الاتجار بالبشر عبودية معاصرة بآليات غابرة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يتوهم الكثيرون بان العبودية انتهت في القرن التاسع عشر, منذ عام 1817 وقعت العشرات من المؤتمرات الدولية على تحريم الاتجار بالعبيد. ومع ذلك فان اعداد العبيد اليوم اكثر مما كانت عليه في اي وقت اخر من تاريخ البشرية.

في اللغة الدارجة, اصبحت كلمة العبودية تستخدم مجازا للتعبير عن العمل الشاق. كأن يقول المصرفيون والمستثمرون انهم "عبيد مرتفعو الاجر". كما يعمد ناشطو حقوق الانسان الى اطلاق صفة العبيد على الاشخاص الذين يستخدمون في اعمال شاقة لقاء مبلغ دولار في الساعة, رغم انهم يتلقون اجرا اضافة الى كونهم قادرين على ترك العمل.

والواقع ان العبودية موجودة اليوم بمعدلات غير مسبوقة. ففي افريقيا يوجد عشرات الالوف من العبيد المنزليين ممن اسروا اثناء الحروب او تم توارثهم عبر اجيال عبر اوروبا واسيا والامريكيتين, ارغم تجار الرقيق ما يصل الى مليوني شخص على حياة العبودية في العمل او الجنس.

وفي جنوب اسيا, حيث يوجد اكبر تجمع للعبيد على وجه الارض, يرسف حوالي عشرة ملايين شخص في اغلال العبودية غير قادرين على ترك مالكيهم قبل تسديد "ديونهم" التي تقول الروايات انها تورث من جيل الى جيل, قلة من الذين يعيشون في العالم المتطور تدرك حجم العبودية الهائل في عالم اليوم. واقل منهم اولئك المستعدون لعمل اي شيء لوقف هذه الممارسة.

تعثرت الجهود العالمية المبذولة لمكافحة العبودية منذ البداية بسبب التباس مفهوم العبودية. ركز تحالف ناشط من القوى النسوية والكنسية في الولايات المتحدة على تجارة الجنس دون غيرها. يتلخص موقف وزارة الخارجية الامريكية بأن البقاء الطوعي امر لا وجود له وان تجارة الجنس هي الدافع الرئيسي للعبودية في الوقت الراهن. في اوروبا, اصدرت المانيا وهولندا قوانين لا تجرم معظم انواع البغاء.

لكن بقية الدول الاوروبية خضعت للضغط الامريكي وباتت تلاحق تجار الجنس. اما على صعيد الواقع فأن انماطا اخرى للبغاء مثل "خدمات المرافقة" تزدهر حاليا في امريكا واوروبا وآسيا بمساعدة الانترنت.

في الرابع عشر من حزيران 2010 اصدرت وزارة الخارجية الأميركية / مكتب الشؤون العامة بيان حقائق حول: الاتجار بالأشخاص: عشر سنوات من الشراكة من أجل مكافحة الرق المعاصر، جاء فيه: "إن لضحايا الاستعباد المعاصر وجوها عديدة. فالضحايا هم رجال ونساء وكبار وصغار، لكنهم جميعا محرومون من الكرامة الإنسانية ومن الحريات الأساسية (...)  وهم في كثير جدا من الأحيان، يتعرضون للاعتداءات الجسدية والجنسية الرهيبة ويكون من الصعب عليهم تصور أنه قد يوجد مكان يلتجئون إليه"- الرئيس باراك أوباما.

يحيي تقرير الاتجار بالأشخاص للعام 2010 الذكرى السنوية العاشرة للتقدم والتحديات الماثلة في مجال مكافحة الرق المعاصر. إذ سنت الولايات المتحدة في العام 2000 قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر، واعتمدت الأمم المتحدة في العام ذاته بروتوكولا حول منع وقمع أعمال الاتجار بالبشر ومعاقبة مرتكبي هذه الأعمال، وخاصة تلك المرتكبة ضد النساء والأطفال، ويُعرف هذا البروتوكول أيضا باسم "بروتوكول بالرمو".

