الأقليات في العراق... صورة لوطن مهشم

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على قرار خاص بأحوال الأقليات الدينية والعرقية العراقية الذي وضعه، مجموعة من المشرعين الأمريكيين المناصرين لحقوق الإنسان والمدافعين عن الأقليات الدينية والعرقية, برئاسة السناتور كارل ليفين.

ويعرب القرار 322 عن قلق مجلس الشيوخ الأمريكي تجاه ما تعرض ويتعرض له العديد من أطياف الشعب العراقي من مضايقات وأعمال عنف، ويناشد الإدارة الأمريكية تقديم العون للعراق، حكومة وشعبا من أجل حماية الأقليات الدينية والعرقية.

وجاء في حيثيات القرار أن ما يقرب من مليونين و400 ألف لاجئ وطالب لجوء، فروا من العراق منذ عام 2003, وقد فر العديد من الأقليات الدينية، الذين يشكلون حوالي 3 في المائة من سكان العراق في عام 2003، إلى مناطق أخرى في العراق أو إلى دول أخرى.

ودعا القرار إلى ضرورة أن تحث الإدارة الأميركية، وبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" الحكومة العراقية على تعزيز الأمن في أماكن العبادة في العراق، والعمل مع مجتمعات الأقليات وممثليهم لوضع التدابير اللازمة لتنفيذ المادة 125 من الدستور العراقي الذي يضمن الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة.

كما دعا القرار الإدارة الأمريكية إلى تقديم مساعدات مباشرة لمشاريع تطوير قدرة الأقليات العرقية والدينية في العراق على تنظيم نفسها سياسيا ومدنيا, إلى جانب مواصلة تمويل برامج بناء القدرات لصالح وزارة حقوق الإنسان العراقية.

وقال المدير التنفيذي للمجلس الكلداني الأمريكي جوزيف كساب الذي شارك مع مجموعة المشرعين في وضع جانب من القرار أن "القرار يضاف ليس فقط إلى القرارات التي تبين ما تتعرض له الأقليات الدينية والعرقية وغيرهم من أطياف الشعب العراقي,بل ويحمل طابعا هاما لجهة الإقرار بوجوب اتخاذ خطوات عملية من جانب الإدارة الأمريكية في هذا المجال".

 في الردود على هذا القرار اعتبر ساسة عراقيون قرار مجلس الشيوخ الاميركي الذي طالب بحماية الأقليات الدينية والعرقية في العراق ، تدخلا في الشأن العراقي، فيما عبر ممثلون للأقليات العراقية عن استغرابهم من تزامن القرار مع قرب انسحاب القوات الاميركية من العراق، وخشيتهم من أن ينعكس سلبا على حقوقهم، لكن آخرين توقعوا أن يكون هذا القرار بداية لنشر قوات دولية لحماية الأقليات وخاصة في نينوى.

ويقول رئيس تجمع الشبك حنين القدو إن "الحكومة العراقية هي التي أعطت مبررا لمجلس الشيوخ الاميركي للتدخل بالشأن العراقي، لعدم اتخاذها إجراءات عملية لحماية الأقليات في العراق، التي يعاني بعضها من وضع مأساوي في بعض محافظات العراق كنينوى".

ويضيف القدو أن "الأقليات تعرضت إلى عمليات اضطهاد من قبل بعض الأحزاب المؤثرة في العملية السياسية وبعض الجماعات المسلحة، وعلى الحكومة وضع إجراءات كفيلة بحمايتهم قبل تدخل الدول الأخرى"، لافتا إلى أن "تعرض الايزيديين والشبك والصابئة والمسيحيين إلى الاضطهاد أعطى المبرر للولايات المتحدة للتدخل بالشأن العراقي".

ويرى رئيس تجمع الشبك أن "اتخاذ الولايات المتحدة لهذا القرار جاء لتخوفها من أن تتكرر سيناريوهات عنف أخرى ضد المسيحيين والأقليات الأخرى في نينوى"، داعيا الحكومة إلى "توفير الأمان لمكونات الشعب العراقي"، وفقا لتعبيره .

من جهته، يتفق ممثل الايزيدية في البرلمان أمين فرحان ججو، مع رأي القدو، مبديا استغرابه من إصدار مجلس الشيوخ الاميركي مثل هذا القرار في الوقت الذي لم تقدم فيه الولايات المتحدة أي جهود لحماية هذه الأقليات أثناء وجودها بالعراق.

