فرنسا من راعية حقوق الإنسان إلى دولة التمييز العنصري

احمد عقيل

 

شبكة النبأ: تتعرض فرنسا الى اتهامات قوية الحجة من قبل لجان الأمم المتحدة بخصوص التمييز العنصري الذي ينتشر في البلاد مؤخرا، حيث أصدرت الحكومة الفرنسية في الأسابيع السابقة قرارات بترحيل الغجر الذين جرى إزالة أكثر من 40 مخيما عشوائيا لهم في غضون 15 يوما.

بالإضافة الى تهجير بعض السكان الذين يحملون الجنسية بع سحبها منهم بسبب قيامهم ببعض الإعمال التي تضر مصلحة وامن البلد، وهذا محصل فعلا فقد قامت الطائرات الفرنسية بترحيل أول دفعة من الروم (غجر أوروبا الشرقية وخاصة رومانيا) الى بلادهم، في الوقت الذي طالبت جمعيات حماية حقوق الإنسان بضمان حقوق هذه المجموعة من الذين تم سحب جنسيتهم وإرجاعهم الى بلادهم باتخاذ كل الإجراءات اللازمة في إطار الترحيل مرفق بمساعدة إنسانية، حيث تم هذا عن طريق دفع مبالغ مساعدة تبلغ 300 يورو ومائة يورو للطفل القاصر، في الوقت الذي تزدهر فيه واردات الفنادق الفرنسية بعد الأزمة الاقتصادية، ولكن من جانب آخر من البلاد يعاني سكان الضواحي من سوء الأوضاع في معيشتهم، فهم لا يجدون خدمات مناسبة ولا فرص عمل بالإضافة الى تصاعد نسب الجرائم وانعدام الأمن، مطالبين بذلك الحكومة الفرنسية بإيجاد حلول لمعاناتهم.

قفص الاتهام

فقد وضع خبراء لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري فرنسا في قفص الاتهام منددين "بعدم وجود ارادة سياسية" لدى هذا البلد لمواجهة ما يشهده من "تصاعد" للأعمال العنصرية.

ونددت اللجنة بالسياسة الفرنسية حيال الأقليات في إطار الدراسة الدورية التي تجريها للدول المصدقة على المعاهدة الدولية للقضاء على كل شكل من أشكال التمييز العنصري لعام 1965.

ورغم ان النقاش يكون عادة تقني بحت الا انه اتخذ هذه المرة منحى سياسيا بعد التصريحات المدوية التي ادلى بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في الأسابيع الاخيرة مطالبا بسحب الجنسية الفرنسية عن المدانين بقتل شرطي او بتعدد الزوجات واخلاء المخيمات العشوائية للغجر ومنددا بانتشار الجريمة في اوساط سكانها ذوي الاصول الرومانية والبلغارية وكذلك في اوساط الجماعات الرحل.

وفي هذا السياق المشحون قدم الوفد الفرنسي تقريرا يعدد الإجراءات التي اتخذت منذ تقرير اللجنة الاخير عام 2005 وخاصة الإعلان عن إطلاق خطة وطنية مرتقبة بشدة لمكافحة العنصرية. الا ان الاعلان عن هذه الخطة الذي رحب به خبراء اللجنة الـ18 لم يخفف من سيل الانتقادات الحادة وخاصة لتصريحات الرئيس التي تشكل وفقا لأحد هؤلاء الخبراء "تحريضا على الكراهية".

وقال الخبير التوغولي كوكو ايومسان ان فرنسا تواجه "تصعيدا ملحوظا للعنصرية ولمعاداة الأجانب". وبشان الجماعات الرحل التي يقدر عدد أفرادها بنحو 400 الف، 95% منهم فرنسيون، ندد البعض بوجود خلط بينهم وبين الغجر وخاصة نظام منحهم تصاريح تنقل تخضع لرقابة الشرطة كل ثلاثة أشهر. وقال والياكوي سايدو (النيجر) ان "بطاقة التنقل هذه تذكرنا بعهد بيتان".

كما أثيرت اكثر من مرة مسالة ترحيل الغجر الذين جرى إزالة اكثر من 40 مخيما عشوائيا لهم في غضون 15 يوما. وتساءل الخبير الجزائري نور الدين امير "كيف يمكن ترحيل الغجر كما لو انهم لا ينتمون الى الاتحاد الاوروبي؟".