بروتوكول بالرمو

ركز "بروتوكول بالرمو" اهتمام المجتمع الدولي على مكافحة بلاء الاتجار بالبشر وعلى ضرورة أن تعمل الدول معا من أجل مكافحته والتصدي له. وللمرة الأولى، كان هناك توافق دولي في الآراء وإجماع على أنه يتعين تجريم جميع أعمال الاتجار بالبشر، بما في ذلك الاتجار بالبشر لأغراض إرغامهم على العمل القسري واستعبادهم وإخضاعهم لممارسات شبيهة بالعبودية. ونص البروتوكول على أن الردود الحكومية ينبغي أن ترتكز على ثلاث دعائم هي: الوقاية من هذه الأعمال والملاحقة الجنائية لمرتكبيها وحماية ضحاياها.

وأحرزت الحكومات في جميع أنحاء العالم، على مدى عشر سنوات، تقدما ملحوظا وملموسا في فهم بعض الحقائق الأساسية حول الاتجار بالبشر:

• الإدراك بأن هناك أشخاصا واقعين في أوضاع الرق المعاصر في معظم البلدان.

• الاتجار بالبشر ظاهرة متغيرة تستجيب لمطالب السوق ولمكامن الضعف في القوانين وليونة العقوبات وانعدام الاستقرار الاقتصادي.

• يمكن أن تتم أعمال الاتجار بالبشر محلياً داخل حدود البلاد أو دون الانتقال عبر حدودها. ولكن عشر سنوات من الجهود المركزة الرامية لمكافحة الاتجار بالأشخاص ما هي سوى بدايات لهذه الحركة المعاصرة. إذ لا يزال العديد من البلدان يتعلم حول الاتجار بالبشر وما هي الطرق المثلى للرد عليه. فلا تكفي ملاحقة المتاجرين بالبشر جنائياً إذا لم تهب الحكومات أيضا إلى تقديم المساعدات لضحايا هذه الأعمال وإذا لم نسع من أجل الحيلولة دون تعرض آخرين لمثل هذه الأعمال. إن الرد الشامل حقا على هذه الجريمة الجسيمة والمتفاقمة والمتغيرة لم تحققه بعد أية دولة.

الضحايا

يتجاوز عدد الأشخاص المتاجر بهم لغرض إرغامهم على العمل القسري عدد أولئك المتاجر بهم لأغراض الاستغلال الجنسي التجاري. وفي غالبية الأحيان لا ترتبط الجريمة بالاحتيال على الضحايا الساذجين واختطافهم، بل ترتبط بقبول الأشخاص العمل طوعا في تقديم خدمة ما، أو قيامهم طوعا بمغادرة بلدهم، ثم إرغامهم بعد ذلك على العمل. ويشكل الرجال عددا كبيرا من ضحايا الاتجار بالبشر، وكثيراً ما يلجأ المتاجرون بالبشر إلى اغتصاب النساء، إذ يعتبرون اغتصاب المرأة سلاحا يستخدمونه ضد النساء لإرغامهن على الاستمرار في تقديم خدماتهن في الحقول أو في المصانع أو في بيت من بيوت الدعارة أو في أحد المنازل الخاصة أو في إحدى مناطق الحرب.

أرقام رئيسية من تقرير الاتجار بالبشر للعام 2010

• 12 مليونا من البالغين والأطفال يرغمون على العمل القسري والعمل بالسخرة، والبغاء القسري في جميع أنحاء العالم؛ وتشكل النساء والفتيات 56 في المئة من هؤلاء الضحايا.

• تبلغ قيمة التجارة السنوية للمتاجرين بالأشخاص 32 بليون دولار.

• عدد الضحايا الذين يتم التعرف عليهم في جميع أنحاء العالم 49105 ضحية، بزيادة قدرها 59 في المئة عما كان عليه الحال في تقرير العام 2008.

• انتشار ضحايا الاتجار بالبشر في العالم: 1.8 لكل ألف شخص (أما في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ: فهي 3 لكل 1000)

• محاكمة 4166 من المتاجرين بالبشر بنجاح في العام 2009، بزيادة مقدارها 40 في المئة عن عام 2008.

• عدد البلدان التي لا يزال يتعين عليها محاكمة وإدانة المتاجرين بموجب القوانين التي سنت وفقا لـ"بروتوكول بالرمو": 62 بلدا.