ويتابع ججو "رغم أن القرار الصادر من مجلس الشيوخ الاميركي يعتبر قرارا ايجابيا إلا أن الولايات المتحدة لم تبد أي إجراء لحماية الأقليات بالعراق وتركت الباب مفتوحا على مصراعيه للمليشيات لاستهدافهم"، مرجحا أن يكون هذا القرار هو "بداية لنشر قوات دولية في نينوى لتمركز معظم الأقليات في تلك المحافظة".

ويعتقد ممثل الايزيدية في البرلمان أن "هذا القرار هو مجرد ذر للرماد في العيون، لأن وضع الأقليات بالعراق مرتبط بما ستتخذه الحكومة الجديدة والبرلمان من إجراءات لحمايتهم وضمان حقوقهم"، معربا عن "تخوفه من مستقبل الأقليات في العراق".

بدوره، يعرب ممثل المسيحيين في مجلس النواب يونادم كنا عن تخوفه من أن يتضمن هذا القرار جوانب سلبية وليس ايجابية، بالنظر إلى أن هذا الموضوع هو شأن داخلي عراقي.

ويؤكد كنا أن "لا وجود لصراعات دينية في العراق، لأن أغلب الصراعات هي سياسية"، مرجحا أن "إصدار القرار يرجع إلى تخوف مجلس الشيوخ من أن تزيد الانتهاكات بحق المسيحيين بعد الانسحاب الأميركي".

وينفي ممثل المسيحيين في مجلس النواب أن "يكون هناك أي دور للمسيحيين في العراق بإصدار مثل هذا القرار"، حسب تعبيره.

في هذه الاثناء شدد عضو القائمة العراقية صلاح الجبوري على أن "تصريحات الولايات المتحدة بشان حماية الأقليات هي مجرد تصريحات إعلامية وليست جدية، لأن الحرب على الأقليات من قبل المليشيات انتهت"، وفقا لقوله.

ويعتبر الجبوري أن "العراقيين يفكرون بأقلياتهم قبل تفكير مجلس الشيوخ بهم"، مشيرا إلى أن الدستور العراقي فيه "الكثير من الثغرات، ولو كان دستورا جيدا فلا خوف على حقوق الأقليات في العراق".

ويواصل إن "الولايات المتحدة تهدف من خلال هذا القرار، لتحقيق غايات إعلامية، بهدف إظهار نفسها للعالم وكأنها مهتمة بالأقليات العراقية"، على حد قوله.

فيما ينتقد عضو ائتلاف دولة القانون حيدر الجوراني، تدخل الولايات المتحدة بهذا الشأن لأن موضوع حماية الأقليات بالعراق هو شأن داخلي عراقي.

ويلفت الجوراني إلى أن "الحكومة العراقية حريصة على حماية أقليات العراق وإعطائها جميع حقوقها رغم وجود بعض الهفوات"، مبينا أن "الانتهاكات التي عانت منها هذه الأقليات جاءت بسبب تدخل دول الجوار".

واعرب عضو ائتلاف دولة القانون عن "تخوفه على مستقبل هذه المكونات في العراق مع استمرار وجود هذه التدخلات الخارجية".

هذا وقد بدأت منظمة «الدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة» استعداداتها لعقد مؤتمر دولي واسع  حول أوضاع الاقليات والاديان في العراق، واقليم كردستان، في ايلول (سبتمبر) المقبل،  ودعت الباحثين والمؤرخين الى اعداد دراساتهم لواقع مكونات الشعب العراقي .وقال عضو اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر، والنائب السابق في برلمان كردستان  روميو هكاري إن «منظمة الدفاع عن حقوق الشعوب المضطهدة  GFBV عقدت مؤتمراً صحافياً اعلنت فيه بدء الاستعدادات والتحضير لعقد مؤتمر دولي حول  الاديان والقوميات في اقليم كردستان والعراق في 20 ايلول (سبتمبر) المقبل».

وأوضح أن «الهدف من المؤتمر البحث في اوضاع الشعوب والاديان والمكونات المتعايشة  في العراق واقليم كردستان وقد دعت اللجنة التحضيرية المؤرخين والمهتمين الى تقديم  بحوثهم ودراستهم الى المؤتمر لدراستها والاخذ بتوصياتها».

وأضاف ان «اعمال المؤتمر ستتمحور حول اوضاع الاقليات والشعوب والاديان المتعايشة  في الاقليم والعراق ودورها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتجارية  في البلاد وفي مؤسسات حكومة الاقليم ومدى تثبيت حقوقها في دستوري العراق واقليم  كردستان وكيفية التعامل العالمي والدولي مع هذه الشعوب، إضافة الى اوضاع ابناء  الاقليات المهجرة من وسط وجنوب العراق الى اقليم كردستان».