واضاف "لا افهم كيف يمكن لبلد واحد ان يفرق بين مواطن من الدرجة الاولى واخر من الدرجة الثانية". وبشان التجريد من الجنسية قال التركي غون كوت "لا افهم معنى ان يكون هناك فرنسي من اصل اجنبي واتساءل عما اذا كان ذلك يتفق مع الدستور". بحسب وكالة فرانس برس .

واعتبرت خبيرة من بوركينا فاسو ان فرنسا برفضها الاعتراف بحق الأقليات تطبق سياسة "عشوائية". واكد مقرر الجلسة الاميركي بيار ريشار بروسبير ان "ما ينقص فرنسا هو ارادة سياسية حقيقية". من جانبه سعى الوفد الفرنسي الذي دهش من حدة هذه الانتقادات الى الدفاع بشدة عن مواقف حكومته.

واكد الوفد شرعية الاجراءات المتخذة ضد الغجر موضحا انه وفقا لمعاهدة انضمام رومانيا وبلغاريا الى الاتحاد الاوروبي في 2007، فانه يمكن وضع بعض القيود على حرية تنقل رعاياهما لمدة سبع سنوات. واعتبر ان ترحيل الغجر الى موطنهم الأصلي "يتفق" ايضا مع القانون الاوروبي الذي يقضي بحق اي دولة في إنهاء إقامة اي شخص ليس له وظيفة ويشكل عبئا اجتماعيا.

واوضحت المسؤولة في وزارة الهجرة الفرنسية فريدريك دوبليه انه "تم اتخاذ كل الاجراءات في اطار رحيل طوعي مرفق بمساعدة انسانية". كما اكد انه تجرى حاليا مراجعة لقانون عام 1969 بشان الجماعات الرحل وخاصة بشان حق افرادها في التصويت. وبشان سحب الجنسية اعتبر انه لا يمكن مناقشة قانون لم يوضع بعد. وفي باريس اكد وزير الشؤون الاوروبية بيار لولوك ان فرنسا حريصة على "ضمان الحريات السياسية" وحماية الحق في الأمان الذي يعتبر من "اولى حقوق الانسان".

وتعليقا على انتقاد لجنة الامم المتحدة قال لولوش في بيان ان "كل السياسيات التي تتبعها فرنسا حاليا تستهدف حق المرأة في المساواة وحماية الأشخاص الأكثر ضعفا من تجارة البشر وحماية اول حق من حقوق الإنسان الا وهو الحق في الأمان". واكد ان "فرنسا دولة قانون تحترم بشدة حقوق الانسان التي كانت اول الداعين اليها منذ عقدين". من جانبها اشادت المنظمات غير الحكومية باستجواب فرنسا امام لجنة الخبراء الدوليين بشان ما وصفته ب"الانحرافات الأخيرة للرئيس الفرنسي". واعتبر مالك سالمكور المسؤول في رابطة حقوق الانسان ان فرنسا التي يسودها "مناخ عام من التشدد ومعاداة الأجانب وضعت في قصف الاتهام".

تدافع عن نفسها

من جانبها دافعت فرنسا بشدة عن نفسها ردا على الانتقادات الحادة التي وجهها إليها خبراء لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري الذين نددوا ب"تصاعد" الاعمال العنصرية في بلد حقوق الانسان.

واستعرض الوفد الفرنسي نقطة الملاحظات التي وجهها خبراء اللجنة ال18 الذين عكفوا طوال يومين على دراسة السياسات المتبعة حيال الأقليات في فرنسا منذ آخر دراسة وهي تعود الى عام 2005. بحسب وكالة فرانس برس .

وردا على الهجوم الذي تعرضت له فرنسا خاصة بشان مصير نحو 15 الف من الغجر بعد إعلان الرئيس نيكولا ساركوزي في نهاية تموز/يوليو الماضي اخلاء المخيمات العشوائية وترحيل الغجر الى رومانيا وبلغاريا، اوضح الوفد الفرنسي انه وفقا لمعاهدة انضمام هذين البلدين الى الاتحاد الاوروبي في 2007، يمكن وضع بعض القيود على حرية تنقل رعاياهما لمدة سبع سنوات.

