سياحة العراق تستعيد القها وتبشر بمستقبل واعد

 

شبكة النبأ: قد تكون هناك سلبيات لموجات الحر التي تمر على العراق في هذه الفترة، فهي تتعب المواطن وتعكر مزاجه، حيث ان درجات الحرارة تؤثر على نفسية الشخص، كذلك هي تسبب حالات اختناق لمن لديه امراض في الجهاز التنفسية وخاصة لدى كبار العمر، وما يزيد الطين بلة هو انقطاع التيار الكهربائي الذي اصبح يزور المنازل بفترات قليلة، مما يجعل المواطن يبحث عن وسيلة لأطفاء غضبه وللترفيه عن نفسه والهروب من الجو الخانق وخاصة في مناطق الجنوب والوسط من البلد، ولكن كل هذا كان ذات فائدة الى اخرين، وهم من يسكنون في منطقة الشمال من العراق، فبالإضافة الى انهم ينعمون بجو بارد ومنعش، ويمتلكون مناظر خلابة تسر ناظريها، تبعث على الطمأنينة والراحة النفسية، فهم ينعمون بسياحة ضخمة خلال هذه الاشهر، بسبب الوفود التي تأتي هاربة من مناطق الحر مستنجدة بهواء الشمال العليل ومصايفه الهادئة، وبالمقابل طالب العديد من العراقيين الاهتمام بسياحة البلد كونها تعتبر باب من الابواب التي تزيد من ميزانية البلد لما تجذبه من سياح، كذلك طالبوا اعادة بناء او ترميم بالمناطق السياحية الموجودة في المناطق الوسطى والجنوبية وجعلها مشابهة لشمال العراق كي لا يضطر المواطن بعد الان ان يقطع كل هذه المسافة لأيجاد متنفس من فتك الحر.

حرارة الصيف ونقص الكهرباء

وخلال ذلك تشهد مدن اقليم كردستان العراق انتعاشا في الحركة السياحية هذه الايام بفضل افواج العراقيين القادمين من وسط وجنوب البلاد هربا من حرارة الصيف والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي في بلدة شقلاوة شمال اربيل عاصمة اقليم كردستان (320 كلم شمال بغداد)، انتشرت العائلات العربية والكردية واختلطت الموسيقى الكردية بالعربية التي تبثها المقاهي التي انتشرت على الروابي الخضراء.

وتصل هذه الافواج بالتنسيق مع شركات سياحية محلية تقوم بتنظيم رحلات لفترات محدودة للاسترخاء في ظل درجات حرارة ربيعية في اقليم كردستان الذي يتمتع اضافة الى مناطقه السياحية وطبيعته الخلابة باستقرار امني كبير مقارنة بباقي مناطق العراق. وفي بلدة شقلاوة شمال اربيل عاصمة اقليم كردستان (320 كلم شمال بغداد).

ويقول خليل إسماعيل (56 عاما) مدرس من اهالي حي المشتل في بغداد، الذي جاء مع عائلته الى بلدة شقلاوة، خمسين كيلومترا شمال اربيل، ان "حرارة الجو في بغداد لا تطاق والانقطاع المستمر بالكهرباء يزيد الامر سوءا، لذلك قررنا المجيء الى كردستان حتى انتهاء موجة الحر". وتعيش مناطق وسط وجنوب العراق، اياما شديدة الحرارة بفعل موجة الحر التي ترتفع فيها الحرارة الى نحو خمسين درجة مئوية، الامر الذي دفع حكومة البلاد الى اتخاذ قرار بتعطيل الدوام الرسمي في حال الارتفاع المفرط في درجات الحرارة. وما يزيد الامر صعوبة، انقطاع التيار لساعات طويلة يصل الى عشرين ساعة في اليوم، في معظم مناطق العراق في ايام صيفية لاهبة.

وتقول ابتهاج عبد الخضر (34 عاما)، والتي جاءت مع عائلتها من البصرة (550 كلم جنوب بغداد) وهي تجلس على سفح جبل سفين في شقلاوة "لايمكن وصف فارق درجات الحرارة بين البصرة وكردستان وحلاوة الجو والمناطق الخضراء والينابيع التي من حولنا". وتابعت "جئنا في البداية على اساس البقاء ايام قليلة، ولكننا سنحاول تاخير عودتنا اطول قدر ممكن".

وقال مولي جبار مدير عام السياحة في اقليم كردستان "نتوقع زيادة كبيرة في اعداد السياح القادمين الى الاقليم هذا العام". واضاف ان التقديرات الاولية تشير الى زيادة تصل الى اكثر من 20% عن العام الماضي. بحسب وكالة فرانس برس .