• عدد البلدان التي لا توجد لديها قوانين أو سياسات أو لوائح لمنع ترحيل الضحايا: 104.

• حصل 23 بلدا على ترقية في التصنيف في تقرير العام 2010، وتم خفض درجة التصنيف لـ 19 بلدا.

• جرى تصنيف بلدين هما الولايات المتحدة و كيريباتي لأول مرة في تقرير الاتجار بالبشر للعام 2010.

تجار الرقيق

بالرغم من أن المعلومات الإحصائية المتوافرة عن هذه التجارة لن تكون دقيقة أبدا بسبب الطبيعة الخفية للجرائم، فإن منظمة الائتلاف من أجل إنهاء الرق والتجارة بالبشر - وهى منظمة أمريكية لحقوق الإنسان تم تأسيسها عام 1998 وتتلقى تمويلا حكوميا وتعمل في دراسة أبعاد تلك الظاهرة وتدريب العاملين في كل من القطاع الحكومى والجمعيات الأهلية حول كيفية مساعدة الأشخاص الذين تمت المتاجرة بهم وضمان الملاحقة الجنائية للمتورطين في تلك الجريمة - تقدر أن ما بين 600 ألف شخص و 800 ألف عبروا الحدود الدولية كل عام، وينتج عن ذلك أرباح سنوية قدرها 9 مليارات دولار، مما يضع الاتجار بالبشر فى المرتبة الثالثة بعد تهريب السلاح والمخدرات في أنشطة الجريمة الدولية المنظمة.

ومن ناحية أخرى، تقدر منظمة محاربة الرق الدولية - التى تأسست عام 1839 و تعد واحدة من أعرق المنظمات الدولية لحقوق الإنسان في العالم ومقرها المملكة المتحدة، وتعمل حصريا فى مجال محاربة الرق وكل الممارسات الشبيهة به - أن هناك ما لا يقل عن 20 مليون شخص حول العالم يعملون بنظام السخرة. ولقد صدر مؤخرا تقرير عن مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، يوضح أنه لا يوجد تقريبا أى دولة فى العالم غير معنية بهذه المشكلة، فقد عدد التقرير 127 دولة 'منبع' للأفراد المتاجر بهم، و96 دولة 'عبور' و137 دولة 'مصب'، حيث يتم استغلالهم فى تجارة الجنس وعمالة السخرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن عصابات الجريمة المنظمة التى تقف وراء ظاهرة الاتجار بالبشر غالبا ما تكون متعددة الجنسيات من حيث هوية أعضائها ونطاق عملياتها. وبالتالى، فإن المشكلة بالفعل مشكلة عالمية.

كيف يتم الاتجار

يعرف الاتجار بالبشر على أنه استدراج الأشخاص من خلال التهديد أو استخدام القوة أو الغش والخداع لأغراض الاستغلال فى أعمال السخرة أو الرق. ويعتبر هذا هو التعريف المقبول حاليا على نطاق واسع، والمستخدم فى بروتوكول الأمم المتحدة عام 2000، المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود القومية.

وينص 'البروتوكول' على ضرورة منع جميع الدول لعملية الاتجار بالبشر، وعلى أن تمد يد المساعدة والحماية لضحايا هذه التجارة، وأن تجرمها وتتعاون على الصعيد الدولى من أجل تحقيق هذه الأهداف.

وبالتالي، فالبروتوكول يحاول تقديم معالجة عالمية شاملة لمكافحة هذه التجارة. ولقد كانت هذه هى المحاولة الأولى لتناول هذا الموضوع منذ المؤتمر الذى أقيم عام 1949 لقمع الاتجار بالبشر واستغلال الآخرين لأغراض الدعارة، ويعود ذلك إلى الانقسامات الدولية حول الموقف القانونى للدعارة، الذى أعاق إصدار تشريعات بهذا الصدد.

إن الاتجار بالبشر محظور صراحة أيضا بموجب المادة السادسة من اتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر 1979، والمادة الثامنة من المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية التى أقرتها الأمم المتحدة فى يوليو 1994 .

