رمضان في باكستان... شتات وحزن وإصرار على الصيام

احمد عقيل

 

شبكة النبأ: بالرغم من الأوضاع البائسة التي يمرون بها، وقلة الغذاء والماء، والهرب من سخط الفيضانات التي لم تبق شيئا من منتجاتهم او بيوتهم، بل انها حصدت ارواح الآلاف منهم، فأن الباكستانيين لم ينسوا ذكر الله، ولم يتزحزح ايمانهم بالله، فقد صام عدد كبير منهم شهر رمضان المبارك كأي مسلم في بقاع الارض، ولكن الفرق بينهم هو ان باقي الدول الاسلامية احتفلت لقدوم الشهر الفضيل، بينما في باكستان فهناك حزن ويأس كبيرين، ودمار طال الابرياء من مختلف الاعمار، فهم يتذكرون وبأسف كبير السنوات السابقة في رمضان كيف كانوا يرحبون به ويستقبلوه، وبين ما مر بهم هذا العام ومازالوا يمرون بهم، متضرعين لله ان ينجيهم مما هم فيه الان .

معاناة ومشردون

فرغم ان الفيضانات التي تشهدها باكستان وهي الأسوأ منذ عقود شردت الكثير من الباكستانيين هربا من فتكها، لكنهم لا يجدون في معاناتهم ذريعة للإفطار في شهر رمضان.

ونجمت الفيضانات عن أمطار موسمية غزيرة على معظم مناطق باكستان وأسفرت عن مقتل نحو 1600 شخص وأعاقت حياة 14 مليونا بينهم نحو مليوني شخص اضطروا الى ترك منازلهم.

وفقد كثير من الناجين في القرى التي غمرتها مياه الفيضانات مخزوناتهم من الغذاء الى جانب محاصيل الحقول والماشية ويعيشون في العراء على ما يقدم لهم من مساعدات. لكن رغم الجوع والمشقة فان فكرة الافطار في رمضان غير مطروحة لمعظم الناس هناك. وقالت نصرة شاه وهي جالسة بجوار جسر في سوكور حيث هيأت مكانا للنوم لاسرتها في العراء "سنصوم ولكن لا نعلم متى سنفطر وهل سنجد طعاما للافطار أم لا. الله وحده يعلم."

وأضافت وهي تصنع الشاي فوق جذوة من النيران "ادعوا لنا." وغمرت مياه الفيضانات عددا لا يحصى من القرى ولا يزال كثيرون عالقين بعضهم تقطعت به السبل على قطعة صغيرة من اليابسة تحيط بها المياه اخذة في الانكماش.

وغالبية الباكستانيين البالغ عددهم 165 مليونا مسلمون. وعلى الرغم من ان البلاد قد تكون اكتسبت سمعة بأنها ملاذ للإسلاميين المتشددين فان معظم الباكستانيين معتدلون.

وردا على سؤال حول ما اذا كان سيصوم رمضان هذا العام يضحك فخر زمان وهو رجل أعمال في وادي سوات الواقع شمال غربي العاصمة اسلام اباد تقطعت به السبل نتيجة الفيضانات والانهيارات الارضية قائلا "ما هذا السؤال.."تعرف سكان سوات. لا يمكن أن يفطروا في رمضان." بحسب وكالة الانباء البريطانية .

وتساعد جهود اغاثة دولية ضحايا الفيضانات ويخشى بعض عاملي الاغاثة أن يعرض الصيام صحة الناس الذين يعانون من نقص في الطعام للخطر ويعرقل جهود توصيل المساعدات. وقال طبيب يشارك في جهود الاغاثة ان من يحصلون فقط على تغذية قليلة هم من لا يجدر بهم الصيام على الرغم من أن الامتناع عن شرب المياه طوال النهار قد يحميهم من الامراض التي تنتقل عبر المياه. وأضاف الطبيب أحمد شادول "ليسوا بالطبع في الحالة المثلى للصيام. فما يحصلون عليه من غذاء غير كاف.