في التاسع من آب الجاري احتفل العالم باليوم الدولي للشعوب الأصلية حيث أقرت الأمم المتحدة في عام 1994 أن يتم الاحتفال بهذا اليوم من كل عام وذلك خلال العقد الدولي الأول للشعوب الأصلية في العالم. وفي كانون الاول 2004 أعلنت الجمعية العامة بدء العقد الدولي الثاني للشعوب الأصلية.

وقد صاغت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلانها بشأن الشعوب الأصلية وتمت مناقشة مسودته على امتداد ما يربو على 20 عاما قبل أن تعتمده الجمعية العامة في 13 أيلول 2007.

ويتناول إعلان الأمم المتحدة بشأن الشعوب الأصلية، الحقوق الفردية والجماعية على حد سواء، والحقوق والهوية الثقافية، والحق في التعلم والصحة والعمالة واللغة، وحق التمتع بكافة حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسائر القوانين الدولية لحقوق الإنسان. وتأكيد الإعلان تمتع الشعوب الأصلية بحق تقرير المصير ويخولها هذا الحق حرية تقرير وضعها السياسي والسعي إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بحقوقها في المشاركة الكاملة- إذا ما اختارت ذلك - في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للدولة.

من هي الشعوب الأصلية ؟

 تشير الأمم المتحدة أن هناك نحو 370 مليون نسمة من الشعوب الأصلية تعيش في أكثر من 70 بلداً في جميع أرجاء العالم. ويمثّل أولئك الناس ثروة متنوعة من الثقافات والأديان والتقاليد واللغات والتواريخ؛ غير أنّهم يظلون من أكثر الفئات السكانية عرضة للاستبعاد في العالم. ولم تعتمد منظومة الأمم المتحدة تعريفاً رسمياً لمصطلح "الأصلي" بسبب تنوّع شعوب العالم الأصلية. وتم، عوضاً عن ذلك، استحداث مفهوم حديث وشامل لهذا المصطلح ليضمّ الفئات التالية:

• تعرّف نفسها كفئات أصلية ويعترف بها المجتمع ويقبلها بهذه الصفة.

• تثبت استمرارية تاريخية بإثبات وجودها قبل المجتمعات المستعمرة و/أو المستوطنة.

• لها صلات قوية مع الأراضي والموارد الطبيعية المحيطة.

• لها نُظم اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية مميّزة.

• تحتفظ بلغات وثقافات ومعتقدات مميّزة.

• تشكّل فئة غير سائدة في المجتمع.

• تعتزم الحفاظ على بيئات ونُظم أسلافها وتكرارها لتتميّز عن غيرها من الشعوب والمجتمعات.

وتشير الأمم المتحدة انه يُفضّل، في بعض المناطق، استخدام مصطلحات أخرى مثل القبائل والشعوب/الأمم الأولى والسكان الأصليين والفئات العرقية، وتدخل جميع تلك المصلحات ضمن مفهوم "الأصلي" الحديث.

وفي العراق استغلت الفئات والأقليات الدينية والعرقية من صابئة مندائيين وشبك وايزيديين ومسيحيين هذه المناسبة للتذكير بأهمية صيانة هذه الأطياف وحمايتها خاصة بعد ان أصبحت الحلقات الأضعف في المجتمع بسبب الصراعات السياسية والطائفية واستهداف هذه الأقليات من قبل جماعات مسلحة وتنظيمات إرهابية إضافة إلى تأكيد العديد من ممثلي هذه الأقليات عجز الجهات الرسمية توفير الحماية وما حدث مؤخرا من استهداف هذه الأقليات من جديد في الموصل وكركوك وبغداد هو اكبر دليل على ذلك.

وعلى صعيد متصل قالت جماعة حقوق انسان معنية بالاقليات ان لاجئين من الاقليات العراقية يواجهون انعدام الامن ويخاطرون بفقدان هويتهم الدينية والثقافية وهم يسعون الى اللجوء في الدول المجاورة واوروبا الغربية.

وتقدر وكالة اللاجئين التابعة للامم المتحدة ان نحو 1.9 مليون شخص فروا من العراق الذي مزقه تقريبا القتل الطائفي في الاعوام التي اعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003. وانخفض العنف هناك الان على الرغم من وقوع تفجيرات متفرقة.