الحزب الفرنسي ينتقد

بينما انتقد الاتحاد من اجل حركة شعبية، الحزب اليميني الحاكم في فرنسا بشدة خبراء لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، معتبرا انهم "اناس ياتون من بلدان" لا تحترم حقوق الانسان "وبعيدون كل البعد عن الواقع".

وفي تصريح لإذاعة ار.تي.ال أعرب الناطق باسم الاتحاد من اجل حركة شعبية دومينيك باييه ان عن استغرابه لموقف هذه اللجنة ولا سيما "تشكيلتها" التي تضم "أشخاصا يأتون من دول لا تحترم حقوق الإنسان على الإطلاق".

من جانبه اعتبر نائب هذا الحزب في الشمال كريستيان فانيست المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة في تصريح ان تشكيلة هذه اللجنة "في حد ذاتها تجعلها موضع شك"، مؤكدا ان "كل الدول التي تشكلها ليست مثالا يحتذى في مجال الديمقراطية الحية ولا في احترام الأقليات: الجزائر وروسيا ورومانيا التي تعامل الغجر بشكل سيء في بلادها --انظروا الى حالتهم عندما يأتون الينا--". كما تحدث النائب ايضا عن باكستان وتركيا.

وقال الناطق باسم الحزب الحاكم ان "واجب هذه اللجنة يتمثل في تقييم النتائج خلال فترة معينة، لا يمكنها ان تستند الى انطباعات". وأضاف انه اذا كان الوضع خطيرا الى هذه الدرجة في فرنسا "فلا أرى لماذا هناك عدد كبير من الأشخاص الراغبون في الهجرة إليها".

بالإضافة الى ذلك، انتقدت أصوات في اليمين الفرنسي سياسة الرئيس نيكولا ساركوزي إزاء الغجر التي اعتبرت "جارحة" وحتى "مشينة" وذلك بعد سلسلة من عمليات تفكيك مخيماتهم في فرنسا. بحسب وكالة فرانس برس .

ونقلت صحيفة لو باريزيان عن النائب في الحزب الحاكم الاتحاد من اجل حركة شعبية، فرانسوا غولار ان "هذه السياسة جارحة. أنهم يسخرون من الفرنسيين لان المشاكل الامنية لا تقتصر على بعض مخيمات الغجر". واعتبر هذا النائب المقرب من رئيس الوزراء السابق دومينيك دو فيلبان، عدو نيكولا ساركوزي في أوساط اليمين "انه ذر الرماد في العيون"..

الا ان هذا الخطاب الامني الذي سمح جزئيا بانتخاب نيكولا ساركوزي سنة 2007 وتؤكده الحكومة والمقربون من الرئيس، لا يلائم قسما من الاغلبية. وانتقد النائب في الاتحاد من اجل حركة شعبية جان بيار غران مرارا المنحى "المشين" الذي أخذته عملية ترحيل الغجر، مدينا "اساليب تذكرنا بعمليات المداهمة خلال الحرب".

وتساءل النائب المقرب من دو فيلبان "هل بالامكان ان نكون نائب الجمهورية وان نترك هذا بدون ان نتحرك عندما نكتشف ان قوات الامن تتدخل في الصباح الباكر وتخرج عائلات من بيوتها وتفصل الرجال عن النساء والاطفال وتهدد بفصل الام عن اطفالها؟". من جانبها دعت الوزيرة السابقة كريستين بوتان رئيس الحزب المسيحي الديموقراطي حليف الاتحاد من اجل حركة شعبية معسكرها الى الكف عن "زرع الخوف" مؤكدة ان "التهجم على هذه المجموعة او تلك يؤجج العنف".

الدفعة الأولى

في الوقت الذي بدأت فرنسا ترحيل أول دفعة من الروم (غجر اوروبا الشرقية وخاصة رومانيا) الى بوخارست منذ إعلان الرئيس نيكولا ساركوزي اجراءت امنية تستهدف تحديدا هذه الفئة التي تقول المنظمات الأهلية ان الحكومة تستخدمها كبش فداء.

فقد اقلعت طائرة من ليون (وسط شرق) تقل 79 من هؤلاء الغجر على ان يستقل 14 شخصا اخر منهم الطائرة من باريس وفقا لوزارة الداخلية الرومانية. ومن المقرر انطلاق رحلة اخرى مع "نحو مائة راكب" وثالثة في وقت لاحق.

