
الكتاب: حياتي مع صدام
الكاتب: باريسولا لامبسوس
عرض: صحيفة الوطن
شبكة النبأ: لولا طبق الـ «تبولة»،
التي هي من مقبلات الطعام الشهيرة في سورية ولبنان والشرق الاوسط عموما،
لكانت حياة باريسولا لامبسوس مختلفة تماما اليوم.
ففي امسية من ليالي صيف عام 1968، تلقت لامبسوس دعوة لطيفة من
جارتها جينا للمشاركة في حفل عشاء يقيمه زوجها في حديقة المنزل. ارتدت
لامبسوس، التي كانت في ذلك الوقت في ربيعها السادس عشر ثوبا قرنفلي
اللون مع ربطة شعر من نفس هذا اللون. وبعد ان زينت معصميها وكاحليها
بإسوارات وخلاخيل ذهبية، لم تنس ان تضع شيئا من عطرها المفضل: «جيه
ريفيان» قبل ان تقفز فوق سياج نباتي منخفض يفصل بين منزلها ومنزل
مضيفها وهي تحمل طبقا من التبولة بيدها لتجد نفسها فجأة امام رجل يرتدي
بذلة حريرية من اللون الازرق وقميصا ابيض بلون الثلج. ولتخفيف حالة
الارتباك التي اطبقت عليها، سارع الرجل وقدم نفسه اليها قائلا: صدام
حسين.
كان صدام في ذلك الوقت في عامه الحادي والثلاثين وشخصية مهمة في حزب
البعث.
وتقول لامبسوس الآن انها لم تكن تعرف في ذلك الوقت من هو صدام حسين
لكنها وجدت نفسها مفتونة به. فمن غرفة المعيشة الواسعة ببيت جينا، التي
كان يتردد في جنباتها صوت المغني الامريكي الشهير فرانك سيناترا، وهو
يشدو بأغنية «ستريتجرز ان ذا نايت» «غرباء بالليل» من شريط كاسيت بدأت
ما تصفه لامبسوس بأعقد واطول علاقة رومانسية استمرت ثلاثة عقود مع
ديكتاتور العراق السابق.
تصف لامبسوس، التي بلغت الآن الـ 57 من العمر، وباتت تعيش تحت اسم
ماريا، تصف بالتفصيل في كتابها الجديد: حياتي مع صدام هذه العلاقة،
وكيف كانت تعيش في الظل بعيدا عن الاضواء، غير ان النقاد يعتبرون ما
ورد في هذا الكتاب الذي صدر باللغة السويدية وبيع في 10 بلدان حتى الآن،
مجرد خيال جامح. لكن موقع «بابل وما وراءها» الالكتروني تمكن من اجراء
حوار مع لامبسوس التي تعيش منذ سنوات عدة تحت اسم مستعار في بلدة صغيرة
بالريف السويدي بعد ان اطلقت عليها وسائل الاعلام سابقا لقب «خليلة
صدام».
جاء السؤال الاول على النحو التالي: كيف كان شعورك كخليلة لصدام
حسين؟ لم يرق هذا السؤال لها بالطبع لأنها وجدت فيه وصفا غير ملائم على
ما يبدو لعلاقتها بهذا الرجل الذي تم اعدامه في نهاية المطاف عام 2006.
وذكرت لامبسوس انها كانت مختلفة عن عشيقات صدام الآخريات اللواتي
يقال انه كان على علاقة معهن، فقد كانت فتاة من فئة رفيعة تتحدث
العربية، اليونانية، الانجليزية والفرنسية، وتنحدر من أسرة طيبة.
تقول لامبسوس: كان صدام ينظر اليَّ بشكل مختلف، وكنت بدوري احب
البساطة، ولا اسعى للمال، واحب ان أكون نفسي دائما، ولم أتغير من اجل
ارضاء أي انسان آخر. وفي هذا الاطار، اكدت لامبسوس على اصالة اسرتها
والمواقع التي شغلتها هي في اللجنة الاولمبية العراقية.
ويبدو ان صدام احب ما تتمتع به هذه المرأة من صفات، فقد كانت
بالنهاية كما يقال «الخليلة» التي احتفظ بها لفترة هي الاطول بالمقارنة
مع علاقاته بغيرها من النساء.