وقالت المجموعة الدولية لحقوق الاقليات ان عددا غير متناسب من الذين فروا من العراق كانوا من اقليات عرقية او دينية بما فيهم المسيحيون والشركس والصابئة المندائيين والشبك والتركمان واليزيديين.

وقالت المنظمة ان بعضهم قام برحلات خطيرة الى اوروبا لكي يواجهوا بسياسات اللجوء الصارمة والتمييز وفي بعض الاحوال العودة الاجبارية.

وقال كارل سودربرج مدير السياسة في المجموعة الدولية لحقوق الاقليات في بيان " بعض الجماعات مثل المندائيين الذين يبلغ تعدادهم بضعة الاف في العالم معرضون لفقدان العديد من ممارساتهم الدينية والثقافية حيث انهم متفرقون داخل البلدان. انهم معرضون لخطر الاستئصال الثقافي."

واضاف "الاقليات تغادر العراق لانه يتم استهدافهم بالهجمات بسبب ديانتهم او ثقافتهم ولكن الخروج من البلاد ليس ضمانا لسلامتهم وامنهم."

غير انه قال ان العديد من الدول الاوروبية ترفض الان طلبات اللجوء وتعيد الناس الى العراق على الرغم من ان الهجمات على الاقليات زادت في بعض المناطق.

وقالت الجماعة ان السويد المقصد الاوروبي الرئيسي للاجئين العراقيين بدأت اعادة عدد من طالبي اللجوء المرفوضين الى العراق بما فيهم مسيحيين على اساس ان بعض الاجزاء في العراق امنة ويمكن العودة اليها.

وقالت ان بريطانيا ودولا اوروبية اخرى بدأت ايضا في الاعادة الاجبارية لطالبي اللجوء المرفوضين.

وقال التقرير ان السياسات التي تتبعها بعض الدول التي تمنح اللجوء تؤثر سلبا على لاجئي الاقليات العرقية.

وقال التقرير ان سياسات التشتيت التي تفصل اللاجئين من نفس القومية لها تأثير خطير على الاقليات التي تحتاج الى ان تظل معا كطائفة من اجل حماية هويتها الثقافية وطقوسها الدينية.

وتشير ارقام وكالة اللاجئين التابعة للامم المتحدة الى ان نحو 450 الف عراقي يعيشون في الاردن ونحو 1.2 مليون في سوريا. وهناك نحو 2.6 مليون اخرين نازحين داخليا في العراق.

وبالعودة الى تاريخ الاقليات في العراق لا يقتصر موضوع الاضطهاد (المفترض)على فئة دون أخرى أغلبية كانت أم أقلية. ولا يحتكر هذه الممارسة مكوّن دون آخر، وإن كان العرب يتّهمون دائما بممارسة هذا التمييز كونهم أغلبية ويشكّلون نسبة 83% من السكان حسب إحصاء سنة 1997.

فقد كان قادة الأكراد مسؤولين عن المذابح التي قامت في الأربعينات على يد الأمير الكردي بدر خان في منطقة (بوتان) ضدّ اليزيدين والسريان والمسيحيين. وكذلك مذابح أمير سوران الكردي (محمد باشا الراوندوزي) ضدّ القرى اليزيدية في مناطق الشيخان وجبل القوش وسهل نينوى، والتي قتل فيها أمير اليزيدية علي بك، الذي سمّي الشلال المعروف (بكلي علي بيك) بإسمه. وقد أدّت هذه المذابح إلى القضاء على الوجود اليزيدي بين كركوك والزاب، وجعل المنطقة كردية. كما كان للأكراد الشيوعيين النازلين من الجبال اليد الطولى في مجزرة كركوك عام 1959 والتي أدت الى استباحتها وتغيير الواقع الديمغرافي للمدينة، بحكم نزوح كثير من التركمان من كركوك جرّاء الاضطهاد والقتل.

في العراق الآن هنالك عدة قوميات وطوائف. هناك العرب وهنالك الأكراد والتركمان، ومن الطوائف هناك المسلمون الذين يشكّلون تسبة 97% بقسميهم السنّة والشيعة، وهناك المسيحيون والصابئة واليزيدية. تعايشوا مع بعضهم البعض وتجاوروا وتزاوجوا أيضا فيما بينهم. ولم تشكّل مسألة العرق والدين لهم مشكلة مع السلطة منذ إنشاء الدولة العراقية إلا من ناحية سياسية وأمنية، حينما كانت بعض الأقليات تنزع الى الخروج من ربقة الدولة. ويتخلل ذلك طبعا اجتهادات شخصية من قبل بعض الحكام لفرض رأي معيّن على شريحة معيّنة لا تحتسب ضمن توجه الدولة، بقدر ما تحتسب مغامرة شخصية لحاكم لايلتزم بالمعايير.

