعة ملايين باكستاني وتدمير مساحات كبيرة من المحاصيل المباني والطرق والمحاصيل الزراعية، وأدت الأخيرة الى انتشار الخوف من حدوث مشكلة اقتصادية في البلد.

فيما حذر مراقبون من انتشار الأمراض المميتة جراء النقص الحاصل في كمية المساعدات التي تصل للمرضى والمحتاجين للعلاج، وهذا ليس هو فقط ما يشكل خطرا، بل ظهرت شكوك ومخاوف في الآونة الأخيرة من استغلال الوضع الراهن من قبل بعض الجماعات المسلحة، حيث قال محللون انه على الرغم من الغضب المتزايد على الحكومة إلا أنها تخشى أن ترى تقدم طالبان للعودة الى مناطق كانوا يسيطرون عليها، وهذا ما تغشاه الولايات المتحدة التي تدخل حربا معها، وأخيرا يرى بعض المتابعين ان باكستان حتى وإذا استطاعت النجاة من هذه الكارثة فأنها لا تستطيع ان تسترجع تعافيها بمدة قصيرة بسبب الخسائر التي خلفتها الفيضانات.

المتشددين

فقد حذر الرئيس الباكستاني اصف علي زرداري والسناتور الأمريكي البارز جون كيري من أن متمردي حركة طالبان يحاولون استغلال الغضب المتزايد بشأن أسوأ فيضانات تتعرض لها البلاد للترويج لقضيتهم.

وقالت الأمم المتحدة ان أكثر من أربعة ملايين باكستاني شردوا خلال نحو ثلاثة أسابيع من الفيضانات مما جعل توفير كميات كبيرة من المساعدات مهمة أكثر إلحاحا. وهناك ثمانية ملايين شخص بحاجة ملحة الى مساعدات انسانية وقد لا يهتم كثيرون منهم من أين سيحصلون عليها. وأغرقت الفيضانات قرى بأكملها ودمرت الطرق والجسور بعد فترة قليلة من احراز الحكومة تقدما على صعيد اشاعة الاستقرار في البلاد من خلال عدة هجمات ضد طالبان.

وتدخلت منظمات خيرية اسلامية يشتبه في صلة بعضها بجماعات متشددة لمساعدة الضحايا ربما لتحسين صورتها على حساب الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والتي لا تزال متهمة بالإهمال بعد ما يقرب من ثلاثة أسابيع من الازمة. وقال السناتور الأمريكي جون كيري الذي زار المناطق المتضررة من الفيضانات مع زرداري انه لابد من التحرك لمنع أي شخص من استغلال الاحباط الذي يعاني منه السكان.

وقال كيري في اشارة واضحة الى طالبان "نحتاج لمعالجة ذلك على وجه السرعة للحيلولة دون نفاد صبرهم (الباكستانيون) وحتى لا يستغل اشخاص نفاد الصبر وأعتقد أنه من المهم لنا جميعا أن نتفهم هذا التحدي ... لدينا أيضا مخاوف أمنية مشتركة."

وتضرر نحو ثلث باكستان من الفيضانات التي غطت مياهها عشرات الكيلومترات بعيدا عن الانهار. وفي بلدة صغيرة باقليم البنجاب لوح أناس بأوعية فارغة الى طائرة هليكوبتر عسكرية متسائلين -مثل ملايين اخرين- متى ستصل امدادات الطعام..

وتسعى وكالات الإغاثة الى الحصول على مزيد من التمويل وهي تتعامل مع مشاكل كبيرة مثل نقص امدادات الطعام وعدم توفر المأوى وانتشار الامراض. وتحتاج الولايات المتحدة لباكستان مستقرة وتعتبرها الحليف الاكثر أهمية في الحرب ضد التشدد خاصة في أفغانستان المجاورة حيث يستعر تمرد طالبان.