ولدى وصولهم الى الوطن "سيتم الاتصال بهؤلاء المواطنين من قبل السلطات المسؤولة عن الاستيعاب" كما اوضحت بوخارست التي تطالبها المنظمات غير الحكومية المدافعة عن الغجر الروم بالقيام بالمزيد من اجل هذه الاقلية.

وأكدت الحكومة الفرنسية ان "كل شخص من المبعدين جرت دراسة ظروف إقامته في فرنسا حالة بحالة" وذلك ردا على المفوضية الأوروبية التي ذكرت باريس بان عليها "احترام القواعد" المتعلقة بحرية التنقل والإقامة داخل الاتحاد الأوروبي.

فاثر صدام بينهم وبين غجر فرنسيين أعلنت الحكومة إزالة نصف المخيمات المقامة في فرنسا بدون تصريح خلال ثلاثة أشهر وإعادة الغجر الروم الذين "ارتكبوا اعتداءات على ممتلكات او جرائم نصب" الى بلغاريا او رومانيا.

والغجر الروم المغادرين قبلوا المساعدة على العودة الطوعية التي عرضتها فرنسا وهي 300 يورو ومائة يورو للطفل القاصر. وعنونت صحيفة افنيمنتول زيلي الرومانية (الفرنسيون) يصلون" مشيرة الى انه "في ظل عدم وجود برنامج استيعاب متجانس فان الكثير منهم سيرحلون من جديد".

ويتعلق الأمر بـ25 رحلة من هذا النوع تنظمها منذ بداية العام باريس التي تقر مع ذلك بان هؤلاء المبعدين يمكن ان يعودوا من جديد. ومع انضمام بوخارست وصوفيا الى الاتحاد الاوروبي عام 2007 اصبح بإمكان رعاياهما دخول فرنسا بلا اذن خاص او تأشيرة والبقاء فيها لثلاثة أشهر بدون ان يكون عليهم تبرير نشاطهم. بحسب وكالة فرانس برس .

لكن بعد الثلاثة أشهر هذه يجب ان يكونوا اما يعملون او يدرسون او لديهم موارد كافية. ولتفادي حصول هؤلاء من جديد على مساعدة العودة تقرر إخضاعهم لنظام البيانات البيومترية. اما الذين لم يقبلوا هذه المساعدة فانهم سيتلقون إخطارا بـ"ضرورة مغادرة الأراضي الفرنسية" يمهلهم شهرا للرحيل.

ويبلغ عدد الغجر الروم في فرنسا 15 الفا يعيشون غالبا في أماكن عشوائية في المدن الكبرى وتتهم السلطات بعض مجموعاتهم بالقيام بعمليات تهريب مختلفة او استغلال الأطفال في التسول. وتثير هذه المسالة توترا في العلاقات بين باريس وبوخارست التي اعرب وزير خارجيتها تيودور بوكونشي عن قلقه من ان تثير هذه القضية "ردود فعل معادية للأجانب".

وفي رومانيا ما بين 530 الف و2,5 مليون.

واذا كانت بوخارست قد حققت تقدما في وصولهم الى التعليم فان الغجر ما زالوا يعانون من التمييز في سوق العمل وفي مجال السكن. وفي مقال في صحيفة ليبراسيون اعرب روبير كوشان مدير المركز الاوروبي لحقوق الغجر الروم عن الاسف لان "الحكومة الفرنسية توظف الروم لاظهار قبضتها وقوة عزمها في قضايا القانون والنظام".

فرض غرامات

في حين قال وزير الصناعة الفرنسي كريستيان استروسي في مقابلة صحفية انه يجب فرض غرامات كبيرة على رؤساء البلديات الذين لا يستطيعون الوفاء بالتزاماتهم تجاه الأمن ومكافحة الجريمة. وقال استروسي وهو رئيس بلدية مدينة نيس بجنوب فرنسا أيضا لصحيفة (لو جورنال دو ديمانش) "يجب أن يقيس رؤساء البلديات حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم .. لا يملكون الحق في الهروب من الامر بالقول انها مسؤولية الدولة."

وأضاف "يجب أن تفرض غرامة كبيرة للغاية على البلديات التي لا تفي بالتزاماتها تجاه الامن ومكافحة الجريمة والهروب من المدارس وإصلاح التنمية الحضرية."

