قراءة في كتاب: الإشادة بآخر الملوك

البدء من فوق ومن لا مكان

 

 

 

 

الكتاب: الإشادة بآخر الملوك

الكاتب: جمال جمعه

الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون

عدد الصفحات: 96 صفحة متوسطة القطع.

عرض: جورج جحا

 

 

 

 

شبكة النبأ: في كتاب الشاعر العراقي جمال جمعة "الاشادة باخر الملوك" الذي وصف بأنه شعر ما قد يجعل القارىء يحار في تصنيفه.

ففيه شعر وما يشبهه وفيه عودة مصطنعة الى اجوء الملاحم القديمة على طريقة ما يسميه البعض "التعتيق" او العتق المصنوع حديثا وفيه ايضا ما قد يجد فيه القارىء شيئا مما يمكن ان يسمى بأنه لزوم ما لا يلزم. وفيه كذلك تحويل الشعر وهو "ملك" الى خادم لقضايا اخرى ثم نسمي العملية كلها شعرا.

وقبل البدء بقصائد الكتاب يجدر المرور اليها عبر ما كتبه عبد الزهرة زكي عن مجموعة قصائد جمال جمعة. بحسب رويترز.

وربما خطر في البال عند قراءة ذلك ان القارىء لم يزدد فهما للقصائد وقيمة غايتها المعلنة وأن ما كتبه عبد الزهرة زكي ربما بدا -على نثريته الاكيدة- "شعرا" بمعنى انه اتى يشبه شعر المجموعة. وقد يخطر في البال ما قيل قديما في وصف بعض الشعر من ان "المعنى هو قلب الشاعر". ويبدو احيانا انه يكاد يكون في هذا القلب وحده.

فلنقرأ بعضا من هذا الذي كتب عن قصائد المجموعة. قال الكاتب "يوحد القصائد سعي مشترك يفضي الى بحث الشاعر عن انسانه الاول الذي جبل على اكتساب الرؤى ومهارة الاشياء ورفقة النور ومباراة الرياح.انه البحث عن حلقة الجدود الممجدين المكتفين بقوتهم والمعلين البداءة. انه بحث عن الانسان القوي والفاضل في ان واحد.

"ولا تزج القصائد نفسها في امكانية تمثل هذه القوة او تلك الفصيلة انما تكتشفهما في ماضي الانسان وتبدأ منهما لتخلق نوعها. وفي غمرة هذا الكشف وهذا البدء او ما بينهما يتدخل وعي الشاعر لا بقصدية الخلف الباحث عن اسلافه بل برؤيا الذي يوازن خطوه بهيبة فاتح نبيل.

"لقد اختار الشاعر كما في الفاتحة ان لا يبدأ بالاول وان لا يصعد الجبل من سفحه وأن لا يطأ السلالم من بدايتها. لقد اختار ان يبدأ بالملوك." صدر الكتاب عن "الدار العربية للعلوم ناشرون" في 96 صفحة متوسطة القطع.

بداية يوضح لنا الكاتب مسألة "تاريخية" فيقول "أملي الكتاب خلال السنوات 1980-1981 من بعد ميلاد المسيح و25 عاما من ميلاد ممليه ابن الانسان. القصيدة الاولي هي "فاتحة" التي اشير اليها في كلام عبد الزهرة زكي عن المجموعة.

يقول الشاعر "عادة/ يفتتح التعداد بالاول/ ويبدأ في صعود الجبل الممتد/ نحو الرب/ من سفحه/ ودأب الناس ان يطأوا السلالم/ من بدايتها .../ ولكني/ بما ان الذي امليه/ لا جبل ولا سلم.../ فاني سأبدأ بالملوك/ مقاصدي..."

وربما خطرت في بال القارىء فكرة مؤداها على رغم كل هذا الكلام ان البدء عند الشاعر ربما كان من "لا مكان" لان المكان الحقيقي الذي تولد فيه القصيدة انما هو التجربة الشعورية ولا تبدو هذه واضحة في هذا المخطط البارد الا في حالات محدودة.