وكانت اللحمة الوطنية قد شدت الجميع، لا أقول محبّة في الوطنية أو فهما صحيحا للمواطنة، وإنما لِنَقُلْ ضرورة معاشية اقتضاها هذا التعايش. وأنا شخصيا لي تجربة شخصية ودلالة أكيدة على هذا التعايش لا أريد ان أسردها وأرجو تقديرها.

لكن الفعل السياسي وتنشيط ذاكرة السياسة والتاريخ، ومن ثمّ تهيئة أرضية مناسبة وأرض خصبة للتناحر ومن ثمّ التدخل الأجنبي، وكان كان تفعيل هذه الأثنيات والأعراق بالشكل الذي يخدم المغرض والمفرق، فلا بدّ من وجود أقلية أو استحداثها لتكون مرتكزا للتفتيت والشرذمة، وبإمكان السياسة أن تجعل أيّ مجموعة متماسكة تتشظّى وتكون فيها أغلبيات وأقلّيات.

وبالرجوع إلى أدبيات هذه الأقليات وما تقوله عن نفسها حين تطرح موضوعها، نجد أنّ الجميع يتّفق على أنّ للدول الاستعمارية اليد الطويلة فيما آلت اليه الأمور. فنجد أنّ مؤرخي الاشوريين، والذين هم مجموعة الطوائف المسيحية في العراق من سريان وكلدان، يقولون (أنّ المشكلة الآشورية خلقتها بريطانيا حينما تنازلت عن حق عودة الآشوريين الى المناطق التي طردوا منها في تركيا لقاء التنازل عن ولاية الموصل للعراق).

والاكراد يقولون إنّ بريطانيا تخلت عن وعودها السابقة بتأسيس كيان للأكراد بعدما قايضت ذلك أيضا مع ملفّ الموصل مع تركيا وفرنسا. والعرب السنّة الآن يقولون بفم ملآن إنّ الولايات المتحدة هي من حرّض على هذا التناحر والتفتيت وكذلك مقولة العرب الشيعة. فالكلّ يعزو مسألة إذكاء الموضوع الى أياد أجنبية مغرضة وفعل سياسي نشط ومبرمج.

وهذا الفعل السياسيّ يدعونا للتفريق بين أفراد الشعب كمواطنين، سواء كانوا من الأقلية أو الأكثرية، وبين القادة السياسيين الذين اقتاتوا على التفرقة وبنوا مجدهم السياسي وزعامتهم عليها، ومازالوا يغذّونها بما جادت به القرائح من الملاحم والبطولات. ممّا خلق لدى الأقلّيات مشكلة حضارية عويصة، هي أكبر من كونهم أقلية، وأكبر من الاضطهاد نفسه. وبدأت بسؤال أبناء الاقليات عما أُنجز وماذا تحقق بعد أن انزاح النظام الذي كان الجميع يعلّق شماعته عليه. فبعد أن أقرّ الدستور العراقي الجديد جميع الحقوق للأقليات وضمن حقوقهم الثقافية، وبعد أن استقل الأكراد في مناطق جغرافية خاصة بهم وكوّنوا حكومة وبرلمانا وأصبحوا يحصلون على ميزانية أكثر مما تحصل عليه الحكومة المركزية، لازال المواطنون الأكراد يصلون إلى أوربا مهاجرين ولاجئين وبأعداد تفوق أعداد الأفارقة. ولا زالت نفس الأمراض الاجتماعية التي عزوها الى اضطهاد الأغلبية.

وهي ما ان وصلت الى السلطة حتى أعادت إنتاج نموذج السلطة القديم بكل حذافيره وكل إفرازاته، حتى وصف أحد السياسيين الأكراد في أوربا الجوّ السياسي في شمال العراق (المحافظات التي تسكنها غالبية كردية) بأنّه دولة البعث ولكن بنسخة كردية.

ولا زالت مظاهر الاستئثار بالسلطة وحصرها في قبيلة واحدة ورئيس دائم مدى الحياة إضافة الى اضطهاد وتطهير عرقي ومحاولة تزييف علني للتاريخ بشأن باقي الاقليات الواقعة ضمن مناطقهم، وخاصة المسيحيين والشبك واليزيدية بدعوى الحماية تارة، وبدعوى أنهم أصل من الشعب الكردي. ففي جامعة أربيل الكردية، قدّمت رسائل جامعية تفيد بأنّ الحضارات البابلية والسومرية جزء من الأمّة الكردية.