وخلال موجة العنف الطائفي التي اجتاحت معظم مناطق العراق خلال الاعوام 2005-2008، لم يكن بامكان العراقيين من اهالي الوسط والجنوب دخول اقليم كردستان دون ضمانة يقدمها شخص من اهالي الاقليم.

ولكن اليوم، قامت حكومة اقليم كردستان الذي يضم محافظات اربيل والسليمانية ودهوك والتي تتمتع باستقلال واسع بتقديم تسهيلات كبيرة للشركات السياحية والزوار المتوجهين للمناطق السياحية، بعد ان كانت تفرض اجراءات امنية مشددة لمنع تسلل الارهابيين الى الاقليم.

وقال ياس احمد (27 سنة) القادم مع مجموعة من اصدقائه من بغداد الى شقلاوة بعد جولة زار خلالها دهوك والسليمانية، ان "كردستان هي المتنفس الوحيد للعراقيين" واعرب عن امله في "بناء فنادق ومشاريع سياحية تستوعب اكبر عدد ممكن من العراقيين". واكد رفيقه علي حسين (24 عاما) "بصعوبة كبيرة وجدنا مكانا للمبيت في فندق، بعد جولة استمرت ساعات".

وساهم توافد الزوار في انتعاش العمل في الفنادق والمطاعم والمقاهي في عموم الاقليم. وقال هيزا سيركو صاحب فندق "اسوس" في السليمانية (270 كلم شمال بغداد)، "جاءنا عدد كبير من السياح، خصوصا من بغداد" وتابع "اول شيء يسألون عنه هو الكهرباء".

بدوره، قال سرود قادر (64 عاما) صاحب فندق "قصر دية" في شقلاوة ان "الاقبال كبير جدا على المناطق السياحية هذا العام مقارنة بالاعوام الماضية".

واكد دادفان صبحي احد المسؤولين في فندق "سولاف" في دهوك ان "اعداد السياح هذا الصيف كبيرة جدا وتقدر بضعف اعدادهم في العام الماضي"، مؤكدا "اضطررنا عدة مرات الى ارشادهم الى فنادق اخرى في مناطق خارج دهوك لعدم وجود اماكن شاغرة لدينا".

واعرب عن امله بان "يتبى المسؤولون في الاقليم خطة تؤمن بناء فنادق وتطبيق انظمة تؤمن تحقيق استثمارات سياحية في كردستان".

وقال سامر عبد الله (62 عاما) من الموصل وهو يراقب حفيده البالغ من العمر عشرة اعوام وهو يلعب في بركة ماء يتدفق من شلال سيبه في عقرة (150 كلم شمال غرب اربيل)، ان "حرارة الصيف والانقطاع المستمر للكهرباء ومتاعب الحياة دفعتنا للبحث عن الراحة".

وتنتشر في الاقليم عشرات المصايف بينها مصايف بينها سرسنك وسولاف وسيبة في دهوك و شقلاوة وكلي علي بك وشلالات بيخال في اربيل ومناطق سياحية اخرى في السليمانية بينها سدوكان وسرجنار وجبل ازمير.

آليات جديدة

من جهتهم دعا مواطنون الى تفعيل دور السياحة في العراق خاصة السياحة الدينية التي تعد الأنشط في البلاد وتنظيم دخول السياح وفق آليات وبرامج منظمة.

وطالبوا بضرورة ان تكون السياحة موردا ماليا اخر للبلاد وعدم الاعتماد على النفط فقط، كما طالبوا البرلمان الجديد بوضع القوانين والآليات التي من شأنها الارتقاء بهذا القطاع.

وقال المواطن حامد علي /52 عاما/ :" ان العراق يحتاج الى إعادة إكتشاف قدراته السياحية، فهو عراق الحضارة والشعر والأدب والتاريخ، عراق المنائر والأضرحة والتنوع المناخي، عراق القوميات واللغات والأديان والمذاهب والثقافات والأطعمة، العراق حالة فريدة من التنوع الذي يحتاجه السائح ".

واضاف: "إن السياحة تؤدي الى تلاقح الأفكار والحضارات والرؤى، والشعب كالفرد إذا انعزل توحش، ومن حق بغداد أن تنفتح على العالم، ومن حق البصرة أن تنافس دبي والكويت، ومن حق كربلاء أن تضاهي مثيلاتها من المدن المقدسة في العمران والخدمات، فالعراق أفضل مكان للسياحة العائلية".

فيما ذكر المواطن علي عبد الله:" ان السياحة بدأت تنشط في العراق على الرغم من الاوضاع الامنية التي تشهدها البلاد، لذا يجب على الحكومة والبرلمان المقبلين وضع القوانين والتشريعات والاليات التي تخلق اجواء سياحية مشجعة للقدوم الى العراق ". واكد " ان السياحة لو استغلت بشكل امثل فانها ستساعد كثيرا في زيادة موارد الدولة المالية ".