والواقع انه بعد هذا المخطط الفكري لمشروع كتابات شعرية مرسومة موضوعاتها بشكل هندسي.. أيعود هناك مجال كاف لملء عالم هذا المخطط بشعر دافىء.. والشعر ليس امرا يمكن استحضاره نزولا عند رغبة باردة وليس امرا متوفرا "عند الطلب".

ننتقل الى القصيدة الثانية وعنوانها "مجد الجدود الاوائل" حيث يقول الشاعر "بأيام خوال/ بينما الادغال تجمع نفسها/ وتعد تربتها/ لامطار تجيء اشد ابهاما/ من اوراق في يدها/ وادراك الذي عجزت بقايا الارض/ عن ادراكه.. كنا ملوكا/ مكتفين بقوتنا/ نعلي البداءة/ كي تكون بمستوى الاشجار/ منغمسين في صون التوافق بيننا/ ونؤاخي الاسرار/ نكتسب الرؤى ومهارة الاشياء/

"بأذرعنا امتلكنا الانهر الكبرى/ انتزعنا الارض من بين المخالب والنيوب/ ولم نضعها/ منذ ذلك الحين/ ارسينا القرى أمدا/ ورافقنا الافاعي والنسور/ معتمدين الروح في سبع من الشهوات/ اهرقنا فحولتنا على سرر الارامل والبكور/ وفي مرابط خيلنا البلق/ اغظنا الشمس/ حين تداس لالاة لها/ تحت الحوافر/ نحن بارينا الرياحا/ مسدلين الشعر فوق الكتف/ فوق رؤوسنا التيجان/ والاقواس في يدنا/ ونصطاد الايائل والاسودا/ تيجاننا كانت من الذهب النقي/ كنا ملوكا../ وما يوما سلخنا جلدنا عنا/ ولا كنا كواسر وافترسنا نوعنا/ كنا ملوكا/ وتوجنا على هذا الاساس."

افكار كثيرة تحملها القصيدة دون شك. لكن وبصرف النظر عن صحة هذه الافكار او اهميتها.. هل يجعل ذلك ما جاء فيها شعرا.. اما اين نجد شعرا فالجواب هو اننا نجده في اماكن يتفلت فيها الشاعر من مخططه العقلي هذا ويكتب امورا ليست مرتبطة به بل بحالات بشرية وحالات من انعكاس الطبيعة في النفس البشرية. في تلك الحالات يكتب الشاعر شعرا بدفء وبنوع من الايقاع وشيء من التقفية احيانا.

في قصيدة "قوة الاشياء" يقول الشاعر "هيأت البذرة شكل الشجرة/ ورمتها وسط ذهول الريح/ هيأت الاشجار تفاصيل المدن/ وأقامت صورتها/ من حجر مهمل..."

وفي "خلق الملوك" تساؤل انساني لكنه يختم بعودة باردة الى المخطط "الملكي" يقول "كان من الممكن/ ان انمو غصنا في شجرة/ ينخرني السوس/ وتهجرني الثمرة/ كان من الممكن/ ان امسخ ذئبا/ يترصدني الراعي/ وتهر علي كلاب القرية والهررة/ كان من الممكن/ ان أرمى حجرا في قارعة الشارع/ يعثر بي الاخرق والعاقل/ كان من الممكن..."

لكنه بعد هذا التساؤل الانساني يعود الى ربط نفسه بالبارد المنطقي اي يعود الى المخطط فيقول في الختام "لكني كنت/ كما الت اليه الان/ غلاما فطنا/ وأميرا بين الناس/ يبتون بأمري/ وأنا الحاشية المثلى والبررة."

ختاما قد يسأل القارىء.. لماذا.. وما هي الجدوى الشعرية بل الفنية لجعل الشعر يخدم مخططا فكريا نعجز عن ملئه بتجارب دافئة فيتحول الامر بذلك الى "كولاج" ويتحول الشعر الى خادم "لملك" اخر او "لملوك" اخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/آب/2010 - 18/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م