ومهما يكن الامر، يمكن القول ان كتاب لامبسوس الاخير يترك اسئلة
كثيرة دون رد، كما تتخذ قصتها منعطفات دراماتيكية تجعل قصص هوليوود
الجاسوسية شيئا باهتا بالمقارنة. لذا، لم يكن مفاجئا ان يقول بعض
النقاد ان قصتها ليست سوى حلم بالكامل، وانها مجرد شخصية انتهازية تبحث
عن الثروة اذ كيف يمكن لامرأة تعيش في الخفاء وتخشى من انعكاسات
روايتها ان تضع صورتها على غلاف كتابها الاخير؟
بيد ان لامبسوس هزئت خلال اللقاء معها بهذا الانتقاد، وتحدثت حول
تقارير الاخبار التي وصفت حياتها مع صدام، وكيف انها كانت كفصل من فصول
رواية «ألف ليلة وليلة»، غير ان لامبسوس لم تقدم اية صور تجمعها مع
صدام، كما لم تقدم أي دليل آخر يؤكد علاقتها معه كالرسائل على سبيل
المثال، لكن بعض التقارير اشارت ان الجنود الامريكيين عثروا على صورها
عندما اغاروا على «كوخ الحب» العائد لصدام عام 2003.
بدا واضحا وهي تروي قصتها انها كانت فتاة ساذجة وفاتنة تنحدر من
اسرة ثرية مسيحية يونانية لها جذور في بيروت والحقيقة ان شكلها واسلوب
لباسها وفساتينها التي كانت تشتريها من بيروت اكسبها لقب «أميرة بغداد».
وكان والدها قد حصل على عمل بمرتب جيد في صناعة النفط التي كانت
تنمو بسرعة في العراق، ولذا انتقل مع عائلته من بيروت، حيث ولدت
لامبسوس، الى بغداد.
عاشت لامبسوس في العاصمة العراقية حياة وردية على ما يبدو فقد كانت
تحضر حفلات الطبقة المخملية في المجتمع العراقي، وتقضي ايامها باسترخاء
على اطراف بركة السباحة في نادي العلوية الراقي مع اسرتها واصدقائها.
في تلك الايام عاشت لامبسوس حياة سهلة مرحة انطلقت في دروبها بخفة
وحيوية، لكن قبضة صدام الحديدية ما لبثت ان اطبقت على عالمها حيث كان
هناك دوما من يراقبها كما تقول.
صحيح انه كان يقطع اتصاله معها لفترات طويلة، لكنها كانت دوما تحس
بوجوده، وكانت تعلم انه لابد ان يتعقبها ان عاجلا أو آجلا، لقد كان
رجلا خطيرا له وجود في كل مكان وما كان ليسمح لها ابدا ان تغادر العراق
أو تتركه شخصيا.
وتقول لامبسوس انها حينما تزوجت رجلا ارمنيا ثريا يدعى سيروب تضايق
صدام من ذلك، وزج به بالسجن وجرده من كل ممتلكاته.
بعد هذا، تمكن سيروب بفضل بعض الشخصيات النافذة في السلطة من الهرب
الى بيروت خشية من غضب صدام، واختفى عن الانظار بينما بقيت لامبسوس في
بغداد مع طفلتيها ليزا وأليكي. ويقال ان احد ابناء صدام اغتصب واحدة من
بناتها حينما كانت في الخامسة عشرة.
لكن على الرغم من كل مشاعر الخوف والإذلال كانت لامبسوس على استعداد
لرؤية صدام حينما كان يطلبها عندما كانت إحدى السيارات الفارهة تتوقف
أمام بيتها وتنقلها الى واحد من قصوره، حيث كانت تقضي مع الدكتاتور
ساعات أو أياماً أحياناً.
لقد كانت لامبسوس على قناعة أنه سوف يقتلها أو ينتقم من أسرتها إن
لم تستجب له، غير أنها تعطيك انطباعاً حينما تتحدث عن صدام أنها كانت
تكن مشاعر حب عميقة له كرجل وليس كطاغية لا يرحم خصومه. لكن مع نهاية
كتابها الجديد، يُصبح من الصعب على نحو متزايد تتبع قصة لامبسوس.
فهي تقول إنها أصبحت ثانية حاملاً في مطلع ثمانينيات العقد الماضي،
وإنها غادرت العراق الى اليونان، حيث ولدت فيها ابنها كونستانتينوس.
بيد أن لامبسوس لم تُفصح أبداً عن شخصية والد ابنها هذا، وتقول إنها
تمكنت من اخراج ابنتها ليزا من العراق، وإنها كانت تخطط لإخراج ابنتها
الأخرى منه لكن صدام كان يعاني في ذلك الوقت من جنون العظمة ويريد
السيطرة على كل شيء في العراق، إذ كان يتصل بها هاتفياً ليقول لها إنه
بمدينة الموصل ثم لا يلبث أن يظهر بعد دقيقتين من ذلك أمامها.