وفي مؤشر على القلق المتزايد من اثار الفيضانات قال كيري ان 200 مليون دولار ستتحول الى جهود الاغاثة من حزمة مساعدات أمريكية لباكستان قيمتها 7.5 مليار دولار على مدار خمس سنوات. بحسب وكالة الأنباء البريطانية .

ولا تحظى حزمة المساعدات هذه بشعبية في باكستان اذ تربط بعض التمويل بمحاربة التشدد والتعاون في وقف الانتشار النووي وضمان سيادة حكومة باكستان المدنية على الجيش. وقال كيري انه شعر بالصدمة بعد رؤية منازل مدمرة على مسافة أميال ومشاهدة المشردين في مخيمات تحت وطأة الحر الشديد.

ودمرت الفيضانات محاصيل تزيد مساحتها عن 1.6 مليون فدان مما يضر بشدة بقطاع الزراعة الذي يشكل عصب الاقتصاد الباكستاني. ويقول عمال اغاثة ان المياه قد تظل راكدة على الارض لعدة شهور مما يصعب من عملية الزراعة.

وتواجه الحكومة أيضا احتمال اندلاع أعمال شغب بسبب نقص الطعام واضطرابات اجتماعية.

وقال زرداري الذي واجه وابلا من الانتقادات بعد قيامه برحلة خارجية للقاء قادة بريطانيا وفرنسا مع بداية الازمة ان المتشددين قد يستغلون كارثة الفيضانات.

وأضاف في مؤتمر صحفي مشترك مع كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ "هناك احتمال بأن يقوم البعض ..من القوى السلبية.. باستغلال الموقف في هذا الوقت." وأضاف "قد يأخذون الأطفال الذين فقدوا آبائهم وينقلونهم الى معسكراتهم لتدريبهم كي يصبحوا ارهابيي المستقبل."

فرض قيود

كما قالت باكستان انها ستفرض قيودا على عمل الجمعيات الخيرية المرتبطة بإسلاميين متشددين يحاولون استغلال حالة الغضب السائدة بين ضحايا الفيضانات وسط مخاوف من أن تؤدي مشاركتها في جهود الإغاثة الى تقويض معركة اسلام اباد ضد جماعات مثل حركة طالبان الاسلامية.

وبينما كافحت الحكومة الباكستانية التي أربكها حجم الكارثة لايصال المساعدات الى ملايين الاشخاص سارعت جمعيات خيرية اسلامية بموارد أقل بكثير لملئ الفراغ. وليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة قيودا على الجمعيات الخيرية المرتبطة بجماعات متشددة. ويقول منتقدون ان أي جمعية محظورة تعاود الظهور بمسمى جديد مع عزوف السلطات عن وقف انشطتها.

وقال وزير الداخلية الباكستاني رحمن مالك "الجمعيات المحظورة غير مسموح لها بزيارة المناطق المنكوبة. سنلقى القبض على أعضاء الجمعيات المحظورة الذين يجمعون اموالا وسنحاكمهم طبقا لقانون مكافحة الارهاب." بحسب وكالة الأنباء البريطانية .

وحذر الرئيس الباكستاني اصف على زرداري وعضو بارز بمجلس الشيوخ الأمريكي من أن متشددين يحاولون الترويج لفكرهم خلال أزمة الفيضانات كما حصل بعد زلزال ضرب الجزء الباكستاني من كشمير عام 2005 .

وقال السناتور الأمريكي جون كيري الذي تفقد مناطق منكوبة بالفيضان برفقة زرداري انه لابد من اتخاذ اجراء لمنع اي شخص من استغلال معاناة المواطنين. واضاف كيري في اشارة واضحة الى طالبان "نحن بحاجة الى التعامل مع ذلك بسرعة لتجنب نفاد صبر (الباكستانيين) ومن يستغلون هذا. واعتقد أنه من المهم ان نكون جميعا على دراية بذلك التحدي. كما تحدونا نفس المخاوف الامنية."

