دراما العنف والإرهاب على الشاشات العربية

 

شبكة النبأ: كل عام في رمضان ومنذ مواسم سابقة يتجدد الجدل الدائر حول الدراما العربية المقدمة في هذا الشهر الفضيل والتي تعالج مواضيع الإرهاب والعنف والتطرف في المجتمعات العربية والإسلامية.

هذا الجدل الدرامي سبقه ومنذ العام 2001 جدل فكري وسياسي بعد إحداث 11 أيلول وتفجير برجي التجارة العالميين في نيويورك والذي أدى الى ظهور نهج سياسي جديد عرف بالضربات الاستباقية وكان من نتيجته غزو أفغانستان والإطاحة بحكم طالبان الحاضن الشرعي لجماعات القاعدة المسئولة عن ذلك التهجير.

هذا العام تجدد الجدل بعد عرض الحلقات الأولى من مسلسل (الجماعة) وهو مسلسل مصري يتناول تاريخ جماعة الاخوان المسلمين وعلاقتها بالعديد من حوادث العنف في مصر ويتطرق الى بنيتها الفكرية الداعمة للعنف والتطرف.

المسلسل من تأليف السيناريست المصري وحيد حامد الذي تعرض لحملة من التشهير والتكفير متن قبل جماعة الاخوان والشخصيات المرتبطة بها وغبر وسائل الإعلام المتحدة باسمها أو المتعاطفة معها.

الإخوان المسلمون ومعهم عدد لا بأس به من أهل المعارضة وهؤلاء يرون فى المسلسل حالة تربص واضحة بالجماعة، وحالة تزييف لا ريب فيها لتاريخها وتاريخ رموزها، هكذا يرى الإخوان المسلسل وثيقة مزيفة كتبها مؤلف مشهور عنه عداوته للجماعة وحولها إلى مسلسل درامي تحمست الدولة لعرضه فى الموسم الرمضاني الأعلى مشاهدة لضرب الإخوان فى مقتل قبل الانتخابات البرلمانية القادمة.

وقال وحيد حامد، في تصريحات صحفية: "فوجئت بتصريحات لأحمد سيف الإسلام في إحدى الصحف، يقول فيها إنني كافر، وعدو، ولا أعترف بالإسلام ولا المسيحية ولا اليهودية"، ووصف حامد تصريحات نجل البنا بأنها خطيرة، وقال "كلامه يمس بعقيدتي، وهذا ما لا أقبله، ولا يقبله أيضاً أي مسلم، وهذا ما إضطرني إلى اللجوء للنائب العام مباشرة، للتحقيق فيما قيل ضدي، وليتخذ الإجراءات اللازمة لأنني لا أقبل أي إهانة من أي شخص مهما كانت درجة الخصومة بيننا."

يجذب مسلسل (الجماعة) الذي يرصد صعود جماعة الأخوان المسلمين أكبر جماعة معارضة في مصر أنظار المشاهدين لكنه يثير غضب قيادات الجماعة الذين يرون فيه محاولة لتشويه اسمها قبل انتخابات برلمانية مقررة العام الحالي.

ويظهر المسلسل كيف كانت لدعوة الأخوان للعودة الى جذور الإسلام صدى في العشرينات من القرن العشرين عندما كانت مصر تحت الاحتلال كما توضح الجاذبية التي اكتسبتها الجماعة بعد الاستقلال عندما أيد الفقراء انتقادها للتأثير الغربي على المجتمع المصري ذي الأغلبية المسلمة.

ويعرض مسلسل (الجماعة) الذي تكلف إنتاجه 35 مليون جنيه مصري (6.15 مليون دولار) يوميا في التلفزيون المصري الرسمي خلال شهر رمضان وفي توقيت ترتفع فيه نسب المشاهدة التلفزيونية عندما تجتمع العائلات والأصدقاء في المساء بعد تناول الإفطار.

وقال الناقد السينمائي طارق الشناوي "الحكومة لا يمكن أن تنشر مسلسلا بهذا الشكل إلا إذا كانت سعيدة وحريصة عليه" وأضاف أن الحكومة تكون حذرة للغاية عندما يتعلق الأمر بالإخوان.

ويتتبع مسلسل (الجماعة) عمل ضابط شرطة مصري شاب يقرر استكشاف ماضي الإخوان بعدما استجوب بعض الطلاب الذين انضموا للجماعة.

وأظهر المسلسل أعضاء الجماعة في أول 12 حلقة منه على أنهم يتسمون بالعنف ويستغلون الدين لتحقيق أهدافهم الشخصية ولا يكترثون كثيرا بالشعب المصري.

