يلعب الإعلام المستقل دوراً بارزاً في صناعة الوعي وإبراز الثقافات
والمتطلبات والمشاكل السياسية والاجتماعية بطريقة خارجة عن مألوف
الإعلام الرسمي الذي يسعى جاهداً لتنصيع الصورة القاتمة عن وضع مأساوي
هنا أو حادثة وقعت هناك. ومن بين ذلك الإعلام المستقل الذي شق طريقه
الصحافة الإلكترونية المتمثلة بالشبكات الإخبارية العالمية والمحلية في
منطقتنا التي كانت البديل للصحافة الورقية والإعلام المرئي الحكومي.
فقامت الصحافة الإلكترونية المحلية بدور كبير في إبراز واجهة
المنطقة الثقافية والدينية وإشهار الحقوق الوطنية والانتهاكات المغيبة
إعلامياً، إلا أن ذلك شابهُ شيء من إدخال بعض القضايا الخلافية التي
شغلت الرأي العام عن قضاياه الأكبر وجعلته يكرس طاقته في الرد على
الخلافات والمواضيع الخلافية وتفنيدها كما يحدث كل عام من إثارة مواضيع
خلافية في الشعائر الحسينية وفسح المجال لكل من الفريق المؤيد والمعارض
للتهجم على بعضه البعض بطرق خالية من الإدعاءات الكاذبة بحرية التعبير
والمعتقد والرأي الآخر.
كما أن السياسة الحزبية والاقصائية وسياسة التفخيم والتصدي من قبل
هيئات التحرير لكل من يخالف توجهها أو رموزها الرأي، وعدم التكافؤ في
إتاحة حرية التعبير للمتابع إزاء ما يطرح من مقالات وأخبار تتعلق برمز
هذه الجهة أو تلك ونقل الآراء الدينية والحوزوية غير المألوفة والخارجة
عن سياسة جميع الشبكات المسماة بـ"الإخبارية" أو "الثقافية" التي تعنى
بالشأن العام والبعيدة كل البعد عن الحاجة لإثارتها بين أوساط عموم
الناس ورفع كل شبكة لشخصياتها وترميزهم وتضخيمهم وضرب بقية الرموز
والحط منهم..
كل تلك العوامل وغيرها ساهمت في إذكاء الحرب الإعلامية بين الشبكات
ومرتاديها ما أعطى فرصة رخيصة لتصفية الحسابات والتقليل من شأن شخصيات
المجتمع ورجال دينه، حيث نشطت بعض المواقع النائمة دفاعاً عن رموزها ما
تعتبره حقاً شخصياً في رد الاعتبار لرموزها ومعالجة الخطأ بخطأ أفدح
منه !، وهنا لا أستثني أي من الشبكات ولا أخصص شبكات بعينها، فكل شبكة
تصلها هذه الرسالة فهي بالتأكيد معنية ولو بنسبة معينة في ما يحصل من
سقطات إعلامية ولها الخيار في أن تنشر أو تمنع.
إن من حق الشبكات أجمع أن تتنافس لتمسك بزمام الإعلام وتديره كيفما
تشاء وتطرح رموزها وتبرّزهم بالطريقة التي تشاء أيضاً ما لم يحمل مساس
أو استنقاص من الآخرين، إلا أنه وللأسف خرج الإعلام المحلي المستقل عن
دوره المأمول وأكل "الحنظل" كل من حاول اللمز والتعريض بالآخرين وتكسير
"مجاديف" كل من يحمل رأي مغاير لرأي هذا أو ذاك، ودخلت المنطقة حرباً
شعواء أفقدت كل من شارك فيها الاحترام والهيبة وعرضت برموزه للتقليل من
شأنها والمتسبب الأول فيها المواقع الإخبارية التي كان ينبغي أن تلتزم
الحياد وتعلم أنه لا معنى للجهة الواحدة.
وبدعوة محبة لكل هذه الشبكات الصغيرة منها والكبيرة -على حد سواء-
والتي نكن لها كل التقدير على الجهود التي تبذلها في توفير المادة
الإعلامية والأوقات التي تصرفها في التحديث اليومي لتقديم جديد الأخبار
والثقافة للمتلقي، أتوجه بمقترحين أجد من الضرورة بمكان العمل بهما
لتقنين عملية النشر والتعبير عن الآراء:
أولا/ ضرورة وضع سياسة مكتوبة واضحة لكل شبكة إخبارية تلتزم بموجبها
العمل بها، يعرف من خلالها المتلقي السياسة الإعلامية التي تنتهجها
الشبكة بدلاً عن السياسة التبريرية أمام الجمهور غير المتقبل لبعض
المواد المنشورة المصنفة خارج إطار المنظومة الإعلامية للشبكة.
ثانياً/ العمل تقنياً على نشر أي تعقيب أو وجهة نظر باسم وصورة
المعقب وبإيميله الشخصي وذلك بوصول رسالة تتطلب مصادقته على معلوماته
وتأكيد أنه صاحب وجهة النظر لتقوم بعد ذلك هيئة التحرير بنشر التعقيب
للعلن، وهذا سيقلل من حالة الانفلات في التعبير عن الآراء والخروج عن
حد الأدب باسم حرية الرأي بحيث سيراعي كل متابع اختيار أفضل العبارات
ووجهات النظر المهذبة كون المتابعين جميعهم سيعرفونه من خلال معلوماته
وصورته الشخصية.
فمتى ما استطاعت الشبكات الإخبارية المستقلة الالتزام بالسياسة
الإعلامية التي ترسمها لنفسها وتحترم حرية التعبير ووجهات النظر
المخالفة لها، كلما كبُرت في نظر جمهورها واستطاعت احتواء الغالبية
العظمة من الفرقاء وبث رسالة إعلامية أكثر انتشاراً وتأثيراً وتقبلاً
وتوازناً. |