وعزلت الفيضانات القرى ودمرت محطات الكهرباء والطرق والجسور--التي تمثل شريان الحياة بالنسبة لسكان القرى--بعد وقت قصير من بعض التقدم الذي حققته الحكومة لإعادة الاستقرار للبلاد من خلال حملاتها العسكرية ضد متشددي طالبان.

مخاوف أمنية

على الصعيد نفسه، نقلت باكستان بعضا من طائرات الهليكوبتر من الحرب ضد طالبان الى عمليات الإنقاذ والإغاثة في المناطق التي غمرتها الفيضانات الأمر الذي قد يضعف المجهود العسكري ضد المتشددين ويسمح لهم باعادة تجميع صفوفهم.

وقال مسؤول أمني تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته "أولوية العمل لطائرات الهليكوبتر هي عمليات الاغاثة." وردا على سؤال عن التأثير المحتمل لذلك على العمليات ضد المتشددين في شمال غرب البلاد قال المسؤول الامني "قد لا تكون (الاثار المحتملة) متوافرة بوضوح.. ولكن يمكننا أن نعيدها (طائرات الهليكوبتر) في أي وقت اذا احتجنا اليها. لم نقلل من استعدادنا الدفاعي."

وبالإضافة الى ذلك خصص الجيش الباكستاني حوالي 60 ألف جندي من بين حوالي 550 ألف جندي لجهود الاغاثة. ويقول مسؤولون عسكريون انه لم يجر سحب أي من 140 ألف جندي من القوات البرية التي تحارب المتشددين على طول الحدود مع أفغانستان وانما تم سحبهم من اقليم البنجاب الاوسط.

وسيثير أي تحويل لاهتمام الجيش الباكستاني بعيدا عن محاربة المتشددين انزعاج الولايات المتحدة لان التحرك الباكستاني في منطقة الحدود الوعرة مع أفغانستان ضروري لجهود واشنطن لقمع تمرد عنيف لطالبان في أفغانستان.

وقال محمود شاه وهو رئيس الأمن السابق في أراضي قبائل البشتون العرقيين على الحدود الأفغانية "اتوقع انخراطا طويل الأجل للجيش في أنشطة الإغاثة، وإذا كان الأمر كذلك فانه سيعطي فرصة جيدة لطالبان لإعادة تنظيم صفوفهم وإعادة التزود بالامدادات والعتاد وتكثيف هجماتهم.. انه لأمر مرعب." بحسب وكالة الأنباء البريطانية .

وفي علامة على عودة ظهور العنف بعد هدوء مؤقت نسبي في هجمات طالبان شن المتشددون ثلاث هجمات في شمال غرب البلاد أسفرت عن سقوط 32 قتيلا. وأسفر الهجوم الأعنف عن سقوط 22 قتيلا في وزيرستان الجنوبية حيث شن الجيش هجوما كبيرا في أكتوبر تشرين الاول الماضي.

ويقود الجيش الباكستاني جهود الاغاثة وتحسنت مكانته بينما تعرضت الحكومة المدنية التي يقودها الرئيس اصف علي زرداري لانتقاد عنيف بسبب ردها البطيء على الكارثة.

وتشعر واشنطن بالقلق بشكل خاص من أن المتشددين قد يستغلون السخط الشعبي المتزايد على الحكومة. وهناك أيضا احتمال لاندلاع أعمال شغب محتملة بسبب الغذاء واضطرابات اجتماعية.

التعافي سيستغرق أعواما

في غضون ذلك قال الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري أن تعافي بلاده من كارثة الفيضانات قد يستغرق سنوات وبدأت باكستان محادثات مع صندوق النقد الدولي الذي توقع أن يكون للكارثة تأثير اقتصادي "كبير ومستمر".

وصرح مسؤول باقليم السند بأن الخطر يتهدد نحو 600 ألف شخص حاليا بسبب ارتفاع منسوب مياه الفيضان في الجنوب بعد نحو شهر من بدء الكارثة التي اثرت على ثلث البلاد وشردت نحو أربعة ملايين نسمة.