وينظر الكثير من المصريين الى حسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان عام 1928 وكان يعمل معلما على أنه شخصية تقية وملهمة لكن شخصيته في المسلسل تظهره خبيثا يلهث وراء السلطة.

وقال محسن راضي وهو نائب من جماعة الاخوان في البرلمان المصري ان كاتب المسلسل وحيد حامد "يريد أن يدمر الجماعة ... لو كان محايدا لوضع الموضوع أمام الرأي العام لكنه يشوه فقط ويزور التاريخ الحديث والقديم ... الكاتب يأخذ أوراقا متناثرة ليتسلل الى ثغرات لتحقيق أهداف غير أخلاقية لتشويه صورة الجماعة."

ويصر حامد على أن مسلسله منصف.

وقال في مقابلة مع تلفزيون رويترز "أنا اكتشفت بعد ما عديت سن الستين إني ما عنديش (ليست لدي) معلومات كاملة عن الإخوان، قلت إن الأجيال الجديدة الموجودة من حقها أن تعرف. عشان كدا (لهذا) عملت المسلسل حتى أقدم للناس من هم الإخوان بصفة حيادية تماما."

وفي أحد مشاهد المسلسل يتفق قيادي في الجماعة مع رئيس تحرير صحيفة على أن يشتري ألف نسخة من صحيفته كل شهر في مقابل خدمات.

ويظهر المسلسل ضباط الشرطة وهم يعاملون أعضاء جماعة الإخوان المسلمين برفق ويعرضون عليهم شرب الشاي والقهوة أثناء استجوابهم.

وقال قياديون في الجماعة إن مثل هذه المشاهد غير واقعية وكرروا اتهامات تنفيها الحكومة المصرية بتعرضهم لإساءة المعاملة أثناء فترة الاحتجاز.

وقال عصام العريان وهو قيادي كبير في الإخوان المسلمين قضى ثمانية أعوام ونصف العام في السجن "التحقيق (معي) كان كله تعذيب وإهانة ولم يقدموا لي قهوة ولا شايا.. وهذا على عكس ما يقدم في المسلسل."

ويهون محللون من احتمال أن يكون للمسلسل أي تأثير سياسي. وقال نبيل عبد الفتاح من مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية " المسلسل قد يساعد في تقليل شعبية الجماعة ولكن ليس بصورة كبيرة ... قد يحدث أثرا صغيرا لان المسلسل براق ويأتي بعد الخلافات بين أعضاء الجماعة التي ظهرت على السطح في السنوات الأخيرة لكن الجماعة لا تزال قوية."

وقد  حظيت موضوعة الإرهاب بتناول العديد من الدراسات لها ومن جوانب مختلفة إلاّ انه من النادر أن تجد دراسات عالجت هذه (الموضوعة) من زاوية علاقتها بالإعلام ، خاصة التلفزيون الذي ينفرد من بين وسائل الإعلام الأخرى بميزة الاستخدام الأكثر من قبل الجمهور وبتأثر هذا الجمهور بالمضمون التلفزيوني بشكل غير واع ، كما لم يحض موضوع العلاقة بين الإرهاب ووسائل الاتصال بصورة عامة وبين الإرهاب والتلفزيون بصورة خاصة إلاّ باهتمام قليل من الباحثين وذلك على الرغم من أن المختصين بدراسة علوم الإعلام والاتصال والمهتمين بشؤون الإرهاب من أمثال الباحث (أتش ميللر) مدير أبحاث الإرهاب في مؤسسة (راند) الأمريكية، ورئيس جهاز الأخبار في (أن بي سي) كروس مان ، وخبير الإرهاب في وزارة الدفاع الأمريكية (رودولف ليفي) يتفقون على أن هناك علاقة متبادلة بين الإعلام والإرهاب ويرون أن هذه العلاقة أصبحت الآن تشبه شراكة بين مؤسستين أحداهما تقوم بصنع الحدث والأخرى تسوّقه ، ويؤكد هؤلاء المختصين والمهتمين أن للإعلام والدعاية في أحيان كثيرة أهمية تزيد على العمل الإرهابي نفسه، فهما يوفران للعمل الإرهابي الديمومة والحصول على التمويل اللازم ويقومان بتلميع صورة القائمين بالفعل الإرهابي مما يضمن حصول التأييد وتأمين تجنيد مقاتلين جدد الى التنظيمات الإرهابية، ويضيفون أن مسؤولية التلفزيون تتأكد من خلال وجود (عَرض) المقلد للإرهاب هذه الأيام وذلك من خلال التغطية المجانية التي يقدمها التلفزيون للعمليات الإرهابية.