وأنّ الاشوريين (المسيحيين) طائفة مشتّتة في كردستان. الأمر الذي نقل المسيحيين من فم النمر الى فم السبع هذه المرة (كما يقول المثل الشعبي). وعاد المسؤولون الأكراد لممارسة أخلاق الاغلبية الذي انتقدوه ضدّ المسيحيين الذين يطالبون بسهل نينوى الذي يخترق المناطق الكردية كوطن قومي لهم. وعادوا إلى مماحكة التركمان في ادّعاءاتهم بملكية مدينة كركوك.   

وفي وقت سابق من العام 2009 أثارت أوساط عراقية اتهامات للأحزاب الكردية بمحاربة لغات القوميات الأخرى في المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني.

وتتحدث تلك الأوساط عن إجبار غير الأكراد على التحدث باللغة الكردية بدلا من لغتهم الأصلية في مناطق الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.

وفي هذا السياق يقول دلدار زيباري العضو القيادي في حزب العدالة الكردستاني العراقي نائب رئيس مجلس محافظة نينوى إن المناطق التي تسيطر عليها البيشمركة وجهاز (الأسايش) الأمني التابعة لحزبي جلال الطالباني ومسعود البارزاني، يجبرون المواطنين الساكنين فيها على اتخاذ اتجاه سياسي معين وفرض الهوية الكردية عليهم، ومنهم الشبك واليزيدية وغيرهم.

ويشير زيباري إلى حالات يقول إنها كثيرة من الاعتقالات لشيوخ عشائر من الجرجرية وغيرهم لأنهم يرفضون الهوية الكردية ويصرحون بأن لهم خصوصية معينة تختلف عن الهوية الكردية.

ويضيف "تمكنت هذه الأحزاب المسيطرة على المناطق المتعايش فيها في السنوات الماضية بتقديم صورة لمنظمات الأمم المتحدة مغايرة للحقيقة، من خلال سيطرتها على الإعلام والعاملين في وسائل الإعلام".

وقد أثبت تقرير حقوق الإنسان كما يقول تجاوزات بتلك المناطق خاصة مناطق سهل نينوى وسنجار والقحطانية وبعشيقة والحمدانية، فقد كان الحزبان الكرديان كما تقول التقارير يساومان المواطن هناك على رزقه وبالإرهاب أحيانا للسكوت عن تجاوزاتهم.

ويؤكد القيادي في حزب العدالة الكردستاني العراقي بأن المدارس في المناطق المتعايش فيها أجبرت الطلاب على الدراسة باللغة الكردية فقط، ما أثر على مستواهم الدراسي لعدم قدرتهم ومعرفتهم باللغة الكردية.

ويتحدث الكثير من العراقيين من الشبك والمسيحيين واليزيديين وسواهم من أبناء الأقليات عن ضغوط تمارسها السلطات الأمنية والإدارية الكردية في هذه المناطق لإجبارهم على الدراسة والتحدث باللغة الكردية.

ويخشى هؤلاء من التحدث لوسائل الإعلام، خوفا من العواقب التي تنتج عن مثل تلك التصريحات وتعرف الأجهزة الأمنية على هويات المتحدثين.

وتقول الصحفية الكردية سلمى حسن "في المناطق المتنازع عليها في الموصل، السعدية وخانقين وكركوك يجبر فيها المواطنون على التحدث باللغة الكردية، كما يجبر الطلاب على الدراسة باللغة الكردية خاصة المدارس الابتدائية وحتى معهد الفنون الجميلة أجبر الطلاب فيه على الدراسة باللغة الكردية.

كما أن هناك تشديدا على درجة اللغة الكردية، بل حتى التعيينات في دوائر الدولة خضعت لاختبار اللغة الكردية.

يضاف إلى ذلك حرمان أبناء المناطق المتنازع عليها التي تسكنها أقليات غير كردية من جميع الخدمات البلدية والإدارية الأخرى.

وتضيف سلمى أن الطلبة الدارسين في مدارس ومعاهد المناطق المتنازع عليها كانوا يعانون من اختلاف اللهجات، فالكردية في خانقين تختلف عنها في السليمانية وهكذا، مع تغيير في المناهج في تلك المدارس.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/آب/2010 - 10/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م