وقال جام سيف الله دهرجو وزير الري في اقليم السند "نحن نقوي الجسور ولكن ما بين 500 و600 ألف شخص يعيشون في المناطق المنخفضة ما زالوا عرضة للخطر ونحاول اقناعهم بمغادرة مناطقهم." ويشعر ضحايا الفيضان بالغضب بسبب ما يعتبرونه استجابة بطيئة من الحكومة في مواجهة الفيضانات التي جرفت القرى والجسور والطرق والمحاصيل والماشية وأسباب الرزق.

وفي نوشيرا شمال غربي اسلام اباد وهي من أكثر المناطق تضررا يؤوي مخيم الاغاثة الرئيسي 3300 شخص. وشكا العديد من الأشخاص من أن مسؤولي المخيم يرفضون توزيع مواد الاغاثة. بحسب وكالة الأنباء البريطانية .

وقال سائق في شركة نقل جرفت الفيضانات بيته ويدعى شير غاني (48 عاما) "لا نحصل الا على الطعام المطهو ولا شيء غيره. كل شيء اخر يتلقونه من المانحين من بطانيات ودلاء للماء وأسرة يخزنوه." وأضاف غاني مكيلا السباب للحكومة "وما زاد الطين بلة بالنسبة الينا أن اللصوص سرقوا كل ما تبقى في بيتنا السابق."

ويتعين على باكستان أن تنهض لعدة تحديات تتمثل في توفير المساعدات الكافية لجهود الاغاثة وضمان عدم استغلال المتشددين للكارثة في تجنيد أعضاء جدد والبحث عن سبل لتخفيف المعاناة الاقتصادية على المدى الطويل جراء الفيضانات.

وأبلغ رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني الجنرال جيمس ماتيس القائد الجديد للقيادة الوسطى الامريكية التي تشرف على الحرب في كل من العراق وافغانستان في محادثات بينهما بانه لا يمكن الاحتفاظ بتأييد الرأي العام الا اذا ساعد المجتمع الدولي باكستان في إغاثة ضحايا الفيضانات.

إنقاذ الاقتصاد

من جانبها أمرت باكستان بعمليات إجلاء جديدة من إقليم السند الجنوبي في الوقت الذي تسعى فيه البلاد جاهدة لتوصيل مواد الإغاثة لملايين تسببت الفيضانات بالفعل في تشريدهم ولجأت الى المساعدة الدولية لإنقاذ اقتصادها.

وصدرت أوامر باخلاء بلدات سوجاوال ودارو وميربور باتورو ويبلغ عدد سكانها مجتمعة 400 ألف نسمة بعد أن فاض نهر الاندوس وحطم حاجزا.

وقال صالح فاروقي المدير العام لمكتب السند في الهيئة الوطنية لمواجهة الكوارث "تجري عمليات الاجلاء من تلك المناطق لكننا أصدرنا تحذيرا اخر لمن بقوا بأن يغادروا أماكنهم أيضا."

وأضاف أن الكثير من سكان منطقة دلتا الاندوس على بعد نحو 100 كيلومتر الى الشرق من كراتشي نزحوا بالفعل لكن ما زال "الاف" باقين. واذا انكسر حاجز اخر فان المزيد من البلدات يمكن أن تغرق.

وبدأت مياه الفيضانات تنحسر في أنحاء البلاد لكن نظرا لزيادة المد في بحر العرب واحتمال سقوط المزيد من الامطار ما زالت احتمالات حدوث فيضانات قائمة في اقليم السند بالجنوب.

وقال المتحدث باسم الجيش الباكستاني ان صعوبة الوصول الى بعض المناطق حيث لا يمكن الوصول الى نحو 800 ألف شخص الا جوا ربما تحدث اضطرابات اجتماعية.

وقال الميجر جنرال أطهر عباس "اذا لم تصل المساعدات مناطق بعينها.. نعم حينها سيتململ الناس."

