ويكي ليكس... صحافة حرة أم أداة مضلله

 

شبكة النبأ: أثارت قضية الكشف عن آلاف الوثائق السرية المتعلقة بالحرب الأمريكية على أفغانستان الكثير من الجدل، خصوصا وأن المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت بدأت تلعب دورا كبيرا في فضح سياسات عالمية فيما يخص الحروب، والانتخابات، وغيرها.

تضليل وأداة أمريكية

فقد دار جدل واسع في المجتمع الدولي بشأن هذا الموقع، دارت على منابر تويتر أيضا نقاشات وجدالات بين المشتركين بشأن هذا التسريب، فقال أحد المشتركين ويدعى ستيفن: "لماذا لا يقوم موقع ويكي ليكس بالكشف عن وثائق تهم الشعب الأمريكي مثل شهادة ميلاد الرئيس باراك أوباما مثلا؟"

ويجمع كثيرون أن ما يعرف بـ"صحافة المعلومات" بدأ يحظى بالكثير من الاهتمام خصوصا بعد ما قام موقع ويكي ليكس بالكشف عن هذه الوثائق، إذ أن ما يجري في أفغانستان لم يعد يعتمد على الآراء والتكهنات فحسب، بل على معلومات ووثائق حقيقية، وصادرة عن الجيش الأمريكية.

غير أن عددا آخر من المستخدمين يرى في هذه الوثائق "تضليلا غير مقبول"، وبالتالي لا يمكننا الرضوخ لمثل هذه التقارير والوثائق.

وأشار عدد آخر من المشاركين في هذا النقاش إلى مخاوف بدأت تطفو على السطح إزاء المخبرين الأفغانيين الذين وردت أسماؤهم في هذه الوثائق، والذين إذا ما تم الكشف عن هوياتهم، فسيواجهون خطرا محدقا.

جهة أخرى أكدت أن ويكي ليكس ما هو إلا أداة في يد الموساد والاستخبارات الأمريكية للتحكم بالمعلومات في العالم.

يذكر أن الكثير من مستخدمي تويتر يقومون بإعادة إرسال أخبار وتقارير نشرت سابقا على وسائل إعلامية أخرى لتوسيع دائرة المعلومات بين المستخدمين بشأن موضوعات محددة.

طلب المساعدة

من جهته اكد البنتاغون ان موقع "ويكيليكس" لم يتقدم منه بطلب للمساعدة على ازالة اسماء الافغان الذين يساعدون القوات الاجنبية من الوثائق السرية ال15 الفا الاضافية حول الحرب في افغانستان التي يعتزم نشرها. واعلن ديفيد لابان احد المتحدثين باسم البنتاغون "لم يتصل بنا احد من +ويكيليكس+".

وكان متحدث باسم "ويكيليكس" في المانيا يدعى دانيال شميت اعلن لموقع "ذي دايلي بيست" ان مجموعته تريد الحصول على مساعدة البنتاغون لازالة اسماء مدنيين افغان يمكن ان يشكل نشر وثائق سرية جديدة تهديدا لهم.

وسبق لموقع "ويكيليكس" الذي تأسس في العام 2006 ويتخصص في الاستخبارات ان نشر قبل عشرة ايام قرابة 92 الف وثيقة سرية تلقي الضوء على الحرب في افغانستان وتكشف معلومات خصوصا حول ضحايا مدنيين وحول العلاقات المفترضة بين باكستان والمتمردين.

واثار نشر هذه الوثائق استنكارا شديدا من قبل البيت الابيض والبنتاغون والرئيس الافغاني حميد كرزاي. بحسب فرانس برس.

وندد وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس ورئيس هيئة الاركان مايكل مولن بتسريب هذه المعلومات خصوصا وانها تهدد حياة مخبري قوات الحلف الاطلسي في افغانستان.

وصرح الاميرال مولن ان مؤسس "ويكيليكس" الاسترالي جوليان اسانج "يمكنه ان يقول ما يشاء حول الخير الذي يقوم به هو ومصادره، الا ان الحقيقة هي انهم يمكن ان يكونوا مسؤولين عن مقتل جندي افغاني شاب او عائلة افغانية".

من جهته، اعتبر اسانج ان الوثائق ستتيح اثارة الجدل مجددا حول الحرب في افغانستان وحول التجاوزات التي يمكن ان تكون ارتكبتها القوات المسلحة بقيادة الولايات المتحدة. وبدأ البنتاغون ومكتب التحقيقات الفدرالي "اف بي آي" التحقيق حول تسريب هذه المعلومات.

واشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" الى ان التحقيق يركز على جندي اميركي يشتبه في انه سبق وسرب شريط فيديو الى "ويكيليكس" يظهر هفوة للجيش الاميركي في العراق. ونقل الجندي برادلي مانينغ في اواخر تموز/يوليو من الكويت الى سجن في الولايات المتحدة.

تسليم وثائق

كما طلبت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) من موقع ويكيليكس الالكتروني المعني بالكشف عن المخالفات أن يسلم بصورة عاجلة حوالي 15 ألف وثيقة سرية لم ينشرها بعد بشأن الحرب في افغانستان وأن يزيل مواد قام بنشرها بالفعل.

وقال المتحدث باسم البنتاجون جيف موريل مشيرا الى مطالبة ويكيليكس بتسليم الوثائق وإزالة المواد المنشورة "نحن نطلب منهم عمل الشيء الصحيح."

وأضاف للصحفيين "نأمل أن يلبوا مطالبنا" موضحا أن المالك الشرعي الوحيد للمواد السرية هو الحكومة الامريكية وأن هذه المواد مسروقة.

وحث الموقع على محو المواد المنشورة بالفعل. وكان الموقع قد أثار ضجة عندما نشر أكثر من 70 الف وثيقة عن الحرب في الشهر الماضي.

وقال موريل ان إفشاء الوثائق السرية بما تشمله من أسماء مخبرين أفغان تسبب بالفعل في أضرار وان محاولة محو المعلومات بشكل دائم من الموقع تهدف الى الحد من الضرر.

وأضاف أن حوالي 80 خبيرا في شؤون المخابرات من الحكومة الامريكية يبذلون جهودا مضنية في فحص حوالي 70 ألف وثيقة نشرت بالفعل ويخطرون الحكومات الاجنبية والمواطنين الافغان اذا ما كانوا معرضين للخطر. بحسب رويترز.

وقال الاميرال مايك مولين رئيس قيادة الاركان المشتركة للجيش الامريكي ان ويكيليكس ربما تكون مسؤولة عن مقتل جنود امريكيين وان اتصالات افغانية كشفت بسبب التسريب في واحدة من أكبر الاختراقات الامنية في تاريخ الجيش الامريكي.

قلق متصاعد

من جانبها قالت وزارة الخارجية الامريكية ان المسؤولين الامريكيين يشعرون بقلق من الوثائق السرية الامريكية الاخرى التي يحتمل ان تكون بحوزة جماعة ويكيليكس المعنية بتسريب المعلومات كوسيلة لمكافحة الفساد وحاولوا الاتصال بالجماعة لتفادي نشرها دون جدوى.

ونشرت هذه الجماعة الغامضة اكثر من 90 الف سجل للحرب الامريكية في افغانستان تغطي فترة ست سنوات.

وذكرت تقارير لوسائل الاعلام ان من المعتقد ان هذه الجماعة لديها عشرات الالاف من البرقيات الدبلوماسية الامريكية التي نقلت اليها من خلال محلل لمعلومات المخابرات بالجيش الامريكي.

وقال بي.جيه كرولي المتحدث باسم الخارجية الامريكية في بيان صحفي "هل يساورنا قلق ازاء ما قد يكون موجودا هناك؟ نعم يسارونا قلق."

واضاف ان السلطات الامريكية لم تحدد على وجه الدقة اي الوثائق التي ربما يكون قد تم تسريبها الى الجماعة.

وقال ان وزارة الخارجية الامريكية لا تستطيع ان تؤكد تقارير قالت ان لدى ويكيليكس مجموعة كبيرة من البرقيات الدبلوماسية الامريكية.

ولكنه قال ان حقيقة ان الوثائق التي نشرت كانت تتضمن مجموعة من برقيات وزارة الخارجية الامريكية تشير الى ان البيانات التي نقلت الى ويكيليكس ربما تشمل برقيات دبلوماسية سرية اخرى.

واضاف "عندما نقدم تحليلنا لاوضاع في بلدان رئيسية مثل افغانستان وباكستان نوزع تلك التحليلات عبر الوكالات الاخرى بما في ذلك عناوين عسكرية. "ومن ثم فهل يوجد احتمال ان تكون وثائق وزارة الخارجية قد كشفت؟ نعم."

وحث كل من كرولي وروبرت جيبز المتحدث باسم البيت الابيض ويكيليكس ومؤسسها جوليان اسانجي عدم نشر المزيد من الوثائق الحكومية الامريكية السرية .

وفي اشارة الى ادعاءات ويكيليكس ان لديها ما لايقل عن 15 الف وثيقة سرية اخرى بشأن افغانستان قال جيبز لمحطة (ان بي سي) التلفزيونية ان الحكومة الامريكية لا تستطيع ان تفعل شيئا يذكر لمنع نشر الوثائق.