وطبقا للبروتوكول، فإن الاتجار فى البشر يحدث فى حالة استخدام إحدى الوسائل التالية: 'التهديد أو استخدام القوة أو أى صور أخرى للإكراه، والخطف والغش والخداع، وسوء استغلال السلطة أو وضع الضعف، ودفع أو تسلم النقود أو المزايا للحصول على موافقة شخص يملك السيطرة على شخص آخر فيما يتعلق بغرض الاستغلال'.

ويجعل هذا التعريف موافقة الشخص المستغل غير ذات صلة، وهى إحدى النقاط المهمة، حيث عارضت بعض الدول الموافقة على أى شئ قد يتم تفسيره بتجريم الدعارة. إلا أن المقرر الخاص بحقوق الإنسان لدى ضحايا الاتجار بالبشر، خاصة النساء والأطفال، يدفع ببرهان أن 'الدعارة كما تتم ممارستها في العالم حاليا غالبا ما تستوفى عناصر المتاجرة غير المشروعة.

ومن النادر أن نجد حالة واحدة حيث يكون الطريق إلى الدعارة و/أو تجارب الشخص في نطاق الدعارة لا تتضمن، على الأقل، سوء استغلال للقوة و/أو سوء استغلال للضعف. فالقوة والضعف في هذا السياق يتضمنان التباين في القوة استنادا إلى النوع والجنس والعرق والفقر'. وهى وجهة نظر مهمة يجب وضعها فى الاعتبار، لأنها تتطلب من الدول التى تجيز الدعارة أن تضمن أن صناعة الدعارة لن تشجع على استمرار وانتشار المتاجرة بالبشر.

من هم الذين تتم المتاجرة بهم؟

عادة ما يتم الاتجار بأكثر فئات المجتمع ضعفا، وهم غالبا النساء والأطفال، ولكن أيضا يتم الاتجار بالرجال. وعند وقوع الكوارث الإنسانية وخلال الفترات اللاحقة على أى صراع، مثل الوضع فى البوسنة والهرسك، تنتشر هذه الظاهرة. فغالبا ما يكون اللاجئون والمرحلون من أوطانهم هم المستهدفين من هؤلاء التجار، فقد يعرضون مثلا استقدام اللاجئين من كوسوفو إلى أوروبا الغربية مقابل 1100 دولار ثم يجبرونهم على العمل فى الدعارة.

وتمثل النساء من 80 % إلى90% ممن تتم المتاجرة بهم عبر الحدود الدولية، والأغلبية تتم المتاجرة بهم فى الأغراض الجنسية من خلال الدعارة القسرية. أما الباقون، فيتم إجبارهم على الخدمة بالمنازل والعمالة بأجور زهيدة، أو فى حالة معظم الرجال الذين تنقصهم المهارات، فيتم استخدامهم فى الأعمال الشاق.

وفى تقرير صدر مؤخرا بعنوان 'الاتجار غير المشروع بالبشر .. الاتجاهات العالمية'، وجد مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة أن أكثر المناطق تأثرا بتلك التجارة هي أوروبا الشرقية وآسيا. فأما عن آسيا، فقد سجلت تايلاند والصين أعلى معدل كدول 'منبع'، ويتم اصطحاب معظم الضحايا إلى اليابان وإسرائيل وتركيا والهند وباكستان وتسجل تايلاند أعلى المعدلات كدولة منبع ومصب وأيضا ترانزيت لتجارة البشر. أما في أوروبا، فكانت دول المنشأ التى سجلت معدلا مرتفعا هى ألبانيا وبلغاريا وليتوانيا ورومانيا، بينما كانت بلجيكا وألمانيا واليونان من أهم دول المصب.

وسجلت معظم الدول العربية معدلا 'منخفضا' أو 'شديد الانخفاض' طبقا للمقياس العالمى، باستثناء المغرب التى سجلت معدلا 'مرتفعا' كدولة منشأ، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة سجلتا معدلا 'مرتفعا' كدول مصب.

ما الذى يمكن عمله فى هذا الشأن؟

لقد قام مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة بتحديد ثلاثة تحديات رئيسية تواجهها الحكومات فى حربها ضد ظاهرة الاتجار بالبشر، هى:

- 'خفض الطلب على السلع المصنعة عن طريق استخدام العمالة المسخرة أو السلع المسعرة بأقل من قيمتها من إنتاج عمالة رخيصة فى المزارع والمناجم أو الخدمات الجنسية التي يقدمها الرقيق.