وتدنت شعبية الحكومة بدرجة أكبر بسبب أسوأ فيضانات تشهدها البلاد منذ عشرات السنين وزادت من مخاوف بشأن البلد الذي يحارب بالفعل متشددين اسلاميين. وفي سوكور الواقعة الى الشمال احتشد ضحايا الفيضانات في مخيمات الاغاثة وقالوا ان معدلات الاصابة بالامراض في تزايد.

وأضاف أن بعض الناس بدأوا بالفعل يعودون لقراهم حتى على الرغم من أن مياه الفيضانات ما زالت تغرق الكثير منها. وأردف قائلا "لا نرى سوى سقف المسجد ومئذنته... نعتقد أن جفاف المياه سيستغرق ستة أشهر بعدها يمكن أن نعود." وفي واشنطن من المقرر أن ينضم وزير المالية الباكستاني ومحافظ البنك المركزي الى محادثات حول انقاذ الاقتصاد والتي بدأت مع صندوق النقد الدولي. بحسب وكالة الأنباء البريطانية .

وتركز الاجتماعات على مستقبل برنامج قروض من صندوق النقد الدولي حجمه 11 مليار دولار تمت الموافقة عليه عام 2008 . واذا وافق الصندوق على تخفيف شروط القرض أو تمديد فترة السداد فإن هذا سيخفف من الأعباء المالية على باكستان.

ويقول مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للامم المتحدة انه تم توفير 60 في المئة أو 274.7 مليون دولار من 459.7 مليون دولار تحتاج لها البلاد لمواجهة الكارثة بشكل عاجل.

الأطفال

في حين حذرت الأمم المتحدة من ان ما يصل الى 3,5 ملايين طفل في باكستان معرضون للإصابة بأمراض قاتلة تنقلها المياه نتيجة الفيضانات المدمرة التي اجتاحت البلاد، مؤكدة استعدادها لمواجهة احتمال إصابة الآلاف بالكوليرا.

ويهدد هطول امطار جديدة بزيادة معاناة 20 مليون متضرر جراء اسوأ فيضانات تشهدها البلاد منذ 80 عاما، فيما حث الامين العام للامم المتحدة بان كي مون العالم على الاسراع في ارسال المساعدات العاجلة.

واعرب ماوريتزيو غاليانو المتحدث باسم مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية عن خشيته من ان تكون باكستان موشكة على "موجة ثانية من الوفيات" اذا لم تقدم الجهات المانحة مزيدا من الاموال. وقال ان نحو "3,5 مليون طفل معرضون بشكل قوي لخطر الاصابة بامراض قاتلة تنقلها المياه وتسبب الاسهال مثل مرض الزحار". وقدر اجمالي عدد الاطفال المعرضين لمثل هذه الامراض بستة ملايين.

وقال ان من بين الامراض التي يخشى ان يصاب بها الاطفال كذلك التيفوئيد والتهاب الكبد الف وهاء (هيباتايتس ايه واي). واكد ان المنظمة "تستعد لمساعدة ما يصل الى 140 الف شخص في حال انتشار الكوليرا، الا ان الحكومة لم تبلغنا باي حالة كوليرا مؤكدة".

واضاف "نخشى ان نكون على وشك ان نشهد موجة ثانية من الوفيات اذا لم تصل مبالغ كافية من الأموال، بسبب الإمراض التي تنقلها المياه مع نقص المياه النظيفة والطعام".

وقال "ان أكثر ما يهمنا هو الماء والصحة. فالماء النظيف ضروري لمنع انتشار الإمراض القاتلة التي تنقلها المياه. وقد تلوثت المياه بشكل كبير اثناء الفيضانات، وهناك نقص في المياه النظيفة". بحسب وكالة فرانس برس .

والكوليرا هي مرض مستوطن في باكستان وتزداد احتمالات انتشاره مع الفيضانات. الا ان الحكومة لم تعلن عن اي إصابات بالكوليرا في البلاد مع ان الأمم المتحدة أكدت إصابة واحدة على الاقل بهذا المرض في مناطق الفيضانات.