غير أن صدام قال لها في إحدى الأمسيات وكان يبدو مُتعباً: لقد حان
الوقت لنضع حداً لهذه العلاقة أيتها الشقراء.
وبادرته لامبسوس بلهفة: كيف؟ وقال: لا أدري، عليّ التفكير بهذا، لكن
ثمة شيء مؤكد هو أني لن أسمح لأي رجل آخر أن يلمسك.
وفسرت لامبسوس كلمات صدام هذه على أنها كانت تعني الموت، وأن عليها
بالتالي العمل بكل الوسائل للهرب فوراً.
تركت لامبسوس، طبقاً لما ورد في كتابها، ابنتها اليكي في بغداد عام
2001، وحاولت الهرب من البلاد عن طريق بلدة دهوك الواقعة في كردستان
العراق.
لكن كان هناك من خانها أثناء محاولتها هذه لينتهي بها المطاف في
موقع احتجاز تحت الأرض، قضت فيه بعض الوقت قبل نقلها الى سجن للنساء.
تقول لامبسوس: في أحد الأيام جاء عدد من الحراس وأخرجوني من زنزانتي،
وحينما سألتهم عن الجهة التي سيأخذوني إليها، أجابوا: الى بغداد. وهنا
أيقنت أني في طريقي الى الإعدام.
إلا أن لامبسوس فوجئت بعد ذلك بتوجه باص السجن نحو الحدود السورية
بدلاً من التحول الى الطريق الذي يؤدي الى العاصمة العراقية.
تقول لامبسوس: لقد انتهى بي المطاف بفندق في العاصمة الأردنية عمّان،
واكتشفت ان مجموعة «المؤتمر الوطني العراقي» المعارضة كانت هي من دبر
عملية مغادرتي العراق بتعاون غير مباشر من الحكومة الأمريكية.
وبعد فترات أمضتها في سورية وبيروت ولم تتحدث عن تفاصيلها، طارت
لامبسوس الى تايلاند كي تستجوبها الاستخبارات المركزية الأمريكية بأمل
الحصول منها على معلومات إضافية عن العراق، إلا أن لامبسوس وجدت بعض
التحقيقات التي خضعت لها تافهة وليس لها معنى، فقد سألها المحققون: أين
يعيش صدام؟ ماذا يأكل؟ وأين موقع الحمامات؟ وهل بمقدورك أن تميزي بين
صدام وشخصية الشبيه البديل له؟
جدير بالذكر أن هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بي – بي – سي» أجرت هي
الأخرى لقاء مع لامبسوس سألتها خلاله عن علاقتها الرومانسية المزعومة
بصدام.
وكانت هذه المقابلة التي تم وصف صدام خلالها بأنه عاشق تحركه حبة
الـ«ڤياغرا»، وأنه يستمتع بمشاهدة فيلم «العراب» قد جرى بثها قبل أشهر
قليلة من الغزو الأمريكي للعراق. وتقول لامبسوس إنها لا تشك أبداً في
أن صدام شاهد تلك المقابلة عند إذاعتها على الهواء.
وفي هذا الإطار، يقول مقال نشرته صحيفة «واشنطن پوست» إن صحافي شبكة
«إيه – بي – سي» ومنتجها تعقبا لامبسوس في بيروت، وأمضيا أشهراً عدة
ليتحققا من أقوالها من خلال مسؤولين في أجهزة الاستخبارات الأمريكية
والأوروبية والعراقية.
ويبدو أن اليكي ابنة لامبسوس تمكنت بالنهاية من الهرب من العراق
ورحلت الى أقارب لها في اليونان بينما انتهى الأمر بلامبسوس في السويد
التي كانت ابنتها الأخرى قد استقرت بها مع زوجها.
لكن على الرغم من أن حياتها في الريف السويدي الهادئ بعيدة عن مظاهر
الترف والرفاه، تزعم لامبسوس أنها سعيدة ببيئتها المتواضعة. وتقول إنها
تقضي وقتها في التجوال مع كلبها الصغير، وغسل أطباق الطعام في بيتها،
والتحدث مع البائعين عند ارتياد سوق الخضار والفواكه وسط البلدة.
وتضيف لامبسوس لايزال قلبي هناك.. في بغداد. إني أغمض عيني الآن
وأبكي عندما أتذكر ورود حديقتي وعبير زهور شجرة الغاردينيا. |