- تعقب المجرمين ممن يتربحون من ضعف الأشخاص الذين يحاولون الهروب من الفقر والبطالة والجوع والظلم.

- حماية ضحايا الاتجار، خاصة النساء والأطفال.

والبروتوكول الخاص بالاتجار يجبر الدول اليوم على مواجهة تلك الظاهرة من خلال الوقاية والحماية والملاحقة. ومن المهم متابعة تنفيذ كل من النقاط الثلاث المذكورة سابقا، حيث إنها مرتبطة ببعضها بعضا، فلا يمكن مثلا إتمام الملاحقة بدون الحماية، ولا يمكن توفير الحماية فقط والسماح باستمرار هذه التجارة، ولذلك يجب السعي لمنعها.

وفى العالم العربى، اعتمدت كل من الجزائر والبحرين ومصر والكويت ولبنان وليبيا وعمان وتونس البروتوكول، وتكون بذلك ملتزمة بجميع شروطه، بينما قامت المملكة العربية السعودية وسوريا بتوقيعه فتكونان بذلك ملتزمتين به أيضا طبقا لاتفاقية فيينا المتعلقة بقانون المعاهدات، التى تقضى بعدم الاعتراض على موضوع وغرض المعاهدة الموقع عليها.

الوقاية

إن حملات الوقاية فى دول (المنبع) فى غاية الأهمية، حيث إن الأشخاص، خاصة النساء، يتم استدراجهم عن طريق الوعود بتوفير وظائف ذات عائد مجز. وضمن برنامجها الخاص بمحاربة تلك الظاهرة، تقوم المنظمة العالمية للهجرة بعمل حملات للتوعية فى دول المنشأ فى أوروبا الشرقية وشرق وجنوب شرق آسيا.

أما الوقاية فى دول المصب، فتعتمد على توفير الإمكانات للمسئولين والهيئات الحكومية حتى يتمكنوا من تعريف ومكافحة هذه الظاهرة. والمشكلة هى أن الوقاية لن تتحقق عن طريق حملات توعية فحسب، بل يجب أن تتناول أيضا المشاكل الاقتصادية الكامنة، التي تتسبب في تلك الظاهرة، بالإضافة إلى الفساد الذى يسهل عمل شبكات الاتجار بالبشر. فغالبا ما تكون هذه التجارة مجرد عرض لمشاكل سياسية واقتصادية عويصة، ولذلك لا توجد حلول سهلة.

أما على الصعيد الدولى، فقد أدرك العالم منذ زمن أن هناك حاجة إلى التعاون لمكافحة تلك التجارة غير المشروعة كجزء من الجريمة العالمية المنظمة، فتم تأسيس البرنامج العالمى ضد الاتجار فى البشر التابع للأمم المتحدة فى مارس 1999 ليظهر تورط جماعات الجريمة المنظمة في المتاجرة بالبشر والترويج لتطوير وسائل فعالة للتعامل جنائىا مع هذه التجارة. وفى تقرير حديث للمدير التنفيذى لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، أنطونيو ماريا كوستا، أشارت الخاتمة إلى أن الجهود المبذولة لمقاومة الاتجار بالبشر غير منسقة وغير فعالة حتى الآن، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم توافر البلاغات المنتظمة من السلطات. كما أن التعاون بين الوكالات العالمية ذات الصلة مهم، حيث قامت المنظمة العالمية للهجرة واليونيسيف والإنتربول، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والاتحاد الأوروبي بمشروعات مشتركة.

ويبرز مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة أهمية إيجاد مؤسسات لحماية ضحايا الاتجار بالبشر.

يقول أنطونيو ماريا كوستا، المدير التنفيذي للمكتب حول هذا الموضوع: 'قد تبدو حماية الضحايا أمرا بديهيا، إلا أنه من الناحية العملية، غالبا ما تتم معاملتهم كمجرمين، وقد يواجهون تهما لانتهاكهم قوانين الهجرة أو لمزاولة الدعارة. والمعاملة الإنسانية والحساسة ليست مجرد ضرورة معنوية، بل إنها ترفع من إمكانية تغلب الضحايا على خوفهم الذى نتفهمه، بحيث يتقدمون للشهادة ضد من أساءوا استغلالهم'.