وفي اشارة الى منتقدين من اليسار لخطط الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لمكافحة الجريمة والتي تشمل سحب الجنسية الفرنسية من بعض المجرمين قال استروسي ان بعض رؤساء البلديات يقلصون من مسؤولياتهم. وقال "لماذا لا تريد مارتين اوبري (الزعيمة الاشتراكية ورئيسة بلدية مدينة ليل) تركيب كاميرات مراقبة في مدينتها؟... لماذا لا يريد رئيس بلدية جرينوبل فعل شيء لتأمين منطقته ويشكو من سوء الوضع؟" بحسب وكالة الانباء البريطانية .

وشهدت مدينة جرينوبل التي أعلن منها ساركوزي خططه أعمال شغب في منتصف يوليو تموز بعدما قتلت السلطات لصا مسلحا أثناء هروبه. وقال ميشيل ديستو رئيس بلدية جرينوبل وهو يساري ان ساركوزي "يشوه صورة" المهاجرين. وردا على تصريحات أدلى بها استروسي للإذاعة الأوروبية الأولى قال ديستو انها كانت نوعا "من التخلي عن المسؤولية" وان المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق الدولة.

الضواحي

وللوقوف على أحوال الضواحي الفرنسية التي يعاني منها سكانها، من نقص الخدمات وافقدان الامن، بالاضافة الى تدهور الحالة الاجتماعية، حيث يراقب عروة حمدان من منزله بتوتر مجموعة من الشبان يمرون في الشارع في واحدة من ضواحي باريس القابلة للاشتعال وأطلق زفرة هازا رأسه بما ينم عن عدم الرضى.

وقال حمدان (66 عاما) وهو مندوب مبيعات متقاعد "انظر إليهم. انهم لا يعملون. انهم يتجولون هكذا طوال النهار. يدخنون الحشيش باستمرار ويدخلون في مشاكل مع الشرطة."

وقال "مر علينا وقت كانت فيه كليشي سو بوا منطقة راقية فعلا." وأضاف مشيرا برأسه باتجاه الشبان "الان تشعر بالقلق منهم طوال الوقت." واقتربت المجموعة التي تضم خمسة شبان يرتدون سراويل متهدلة وسترات ذات غطاء للرأس ثم سارت مبتعدة. التفت أحدهم قائلا "لا نحب الكلام نتصرف فقط عندما نستفز."

هاجر حمدان الى فرنسا من تونس قبل 31 عاما. وانتقل للعيش في كليشي سو بوا مع زوجته واشترى شقة في أحد الأبراج السكنية التي تعرف باسم لا فورستيير في عام 1989 . وتحولت أبراج لا فورستيير الآن الى وكر قذر مكتظ للعالم السفلي ومن المقرر إزالتها في إطار مسعى طال انتظاره لتحديث الضواحي. لكن حمدان يقول ان بناء منازل جديدة ومركز للشرطة ونشر المزيد من رجال الشرطة في الشوارع لن يحل مشاكل الضواحي المضطربة المحيطة بالمدن الفرنسية الكبيرة بين عشية وضحاها.

وأضاف "سينتقل نفس الناس الى المنازل الجديدة. وخلال عشر سنوات سنجد انفسنا في الوضع نفسه لان المنزل الجديد لن يأتي بوظيفة جديدة أو خدمات أخرى مطلوبة بشدة هنا."

ومازالت كليشي سو بوا الواقعة على مسافة 15 كيلومترا شمال شرقي وسط باريس غير مربوطة بشبكة مواصلات مباشرة باريس. والوصول اليها يحتاج لاكثر من ساعة تنتقل خلالها بين قطار وحافلة.

وتتميز كليشي سو بوا بالعمائر الضخمة التي بنيت بعد الحرب العالمية الثانية لحل أزمة الاسكان في ذلك الوقت وأغلب سكانها الان من المهاجرين الجدد والجيلين الثاني والثالث من مهاجرين أغلبهم من شمال افريقيا. ومعدل البطالة في هذه المنطقة يزيد على ضعف المعدل على مستوى الدولة ويبلغ نحو 30 بالمئة. ونحو نصف سكانها البالغ عددهم نحو 30 ألفا دون سن 25 عاما.