من جانبه طالب المواطن فاضل عباس القريشي /35 عاما/ بضرورة تنظيم دخول السياح الى الاماكن الدينية، مبينا ان "هناك نوعا من العشوائية في دخول الزوار والسواح الاجانب الى البلاد، ولا نرى اي تنظيم لدخولهم والاجراءات المتخذة غير كافية لتنظيم توافد الزوار الى المراقد المقدسة من البلدان الاسلامية ".

من جهته قال المستشار الاعلامي لوزارة الدولة للسياحة والآثار عبد الزهرة الطالقاني: "ان السواح بصورة عامة والسواح الدينيون بصورة خاصة يدخلون الى العراق عبر المنافذ الحدودية والمطارات". بحسب الوكالة الوطنية العراقية للانباء .

واضاف: "ان اعداد السواح وتنظيم تحركاتهم لا يتعلق بالوزارة فقط وانما بوزارات اخرى مثل الخارجية والتي تلعب دورا كبيرا في تهيئة الاجواء الدبلوماسية، ووزارة الداخلية هي الاخرى من جهة تنظم عملية منح الفيزا والاقامة والتأشيرات، ووزارة النقل تشرف على نقل السواح من خلال شركة الخطوط الجوية العراقية والنقل البري".

واشار الطالقاني الى ان هناك 40 مشروعا جديدا في كربلاء واكثر من 60 مشروعا قيد الانشاء تخدم السياحة في محافظة النجف من شأنها تطوير هذا القطاع الحيوي.

وتابع :" ان هناك تناميا في اعداد الزائرين، وقد ازدادت هذا العام عن العام الماضي بنسبة 50 بالمائة، ما يدل على ان السياحة في العراق ينتظرها مستقبل واعد وتحتاج الى جهود كبيرة سواء من الوزارة او من باقي المؤسسات الحكومة وهذا يتوقف على حجم الدعم لهذا القطاع الحيوي.

بحيرة الحبانية تستعيد أيامها

بينما عاد المصطافون العراقيون يتدفقون على منتجع الحبانية الذي كان في وقت من الاوقات مقصدا لحديثي الزواج ومحلا مختارا لحفلات العرس وذلك بعد تحسن أوضاع الامن في محافظة الانبار بغرب العراق حيث تقع المدينة. واقيمت مدينة الحبانية السياحية على شواطئ بحيرة الحبانية عام 1979.

واثرت أعمال العنف بشدة على السياحة هناك حيث كانت محافظة الانبار ملاذا سابقا لتنظيم القاعدة. كما تقع البحيرة بالقرب من الفلوجة التي شهدت بعضا من أعنف المعارك بين المسلحين والقوات الامريكية والعراقية. وتحسنت أوضاع الامن بدرجة كبيرة في العام المنصرم مما أغرى عددا متزايدا من المصطافين العراقيين بزيارة البحيرة.

لكن منطقة بحيرة الحبانية بحاجة للكثير من اعادة التأهيل لتستعيد رونقها القديم في وقت يسعى فيه العراق لدعم قطاع السياحة. والحبانية من اماكن الترفيه القليلة لكثير من العراقيين لانها المكان الوحيد لتمضية العطلات في المنطقة.

وقال ابو ياسين الذي احضر عائلته لقضاء العطلة بالمنتجع "المفروض هذه الحبانية تصير احلى من الشمال. المفروض ان يكون هناك حدائق جميلة.. مطاعم.. مدينة العاب ومسابح وصالات العاب. لكن هذه كلها ما موجودة. اتمنى ان تكون احلى واحسن في زيارتي القادمة."

وتوافقه في الرأي ام مصطفى التي تقضي عطلتها ايضا في الحبانية. وقالت أم مصطفى في اشارة الى اقليم كردستان العراقي شبه المستقل "يحتاج لها كهرباء وادامة (صيانة) والدور (الاكشاك) غير جاهزة. خلي الدولة تهتم به اكثر لان هذا هو المتنفس الوحيد للشعب العراقي وخاصة الناس في المنطقة الوسطى والجنوبية. يعني هسة (الان) الشمال احسن من الحبانية لكن احنا (نحن) ما نقدر نوصل للشمال."

ومنذ الغزو الامريكي عام 2003 فر اكثر من 12 الف اسرة الى الحبانية هربا من أعمال العنف الطائفية. وقال حميد عبود العدي المدير العام لمدينة الحبانية السياحية "هذا المرفق السياحي عانى ما عاناه من 2003 ولحد الان بحكم ظرف الانبار العام وظرف المدينة السياحية بشكل خاص. صار موضوع المهجرين والنازحين للمدينة السياحية وبالتالي اثر على البنى التحتية للمدينة السياحية وعلى الخدمات.