وقد سجّل التاريخ على مرّ العصور والأزمان أغرب أساليب العنف والعدوان والتعسف ، فردياً وجماعياً ، ضد الأفراد والشعوب والمجتمعات، وقد مورس هذا العنف من قبل أفراد وجماعات منظمة وحكومات . وقد اختزن التاريخ الإنساني للشعوب والمجتمعات أدلة كثيرة على ما مورس ضدها في هذا الجانب.

يقول كيت سميث في دراسته الموسومة (جرائم العنف): (أن التاريخ ليس أكثر من سجل لجرائم بني البشر وحماقاتهم ومصائبهم، وان التاريخ ليس أكثر من صورة للجرائم والمحن الإنسانية وعليه فان العنف والإرهاب هما أخطر سلاح أسسته السياسة ومارسته الدول ضد شعوبها عبر التاريخ البشري للشعوب والمجتمعات .

وعند مناقشة الأسباب الرئيسة للعنف والإرهاب نجد أنها محصلة للاختلاف الثقافي والمعرفي بين الجماعات والمجتمعات المختلفة بشكل أدى الى أن (يلازم الإرهاب الحياة البشرية منذ بداياتها لأنه بنظر أهله هو الأسلوب الأقرب للوصول الى الأهداف والمصالح) .

وفي ظل البيئة العالمية الحالية تتولد أشكال عديدة للعنف أهمها الآن هي ظاهرة (الإرهاب) هذه الظاهرة التي طغت بشكل واضح وملحوظ في عصرنا الراهن .

ويعد الإرهاب في شكله ومضمونه نوع من أنواع العنف (المرضي) ويقترب في الكثير من صوره ودوافعه وأهدافه من السلوك الإجرامي حيث أن (أيّ عنف منظم ومدبر يعد سلوكاً اجرامياً).

ويمكن تعريف (العنف) انطلاقاً من أبسط معانيه الاجتماعية بأنه الاستعمال غير القانوني لوسائل القسر المادي أو البدني ابتغاء تحقيق غايات شخصـية أو اجتماعية أو دينية أو سياسية .

وسيتناول  الباحث في هذه الدراسة ظاهرة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (2001) وما رافقها وما تبعها من (تزيين) وترويج إعلاميين لهذه الأحداث من خلال بعض الفضائيات العربية وما جرى من تصوير لها على أنها فتح إسلامي جديد الأمر الذي أدى الى حدوث ردّة الفعل العنيفة ضد العرب والمسلمين من خلال محاولة الربط بين ما حدث وبين الإسلام (فكراً وثقافة) ومحاولة تصويره على انه دين العنف والارهاب .

وبما اننا نعيش زمن العولمة والقرية الكونية الواحدة وعصر الفضاءات المفتوحة فقد أصبح للكلمة (المرئية) تأثيرها المباشر على المجتمع من خلال ما يعرض وما يشاهد ، حيث أصبح (التلفزيون) والصحافة الالكترونية يكتسحان كل وسائل الإعلام الأخرى (إن كان ذلك في نسب القراءة والاستماع المتداولة عالمياً واقليمياً ومحلياً أو في توسع شبكات الإعلام في الانتشار الحقيقي أو في الإيرادات الإعلانية)، (وبهذا الاتجاه أحدثت الفضائيات العربية وما تزال انقلاباً حقيقياً في المفاهيم بات معها المستقبل مفتوحاً على تحديات كثيرة وكبيرة ، ومع تطور تكنولوجيا العلوم وعلوم الاعلام والاتصال، أصبحت (الصورة) التلفزيونية هي سيدة التعبير و (مالكة النظر والسمع والانتباه والفكر الواعي واللاواعي) .

وتتمتع الصورة التلفزيونية بقدرة كبيرة في الاستحواذ على اهتمام المتلقي وحواسه وكأنها فعل ساحر . عن ذلك تقول ماري وين: (أن التدفق الهائل والمتغير باستمرار للصور والأصوات الخارجية من الصندوق العجيب والتنوع غير المنتظم للمشاهد التي تصدم العين وهدير الأصوات البشرية وغير البشرية التي تنقض على الاذن يدخل المشاهد في وهم عيش تجربة كثيرة التنوع) .

أي أن التلفزيون له القدرة على خلق واقع جديد يعيشه المتلقي نظراً لخصوصيته في كونه وسيلة اعلامية لها تأثير مزدوج على المشاهد من خلال الصورة والكلمة وقد ركز الباحثون والدارسون على أهمية المحتوى الذي يعرضه التلفزيون وركزوا في هذا الجانب على سلوكيات (المتلقي) حاضراً ومستقبلاً حيث (بات المعروض يشكل خطراً على جمهور المتلقين بعد أن حاول الاعلام الفضائي أن يروّج للارهاب من خلال شرائط العرض التي قدمت الارهابيين على انهم أبطال وانهم موجودون ويحققون أهدافهم التي يريدونها رغم أنف السلطة والمجتمع).