وصرح احد العاملين في منظمات الإغاثة طلب عدم الكشف عن هويته ان العديد من الناجين من الفيضانات قضوا بسبب المرض. وتقدر الأمم المتحدة بان 1600 شخصا قتلوا بسبب الفيضانات، بينما أكدت الحكومة الباكستانية مقتل 1384 شخصا. وطالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قبل رحيله اثر زيارة لباكستان، الأسرة الدولية بتسريع وصول المساعدات.

وتعهد البنك الدولي بتقديم 900 مليون دولار لباكستان، بدون ان يحدد جدولا زمنيا لتقديم هذه المساعدات. وأطلقت الأمم المتحدة نداء لجمع 460 مليون دولار لتقديم مساعدات عاجلة للمنكوبين الستة ملايين الأكثر عرضة للازمة، محذرة من وجوب توفير مليارات الدولارات على المدى البعيد لإعادة اعمار القرى وترميم البنى التحتية ومعاودة الانتاج الزراعي.

وحضر مسؤولون في الحلف الاطلسي الى اسلام اباد للبحث في اقامة "جسر جوي" لنقل المساعدة الى العديد من المناطق التي لا يمكن الوصول اليها عبر الطرقات.

الحمير المنقذ الوحيد

وربما تكون الجهات المانحة تبرعت بملايين الدولارات لضحايا الفيضانات في باكستان لكن السلطات على أرض الواقع اضطرت للجوء الى الحمير لنقل الإمدادات ببطء الى القرى الجبلية التي انقطعت عن العالم الخارجي.

وأجبرت مشكلات متعلقة بالامتدادات تمثلت في نقص طائرات الهليكوبتر للوصول الى المناطق النائية وسقوط المزيد من الأمطار التي تسببت في انهيارات أرضية السلطات وهيئات الإغاثة على اللجوء الى مثل هذه الوسيلة.

ويمثل توصيل المساعدات الى القرى النائية الواقعة بين الجبال واحدة من أكبر التحديات. ففي وادي شاهبور حيث تقع قرية كوزا سيراي يقول مسؤولون ان هناك 150 ألف شخص في حاجة عاجلة للإمدادات الغذائية والطبية.

وفي منطقة تقارب مساحة ايطاليا تضررت من الفيضانات تصل المساعدات الحكومية والأجنبية ببطء وحذرت الامم المتحدة من موجة ثانية من الوفيات بين المرضى والجوعى ما لم تصل مواد الاغاثة.

ومع توجيه مناشدات عاجلة للحصول على المساعدات الدولية يقود رجال الشرطة 30 حمارا تحمل مواد غذائية من دقيق (طحين) وأرز وزيت للطهو وسكر بامتداد طرق ضيقة جبلية وحلة الى القرى. بحسب وكالة الأنباء البريطانية .

ويشرف الجيش الذي ارتفعت أسهمه من خلال جهود الانقاذ والاغاثة التي يقوم بها في كارثة الفيضانات على تلك العمليات التي تستغرق أربع ساعات في كل من الذهاب والعودة. وواجهت الحكومة انتقادات شديدة بسبب ما بدا منها من بطء استجابة للازمة. وقال المعلم محمد نياز في مركز لتوزيع المواد الغذائية "اذا كنت قريبا لشخص صاحب نفوذ فسوف تحصل على المزيد من المواد الغذائية أيا كان حجم أسرتك."

ويقول مسؤولون ان الحمير نقلت أكثر من 20 طنا من الامدادات على طول الطريق الى شاهبور منذ الثالث من أغسطس اب. ويمثل توصيل المساعدات عن طريق الحمير رفاهية في بعض الاحيان لان البرنامج صغير للغاية.