"لكن على الجانب الاخر فان الصيام قد يصبح اجراء وقائيا من الاسهال لان الناس لن يشربوا المياه لما بين 14 و15 ساعة." وستمضي وكالات المساعدات في عملها لكن هناك مخاوف من فتور الجهود. وقال ارشاد كريم كبير المسؤولين في صندوق الطفولة التابع للامم المتحدة في شمال غرب باكستان "يعمل الناس عادة بخمسين في المئة من طاقتهم في رمضان. "سيكون بالطبع وضع به الكثير من التحدي." وقال نصير سومرو الذي أجلي على متن قارب تابع للبحرية من قريته التي غمرتها الفيضانات باقليم السند انه مريض هو وأسرته وانهم ظلوا جياعا لايام لكن ايمانه لم يتزعزع. وقال "لم نأكل بالفعل منذ أربعة أيام.. سنصوم رمضان لكن لا نعلم كيف سيكون العيد."

اجواء بائسة

من جانبها تقول ساباغي خاتون يائسة امام اولادها الستة "كيف تريدون لا نصوم، ليس لدينا ما نأكله"، وهي لم تعد تملك شيئا كغيرها من ملايين الباكستانيين الذين يعيشون رمضان بائسا هذه السنة بسبب الفيضانات التي دمرت بيوتهم.

وتخيم اسرتها في العراء على حافة طريق سريع وقرب قناة قذرة تشكل مصدر المياه الوحيد المتوفر في المنطقة ليروي النازحون عطشهم بعد ايام تحت الشمس. واستيقظ ملايين الباكستانيين قبل الفجر ليتناولوا السحور قبل يوم الصوم الطويل، غير انهم لا يملكون ما يكفيهم لتحمل يوم الصوم الطويل ولا يملكون ما يفطرون عليه. وفرت خاتون من قريتها كارامبور في ولاية السند (جنوب) لتلجأ الى سوكور التي تبعد 75 كيلومترا، فانضمت بذلك الى حوالى ستة ملايين باكستاني لا يمكنهم البقاء احياء بدون مساعدة، حسبما تقول الامم المتحدة.وقالت "نحن جائعون منذ ايام ورمضان لا يجلب لنا اي فرح هذه السنة. عادة نحتفل به في القرية في اجواء من الفرح. لكن هذه السنة ليس لدينا ما نأكله. لذلك لم ننتظر طويلا انا وابنائي لنصوم". بحسب وكالة فرانس برس .

وقال محمد باريال (55 عاما) ان "قريتنا تحت المياه وبيوتنا ومحاصيلنا دمرت ونكافح حاليا من اجل البقاء" وهو لجأ الى مكان قريب من سوكور ايضا ويخشى على حياة احفاده الستة الجائعين. واضاف باريال ان "رمضان شهر مبارك عادة لكن لا احد هنا لنتمكن من الاستمتاع به". والحكومة التي تجاوزتها الاحداث، وعدت بتقديم وجبة ساخنة للضحايا خلال رمضان وبدفع تعويضات الى عائلات القتلى. لكن قلة في سوكور يأملون في وصول هذه المساعدة.

كما وعدت منظمة جماعة الدعوة الاسلامية التي تتمتع بوجود كبير بين المنكوبين وتتهمها واشنطن بنشر التطرف، بتقديم وجبة افطار.

ويرى محمد جدم (30 عاما) الذي قدم من قرية ثول على بعد 120 كلم شمال سوكور ان الحكومة خانته في اسوأ الاوقات، معبرا بذلك عن رأي العديدين الاخرين. وقال "لم اتصور يوما انني سامضي الشهر المبارك في هذه الظروف. الصوم لله لكنني لا املك شيئا آكله على كل حال. الحكومة لم تفعل شيئا لاطفالنا الذين يموتون جوعا".