ان الناس في المجتمعات المعاصرة أصبحوا أكثر اعتماداً على مصادر غير شخصية للخبرة وأن صناعة الثقافة الجماهيرية أصبحت منتجاً تقدمه وسائل الاعلام ويقف في مقدمتها التلفزيون الذي ينفرد بالاستخدام غير الانتقائي من قبل الجمهور، و الناس يمتصون المعاني التي يقدمها التلفزيون بشكل غير واع مما يخلق وجهات نظر وغرس معتقدات جديدة لديهم).

وفي ظل ازدحام خريطة البث التلفزيوني بكم هائل من القنوات الفضائية التي تتنوع برامجها

 من حيث الشكل والمضمون، أصبحت هذه الفضائيات تحتل مساحة هامة في حياة المواطن العربي (معدل مشاهدة الطفل العربي للتلفزيون يصل الى أعلى مستوياته في المراحل الأولى من المراهقة ليفوق ثلاث ساعات يومياً ويصل أحياناً الى ٤ ساعات في اليوم),  كما أن فترة المراهقة تعتبر في الأساس فترة بناء ثقافي واجتماعي حيث أن ما تلعبه المرأة ، وما يقوم به الرجل مجتمعياً في المستقبل انما هو نتاج لما (يغرس) في عقول المراهقات والمراهقين وما يتاح أمامهم من فرص وإمكانيات، وبالرجوع الى (الطفل) سواء كان بنتاً أو ولداً فأن الامتياز الذي يحققه التلفزيون يجعل هذا (الطفل) يعتقد أن ما يراه من شخصيات ومواقف في المضمون التلفزيوني إنما هي شخصيات ومواقف (حقيقية) لا (افتراضية) وهي تمثل الواقع الحقيقي.

وقد تعددت وتنوعت التعاريف المتعلقة بالإرهاب منها:

 1– تعريف مورجان: الإرهاب هو نوع من العنف المتعمد تدفعه دوافع سياسية، موجه نحو أهداف معينة تمارسه جماعات معينة أو عملاء سريون لإحدى الدول.

2 – تعريف كوفال . م: الإرهاب هو القتل العمد المنظم الذي يهدد الأبرياء ويلحق الأذى بهم بهدف خلق حالة من الذعر من شأنها أن تعمل على تحقيق غايات معينة.

3– تعريف عزت سيد إسماعيل: الإرهاب استخدام متعمد للعنف أو التهديد باستخدام العنف من قبل بعض الدول أو من قبل جماعات تشجعها وتساندها دول معينة لتحقيق أهداف سياسية وإستراتيجية وذلك من خلال ممارسة أفعال خارجة على القانون تستهدف خلق حالة من الذعر الشامل في المجتمع.

4- تعريف الكسندرو بيكرد: الارهاب استخدام متعمد للعنف أو التهديد باستخدام العنف من قبل بعض الدول أو من قبل بعض جماعات تشجعها وتساندها دول معينة لتحقيق أهداف ستراتيجية وسياسية وذلك من خلال ممارسة أفعال خارجة على القانون تستهدف خلق حالة من الذعر الشامل في المجتمع.

5- تعريف مكتب المباحث الفيدرالي اف بي آي: أن الارهاب استخدام غير مشروع للقوة ضد الأشخاص أو الممتلكات كي يسيء الى الحكومة أو المدنيين أو قطاع من المجتمع وذلك لتخقيق أهداف سياسية أو اجتماعية.

6- تعريف ت . كوهان: الارهاب هو استخدام طرق عنيفة كوسيلة، الهدف منها نشر الرعب للاجبار على اتخاذ مواقف معينة أو الامتناع عن موقف معين، وهو وسيلة وليس غاية، ووسائله عديدة ومتنوعة وتتميز بطابع العنف وتخلق حالة من الفزع والخوف.

7- تعريف محمد بسيوني: الارهاب هو ستراتيجية عنف محرم دولياً تحفزها بواعث عقائدية (آيديولوجية) وتتوخى إحداث رعب داخل شريحة خاصة من مجتمع معين لتحقيق الوصول الى السلطة بغض النظر عما اذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل أنفسهم ونيابة عنها أم نيابة عن دولة من الدول.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/آب/2010 - 15/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م