ويقوم مئات الآلاف من سكان القرى بهذه الرحلة بأنفسهم. ويحمل الناس المرضى والجرحى على محفات للوصول الى أماكن المساعدات. ويقول المسؤولون العسكريون انه ما زال يتعذر الوصول الى الكثير من القرى. حتى الحيوانات التي تستخدم في النقل تجد مشقة في تجاوز واحدة من أكبر الكوارث في تاريخ باكستان. فهي تتحرك بامتداد منحدرات طينية تشكلت من الانهيارات الارضية وسط حرارة شديدة.

وقال منور الله خان وهو صاحب حمير وهو يضرب حمارا بعصا ليدفعه للتحرك "أصيب حماران لدي بعد سقوطهما من طريق ضيق." وفي أحد الأنهار المجاورة استلقت بغال وتمرمغت في الرمال المبتلة. وقال خان "انها تشعر بالارهاق".

مصائب قوم عند قوم فوائد

بينما كان الصياد جمشيد علي يجني نحو 200 روبية (دولارين) في اليوم قبل أن تجتاح الفيضانات باكستان وتخلف ملايين المشردين والمفلسين.

الآن منحته اكبر كارثة في تاريخ باكستان والكثير غيره فرصة ليصبح تاجرا للبؤس. وبات نهر سوات الذي كان يمده بسمكة او اثنتين في اليوم قبل الازمة مصدرا لمكاسب كبيرة في كل مرة يتقاضى فيها رسوما مقابل نقل الناس من جانب الى اخر في طوقه المصنوع من الانابيب المطاطية والاحبال والخيزران.

وهو يعود الى منزله الان ومعه ما يساوي 35 دولارا يوميا يكسبها من نقل الناس وهناك ايضا مصدر اخر للدخل. بعض الاسر تدفع له بقشيشا اذا ساعدها في العثور على جثة احد احبائها الذين غرقوا في الفيضانات.

ويقول "أفعل هذا لانني أحب أن أساعد الناس وللفوز برضا الله تعالى. أجني المال من هذا ايضا."

وكان تشمني خان وهو رجل طويل القامة يرتدي الزي الباكستاني التقليدي فنيا متخصصا في اصلاح حوامل المقاعد. بعد الفيضانات بدأ يعمل في نقل من تقطعت بهم السبل عبر نهر سوات ليكسب في اليوم الواحد ما يعادل ما كان يجنيه في أسبوع كامل. وهو يقول انه لا يستغل بؤس الناس. لكنه لا يرفض المال.

ويقول "أنا لا أجبر الناس على أن يدفعوا. انها خدمة للمعوزين." ولطالما تعطش سكان سوات الى الاستقرار. وسيطر مقاتلو حركة طالبان على الوادي ذي الطبيعة الخلابة قبل عامين.

ودمر القتال بين المتشددين والحكومة أجزاء من المنطقة السياحية سابقا حين طرد الجيش طالبان من هناك العام الماضي. الان جلبت الفيضانات حزنا لم يسبق له مثيل. لكن الكارثة تحولت الى منجم ذهب للبعض مثل صانعي الخيام البلاستيكية وتلك المصنوعة من المشمع حيث اضطر الملايين الى الاعتماد على ترتيبات مؤقتة للاقامة.

ويرى اخرون فرصة في معاناة القرويين الفقراء. ويكسب سيد شوكت علي (45 عاما) في منطقة مظفرجاره باقليم البنجاب ممن يضطرون لبيع الماشية التي استطاعوا انقاذها من الفيضانات حتى ينجوا من الكارثة. ويشتري الحيوانات بثلث ثمنها الحقيقي تقريبا ويبيعها في السوق. بحسب وكالة الأنباء البريطانية .

وقال شوكت علي "الناس يحتاجون الى المال ويبيعون حيواناتهم. نحن لا نجبرهم على أن يفعلوا هذا." وعلى الرغم من أن الفيضانات جرفت منزله فان معه ما يكفي من المال ليبدأ تجارة مربحة. وأضاف "أسديهم معروفا بطريقة ما. هذه الحيوانات كانت ستنفق من التضور جوعا في كل الأحوال."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/أيلول/2010 - 22/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م