وقال"لا نستطيع ان نفعل شيئا سوى مناشدة الشخص الذي لديه تلك الوثائق السرية للغاية عدم نشر المزيد . "اعتقد ان من المهم عدم الحاق مزيد من الضرر بامننا القومي."

وقال كرولي ان الحكومة الامريكية حاولت الاتصال بويكيليكس ولكنها لم تنجح في اقامة خط اتصال معها.

واعرب كل من كرولي وروبرت جيبز المتحدث باسم البيت الابيض عن قلقه من احتمال ان يكشف نشر الوثائق اساليب الولايات المتحدة في جمع معلومات المخابرات وان يعرض للخطر اشخاصا قاموا بمساعدة الولايات المتحدة.

وقال جيبز "لديكم المتحدثون باسم طالبان في المنطقة يقولون اليوم انهم يدققون في تلك الوثائق لاكتشاف الاشخاص الذين يتعاونون مع الامريكيين والقوات الدولية. انهم يراجعونها بحثا عن الاسماء. وقالوا انهم يعرفون كيف يعاقبون هؤلاء الاشخاص.

"اجهزة المخابرات في كل انحاء العالم ستراجعها لترى ما الذي يمكنها ان تحصل عليه فيما يتعلق بكيفية حصولنا على المعلومات.

"خلف هذه الوثائق نظام معلومات مهم جدا يعد حيويا لامننا القومي ونشعر بقلق..من انه اذا استمرت ويكيليكس في طريقها الحالي فان هذا سيلحق ضررا بامننا القومي."

وقال كل من وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس والاميرال مايك مولين رئيس هيئة الاركان الامريكية المشتركة يوم الخميس ان تسريب الوثائق قوض الثقة في الولايات المتحدة.

وقال اسانجي في مقابلة مع الخدمة الدولية بهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) ان ويكيليكس حجبت الوثائق المتبقية وعددها 15 الف وثيقة لحماية ابرياء من الاذى وتقوم بمراجعتها بمعدل الف وثيقة يوميا .ولم يقل مااذا كان سينشرها ومتى سيتم ذلك.

ورد اسانجي على تصريحات الاميرال مولين بان ويكيليكس "ربما تكون يديها قد تلطخت بالفعل بدم بعض الجنود الشبان او دم عائلة افغانية."

واتهم وزير الدفاع الامريكي بمهاجمة ويكيليكس "لصرف الانظار عن القتلى الذين يسقطون يوميا من المدنيين والاخرين في افغانستان."

وقال اسانجي ان"هناك دما حقيقيا في افغانستان وقد جاء نتيجة لسياسات السيد جيتس وادارة اوباما والصراع العام في المنطقة."

منع الصحافة

الى ذلك قالت وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) انها لن تسمح بعد الآن للصحافي الذي سبب الفضيحة التي ادت الى اقالة قائد القوات الاميركية في افغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال بمواكبة القوات الاميركية.

وصرح الناطق باسم الوزارة الكولونيل ديفيد لابان ان الصحافي المستقل مايكل هاستينغ الذي كتب في مجلة رولينغ ستون المقال حول ماكريستال لن يسمح له بمرافقة القوات الاميركية في افغانستان. وقال "لا يحق له مواكبة القوات" بعد الآن، موضحا ان هذا الامتياز "يعتمد على الثقة".

وكان الرئيس باراك اوباما اقال الجنرال ماكريستال بسبب نشر مقابلة مع مجلة "رولينغ ستون" سخر فيها من عدد كبير من اعضاء الحكومة الاميركية. وانسحب ماكريستال من الجيش الى التقاعد في تموز/يوليو.

ودفعت هذه القضية مسؤولي البنتاغون الى دراسة كيفية تعاطي الاعلام مع وسائل الاعلام بينما كانت الوزارة قد سمحت للقادة في كابول وبغداد بالتحدث مباشرة الى الصحافيين وكشف معلومات عن العمليات.

وقال الجيش انه بدأ تحقيقا، موضحا انه لن يعطي اي تفاصيل حول القضية او الاشخاص الذين يتم استجوابهم لان التحقيق جار.

وقال الجيش في بيان ان "قائد الجيش اصدر مؤخرا توجيهات الى المفتش العام للجيش للتحقيق في القضايا المرتبطة بنشر المقال في رولينغ ستون".

واضاف ان "المسائل التي سينظر فيها المفتش العام لن تبحث علنا خلال التحقيق وسيقدم الجيش معلومات اضافية في الوقت المناسب".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/آب/2010 - 5/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م