اما تاج محمد (12 عاما) فيقول "لم نحتفل برمضان ببذخ يوما لاننا فقراء لكننا كنا نملك على الاقل بعض الغذاء وسقفا ومياه في رمضان". واضاف ان "والدي يجلب لنا ملابس جديدة في العيد عادة  لكن الآن علينا ان نؤمن بقاءنا". ويشكل تأمين وجبتي السحور والافطار والمياه لافراد اسرته المكونة من 15 شخصا حلم لوجد علي الممرض الذي لجأ الى مدرسة في اقليم شرسادا (شمال غرب). اما علي وعائلته فقد فقدوا كل شيء حين احتاجت المياه منزلهم في قرية عزيز خال، لكنهم لم يجدوا الكثير عندما لجأوا الى شرسادا. وقال علي ان "العثور على مياه للشرب هو اكبر مشكلة. نعاني جميعا من مشاكل في المعدة وليس هناك ما نأكله".

اللصوص يزيدون قسوة الكارثة

الى ذلك بينما يعود المزارع الباكستاني تاج محمد بأسرته الى قريته التي أغرقتها الفيضانات على الرغم من خطر ارتفاع منسوب المياه فهو يريد أن يحمي ما تبقى له من ممتلكات خوفا عليه هذه المرة من اللصوص لا الفيضانات.

هناك مؤشرات على زيادة معدلات الجريمة بعد أسبوعين من الفيضانات التي اجتاحت باكستان. وقال محمد بينما تسلق هو ومجموعة من أقاربه من بينهم مجموعة من الاطفال الصغار عربة يجرها جرار زراعي "هناك قطعة أرض جافة وانا ساخذ اسرتي الى هناك." ويحمل الجرار الاسرة عبر طريق غمرته مياه الفيضانات في اقليم السند الجنوبي الى قريتهم.

وقال محمد الذي كان يقيم مع اسرته في مخيم مع الاف اخرين من ضحايا الفيضانات على جانب أحد الطرق بالقرب من بلدة سوكور الجنوبية منذ بداية الفيضانات "اذا لم يكن لنا أحد هناك فسوف يأتي اللصوص... الامر يتعلق فقط بسلامة ماشيتنا وممتلكاتنا." بحسب وكالة الانباء البريطانية .

وقال المزارع محمد هاشم ان بيته تعرض للنهب بعد أن رحل هو وأسرته بحثا عن الامان على أراض مرتفعة. وقال "لم نستطع أن نحمل معنا كل شيء لنتركه على جانب الطريق لذا فقد نجونا بأسرتنا لكننا عندما عدنا كان كل ما نملكه اختفى ولم يبق أي شيء. "لقد جاءوا في قوارب ومعهم بنادق وأخذوا كل شيء. كل الطعام وكل الحبوب." وأضاف "الشرطة موجودة على الطريق فقط. لا تذهب الى القرى. لا يمكنها المساعدة." وهز رجال يقفون بجوراه رؤوسهم بالموافقة وقال أحدهم "اللصوص في كل مكان. لا يشعر أحد بالامان."

الامراض تزيد المخاطر

من جانب اخر قالت وكالات اغاثة ان تفشي الامراض يسبب مخاطر جديدة على ضحايا أسوأ فيضانات تشهدها باكستان منذ عقود من الزمن مما قد يعرقل جهود الاغاثة المتعثرة بالفعل.

وغمرت مياه الفيضانات التي سببتها الامطار الموسمية الغزيرة حوض نهر الاندوس الباكستاني وأسفرت عن مقتل أكثر من 1600 شخص واضطرت مليوني شخص الى ترك منازلهم كما أضير بسببها نحو ثمانية في المئة من سكان باكستان.

وفي مستشفى في مينجورا البلدة الرئيسية في وادي سوات قال مسؤول طلب عدم الكشف عن اسمه ان حالة اصابة بالكوليرا تأكدت. وقالت منظمة اغاثة انسانية ألمانية ان هناك أيضا ست حالات يشتبه في اصابتها بالكوليرا. ويمكن أن يشكل أي تفش وبائي كارثة جديدة لباكستان.

ومن شأن أي أزمة صحية أن تضع عبئا على وكالات الاغاثة التي تواجه بالفعل تحديات كبيرة مرتبطة بالامدادات والنقل. ويتزايد قلق الامم المتحدة بشأن الامراض التي تنتقل عن طريق المياه. وجرى الابلاغ عن 36 ألف حالة يشتبه في اصابتها بالاسهال الحاد القاتل حتى الان.