فمثلا، وتبعا لوضعهم الحالي، فإن معظم الأنظمة القانونية في الشرق الأوسط تعتبر جميع ضحايا المتاجرة غير المشروعة منتهكين لقوانين الهجرة. وإذا ثبت تورطهم فى الدعارة، فإنه يتم ترحيلهم، مثلما حدث فى مصر والجزائر والبحرين. إن الالتزام بتوفير الحماية طبقا لبروتوكول الأمم المتحدة قد يتطلب من تلك الدول إعادة النظر في القواعد التقليدية للهجرة، والاعتراف بأن ضحايا تلك التجارة يستحقون حماية خاصة.

ومن جانبها، فإن منظمة الهجرة العالمية تدير برامج تقوم من خلالها بتوفير الملجأ والمساعدة للضحايا وتقديم المساعدة لعودتهم إلى بلادهم وإعادة تأهيلهم هناك، ولكن المشكلة تكمن فى أن مثل هذه البرامج لن تصل فى معظم الأحيان إلى غالبية الضحايا، نظرا لأنهم غير مسموح لهم بالاتصال بأى جهات حتى لا يفلتوا من وضعهم.

وغالبا ما لا تكون هناك وسيلة 'إنقاذ' سهلة متاحة للكثير من الضحايا، لأن المتاجرين يعلمون محل إقامة عائلاتهم فيمكنهم تهديدهم. ويوافق الضحايا فى معظم الأحيان على السفر فى المقام الأول، لأنهم بحاجة لإرسال المال إلى ذويهم. وتخفق لغة 'الإنقاذ' فى الاعتراف بأن الخطر لا ينقشع عند ابتعاد الضحية عن السيطرة المباشرة للمتاجر. فالاتجار فى البشر ينجح فى معظم الأوقات بسبب التسهيلات التي يمنحها تآمر الشرطة وفسادها. وفى بعض الحالات، تقوم الشرطة نفسها برعاية بيوت الدعارة، وهذا ما يجعل نشاط الجمعيات الأهلية المحلية يتسم بالخطورة، فهي الأقدر على الاتصال بالنساء، ولكن ذلك يعرض أعضاءها لانتقام الشبكة الإجرامية. فمنظمة الاسترادا مثلا، والتى تعتبر من كبرى منظمات مكافحة الاتجار بالبشر فى أوروبا الشرقية، قد تلقت تهديدات بالقتل بعد إعلانها عن أسماء بعض الشركات التى علمت أنها مجرد واجهة لمنظمات الاتجار بالبشر فى أوكرانيا.

الملاحقة

إن ضعف نظام العقوبات يسمح للمتاجرين بالبشر بالإفلات من العقوبة وبالتالى تزدهر هذه التجارة. ويقول أنطونيو ماريا كوستا، المدير التنفيذى لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، في هذا الشأن: 'إن المتاجرين يستغلون ضعف الملاحقة القانونية وقلة التعاون الدولى، وإن ضعف معدل إدانة مرتكبى جريمة الاتجار بالبشر يثير قلقا كبيرا ويحتاج إلى مواجهة'. وهناك مشكلة أخرى خطيرة، وهى أن ملاحقة المتاجرين تعرض الضحايا إلى مجازفات ضخمة للمشاركة في الشهادة ضد المتاجرين. وفى ظل انعدام برنامج حماية للشهود، لن يتقدم الضحايا ولن تكون هناك ملاحقة فعالة للمتاجرين.

إن الاتجار غير المشروع بالأشخاص فى العمالة بدون أجر والرق الجنسى جريمة عالمية يمكن ملاحقتها على المستوى المحلى، طبقا لصلاحيات عالمية أو على المستوى العالمي في المحكمة الجنائية الدولية على سبيل المثال. وفى حالة المدعى العام ضد ديلالى وديلى، قامت المحكمة الجنائية الدولية فى يوجوسلافيا السابقة بتعريف الرق الجنسى باعتباره 'ممارسة حق الملكية عن طريق الاستغلال الجنسى، فتكون العبودية ذات طبيعة جنسية'.