التخصيصات المخصصة من قبل الحكومة المركزية والمحلية لا تكاد تذكر بالارقام. عندما افتتحنا المدينة عام 2009 اعتمدنا على مواردنا الذاتية بتأهيل المدينة وتطويرها لكن تبقى خطواتنا بطيئة لان مواردنا ضعيفة وامكانياتنا ضعيفة."

وتابع العدي قائلا "المدينة السياحية في هذا الموسم افضل من المواسم السابقة لاسباب كثيرة ان كثير من المنظومات التي لم نستطع استكمالها في الموسم السابق استكملت الان من ضمنها محطة المياه التي كانت معطلة الموسم السابق لكن الان تعمل.

ايضا تم تهيئة عدد من المطاعم التي تخدم المواطن. وعدد الوحدات السكنية ازدادت في هذا الموسم. عدد الزوار في تزايد ملحوظ. المدينة السياحية في وضع افضل."

أول حلبة تزلج جليدي بالعراق

في سياق متصل أصبح لدى سكان اربيل عاصمة الاقليم الكردي في شمال العراق شيئا يتطلعون اليه خلال شهور الصيف الحارة. انها حلبة للتزلج على الجليد في مجمع رياضي وترفيهي في قلب المدينة وهي الاولى من نوعها في كردستان والوحيدة العراق كله.

وتردد كثيرون في الاونة الاخيرة على الحلبة لممارسة التزلج. واستقبل سكان اربيل حلبة التزلج على الجليد بحفاوة رائعة.

وقال شاب يدعى مصطفى محمد كان يمارس التزلج في الحلبة "رائع. ليس له مثيل." وأضاف "أتمنى يكون في كل العراق وعلى نطاق بلد. يعني مدينة كاملة. فأربيل أتمنى ان العراق يصبح مثل أربيل لانه مدينة سياحية جدا وأتمنى كل العالم وكل البلدان يأتوا لاربيل لانه مدينة خيال. لا أستطيع ان أصف جمالها وأتمنى العراق يصبح مثل (اربيل)."

وبلغت كلفة مشروع حلبة التزلج الذي يشمل مقهى ومقصفا زهاء مليوني دولار. وتفتح حلبة التزلج على الجليد أبوابها من الساعة التاسعة صباحا وحتى منتصف الليل.

وقال كردي يدعى زهير جاء الى الحلبة بصحبة أسرته "طبعا فكرة جيدة. الايس هول (حلبة التزلج) كبداية. أتمنى هذا المكان الجديد هنا. جميل نأتي للتمتع مع أطفالي بمكان جميل ونتمنى ان شاء الله يعملون معانا لعب واكثر." ومنذ افتتاح حلبة التزلج في يونيو حزيران 2009 وصل العدد اليومي لزوارها الى عدة مئات وأحيانا عدة الاف. ويزيد عدد الزوار في شهور الصيف القائظ ويحضر كثيرون من مناطق أخرى في العراق خارج اقليم كردستان.

ويرى بعض الزائرين القادمين من العاصمة بغداد أن حلبة التزلج هي موقع الجذب الرئيسي للزوار في كردستان.

وقال مدرب في حلبة التزلج يدعى طارق نزار "هذا شيء حلو واني مارسته هنا جيت لعبت هنا يوميا خمس ساعات. ألعب هنا فد شيء حلو اني تعلمته واني هسه (الان) مدرب هنا أدرب اولاد وبنات وكبار بالعمر. أدربهم هنا شيء حلو." بحسب وكالة الانباء البريطانية .

ويبلغ رسم التزلج لمدة ساعة خمسة الاف دينار عراقي (أقل من 4 دولارات) كما يدفع المتفرجون الذين يفضلون المشاهدة بدلا من ممارسة التزلج 1000 دينار في الساعة (أقل من دولار).

والمشروع من بنات أفكار اثنين من رجال الاعمال الاكراد كانا يعيشان في ألمانيا على مدى سنوات واستوحياه من حلبة للتزلج على الجليد في دبي.

وقال دلير توفيق أحد الرجلين "صار لي تقريبا 16 سنة خارج البلاد عايش فرجعت بفكرة جديدة وحبينا انه نشارك بهذا التطور الذي يحدث بأربيل. والحمد لله والشكر.. طبعا الامن والامان الموجود ساعدنا على هذه الامور."

وتنعم منطقة كردستان التي تتمتع بحكم ذاتي واسع النطاق في شمال العراق باستقرار نسبي مقارنة بالجزء الجنوبي من البلاد الذي يعصف به العنف منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/آب/2010 - 13/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م