الدعاء والسعي الى مكارم الرحمة الإلهية

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: الدعاء - كما هو متفق عليه- وسيلة من الوسائل المهمة للتقرب الى الله تعالى ولضمان الرضى والغفران الإلهي للانسان وهو يغوص في حقل الألغام (الدنيوي) حيث المعاصي مزروعة في جنبات الدنيا، فأينما ولّى الانسان وجهه يجد المعاصي تتربص به، وما عليه سوى تجنبها وتحاشي مزاياها المزيفة واغراءاتها لكي يصل الى مراده الحقيقي، ولكن لا يمكن للانسان أن يحقق ذلك إلا من خلال وسائط ووسائل عديدة متاحة له في حال توجّه اليها والتزم بها، ومن بين هذه الوسائل، الدعاء الى الله تعالى طلبا للمغفرة ولتحصيل الفوائد التي اتاحها الله للانسان.

بيد أن الدعاء أنواع، إذ يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (حلية الصالحين) حول الدعاء ما يلي:

(قد يجري الإنسان ألفاظ الدعاء على لسانه فقط، فيكون دعاؤه سطحياً. وقد ينطلق الدعاء من أعماقه، وهذا أفضل من الأول بلا شكّ، ولكنّه أيضاً لا يكفي، بل لا بدّ أن يكون إلى جانب الدعاء والخشوع سعي من قبل الإنسان نفسه لتحصيل ما يطلب من الله مستفيداً مما أعدّه الله سبحانه وتعالى للعباد، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال: الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر).

إذن فالدعاء على اهميته الكبير وفعله المضمون لتقريب الانسان من الفضائل الربانية التي لا تحصى، مطالب بأن يكون دعاءه ذا أصالة وصدق حقيقي ينبع من ذات الانسان، وكلما كان الدعاء اصيلا صادقا مشفوعا بالعمل الصادق كلما كان فعله مضمونا ومؤكَدا، والعكس يصح بطبيعة الحال.

إذن ثمة اشتراط واضح يتطلبه الدعاء تقربا الى الله تعالى يتمثل بالسعي والعمل الصادق الذي يقرّب الانسان الى ربه كثيرا، ولكن ثمة مسألة أخرى تتعلق بقضية القرب والبعد عن الرحمة الإلهية، إذ على الانسان أن يستفيد بنفسه من الوسائط والوسائل المقربة الى الله تعالى، ولا يكفي أن يكون قريبا منها ولا يستفاد بنفسه منها، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد:

(ليس كلّ من كان قريباً من النور يمكن أن يستفيد منه، ما لم يكن أهلاً للاستفادة، كما هو الحال في القريب من البحر الفرات فإمّا أن ينهل من درره وعطاياه ويرتوي من عذب مائه أو يغرق فيه ويكون من الهالكين).

هذا يدل على أن الانسان ينبغي أن يتعامل بحكمة ودراية وايمان مع الوسائط والسبل المقربة الى تعالى، لا أن تكون العشوائية واللامبالاة والفوضى او التلقائية هي التي تقود وتتحكم بأعمال الانسان، بل لابد أن تكون هناك ارادة واعية ومدركة للهدف قبل الشروع بالتحرك إليه، ولابد للانسان أن يستفيد من وسائط الرحمة، وفي هذا المجال يقول سماحة المرجع الشيرازي بكتابه الثمين نفسه:

(هكذا هو الحال فيمن كانوا قريبين من أهل البيت سلام الله عليهم والذين عاشوا في عصرهم، حيث قُيّض لكثير منهم أن غنم وفاز في الدارين، حتى جاء في بعضهم المدح والدعاء عن المعصوم بينما تاه البعض الآخر في ضلالته وتردّى في غوايته رغم أنّه كان قريباً من المعصوم أو معاصراً له).

وهذا يعني ان هناك من تعامل بصورة صحيحة في هذا المجال ففاز وحقق ما يرومه في وقت فشل آخرون في التعامل الصحيح فأخفقوا في الحصول على مآربهم، أما في عالم اليوم فإننا يمكن أن نستفيد من هذه الوسائط المباركة للحصول على الرضى الإلهي، وأما يحدث العكس فيفشل بعضنا في الحصول على ما يبتغيه، حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا اللمجال:

(اليوم عندما نقرأ أدعيتهم –اهل البيت عليهم السلام- ونستلهم العبر من أقوالهم، فهذا يعني أنّنا قريبون منهم، وإن كنّا لا نرى أشخاصهم ونعيش في غير عصرهم، أمّا من لم يطّلع على أدعيتهم ولم ينهل من معين علومهم، فليس بمستوى أن يوفّق إلى الخير لأنه لم يتعرّف عليهم ولم يعرف قدرهم وعظمتهم التي يقصر البيان عن وصفها).

وهذا يعني ان عدم معايشتنا لأهل البيت عليهم السلام بشكل مباشر لايعني فقداننا لشفاعتهم لنا عند الله تعالى، إذ أن الأدعية والاقوال التي وصلتنا عنهم كفيلة بتعويض وجودهم فتساعدنا على التقرب الى الله تعالى ولكن بالسعي والعمل الصالح الذي يجعل من الدعاء وسيلة مؤكدة للوصول الى الرحم الالهية.

وكلما كان الانسان كريم النفس نقي السريرة وكبير القلب كلما كان اقرب الى الله تعالى والدعاء يُكسب الانسان مثل هذه المواصفات النقية الفاضلة، وهنا تكمن اهمية الدعاء لأنه ينعكس على النفس بنقائه وصفائه وسلامته فيجعل منها نفس نقية صافية مؤمنة وكريمة في آن واحد، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد:

(وهكذا الحال بالنسبة لانعكاس الإيمان والحالات النفسية للإنسان على أعماله وتصرّفاته. فذو النفس الكريمة لا تبخل يده، ومن كان شجاع النفس لا يصفرّ وجهه، وصاحب اليقين لا تحطّم المشكلات أعصابه، ومن كانت نيّـته خالصة لله لا يعير لمدح الناس أو ذمّهم أدنى أهمّية).

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 19/آب/2010 - 8/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م