دعوة كريمة من رب كريم لعباده المؤمنين... دعوة مدتها شهر واحد،
حدّد توقيته في أفضل شهور السنة، وهو شهر رمضان، شهر التوبة والغفران،
وفيه ليلة القدر التي أنزل الله فيها القرآن جملة واحدة من اللوح
المحفوظ إلى سماء الدنيا، وهي ليلة مباركة؛ وقد فضلها على بقية الليالي
والشهور، فجعلها خيرًا من ألف شهر، حيث تتنزل الملائكة والروح إلى سماء
الدنيا بإذن ربهم. ومن يلبي هذه الدعوة الكريمة إيماناً واحتسابًا كان
من الفائزين والمفلحين، ومن تجاهلها كان من الخاسرين والجاحدين.
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “من قام ليلة القدر
إيماناً واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”. ويصفها الله تعالى بليلة
السلام (سلامٌ هي حتى مطلع الشمس)؛ وبسبب عظيم قدرها عند الله تُقْسَم
أرزاق العباد في تلك السنة... يقول تعالى: (وفيها يفرق كل أمر حكيم).
نعلم أن نعم الله لا تحصى، وأفضاله لا تعدّ، فيكفينا معرفة أنه سبحانه
وتعالى قد سخّر هذا الكون اللامتناهي بما فيه لأشرف مخلوقاته وهو
الإنسان. يقول تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر
ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقناهم تفضيلاَ...).
هذا التكريم الإلهي دليل على منزلة الإنسان بين سائر المخلوقات. ومن
أفضال الله على عباده أنه لم يتركهم تائهين من دون منهاج، فقد وضع لهم
دستورًا للحياة من خلال الكتب التي أنزلها، والأنبياء والرسل الذين
بعثهم لتبيان الحقائق، وكشف معالم الطرق... طريقي الإيمان والشرك،
والخير والشر، والسعادة والشقاء، والنجاح والفشل، ودعانا جل جلاله إلى
السير في طريق الإيمان والخير والسعادة والنجاح، وسماه الطريق
المستقيم، وبيّن لنا أن السائرين في الطريق المستقيم سوف ينالون
السعادة الأبدية في جنة الخلد، وأما المنحرفين عنه فسيكون جزاؤهم جهنم
خالدين فيها. لقد أوضح الله جلّ جلاله معالم صراطه في سورة الأنعام
بقوله: (وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السُّبُل فتفرّق
بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).
لقد منّ الله علينا بنعمة الإسلام بعد نعمة الإيمان، وهذه من أعظم
النعم. يقول تعالى في سورة الحجرات: (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا
عليّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين)،
وبفضل منه ومنّة زينّ قلوب المؤمنين بالإيمان، فالمؤمن الصادق مهما
ارتفعت درجة إيمانه ويقينه يعتبر نفسه فقيرًا إلى الله. وقد حلّ علينا
شهر الخير والتوبة والمغفرة، ونحمد الله الذي منّ علينا بنعمة العمر
حتى نؤدي واجب الطاعة هذا العام، فمن شُكْر النعمة في هذا الشهر الكريم
الالتزام بآدابه وأحكامه، من صيام النهار وقيام الليل، وقراءة القرآن،
والإحسان للفقراء والمحتاجين، وصلة الرحم، والتزوّد بنفحات الإيمان.
ونحن ننتهز هذه المناسبة العظيمة لنبارك لجميع المؤمنين والمؤمنات حلول
شهر الخير والبركات، ونتضرع إلى الله وندعوه أن يمنّ علينا جميعاً
بالأمن، ويزين قلوبنا بالإيمان، ويوفقنا لصالح الأعمال. |