وقال ماوريتسيو جوليانو المتحدث باسم العمليات الانسانية في الامم المتحدة "هذا مثار قلق متزايد. لذا نرد بكل أنواع الاجراءات الوقائية بالاضافة الى الادوية العلاجية... على تفشي الامراض." وامتدت السيول من الشمال الغربي الى اقليم البنجاب واقليم السند الجنوبي.

وواجهت الحكومة الباكستانية انتقادات بسبب ما اعتبر استجابة بطيئة لاحدى أسوأ الكوارث في تاريخ البلاد.

وهرع الجيش الباكستاني الذي حكم البلاد لفترة تزيد على نصف عمرها الى تقديم العون. كما بدأ الرئيس الباكستاني اصف علي زرداري بزيارة ضحايا الفيضانات بعد ان تلقى الكثير من الانتقادات لمغادرته البلاد من أجل حضور اجتماعات مع قادة أوروبيين مع بداية الازمة. وقال زرداري انه عمل خلال رحلته الاوروبية على تأمين مساعدات دولية لضحايا الفيضانات. بحسب وكالة الانباء البريطانية .

ولكن على الرغم من التراجع المتزايد في شعبية الحكومة بسبب الطريقة التي تعاملت بها مع الفيضانات يستبعد المحللون استيلاء الجيش على السلطة أو سقوط الحكومة لكنهم لا يستبعدون أيضا وقوع اضطرابات اجتماعية.

وتزاحم الناس في اقليم البنجاب وهو سلة الطعام لباكستان وتدافعوا في محاولة للحصول على امدادات الاغاثة. وقال الاقتصادي المستقل ميكال أحمد "ربما يحدث نقص حاد أيضا (في الغذاء) ومن الممكن أن تندلع أعمال شغب".

وتوقع أن يصل العجز في الميزانية الى نحو ثمانية بالمئة من اجمالي الناتج المحلي وهو ضعف المستهدف للعام الحالي. وغرقت قرى باكستانية ولم يتبق لبعض الناس سوى قطع صغيرة من الارض يقفون عليها بينما لا يرون شيئا سوى الماء. وما زال الباكستانيون تحت رحمة الطبيعة فمن الممكن أن يتسبب سقوط مزيد من الامطار في مزيد من الدمار والنزوح.

وفي مدينة يعقوب أباد قال كاظم جاتوي مدير المدينة "رحل حوالي 225 ألفا من بين 300 ألف هم سكان المدينة الى مدن وبلدات قريبة على مدار الايام القليلة الماضية."

وحذر صندوق النقد الدولي من اضرار اقتصادية كبيرة وقالت وزارة المالية ان باكستان لن تفي بمعدل النمو المستهدف للناتج المحلي الاجمالي هذا العام والبالغ 4.5 في المئة الا انها لم تحدد نسبة.

وقال روبرت زوليك رئيس البنك الدولي خلال زيارة الى لاتفيا ان من المرجح أن تكون الفيضانات دمرت محاصيل تبلغ قيمتها نحو مليار دولار. وقال في مؤتمر صحفي "يجب أن نهب جميعا للمساعدة." وقالت منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة ان الفيضانات أتلفت حوالي 700 ألف هكتار من المحاصيل معظمها من القمح والذرة والقطن وقصب السكر مما يهدد أهم صادرات باكستان. وقالت المنظمة ان الخسائر على مستوى الاسر يمكن أن يكون لها أيضا اثر سلبي على الزراعة في موسم 2010-2011 الذي يبدأ في أكتوبر تشرين الاول ونوفمبر تشرين الثاني بسبب خسارة البذور وغيرها من أساسيات الزراعة.

وترتفع بشدة أسعار السلع الغذائية المتاحة في الاسواق. وقال أحد ضحايا الفيضانات ويدعى مهر دين (55 عاما) متذمرا "من أين اتي بالمال.. أسطو على بنك.. أقوم بسطو مسلح."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/آب/2010 - 8/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م