وكثيرا ما يتم استعباد الأشخاص عن طريق الديون، وهو ما يضفى سمة القسر على العمالة، وتعتبر العمالة القسرية شكلا من أشكال العبودية منذ صدور قرارات محكمة نومبرج فى محاكمة أوزفالد بول وآخرين.

وعلاوة على ذلك، يعتبر الرق الجنسى عنفا جنسيا وجريمة ضد الإنسانية، حيث إن المحكمة الجنائية الدولية فى رواندا، في قضية أياكيزو، قدمت تعريفا للعنف الجنسى باعتباره 'أى فعل ذى طبيعة جنسية يرتكب ضد شخص فى ظل ظروف قسرية'.

أما النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فلقد أقر صراحة بأن المتاجرة بالبشر لأغراض الرق الجنسى تعتبر استعبادا وجريمة ضد الإنسانية. وطبقا لهذا النظام الأساسى، فإن المسئولية الجنائية تقع على من يرتكبون أو يساعدون أو يعاونون أو يأمرون بالجرائم. ولذلك، وكما يطرح المحقق الخاص برهانه، فإن التواطؤ فى هذه التجارة قد يعتبر أيضا جريمة استرقاق.

أرقام وإحصائيات

عندما عقد منتدى المبادرة العالمية لمكافحة الإتجار بالبشر في فبراير 2008 ، كشفت التقارير عن أرقام وإحصائيات مذهلة، منها:

إن تجارة النساء تحتل المركز الثالث بعد تجارة تهريب السلاح والمخدرات!

أن الذين يديرون شبكات النخاسة المعاصرة يزيد عددهم عن مليونين وأربعمائة ألف من التجار والوسطاء والمهربين الذين يعرفون أسرار وحيل هذه السوق الخفية، ويستخدمون التكنولوجيا المتطورة. وهم طلقاء يمارسون جرائمهم بلا عقاب وبلا خوف!

إنه يتم اختطاف الأطفال من بلاد كثيرة مثل رومانيا وبلغاريا وبولندا، وكذلك آلاف النساء اللاتي تخدعهن عصابات التهريب بأوهام الحياة الرغدة في الدول الأوربية المجاورة!

وذكرت اليونسيف أن هناك أكثر من 300 ألف طفل وصبي يجري استغلالهم كمقاتلين في أكثر من 30 نزاعاً مسلحاً، فيدفعونهم إلى معارك لا شأن لهم بها، ويتعرضون فيها للقتل- بلا ثمن!

هناك سياحة في بعض بلاد العالم تسمى:"السياحة من أجل ممارسة الجنس مع الأطفال" ويسافر إليها سياح مرضى لممارسة شذوذهم!

إن ما بين 80 و 90% من النساء الفقيرات المخدوعات بحلم الحصول على وظيفة في بلاد أخرى غيرموطنهم، يتم المتاجرة بهن خارج حدود بلادهن النامية، ليعملن في الدعارة وأعمال الجنس، أما البقية فتعمل في خدمة البيوت بأجور حقيرة..

وقدرت منظمة العمل الدولية حجم النخاسة المعاصرة والتي تتمثل في تجارة البشر واستغلال النساء والأطفال جسدياً وجنسياً بـ 28 مليون شخصاً..

تلعب المتاجرة بالبشر دورا رئيسيا في انتشارالعدوى بالأيدز، حيث يعيش حوالي 42 مليون شخصاً عبر العالم حاملين معهم فيروس الأيدز. فتتعرض النساء اللواتي يتعاطين الدعارة وأولئك اللواتي جرت المتاجرة بهن من أجل الدعارة لنسبة كبيرة من الإصابة بالفيروس. وعلى سبيل المثال فإن نسبة انتشار الفيروس بين النساء اللواتي يتعاطين الدعارة في نيبال هي 20 بالمئة. وفي جنوب أفريقيا النسبة هي 70.4 بالمئة. وزيادة على ذلك، فوفقا للمؤتمر العالمي المناهض لاستغلال الجنس التجاري بين الأطفال، فإن ما بين 50 و 90 بالمئة من الأطفال الذين انقذوا من بيوت الدعارة في جنوب شرق آسيا مصابون بفيروس الأيدز.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/آب/2010 - 8/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م