وتأخر تنفيذ خطة تعهد بها الرئيس نيكولا ساركوزي في أعقاب أعمال الشغب في خريف 2005 لاصلاح ضواح مثل كليشي سو بوا وتحسين حياة سكانها وتوفير فرص عمل لهم بعد سنوات من الاهمال. وقال دريدي علي (36 عاما) وهو فني معمل ساخرا "هذا مجرد كلام لإرضاء ناخبيه. لا يعني شيئا بالنسبة لنا ولم نصدقه على أي حال."

وأضاف علي الذي يقيم في نفس المبنى الذي كان يسكنه شاب أثارت وفاته أعمال الشغب عام 2005 "صراحة لم يتغير شيء يذكر في كليشي ومونفيرميي (ضاحية مجاورة) منذ أعمال الشغب. بل ازداد الناس فقرا بسبب الأزمة ويتوافد المزيد من المهاجرين. الوضع مأساوي هنا." وتحول بعض السكان الذين يشعرون بأنهم مهملون ومهمشون وموصومون الى ما تصفه الحكومة بالاقتصاد الموازي. واحيانا تتصدر عناوين الصحف أنباء عن سرقات صغيرة وتجارة مخدرات وقد يصل الامر الى عمليات سطو بأسلحة الية. وأدى ذلك الى مصادمات مع الشرطة قد توقع قتلى في بعض الاحيان وأصبح يمثل تحديا لساركوزي الذي فاز في انتخابات عام 2007 بوعود بمكافحة الجريمة وشن حرب على العنف في المدن. وكانت موجة من الجرائم وأعمال الشغب قد دفعت الرئيس الذي تراجعت شعبيته بسبب الازمة الاقتصادية وفضيحة تمويل سياسية للعودة الى موضوع مكافحة الجريمة الذي أكسبه تأييدا من أقصى اليمين الى الطبقة العاملة اليسارية.

لكن علي قال ان الإجراءات المقترحة مثل سحب الجنسية من مهاجرين حاصلين على الجنسية اذا أدينوا بجرائم خطيرة ليس سوى أسلوب اخر للتمييز ضد أبناء المهاجرين. وقال "أدرك جيلي -جيل الثمانينات- أننا نواجه أزمة دائمة. نراها نوعا من الحرب ضدنا. نشعر بأننا موصومون." وأضاف "لذلك كان علينا أن نتكيف ونقوم ببعض ما نقوم به مثل بيع المخدرات أو الدخول في الاسواق الموازية كما يطلقون عليها. كل ما نطلبه هو ان يتركونا في حالنا."

وتابع "لا تأتوا الى هنا لتطلقوا الرصاص على أطفالنا واشقائنا. هذا هو كل ما نطلبه. وفيما عدا ذلك لا يهمنا حقيقة شأن بقية أرجاء البلاد." بحسب وكالة الإنباء البريطانية .

ويقول كلود ديلان رئيس بلدية كليشي سو بوا وهو اشتراكي انه رغم بذل بعض الجهود لتحسين معيشة سكان الضواحي عن طريق خطط التحديث الا أن المجتمع الفرنسي لا يهتم بالضواحي الا عندما تندلع اعمال عنف. وقال ديلان الذي يرأس كذلك جمعية المدن والضواحي وهو اتحاد متعدد الأحزاب من مسؤولين منتخبين أغلبهم من مناطق تواجه مشاكل "يجب الا نخدع أنفسنا. هذا يرجع الى الخوف من أعمال الشغب."

وقال في حديث بعد اندلاع أعمال شغب في مدينة جرينوبل في يوليو تموز الماضي "ما يثير غضبنا هو أن شيئا لم يتغير في الاوضاع الاساسية منذ أعمال شغب عام 2005 . يتعين عليهم معالجة جذور المشكلة وليس عواقبها فقط." وضعت فرنسا مشكلاتها على أطراف مدنها وتركتها تعتمل دون أن تعمل على دمج المهاجرين في المجتمع ككل ودون أن توفر لهم خدمات اجتماعية كافية.

وقال ديلان "نحتاج لخدمات عامة للضواحي... نريد مركز توظيف. نريد مكتبا للرعاية الاسرية." وتابع "نحن في وضع شديد التوتر لأنه الى جانب ندرة مشروعات التحديث في الحضر ليس هناك بارقة أمل. هناك تصاعد في أشكال انتهاك القانون أكثر خطورة. فالسرقات الصغيرة تحولت الان الى عمليات سطو مسلح."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 1/أيلول/2010 - 21/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م